في لينشيا، "مكة الصغرى" في الصين 0304muslim1
الإسلام في لينشيا، “مكة الصغرى” في الصين
تقع ولاية لينشيا الذاتية الحكم لقومية هوى في وسط مقاطعة قانسو شمال غربي الصين، وتلفت انتباه زائرها بملامحها وثقافتها الإسلامية الخالصة. يوجد فيها ألفان وسبعمائة وسبعة وخمسون مسجدا، هذا متوسط يفوق بعض المدن العربية، لذا يطلق على هذه المدينة تحبُبا لقب “مكة الصغرى”.
تقع لينشيا في طرف المجرى الأعلى للنهر الأصفر، تحيط بها الجبال من ثلاث جهات. وهي مدينة ثقافية عريقة ذات تاريخ يعود إلى خمسة آلاف سنة. ومنذ أن وحد الإمبراطور الأول لأسرة تشين (207ق.م – 221 ق.م) الصين ظلت لينشيا محطة ترانزيت على طريق الحرير، وكانت عاصمة دويلة تشين الغربية.
في فترة أسرتي تانغ وسونغ (618-1279 م)، كان يأتي إلى الصين كثير من التجار العرب والفرس، وقد استوطن نفر منهم لينشيا، التي كانوا يمرون بها في سفرهم، وهكذا تشكلت بدايات الوجود الإسلامي في لينشيا. في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، أسرت قوات جنكيز خان في حملاتها على آسيا الوسطى وغربي آسيا، عددا كبيرا من الجنود المسلمين، وكان يتم إرسال هؤلاء الجنود إلى لينشيا التي كانت وقتذاك موقعا عسكريا استراتيجيا، فازداد عدد مسلمي لينشيا. في عهد الإمبراطور يوان شي تسو من أسرة يوان، أعلن القائد المنغولي آن شي وانغ وجنوده الذين بلغ عددهم مائة وخمسين ألف جندي الدخول في الإسلام. وبعد فشل إنقلابهم ضد حكم أسرة يوان سافروا إلى لينشيا واستقروا فيها.

في لينشيا، "مكة الصغرى" في الصين 0304muslim2

في عهد الإمبراطور شون تشي لأسرة تشينغ الإمبراطورية (1638-1661)، شهد الإسلام في الصين إزدهارا كبيرا، حيث كانت مدينة شيآن التي تقع شرق لينشيا مركزا صينيا للثقافة الإسلامية. وبعد شون تشي، أولى وريث عرشه، ابنه كانغ شي، ومن بعده حفيده يونغ تشنغ اهتماما للحياة الدينية للمسلمين، لكن سياسة أسرة تشينغ تجاه المسلمين تغيرت في عهد الإمبراطور تشيان لونغ الذي اعتلى العرش لمدة ستين سنة، حيث قمعت حكومة تشينغ النشاطات الإسلامية ونفت المسلمين إلى غربي الصين، فاضطر المسلمون في مدينة شيآن، وكان عددهم مائة ألف مسلم، إلى الهجرة إلى لينشيا، وهكذا انتقل مركز الثقافة الإسلامية إلى لينشيا. وقد قام المسلمون في مقاطعتي شانشي وقانسو بشمال غربي الصين بعدة ثورات ضد حكم أسرة تشينغ الإمبراطورية (1644-1911) وقد تم قمعها جميعا، فهاجر كثير منهم إلى لينشيا، التي أفلتت من قمع الحكومة عدة مرات بأعجوبة، فزاد عدد المسلمين، مع مرور الزمن، وأصبحت لينشيا مركزا هاما للتعليم الإسلامي بشمال غربي الصين، وعرفت لدى جميع المسلمين بلقب “مكة الصغرى.”
بلغ عدد المسلمين في لينشيا مليونا وتسعة وعشرين ألفا في نهاية عام ألفين وستة ، يشكلون إثنين وخمسين فاصلة سبعة في المائة من سكان الولاية، ينتمون إلى قوميات هوي ودونغشيانغ وباوآن وسالار وقازاق وويغور. وهم ويلتزمون بأركان الإسلام الخمسة وبالشريعة الإسلامية. والزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي للمسلمين في لينشيا، وإن كان بعضهم يمارس التجارة. وهم يتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم الخاصة في الطعام والشراب واللباس ويحتفلون بالأعياد الصينية مثل عيد الربيع التقليدي الصيني وعيد يوان شياو والأعياد والمناسبات الإسلامية مثل شهر رمضان وعيد الأضحى الخ.
تلعب المساجد في لينشيا دورا لا غنى عنه في حياة المسلمين. حسب تقاليدهم، يسكن معظم مسلمي لينشيا في دور مستقلة عن بعضها. لا يمثل المسجد مكان الصلاة للمسلمين فحسب بل مركزَ حياتهم واقعيا وروحيا. عندما يرتفع آذان الفجر، ينهضون جميعا من نومهم لأداء الصلاة، ويحرصون على أداء الصلوات الخمس في المسجد. في المساء، تقام في المسجد دورات لتعاليم الإسلام، فالشباب، بعد انتهاء عملهم في النهار، يدرسون هذه التعاليم ويرفعون مستواهم في قراءة القرآن وتجويده وحفظه، أما ربات البيوت، فيأخذن دروسا إضافية حول العلوم الإسلامية الأساسية. وقد نجحت كثير من المسنات في لينشيا في تعلم كيفية الصلاة وتصحيح قراءة القرآن. وفي مناسبات الزفاف ينظم مكتب إدارة المسجد فريق التهنئة، ويقدم أدوات المائدة لأسرة العروسين كي تقيم مائدة الزفاف. وقبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية، يدرس الأطفال في المسجد قراءة القرآن كل يوم، ويؤدون الصلاة تحت إرشاد الكبار.
الإسلام لينشيا، “مكة الصغرى” الصين(خاص

في لينشيا، "مكة الصغرى" في الصين 0304muslim3

هناك مسجد كبير في لينشيا وهو مسجد نانقوان، الذي بني في فترة أسرة يوان (1271-1368)، ويعد أقدم مسجد في لينشيا ومن أقدم المساجد في منطقة مجرى النهر الأصفر وأدرج ضمن أشهر مائة مسجد في الصين. يتكون المسجد ذو الهيكل الخشبي، من القاعة الأمامية وقاعة الصلاة التي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار محمولة على ثلاثين عمودا رخاميا. للمسجد ثلاث مآذن؛ منها مئذنة كبيرة ارتفاعها حوالي إثنين وعشرين مترا، تحمل اسم “وانغيوه لوه” (بناية مشاهدة الهلال). يجمع مسجد نانقوان بين طراز العمارة العربية وطراز العمارة الصينية، ويعتبر نموذجا رائعا لإندماج الحضارتين الصينية والعربية.
تعتبر القباب مشهدا آخرا مميزا في لينشيا. القبة التي تسمى في الصينية “قونغبي”عبارة عن مجموعة من قبور لشخصيات إسلامية محلية وقبور طلابهم واتباعهم والبنايات التابعة حسب المذاهب الدينية، حيث ينتمي مسلمو لينشيا إلى المذاهب الإسلامية الأربعة ، ويقيمون نشاطاتهم الدينية في القبة الخاصة بمذهبهم. تتميز قباب لينشيا بسمات تقليدية خاصة، فتتكون غالبا من الغرفة الرئيسية بلون الذهب وقاعة الصلاة والقبور التابعة. والقبة الرئيسية مبنية بهيكل خشبي من طابقين أو ثلاثة طوابق. فأكبر القباب هي قبة لينشيا الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أسلوب موسيقي مشهور في لينشيا وهو ألحان “هوا أر” التي تعتبر من أبرز التقاليد الشعبية الإسلامية في هذه المنطقة. وفي ختام حلقة اليوم، ندعوكم للاستماع إلى مقطوعة موسيقية من هذا النوع الموسيقي وتحمل عنوان “الزهور والشبان”، ونتمنى أن تساعدكم على معرفة الثقافة المميزة في هذه المنطقة بشكل أحسن.

من almooftah

اترك تعليقاً