/ملكٌ على قارّةِ غيم/نزيه أبو عفش/

.. وفي وقتٍ متأخرْ ،
وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..

متأخرٍ أكثر ممّا يسمح الزمان للحمقى من أمثالي،

في وقتٍ متأخرْ
على طاولةٍ حجريّة،
في ظلّ ثلاثِ شجراتِ سروٍ عجوزات
( لكنْ غير حكيمات )
كتبتُ في بالِ نفسي ما يلي :
بين مفلسٍ ، ومبذّرٍ ، ومريضٍ ،
وأحمقٍ ، وشجاعٍ ، وقانطٍ ،
وغريبِ أطوارِ العقل ،
وعاشقٍ لا يرحم ،
ومستهترٍ ، وكسولٍ لا يُشقُّ له غبار ،

وسوداويٍّ بعيدِ النظر في إعرابِ أحوال الدنيا ،
وصامتٍ ، وبائعِ كلامٍ ، وحالمٍٍ عديمِ الحيلة ….؛

بين “أنا” هذا و “أنا” ذاكْ
ضيّعتُ ستين سنةً من حياتي
هي ، بلا شك ، كاملُ حياتي الحقيقية
إذا أخذنا في الحسبان
أنّ المستقبل الذي يتوعّدنا في شيخوخةِ الجسد
ما هو إلا زمنُ حياةٍ ضائع ….
اقول “ضيّعت ستّينْ” …

لأكتشف أخيراً ، وطبعاً بعد فواتِ الأوان

أن كل ما كان يملكه – شرق المتوسطِ الحزين –
السيدان العظيمان
المرحومان أوناسيس ورفيق الحريري
لا يساوي لديّ – كيفما أجريتم الحسبة –
متعةَ أن أتامّل في الهواء هكذا … وأقول :
هذه الغيمةُ العملاقة التي تتدحرجُ في سماءِ كوني ..
هذه الغيمةُ الشـاسـعةُ
مثل إقطاعيّة الجدّ تولستوي المعظّم ..
هذه الغيمةُ التي
كلُّ مترٍ مربعٍ من دخانها

يعادلُ لديّ كلَّ أساطيل البحر الأبيض المتوسط
وعماراتِ وسط بيروت التجاريّ
ونفطِ الصحارى المنهوبْ

وكلَّ .. كلَّ مزارع تكساس الجبارّة
المتخمة بالخيول
وثيران بوفالو
وحبالِ ومسدّساتِ رعاة الأبقار
وقبّعاتِ رؤساء أميركا البلهاء ….

هذه الغيمةُ السـمينةْ ..
هذه الغيمةُ المدلّلةْ ..
هذه الغيمةُ القارّةُ
الغيمةُ الرؤومُ
الغيمةُ الدخانُ
الغيمةُ العدمْ ….
هذه الغيمةُ لي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni)

/ملكٌ على قارّةِ غيم/نزيه أبو عفش/

.. وفي وقتٍ متأخرْ ،
وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..

متأخرٍ أكثر ممّا يسمح الزمان للحمقى من أمثالي،

في وقتٍ متأخرْ
على طاولةٍ حجريّة،
في ظلّ ثلاثِ شجراتِ سروٍ عجوزات
( لكنْ غير حكيمات )
كتبتُ في بالِ نفسي ما يلي :
بين مفلسٍ ، ومبذّرٍ ، ومريضٍ ،
وأحمقٍ ، وشجاعٍ ، وقانطٍ ،
وغريبِ أطوارِ العقل ،
وعاشقٍ لا يرحم ،
ومستهترٍ ، وكسولٍ لا يُشقُّ له غبار ،

وسوداويٍّ بعيدِ النظر في إعرابِ أحوال الدنيا ،
وصامتٍ ، وبائعِ كلامٍ ، وحالمٍٍ عديمِ الحيلة ....؛

بين "أنا" هذا و "أنا" ذاكْ
ضيّعتُ ستين سنةً من حياتي
هي ، بلا شك ، كاملُ حياتي الحقيقية
إذا أخذنا في الحسبان
أنّ المستقبل الذي يتوعّدنا في شيخوخةِ الجسد
ما هو إلا زمنُ حياةٍ ضائع ....
اقول "ضيّعت ستّينْ" ...

لأكتشف أخيراً ، وطبعاً بعد فواتِ الأوان

أن كل ما كان يملكه - شرق المتوسطِ الحزين -
السيدان العظيمان
المرحومان أوناسيس ورفيق الحريري
لا يساوي لديّ - كيفما أجريتم الحسبة -
متعةَ أن أتامّل في الهواء هكذا ... وأقول :
هذه الغيمةُ العملاقة التي تتدحرجُ في سماءِ كوني ..
هذه الغيمةُ الشـاسـعةُ
مثل إقطاعيّة الجدّ تولستوي المعظّم ..
هذه الغيمةُ التي
كلُّ مترٍ مربعٍ من دخانها

يعادلُ لديّ كلَّ أساطيل البحر الأبيض المتوسط
وعماراتِ وسط بيروت التجاريّ
ونفطِ الصحارى المنهوبْ

وكلَّ .. كلَّ مزارع تكساس الجبارّة
المتخمة بالخيول
وثيران بوفالو
وحبالِ ومسدّساتِ رعاة الأبقار
وقبّعاتِ رؤساء أميركا البلهاء ....

هذه الغيمةُ السـمينةْ ..
هذه الغيمةُ المدلّلةْ ..
هذه الغيمةُ القارّةُ
الغيمةُ الرؤومُ
الغيمةُ الدخانُ
الغيمةُ العدمْ ....
هذه الغيمةُ لي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni)
 

من almooftah

اترك تعليقاً