الكاتب ممدوح حمادة – 1 –
ـــــــــــــــــــــــ
الضحك في الزمن المظلم: مقابلة مع ممدوح حمادة
[مسلسل ضيعة ضايعة ٢ (٢٠١٠) اخراج الليث حجو سيناريو ممدوح حمادة الممثلون (النجوم): نضال سيجري باسم ياخور ]
[ ممدوح حمادة أحد أبرز كتاب السيناريو والحوار التلفزيوني في سوريا. قدم بالتعاون مع المخرج الليث حجو بعضاً من أفضل الأعمال الكوميدية، خاصة مسلسلات “بقعة ضوء” ابتداء منذ عام 2000 و”أمل – ما في” عام 2004. وقد أثمر تعاونه مع ذات المخرج في المسلسل الشهير “ضيعة ضايعة” في عامي 2008 و 2010، و أخيراً مسلسل ” الخربة” عام 2011. يعيش الكاتب ممدوح حمادة في روسيا البيضاء.]ليزا ودين: من هم ممثلو الكوميديا الذين كان لهم تأثير على أعمالك الكوميدية المختلفة؟ممدوح حمادة: لا يوجد أي ممثل محدد يمكن القول إن له تأثير مباشر على اعمالي الكوميدية، ولكن في الوقت نفسه يمكنني القول إن جميع الذين شاهدتهم لهم تأثير بهذا الشكل أو ذاك على الأعمال، فأي عمل سينمائي أو مسرحي أو تلفزيوني يشاهده الشخص وخاصة العامل في هذه المهنة يتحول بشكل آلي إلى جزء من تجربته الشخصية، لأن تجربة الانسان برأيي لا تتكون فقط من النشاط الذي يقوم به شخصياً، وإنما من النشاط الذي يطلع عليه أيضاً.

يعجبني الكثير من الممثلين الذي لا احفظ أسماءهم جميعاً، ولكن إضافة إلى الأسماء الكلاسيكية مثل تشارلي شابلن و لوريل وهاردي تعجبني أعمال كوميدية روسية وايطالية، كما تعجبني كوميديا ليست لها شهرة عالمية مثل الذين ذكرتهم ولكنها كوميديا ذكية، واقصد بالتحديد الكوميديا الجورجية (جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً).

ل. و.: متى كتبت أول أعمالك الكوميدية؟ وسبب اختيارك لهذا النوع من الكتابة؟

م. ح.: قبل أن ابدأ الكتابة للتلفزيون كتبت سيناريوهات لثلاثة افلام سينمائية، ولكنها لم تنفذ، وكان ذلك في 1994، ثم بعد ذلك في عام 1995 طلب مني كتابة سيناريو لمسلسل تلفزيوني تدور أحداثه في ديكور واحد، أي ما يطلق عليه الآن على ما أعتقد تسمية “سيت كوم” وقد طلب مني كتابة هذا العمل اعتماداً على نجاح عمل سابق له يدعى “عائلة خمس نجوم” فكتبت العمل واسميته “الليدي فردوس” ولكن الشركة اطلقت عليه اسم “عيلة ست نجوم” للاستفادة من نجاح العمل السابق، وهكذا في ثلاثة مواسم متتالية كتبت “عائلة سبع نجوم” ثم “عائلة ثمان نجوم” ثم تحررت من هذه التجربة وكتبت مسلسل “بطل من هذا الزمان” وبعده “جلنار” وبعده “مبروك” وأعمالاً أخرى إلى أن تعرفت على الليث حجو في “بقعة ضوء” أولا ثم في “عالمكشوف” و “ما في أمل” وصولاً إلى “الخربة”.

أما سبب اختياري لهذا النوع فيعود على ما أعتقد إلى ميول نحو السخرية منذ الصغر، فأنا منذ المدرسة أكتب المواضيع الساخرة، وقد لاحظ المعلمون ذلك وكانوا ينتظرون موضوعات التعبير التي أكتبها لكي اقرأها في الصف، كما أنه وبسبب قلة الكتاب في هذا المجال فإن شركات الإنتاج لا تعطي لكاتب الكوميديا فرصة لكي يحاول كتابة شيء آخر، فهي تطلب منه دائماً عملاً كوميدياً، حتى قبل أن ينتهي من كتابة العمل الذي بين يديه، لأن الأعمال الأخرى كثيرة اما الأعمال الكوميدية فهي قليلة.

ل. و.: ما هي الرسائل السياسية التي أردت أن ترسلها من خلال أعمالك الأولى ؟ و كيف تغيرت هذه الرسائل مع الوقت؟ و ما أوجه الشبه أو المقارنة بين أعمالك خاصة بقعة ضوء و أمل ما في و ضايعة ضيعة و الخربة؟

م. ح.: فيما يخص الرسائل السياسية فقد كنت منذ بداية العمل في كتابة السيناريو في حالة جس نبض مستمر، فأنا اعرف أن هناك رقابة شديدة على الرسائل السياسية، وقد كنت دائماً أطرح بعض الرسائل في محاولة مني لجس نبض الرقابة وفي المرة التالية أرفع الجرعة وأختار الأسلوب الذي أظن أنه الأمثل في الالتفاف على الرقابة، ولكن ليست الرقابة الرسمية دائماً هي العائق، فأحياناً تاتي الرقابة من طاقم العمل، أذكر في أحد الأعمال أن ممثلاً رفض تمثيل أحد المشاهد لأنه اعتبر أن ذلك سيشكل خطراً على حياته كما كان يظن، أعتقد أنه كان يبالغ في خوفه ولكن هذه الحالة كانت موجودة على كل حال، وفي عمل آخر شعر أحد المخرجين بالخوف وقام بتغيير اجواء اللوحة لكي لا تفسر كما هو مطلوب في السيناريو، ومثل هذه الحالات كثيرة، ويمكن القول إنني من عمل لعمل كنت أرفع الجرعة، حيث بدأت الانتقادات بالمواضيع المعيشية وبعض التجاوزات الأمنية إلى أن وصل المستوى إلى التفاصيل التي تمس النظام السياسي، والتي كانت من المحرمات في ذلك الوقت، مثل قانون الطوارئ وغيره.

بالنسبة للفرق بين الأعمال المذكورة وأوجه الشبه فإنني اعتقد أنه لا فروق سوى تلك التي يفرضها شكل العمل ومواصفاته الدرامية، ففي “أمل مافي” كان التوجه نحو طرح افكار سياسية أو اجتماعية حادة وكان علينا أن نتمكن من تقديم الرسالة في مدة زمنية لا تتجاوز الدقيقتين كحد أقصى، في “بقعة ضوء “كان هناك حرية في اختيار الموضوع واختيار الزمن حيث أن اللوحة في “بقعة ضوء” كان يمكن أن تصل إلى 20 دقيقة وفي بعض الأحيان أكثر، في “الخربة” و”ضيعة ضايعة” كان هناك التزام بالشخصيات وبالبيئة التي تجري فيها الأحداث، أستطيع أن أقول أنه في المضمون لا فرق من حيث طرح الأفكار، فأعمق الأفكار التي طرحناها في “بقعة ضوء” عبر شخصية المثقف مثلاً، قمنا بطرحها في “ضيعة ضيعة” عبر شخصية اسعد الساذج، الفرق كان فقط فيما يفرضه شكل العمل من الناحية التقنية.

ل. و.: بوجه عام كيف يمكن أن تصف التغيرات التي طرأت على الكوميديا في سوريا عبر الزمن؟

م. ح.:الكوميديا السورية لا تمتلك تجربة كبيرة، فهي تكاد تقتصر على بعض الأسماء القليلة التي بالأصل عملت معاً في أعمال مشتركة، وتكاد تقتصر على التجربة التي كان أشهر رموزها شخصية غوار الطوشة، ويحكى كثيرا عن تجربة حكمت محسن قبل تجربة دريد لحام ونهاد قلعي، ولكنني لست مطلعاً عليها، غير أنه يمكن القول إن بدايات الكوميديا السورية ضمن فترة الستينات كانت تقليداً لتجارب مختلفة من الكوميديا العالمية، وفي الكثير منها كانت محاكاة وتقليد لهذه الكوميديا فنرى مثلاً “حمام الهنا” محاكاة لفلم مأخوذ عن قصة “12 كرسي” للكاتبين الروسيين “إيلف وبتروف”، وفلم “عمتي من المكسيك” مأخوذ عن فلم روسي يحمل عنوان “مرحبا أنا عمتكم” و فلم “الشريدان” على ما أظن مأخوذ عن فلم أمريكي عن قصة للكاتب أو هنري أظن أن اسمها “الشرطي والكورال” والكلام ينطبق على الكثير من الأعمال الآخرى المستقاة من أعمال عالمية، إلى أن بدأ التعاون مع الكاتب محمد الماغوط الذي طورت مشاركته هذه التجربة، يمكن القول إن البدايات كانت غير ناضجة بعد، ولكنها وضعت الأساس لما نحن عليه الآن، الآن تجربة الكوميديا السورية يمكن القول إنها ناضجة ولكنها تعاني من الكثير من المظاهر الطفيلية التي تسبب لها أذى كبيراً، واقصد بذلك تحديداً الممثلين الذين يعتقدون ان لديهم مواهب كبيرة في التأليف فيقدمون أعمالا ذات مستوى متدن جداً من الناحية الكوميدية وفارغة كلياً من الناحية الفكرية، في أعمالهم تغيب كلياً شخصية الكاتب وشخصية المخرج، طبعاً مستويات الأعمال تختلف من عمل إلى آخر ولكن يمكن القول إن التجربة الآن ناضجة، واقصد أن كاتب السيناريو يعرف كيف يفعل ذلك بشكل حرفي، وكذلك المخرج والممثل، ويبقى نجاح العمل متعلقاً بأمور كثيرة.

ل. و.: ملحوظة: كما تعلم لقد تعرضت للكوميديا السورية منذ السبعينات وحتى التسعينات في بعض كتاباتي الأخرى. ويكفي أن أذكر شخصية غوار الطوشة المحببة إلي وهي شخصية انسان عادي ولكنه يستطيع أن ينطق بالحق في مواجهة السلطة بشكل بليغ. في بداية الألفية الثانية كانت تجاربك في سكتشات بقعة ضؤ تطرح نفس الشخصية المضحكة من خلال شخصية أيمن رضا .

م. ح.: ربما لا اتفق معك في هذه النقطة حول الشبه بين أيمن رضا ودريد لحام في شخصية غوار، فلوحات بقعة ضوء لم تعتمد على شخصية الممثل، بالنسبة للوحاتي فقد مثل فيها معظم الممثلين، صحيح ان أيمن رضا مثل الكثير من لوحاتي ولكن لم تكن له في هذه اللوحات شخصية محددة لها مواصفات تنطبق على كل الكاركترات التي لعبها فهو مرة كان إنساناً بسيطاً ومرات كثيرة لم يكن كذلك، ربما ينطبق توصيفك بالنسبة للشبه بين شخصية ايمن رضا وشخصية غوار على بعض اللوحات فقط من حيث بساطة الشخصية ولكن ليس من حيث بناء الشخصية .

ل. و.: ولكن في الفترة 2008-2010 مثلت “ضيعة ضايعة” تحولاً عن هذه الاستراتجية الكوميدية. فبدلاً من الرجل العادي الذي ينتقد الحكومة ويطالب بأن يعامل المواطن بكرامة، فان أهالي ضيعة ضايعة ليسوا بعيدين أو منفصلين عن الظروف التي تقهرهم. فليس لديهم أحساس بالاغتراب مماثل لما يشعر به غوار. إن من ينطق بالحقيقة في “ضيعة ضايعة” هو أنت و الليث حجو، حيث تتمتعان بمسافة نقدية تمكنكما من التحليل. هل ترى أن هذا التوصيف دقيق؟

م. ح.: كما كانت “بقعة ضوء” نقلة إلى الأمام في الكوميديا السوريةـ فإن “ضيعة ضايعة” والخربة” أيضاً كانتا تمثلان الانتقال إلى مرحلة جديدة اخرى، ويمكن القول إن كل مرحلة كانت تمهد للمرحلة التي قبلها، فمشروع “ضيعة ضايعة” و”الخربة” مثلا كنت قد كتبت بعض لوحاته قبل أن يخرج مسلسل “بقعة ضوء” إلى الوجود، أي في أواسط التسعينات، ولكن في تلك الفترة لم أكن قد حصلت على الاعتراف بعد، وقد قدمت عدداً من هذه اللوحات إلى مسلسل “بقعة ضوء”، ومسلسل “عالمكشوف” ومسلسل “شو هالحكي” وهو إنتاج اردني كان فيه مشاكل في الإخراج وهكذا تم التعريف بالمشروع عن طريق “بقعة ضوء “ والأعمال الأخرى، ثم تم طرحهما كمشروع مستقل، وبهذا يمكن القول أن المشاريع الكوميدية تخدم بعضها.

فيما يخص الفرق في الطرح بين (غوار) والأعمال الحديثة بالطبع يمكن القول إن هناك فرقاً كبيراً هو نفسه الفرق بين مرحلتين زمنيتين، فيهما جمهوران مختلفان، فالجمهور الذي كان في الستينيات والسبعينيات والذي كان جهاز التلفزيون بالنسبة له شيء يشبه الأعجوبة، ولم يكن مطلعاً على التجارب العالمية استقبل غوار استقبال الأحبة، وهذا ما يفسر عدم استقبال جمهور التسعينيات لشخصية غوار والشخصيات المشابهة لها بحماس، حيث تم تصوير مسلسلات مثل “عودة غوار” و “يوميات ابو عنتر” وغيرها التي لم تلق شعبية تذكر، غوار هو جزء جميل من الذاكرة، ولكن لا مكان له كشخصية درامية في الفترة الراهنة، إننا نستمتع بشخصية غوار كما نستمتع بقراءة التاريخ، أما في “ضيعة ضايعة” فلدينا جمهور آخر، أولا ًأكثر معرفة واطلاعاً، وثانياً لديه خيارات، فجمهور غوار كان لديه محطة تلفزيونية واحدة تعمل ست إلى سبع ساعات في اليوم أما جمهور “ضيعة ضايعة” فلديه مئات المحطات، وإضافة إلى ذلك فهو مطلع وشاهد أعمال عالمية كثيرة، ويمكنني القول إن غوار جاء إلى الجمهور على سجادة حمراء، أما “ضيعة ضايعة” فكان عليه لكي يصل إلى الجمهور أن يعبر حقول الألغام.

شخصية غوار كانت غريبة لأنها لم تكن مرتبطة بالواقع، فمن الصعب أن نجد شخصية شبيهة لها في الواقع، اما شخصيات “ضيعة ضايعة” و”الخربة” فهي شخصيات مأخوذة بحذافيرها من الواقع، يمكن أن لا يلاحظها الناس بين آلاف البشر، ولكننا في العمل التلفزيوني جمعناها كلها مع بعضها وفصلناها عن بقية النماذج، بكلام آخر وضعناها تحت المجهر، كما أن الأحداث في الأعمال التي قدمت فيها شخصية غوار لم تكن مرتبطة عضوياً مع الواقع، كانت جميعها تنتمي إلى واقع مصنّع، في “ضيعة ضايعة” الأحداث مستقاة بشكل مباشر من الواقع ولم تتعرض سوى للمسات الفنية المطلوبة في أي عمل فني. بطبيعة الحال فإن أي طرح في أي عمل فني يعبر عن اصحاب العمل بلسان الشخصيات، وشخصية غوار دليل على هذا فهي مرت في مراحل مختلفة في كل مرحلة كان يقف خلفها اشخاص مختلفين، ففي البدايات كان الموضوع يقتصر على نهاد قلعي ودريد لحام، ونرى أن شخصية غوار هنا تختلف عن شخصية غوار في المرحلة التي انضم فيها لاحقا إلى الفريق الكاتب محمد الماغوط، صحيح أن الشخصية بقيت كما هي من حيث المواصفات إلا أن طرحها تغير.

في “ضيعة ضايعة” نحن (أنا والليث حجو) ننتمي إلى جيل أحدث، اكتسب تجربة أكبر وبين يديه تكنولوجيا أكثر تطوراً، وحصل على معرفة أكبر في مجال صناعة العمل التلفزيوني، والظرف السياسي والاجتماعي يختلف، يمكن القول جيل أكثر نضجاً وبالتالي فإن الهم الذي تعبر عنه شخصيات عملنا ستكون أكثر عمقا من الهم الذي عبرت عنه الأعمال القديمة التي انتجت في سنوات سابقة، ذلك أن الشخصيات هي في كافة الأحوال لسان صانعيها.

ل. و.: ما هي الحلقة المفضلة لديك في “ضيعة ضايعة” ؟ ولماذا؟

م. ح.: في الأعمال التلفزيونية أنا ملزم أن أقدم ثلاثين حلقة، وبطبيعة الحال فإنني غير مبرمج على ذلك، ولهذا السبب فإنني أكتب بعض الحلقات بصعوبة لكي يكتمل عدد الحلقات، ولكن هناك حلقات أكتبها بسلاسة وبتفاعل كبير مع احداثها تكون عادة هي الحلقات التي احبها، ولا يمكن الحديث هنا عن حلقة واحدة، بل عن عدة حلقات، فمن الجزء الأول تعجبني على سبيل المثال حلقة (يأس) التي يقوم فيها اسعد وجودي بمحاولة ارتكاب جريمة سرقة لكي لا يقدم الشرطي طلب نقله إلى منطقة أخرى، وتعجبني حلقة ( الحمير) التي يعملون فيها بالتهريب على الحمير، وفي الجزء الثاني تعجبني مثلا حلقة (في الليلة الظلماء يفتقد البدر) وهناك حلقات اخرى ايضاً أحبها. أما لماذا تعجبني فالسبب يعود إلى أنني أشعر أنني فتحت فكرة جديدة غير مألوفة في الكوميديا، فجميع الأفكار تقريباً مطروقة بأشكال مختلفة، ولكن هناك أفكار قليل جدا تكون غير مطروقة وهذا ما يجعلني اشعر بالسعادة عندما اكتشفها، ففي حلقة (ياس) مثلاً نرى أن الفكرة معاكسة للمألوف، ففي جميع الأعمال نرى الناس يريدون التخلص من الشرطي، أما في هذه الحلقة فالناس يتمسكون به وعلى استعداد لارتكاب جريمة من أجله، في حلقة (في الليلة الظلماء يفتقد البدر) أيضاً الفكرة مقلوبة، فالمخبر في المجتمعات التي تخضع لسلطات استبدادية يعتبر مصدر خطر على المحيط الموجود فيه، ولكننا في أم الطنافس نرى أن الناس ارتبكت بعد اختفائه فهو في السابق وإن كان مصدراً للخطر إلا أنه ايضا كان مصدراً للأمان فالناس كانوا يعرفون بماذا يتحدثون وأمام من يتحدثون، أما بعد اختفائه فقد أصبح كل واحد منهم مشروع مخبر ولذلك أصبح له قيمة، بشكل عام تعجبني ألأفكار المقلوبة مثل لوحة (عبد اللطيف سندريلا) في “بقعة ضوء” التي تحاكي قصة سندريلا .بشكل عام كل الحلقات التي تكتب بسهولة ولا أتعذب في كتابتها تكون محببة إلى قلبي فيما بعد.

ل. و.: ما هي الرسائل المشتركة بين أعمالك الكوميدية ؟ وهل تعتقد أنه يجب على العمل التلفزيوني أن يكون له رسالة؟ بمعنى أخر هل ترى أنه يجب أن يكون له رسالة توجيهية أو تعليمية؟

م. ح.: كان همي في معظم الأعمال التي كتبتها، لفت نظر المشاهد إلى مظاهر الاستبداد والفساد في المجتمع، وكان ذلك بأشكال ومستويات مختلفة فبينها ما فيه إشارة إلى الاستبداد الاقتصادي وصولاً الى الاستبداد السياسي، طرحت كثيراً شخصية المعتقل السياسي، وتحدثت كثيراً عن الخوف الذي يولده الاستبداد، وفي الحقيقة طرحت المسائل التي كانت تشكل همي الشخصي، فأنا لدي قناعة مثلا بأنني بسبب هذا الاستبداد والفساد لم أتمكن من تحقيق أهم مشاريعي التي كنت أحلم بتحقيقها يوماً ما، كما أنني تعرضت للمعاناة الشخصية في تأمين حياتي المعيشية لفترة طويلة، ولدي الكثير من الأصدقاء الذين خسروا جزءاً مهما من شبابهم في المعتقلات بسبب آرائهم السياسية، واحيانا بدون سبب، وتعرضوا بسبب ذلك للتعذيب والأذى النفسي والجسدي، تقلقني قضية المراة التي تناولتها في عدد من لوحات بقعة ضوء، وفي بعض حلقات ضيعة ضايعة والخربة.

بشكل عام الرسالة في العمل الكوميدي مرتبطة عضوياً بالمجتمع الذي نتحدث عنه، ففي بلدان فيها انتخابات ديمقراطية لا معنى لرسالة متعلقة بالانتخابات الديمقراطية في العمل الكوميدي، وفي بلدان لا تعاني من الفساد يصبح انتقاد الفساد نوع من الغباء، كل شيء مرتبط بالمجتمع الذي تولد فيه هذه الكوميديا، وأظن أنه ليس من الضروري أن تحمل الكوميديا رسائل، إذا لم يكن المجتمع بحاجة إلى ذلك، فالـ (مستر بن) مثلا لا يحمل رسائل، ولكنه يضحك الكثيرين فهل هذا سيء؟ لا أظن ذلك فعلمية الاضحاك بحد ذاتها لها سمة إيجابية، إذا تمكن العمل فقط من تقديم الفرح للمشاهد فهذا يكفي، والمهرج الذي يقدم استعراضاته في السيرك هل هو بحاجة للرسائل؟ أعتقد أن ضحكات الأطفال التي يولدها تكفي لكي نرفع له القبعة، طبعاً أنا لا أتحدث عن أعمال تعاني من الابتذال، هناك اعمال تلجأ إلى البذاءة سواء في الحركة أو في الحوار في محاولة لاستجداء ضحك الجمهور، مثل هذه الأعمال أعتبرها ليست فقط خالية من الرسالة وإنما مدمرة للذوق العام ولمستوى التذوق الفني لدى الجمهور وتساهم في تخريبه. كما أنه ليس من الضروري أن يكون في العمل رسائل تعلمية وتوجيهية، هذا مرتبط بالجمهور المتلقي الذي نقدم له العمل، وبالخطة التي نضعها للعمل عند اتخاذ القرار بإنجازه، ونحن تضمنت أعمالنا كل هذه الرسائل ربما لأننا وجدنا في هذا الوسط وهذا المجتمع، ولو كنا في مجتمع آخر لكانت رسائلنا مختلفة.

ل. و.: ما هو الدور الذي يمكن للكوميديا أن تلعبه في الظروف الحالية العصيبة؟ هل يمكن أن تتخيل أن تخرج (تكتب) أعمالاً كوميدية الآن أم أن هناك عقبات في طريق ذلك؟

م. ح.: العقبة الأساسية بالنسبة لي ككاتب الآن هو عدم توفر المزاج للكتابة الكوميدية، فالكوميديا تحتاج إلى مزاج، أما تقديم عمل كوميدي فهذا بالطبع ممكن، وفي مثل هذه الأوضاع العصيبة لا أرى ما يمنع من الكتابة، فهناك نوع من الكوميديا يلائم هذه الأوضاع، وهو ما يمكن أن نسميه (السخرية المرة)، وانا الآن أنجز عملاً كنت قد بدأت بكتابته في بداية الأحداث ولم يكن متوقعاً وقتها أنها ستتطور إلى هذه المرحلة الدموية، وقد وجدت أنه يمكن جعل زمن العمل في هذه الفترة وسيتم التطرق للأحداث فيه بالشكل الذي لا يؤثر على الفكرة الرئيسية. أما بالنسبة للدور الذي يمكن أن تلعبه الكوميديا في هذه الفترة بالذات فهو ما لا يمكن التكهن به، فلانقسام الحاد في المجتمع يجعل بعض الناس يصنفون هذا الشخص أو ذاك كعدو لا يقبلونه مهما كانت رسالة العمل، ولأن الفنان والممثل النجم بالدرجة الأولى له تأثير على الناس فإن الأطراف المنخرطة في الصراع تطمح لكي يكون هذا الفنان أو الكاتب أو المخرج أو أياً كان من أوساط المشاهير، أن يكون في صفها، وعندما يكون العكس فإن الجماهير التي في الصف الآخر ترفضه وترفض عمله، على سبيل المثال، هناك من دعى لمقاطعة مسلسل “الخربة” بسبب مواقف عدد من الفنانين مما يجري، ولهذا فإنه يمكن القول أنه من الصعب أن تلعب الكوميديا دوراً فعالاً في هذه المرحلة، ولكن بكل تأكيد فإنها ربما تخفف من معاناة الناس وهذا وحدة يكفي لكي نحاول تقديم الفرح في زمن الحزن.

ل. و.: أحيانا تنطوي الكوميديا الجيدة على مخاطر. شابلن، على سبيل المثال، سعى لاظهار الكوميديا من خلال الأخبار السيئة وهو امر لم يكن سهلا. والى حد ما فان اعمالك الكوميدية أعتمدت علي الأخبار السيئة- أو على الأقل على الناس و مشاكلهم. كيف توصف هذه المشاكل و ما الحكمة من السخرية منها؟

م. ح.: إذا عدنا إلى التاريخ فإننا سنجد أن الكوميديا بدأت عند الإغريق بشكل يشبه مباريات في الشتائم بين شاعرين بذيئين، وبشكل عام فإن الكوميديا لا يمكن أن تعتمد إلاّ على المظاهر السلبية، لا يمكن أن نعثر على جانب مضحك إذا ركب الانسان في المصعد وفتح هذا المصعد على الطابق المطلوب في المبنى، ولكنا سنعثر على الكثير من الجوانب التي تثير الضحك إذا تعطل المصعد وبقي الشخص وحيداً في هذا المصعد، وسيكون الأمر أكثر تشويقاً إذا كان هذا الشخص مصابا بفوبيا الأماكن المغلقة، أو إذا كان في المصعد رجل وامرأة، فالمصعد الذي يعمل بشكل جيد لا يمكن أن يولد في خيالنا صورا كثيرة ويمكن القول أنه ربما لا يولد اي صورة، أما المصعد المتعطل ( أمر سلبي أو خبر سيئ) فإنه يحرض الخيال، إذا كان كل شيء يسير على ما يرام فإنه لا شيء يضحك الناس، الضحك يتولد فقط عندما يحدث خلل ما، عندما ينتهي الطبيب من العملية الجراحية ويقول :“نجحت العملية” فليس هناك ما يضحك، أما إذا سألت الممرضة : “أين المقص؟” فنظر الطبيب إلى بطن المريض فإن ذلك ربما يؤدي إلى الضحك رغم أنه في الواقع أمر مأساوي أن ينسى الطبيب مقصه في بطن المريض، باختصار أنا أظن أنه لا يمكن بناء كوميديا على أخبار جيدة او على ظاهرة إيجابية، الكوميديا لا تأخذ الخبر السيء فقط، الكوميديا تقوم بتضخيم هذا الخبر والمبالغة فيه.

ولكن السخرية من الواقع من أجل نقد ظاهرة سلبية ولفت النظر إليها يختلف كلياً عن السخرية من الأشخاص الذين يعيشون هذا الواقع، أو السخرية من التشوهات الجسدية إن السخرية من واقع الفقير أمر مشروع أما السخرية من الفقير فهو أمر غير مشروع بنظري، في ضيعة ضايعة أو في الخربة أو في غيرها من الأعمال لم نكن نسخر من الأبطال وإنما من الواقع المحيط بهم، لم يكن يضحكنا شكل أسعد بالدرجة الأولى، بل تصرفاته، ولم نضحك منه بل مما يحدث معه، وأنا أعتقد مثلا أن استخدام العاهات الجسدية كمادة للكوميديا أمر يجب أن يصنف كجريمة أخلاقية، أنا يصادفني أحياناً عبارات مثيرة للضحك يمكن أن استخدمها في الحوار، ولكنني أتراجع عنها لأنني ارى أنها يمكن أن تسبب الأذى النفسي أو الإهانة لفئة من الناس، وبالتحديد الناس الضعفاء، أعتقد اننا يجب أن نكون حذرين إلى أبعد درجة هنا، يجب أن نعلم جيداً مم نسخر ونضحك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب ممدوح حمادة
. الخربة
مسلسل 2011 تأليف (جاري إنتاجه)
2. ضيعة ضايعة 2
مسلسل 2010 تاليف
3. ضيعة ضايعة
مسلسل 2008 تأليف
4. مشاريع صغيرة
مسلسل 2006 قصة وسناريو وحوار
5. شوهالحكى
مسلسل 2005 قصة وسناريو وحوار
6. مرزوق على جميع الجبهات
مسلسل 2004 مؤلف
7. عالمكشوف
مسلسل 2004 قصة وسناريو وحوار
8. قانون ولكن
مسلسل 2003 قصة وسناريو وحوار
9. بطل من هذا الزمان
مسلسل 2000 قصة وسناريو وحوار
10. عيلة 8 نجوم
مسلسل 1998 قصة وسناريو وحوار
11. عيلة 7 نجوم
مسلسل 1997 قصة وسناريو وحوار
12. عيلة 6 نجوم
مسلسل 1995 تأليف

من almooftah

اترك تعليقاً