ممنوعة العقارب من دخول مدينة “حمص”- كنان متري

العقارب ممنوعة من دخول “حمص”

كنان متري

esyria

تعددت الآراء وكثرت التساؤلات حول مسألة عدم تواجد العقارب في مدينة “حمص” وفي الأراضي المحيطة بها، وأرجع بعض سكان المنطقة ذلك لأسباب ارتبطت بالأساطير القديمة والحكايا الشعبية التي تتداولها الناس جيلاً بعد جيل.
من خلال استطلاع موقع eHoms لآراء عدد من الدكاترة والباحثين في مجال الحيوان والتربة وجدنا تماثل بين الأسباب العلمية والواقعية لهذه التساؤلات. فكانت على النحو التالي:

الدكتور “دارم طباع” مدير مشروع حماية الحيوان في سورية قال: «حسب بعض المراجع العلمية التي قرأتها تبين أن تربة “حمص” غير قابلة لتكاثر العقارب فيها وذلك ناتج عن ارتفاع نسبة الزئبق في التربة مما يؤدي إلى قتل بيوض العقارب ويجعل هذه المفصليات غير قادرة على التكاثر.. وبالرغم من ذلك أتوقع وجود مجموعة أخرى من العناصر الموجودة في التربة والتي تؤدي لعدم اقتراب العقارب من تربة “حمص”. وهذا ينطبق فقط على العقارب حيث تعد تربة “حمص” وخصوصاً في المنطقة الغربية منها تربة خصبة لتكاثر أنواع أخرى سامة كذوات المئة رجل (أم الأربعة والأربعين) وما تسمى (الكاتربلر) التي لا تزال تتواجد بكثرة في تلك المناطق».

الدكتور “حكم الدقاق” رئيس قسم
د. دارم طباعالثروة الحيوانية بـ”حمص” قال: «أعتقد أن السبب العلمي لعدم عيش العقارب في “حمص” هو وجود الزئبق في تربتها وهو يعتبر مادة سامة بالنسبة لهذا الكائن، ومن خلال عملنا وجولاتنا الميدانية لم نصادف وجود العقارب لم نسمع عن وجودها في “حمص” والبساتين المحيطة بها».

من جهته الدكتور “سمير شمشم” رئيس قسم التربة واستصلاح الأراضي في كلية الزراعة –جامعة البعث- قال: «باعتقادي أن وجود نسبة عالية من الزئبق في تربة “حمص” يمكن أن يؤدي إلى إحداث أضرار في العقارب أو ببيوض هذه المخلوقات وبالتالي ذلك يؤدي إلى ابتعاد العقارب كلياً عن هذه المنطقة الحاوية على الزئبق».

وأضاف د.”شمشم”: «هناك فكرة للتعاون بيني وبين الدكتور “جورج حداد” رئيس قسم الإنتاج الحيواني لإجراء بحث علمي موسع حول هذا الموضوع، سيتم من خلاله دراسة خواص التربة ومحتواها من العناصر، وتقدير نسبة كل عنصر وخاصة العناصر الثقيلة كالزئبق ومدى تأثيرها د. سمير شمشمفي هذه الكائنات، كما سنقوم بالمقارنة بين ترب تتبع لمنطقة “حمص” وترب أخرى خارج نطاق “حمص” تعيش فيها العقارب».

وأكّد الدكتور “شمشم” أنه: «في تكوين تربة “حمص” الطبيعي ظهر تركيز مرتفع لعنصر الزئبق فيها، وأن تربة “حمص” الأساسية ذات منشأ بركاني أما التربة الحالية فهي تربة رسوبية منقولة ومتوضّعة فوق التربة البركانية».

أما الدكتور “جورج حداد” رئيس قسم الإنتاج الحيواني في كلية الزراعة (اختصاصي فيزيولوجية الحيوان) فقد أيّد الآراء التي ذكرها الدكاترة حول هذا الموضوع وأكد أن الموضوع بحاجة لدراسة معمقة حول تأثير بيئة “حمص” بشكل عام في حياة العقارب.

وأوضح لنا بعض الأمور المتعلقة بالعقرب بأنه ينتمي إلى شعبة المفصليات وطائفة العنكبيات، وهو يعيش في المناطق الدافئة والحارة، وخاصة الاستوائية منها، وهو يلدغ الحشرات والعناكب ليشل حركتها قبل التهامها».

وأشار إلى أن أنثى العقرب تحمل بيضها فوق ظهرها، وعند الفقس تخرج العقارب الصغيرة، د. جورج حدادوتبقى فوق ظهر أمها إلى مرحلة البلوغ، وبعدها تبدأ في التهام أمّها.

أما جسم العقرب فهو حساس جداً لأي اهتزاز على الأرض ويشعر به على أي سطح أرضي وذلك لوجود شعيرات على جسمه حيث يحدد حركة فريسته ونوعها وحجمها على مئات الأمتار ويعود ذلك تعويضا له من الخالق لكونه ضعيف الرؤيا ويكاد لا يسمع ولا يشم».

ــــــــــــــــــــــــــــ

اكتشاف مكان طلسم العقرب المفقود من 1500سنة

هذا الطلسم الذي شغل الرحالة والمؤرخين العرب طوال قرون من الزمن ذلك أن مدينة بالشام تسمى (حمص) يوجد فيها طلسم يرصد العقارب و يمنعها أن تدخل مدينة حمص أو تعيش فيها هذا الرصد حجب العقارب أن تدنو من أحلامهم خلال النوم فكان أهل حمص ينامون بأمان واطمئنان من العقارب فلا يخافون لسعها ولا سمها ولا غدرها.

كتب المؤلفون عن هذا الطلسم الغرائب والأساطير والعجائب وهيج قريحة أقلامهم وأثار خيالهم دون أن يهتدوا إليه أو أن يراه أو يشاهده أحد منهم وإنما جميعهم نقل أخباراً عنه قيلا عن قال، والغريب أن بعضهم نقل خبره عن أهل حمص لكن لم يقل أحد أنه شاهده بعينه، ولا أبالغ إن قلت أن معظم كتب التراث العربي ذكرت هذا الطلسم منذ بداية القرن الثاني الهجري في كتاب الحيوان للجاحظ ثم تبعه ابن الفقيه الهمذاني وابن حوقل والمقدسي في القرن الثالث والرابع ثم الزمخشري وابن الأثير والثعالبي والإدريسي في القرن السادس وياقوت الحموي والإبشيهي وابن شحنة وابن الوردي والقلقشندي والهروي في القرن السابع والثامن والتاسع ثم النابلسي في القرن العاشر وأخيرا وليس آخراً أوليا جلبي ووصفي زكريا في القرن الحادي عشر الهجري.‏

هذه القائمة الطويلة من الكتاب الذين اطلعت على كتبهم وغيرهم ممن لم أطلع عليها تعطي لهذا الطلسم أهمية كبيرة ومكانة عظيمة في ذاكرة الناس، فمنهم من وصفه بأن نصفه عقرب ونصفه إنسان، ومنهم من قال: إن طينه يشفي من لدغ العقرب والحية بل بالغ كثير منهم، فاعتقد أن تربة مدينة حمص تشفي من سم العقرب بل جنح الخيال بآخرين، فقال إن العقرب لا يقرب الحمصي في السفر ولا يتجرأ أن يدنو من ملابسه وأغراضه … فسبحان الله في خلقه … على أية حال إن صدقت هذا الكلام أم لم تصدقه فاعمل بالمثل القائل ” صيت غنى ولا صيت فقر ” ولم ينافسنا من مدن الشام على طلسم العقارب سوى مدينة المعرة التي تنافسنا أيضا على ضريح الصحابي الخليفة الأموي الزاهد العادل عمر بن عبد العزيز …‏

رغم كل هذا الكلام العجيب عن الموضوع، وأهل حمص كما يقولون ” مانن هون ” ولم يدروا بطلسمهم الخطير، ولم يروه ولم يعرفوا له طريقا رغم أن كلام المؤلفين كان واضحاً ومحدداً ” طلسم العقارب موجود على جدار المدخل القبلي لجامع حمص ” كل العالم كان يعرف مكانه وأهل حمص لا يعرفون حتى عندما حضر وصفي زكريا إلى المدينة يبحث عن الطلسم لم يجد أحدا فيها يرشده إلى الطلسم، ولا مؤرخ حمص الشهير الخوري أسعد، فقيل له أن الطلسم كان على جرن حجري بجانب مدخل جامع الدالاتي ثم اختفى، وبعضهم قال هو نقش على ناووس حجري في باحة الجامع الكبير، فضاع وصفي في هذه المتاهات وعاد خالي الوفاض.‏

ويبدو أن الحمامصة كانوا ماهرين لدرجة خارقة في إخفاء طلسمهم عن العالم وحتى عن أنفسهم في محاولة حثيثة لحمايته من التخريب والطمس والسرقة .‏

استمر هذا الغموض والخفاء الغريب حتى عام 2009م وكان مجلس مدينة حمص يقوم بقمع وتسوية مخالفات تجاوز المحال والدكاكين على الأرصفة والشوارع والجدران الجانبية وإعادتهم إلى داخل دكاكينهم، فجمع الباعة حوائجهم وبضائعم المنشورة على الأرصفة وأزالوا لوحاتهم وبسطاتهم عن الجدران وبدت جماليات الأسواق، فكان من أهم نتائج انجازات مجلس المدينة الكثيرة والباهرة في هذا المجال هو كشف مكان طلسم العقرب الحمصي وإماطة اللثام عن أسرار اختفائه الغامض منذ أكثر من 1500عام .‏

طلسم العقرب في حمص أثار اهتمامي كثيرا منذ سنوات منذ قرأت عنه، وبحثت عنه في مداخل الجامع النوري الكبير، وجدرانه وسألت عنه كثير من أهل الخبرة وكبار السن دون جدوى، ولكن لم يتسلل اليأس إلى نفسي فكنت كلما مررت في سوق النوري المسقوف فتشت عنه حتى في المدخل القبلي ( الجنوبي ) للجامع الكبير إلى أن تكللت جهودي بالنجاح، وكانت فرحتي عارمة ورقص قلبي طربا وأنا أشاهد لأول مرة ” طلسم العقرب ” الجميل في حمص‏ فتناولت جهاز التصوير وأخذت صوراً كثيرة للطلسم والمدخل والجدران لتوثيقها وحفظها للذاكرة الثقافية الحمصية …‏

ورغم استغرابي الشديد لظهور الطلسم فجأة في المكان الذي بحثت عنه كثيراً فقد زال استغرابي عندما رأيت أن هذه الجدران الجنوبية التي كانت مغطاة بشكل تام من الأعلى إلى الأسفل بالبضائع واللوحات العرضية والتسويقية للدكاكين المجاورة في المدخل، والآن أصبحت خالية ونظيفة، فتذكرت خطوة مجلس مدينة حمص الأخيرة في قمع ظاهرة هذه التجاوزات العشوائية المسيئة على شوارع المدينة، وخاصة الأسواق القديمة فأبرزت معالمها الجمالية وأسرارها الفنية الأثرية على طبيعتها الأصيلة فله كل الشكر والتقدير على هذه الخطوة الإيجابية بكل جوانبها ومعانيها، ويكون مشكورا أكثر لو استكمل مهمته بالتعاون مع مديرية الأوقاف والآثار والثقافة في اعتبار الجامع النوري الكبير معلما أثرياً مهما لمدينة حمص يجب الحفاظ عليه من التجاوزات والبناء في ساحته بلا مبرر، وتشويه معالمه و إعادة كتلة بناء الجامع إلى شكلها العام القديم كما حصل في جامع دحية الكلبي والبازرباشي وغيرهما … وإزالة كل تشويه وبناء أوتغطية إسمنتية حديثة لجدرانه وإعادتها إلى طبيعتها لكشف ما تحويه من آثار ودلالات تاريخية، بل الأهم من ذلك وضع المدخل الجنوبي للجامع كموقع أثري خاص يتم فيه التنقيب والحفر لاكتشاف أساساته القديمة، فطلسم العقرب المذكور هو أثر يوناني روماني وحيد باق من آثار حمص القديمة، وهو موجود في هذا المكان منذ حوالي ألفي عام على الأقل منذ بناء معبد الشمس أيام أسرة شمسغرام الحمصية وهم سدنة المعبد طوال فترة حكمهم.‏

ولا يهم أهل حمص أن يعرفوا حقيقة طلسم العقارب وكيف يمنع من العيش في المدينة وكيف يؤثر على العقارب، فما يهمهم هو المعنى الثقافي والمدلول الأثري والتاريخي لهذا الطلسم العجيب والغريب الذي يميز مدينتهم عن باقي بلاد الشام….‏

العروبة

2010-11-30

من almooftah

اترك تعليقاً