​​​​​​​​​​​​​​​​​​
ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-76- نوري عبدالدائم
*****************​​​​*********************

الكاتب ممثلا مسرحيا
بقلم / د. أحمد إبراهيم الفقيه

تربطني بالفن المسرحي تأليفا وتمثيلا واخراجا علاقة قديمة عندما كنت ناشطا في مطلع الستينات وربما الى
مطلع السبعينيات في هذا المجال حيث قمت بتأليف واخراج وتمثيل عدد من المسرحيات وتوليت انشاء ادارة احدى
الفرق المسرحية هي المسرح الجديد ثم تركتها لاصبح عضوا في المسرح القومي الذي انشأته الدولة في منتصف
الستينيات وذهبت في تلك الاعوام الى بريطانيا لدراسة هذا الفن من جوانبه المختلفة وعدت في مطلع السبعينيات من
القرن الماضي لاسهم في تأسيس واتولى ادارة المعهد الوطني للتمثيل والموسيقى في ليبيا حيث قمت باخراج عدة
مسرحيات من تاليفي كان من بينها الاوبريت الغنائي هند ومنصور ومسرحيات زائر المساء وصحيفة الصباح كما وقفت
على خشبة المسرح مؤديا لمونولوج شعري باللغة الانجليزية لجمهور من الاجانب كان هذا المهرجان الذي توليت الاشراف
عليه منذ اربعة وثلاثين عاما هو اخر عهدي بالممارسة الفعلية المسرحية حيت تفرغت للكتابة وسافرت في مهمات
ديبلوماسية وثقافية واقتصر اتصالي بعالم المسرح على شيئين هما المشاهدة والكتابة ، ولكنني عدت الاسبوع
الماضي الى خشبة المسرح في بادرة لها سوابقها وهي ان اقوم ككاتب بتقديم جزء من سيرتي الذاتية على خشبة
المسرح، في مهرجان عالمي للمسرح هو ثالث مهرجان عالمي بعد مهرجاني ادنبره اوفينيون ، وهو مهرجان سيبيو
برومانيا ، وقد تلقيت دعوة للمشاركة في المهرجان فلبيتها عائدا للتمثيل المسرحي بعد هذا الانقطاع الطويل وقد
شجعني على ذلك ان عددا من الكتاب في العالم الغربي قاموا بذلك كان اخرهم الكاتب المسرحي البريطاني الشهير
ديفيد هير الذي ظهر على خشبة مسرح رويال كورت يقدم مونولوجا مسرحيا عن انطباعاته التي استقاها من زيارة الى
القدس تصور بشكل فني طبيعة ذلك الصراع الذي يحكم العلاقة بين قاطني تلك المدينة من عرب واسرائليين ، كذلك فان
الكاتب المسرحي البريطاني الاشهر الذي فاز العام الماضي بجائزة نوبل للاداب هارولد بينتر لم يكن يتحرج من
المشاركة في التمثيل في بعض مسرحياته بعد انقطاعات قد تدوم عدة سنوات اما اخر المشاركين في مثل هذه
المغامرات الفنية التي تتصل بالتمثيل المسرحي فهو القسيس الافريقي الحائز على جايزة نوبل للسلام والكاتب في
القضايا الافريقية ديزموند توتو حيت شارك في امريكا في مسرحية تدعو للتعايش السلمي بين الاعراق والاديان،
واحتداء بهؤلاء الكتاب العظام قررت مواجهة التحدي وحباني الحظ باصدقاء ساعدوني بينهم صديق من رومانيا هو
البروفسور سورين ستارتلات الذي يقوم بتدريس المسرح والسينما في الجامعات الامريكية وله تجارب في اخراج افلام
لهوليوود والمخرجة الكاتبة السيدة فاسيليكي كابا ، للقيام بعمليات الاخراج والاشراف والانتاج الفني تطوعا
ومشاركة في هذه المسرحية التي تنتمي للمسرح الفردي بعنوان صورة جانبية لكاتب لم يكتب شيئا ، كما وجدت تشجيعا
ايضا من شخصيات رومانية كبيرة من بينها السيد وزير خارجية رومانيا والسيد وزير الثقافة عندما استشرتهما في
موضوع هذه المشاركة بل ان هذا الموضوع ورد اثناء مقابلة لي مع الرئيس الروماني السيد بوبيسكو عندما ذكرت له
بان سفارتي في بلاده ممثلا لوطني لا تقتصر على الجانب الدبلوماسي والسياسي وانما سفارة ثقافية حضارية تحرص
على تحقيق التفاعل وتعميق الحوار بين الثقافة التي امثلها وبين ثقافة هذا البلد وبناء الجسور بين بلاده
وبلادي على اكثر من صعيد من بينها الصعيد الثقافي باعتبار ان رومانيا هي احدى اعرق الدول في اوروبا الشرقية
اهتماما بالفنون والاداب ولها تراث كبير في هذه المجالات ، اما عن تقديم المسرحية باللغة الانجليزية فذلك لان
المهرجان يحبذ ان تكون اعماله بهذه اللغة التي يتواصل بواسطتها هذا المحفل الكبير بجوار اللغة الرومانية
لغة البلاد ، ثم ان المسرحية هي بالتاكيد مسرحية عربية كتبتها بلغتي الاصلية فهويتها الثقافية العربية محفوظة
لا يمسها انها قدمت بلغة اخرى كما تبقى مثلا هوية مسرحيات شكسبير تحمل هوية الثقافة الانجليزية التي انتجتها
حتى وهو تترجم لاية لغة من لغات الارض.
المهم انني وقفت لاكثر من ساعة اعرض علاقة الكاتب بالظروف التي حوله من بينها صراعه مع القوى الرقابية
التي تحاول الحد من حريته وتسخيره لخدمة اغراضها ثم علاقته بابطال قصصه والشروط التي تحكم هذه العلاقة ومن
بينها القواعد الحاكمة للاعمال الادبية وعالم القصة واما يقتضيه من التزام بحقائقه التاريخية وظروفه
الاجتماعية والاقتصادية ثم موقفه من تلك الهوة التي تفصل الواقع عن المثال مقتبسا من بعض القضايا التي تعرضت
لها اثناء تعاملي مع عالم الكلمة خلال اكثر من اربعة عقود امثلة ونماذج ، وقد اذهلني الاستقبال البالغ الحماس
والتشجيع الذي حظى به العرض رغم ان لغة المسرحية لغة ادبية لان الذي يتحدث بها الكاتب نفسه مقتربا من لغته
الابداعية ومقتبسا بعض تعابيرها ذات النفس الشعري وليست لغة الاستخدام اليومي التي تتكلم بها المسرحيات التي
تتناول القضايا الاجتماعية ، كان المسرح مسرحا طليعيا صغيرا ممن لا تزيد مقاعده عن مائتي مقعد كانت كلها مليئة
باعضاء المهرجان القادمين من مختلف دول العالم مع بعض المتابعين لاعمال المهرجان من قاطني المدينة وزوارها
واترك للكاتبة السيدة كاتالينا جورجي التي حضرت العرض وكتبت عنه في اكبر الصحف الرومانية الصادرة في
بوخارست وهي صحيفة كوتي ديانول مقالا طويلا يفيض بالتقدير والاعجاب يوم الاثنين الماضي 6ــ6ــ2006وسانقل فقط
وصفها لرد فعل الجمهور التي قالت عنه (( وقف الجمهور على قدميه مصفقا له ( أي للكاتب مقدم العرض ) اكثر من
عشرة دقائق متواصلة ، وبعد العرض حضر اليه احد الفنانين الرومانيين واعترف بان هذا العرض المسرحي كان اهم
عرض مسرحي شاهده في مهرجان هذا العام )) وقد اعادني هذا التصفيق الحماسي الحار الى ذكريات وقوفي لاستقبال مثل
هذا التصفيق في اعوام قديمة كانت هي بالتأكيد اجمل واحلى المكافآت التي يتلقاها فنان العرض وتتجاوز اية
مكافآة فنية ومعنوية يحصل عليها ، كما ان مثل هذا الاستقبال الذي يتلقاه فنان العرض مباشرة اثناء تقديم فنه
وهو التواصل الحي الخلاق بينه وبين جمهور العرض هو الذي يعطي لفن المسرح مذاقه الخاص الذي يميزه عن الفنون
الاخرى التي مهما كانت جماهيرتها كاسحة طاغية لا تتوفر على مثل هذا التماس الانساني الجميل .

من almooftah

اترك تعليقاً