Ahmad Elias‎‏ ‏
مقالة قديمة نشرت في صحيفة تشرين السورية
العدد رقم 5948 تاريخ 1\6\1994
* للناقد والنحات غازي عانا *
أحمد الياس تجربة حروفية متقدمة
عادت من جديد لوحة أحمد الياس لتحتفل بالجملة الحروفية .. بعد أن غادرتها لفترة قصيرة فاسحةً المجال لتلك المساحات الزخرفية التي احتلت نفس الأهمية في الفترة الماضية بغياب الحرف…
هذا التناوب أتاح للمتلقي أن ينقل في تجربة الفنان التي احتواها معرضه الأخير في صالة شورى والذي أقامه نهاية نيسان الماضي ، وهومن أهم معارضه الفردية الثمانية التي أقامها حتى الآن .
الفنان الياس ضمن معرضه هذا خمس أو ست لوحات جديدة هي آخر نتاج تجربته والتي هي محصلة ثلاث مراحل متداخلة يصعب الفصل بينها، والتي تنقلت مابين الحرف الكلاسيكي بأشكاله والتي أراد الفنان أن يبسطها فيحولها إلى شرائح ملونة تسبح في فضاء ألوانه الساحرة التجريبية في تلك الفترة حتى عام 1990.
ومجموعة حروفه التى بدأت تتحول ألى عناصر زخرفية تفصل مابين مساحات الألوان والكولاجات الزخرفية الدقيقة .. والت صمم لها الفنان قطوعاً تفاجئك على مساحة الورق الأبيض ، الذي يشكل في لوحته (الخلفية) الجزء المهم ، وتضم بأناقة مجموعة عناصره التي بدأت تتمرد على التكوين الأساسي ، لتصعد باتجاه أعلى اللوحة بتكوينات ساحرة وحرية لاحدود لها، واستمرت حتى عام 1993.
لتصل اليوم إلى إنسجام كامل مع القطوع المزخرفة التي أصبحت تتقاسم المساحة معها بالتساوي، أو هي اندمجت معها فتحسب الكولاج مخطوطاً نفذه الفنان على سطح اللوحة مباشرة وبتقنية ودقة عالية…
إن لوحة أحمد الياس اليوم بدت وكأنها قطعة من سجادة فارسية صنعت بإتقان المهندس المصمم الذي خبر خامة اللون وإمكانية الحرف وجمالياته ، تلك المفردة المحببة والمدللة التي تحضر وتغيب بغنج تاركة آثاراً وبصمات واضحة في لوحة اعتادت أن لا تغادرها.
إن هذا التغيير الذي تشهده تجربة أحمد الياس وإن كان طفيفاً ، إنما هو بالمحصلة اجتهاد في تطوير عمله الفني الذي تتقدم إليه عناصر جديدة متجددة ، لتحمل إلينا دائماً ما هو غريب ، أنيق ومدهش ..
وفي اختيار الموضوع للوحةمن هذا النوع ، ليس مهماً بالقدر الذي تعبر عنه تلك المساحة المنسوجة بإتقان وفن وذوق، للتحول إلى قطعة فنية تعكس جانباً هاماً من تراث المنطقة وثقافتها القديمة والحديثة ، ومن جانب آخر تمثل الاتجاه الزخرفي الجمالي في اللوحة العربية الحديثة، وأهم ما يميز هذه اللوحة عن الصنعة التي اشتهرت بها المنطقة في الماضي تمتعها بتكوين متماسك ورشيق ، قوامه الجملة الحروفية التي يصنعها الفنان بحرية مطلقة لا يقيده شيء سوى سلامة التشكيل وخدمة المساحة لونياً وانسجام تجاور عناصرها القريبة من بعضها والمختلفة في في توضعها الزمني وهذا ما يظهر واضحاً من شدة الضوء المسلط عليها من الخارج والساطع من الداخل على حد سواء …
إن حرصنا على لوحة الفنان أحمد الياس وغيره من الفنانين الشباب الذين يتمتعون بخبرة تقنية عالية وثقافة لا نشك بمدى أهميتها ، يجعلنا نخشى أن تصل بظرافتها وحسنها وأناقتها إلى درجة تتخطى حدود الجمال ، فنقع في مطب البهرجة الصنعية ، والتي لا غاية لها سوى إمتاع العين وإدهاشها بالسرعة الممكنة .. وغالباً ما يكون زمن المتعة البصرية هنا محدوداً ، حيث لا حاجة عندئذ لتوقد البصيرة التي يشاهد من خلالها المتلقي ما بعد العين( حدود الرؤية) .
وهذه واحد من أخطر إشكاليات اللوحة الزخرفية ( المنمنمة الصنعية ) .
أخيراً وقبل أن نغادر لوحة أحمد الياس الجديدة التي أضافت بلا شك كثيراً من الأهمية على تجربته الغنية وذات الخصوصية الشديدة والمتميزة عن المعروف من التجارب الحروفية في المنطقة العربية والسورية خاصة..
إن لوحة أحمد الياس في معرض يضم مجموعة من التجارب الحروفية باتت لا تحتاج إلى توقيع ، وها المؤشر يكفي لتكون ناجحة ، واثقة ، ومغرقة في أصالتها …
صورة ‏‎Ahmad Elias‎‏.
صورة ‏‎Ahmad Elias‎‏.

من almooftah

اترك تعليقاً