​​​​​​​​​​​​​​​​​
ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-68 – نوري عبدالدائم
*****************​​​​*********************​​​​​

هل داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟
بقلم / د. محمد المفتي

داوود مخرج ذو خلفية حرفية ، اكتسبها إبان دراسته للمسرح في أوروبا ، وقد تلك المعرفة والخبرة ، إلى مزاجه
الشخصي الذي عرفته متسما بقدر كبير من الصرامة والجدية الساخرة ، والحرص على ممارسة دوره كمخرج بنزاهة عالية
.. بحثاً عن الكمال .
داوود أيضا ، بطبعه ، صادق ، والصدق قد يسبغ على صاحبه مسحة من الغضب والحدة ، لكن غضب داوود على خشبة
المسرح يعبر عن نفسه بالنكتة ، النكتة المفاجئة والحادة .. التي لاتساوم أمام إغراءات الكسب المادي أو فرص
الظهور …!!

النكتة من جوف المعاناة
لانعرف متى بدأت مسرحية المستشفى في ذهن داوود … لكنها نمت بالتأكيد من خلال معايشته للحياة داخل المستشفى
حين رافق ابنه وعشرات آخرين من الأطفال ، من ضحايا مأساة الإيدز في بنغازي …. شهور متصلة من القلق والحيرة
والتساؤل فالمرض يواجه صاحبه بشتى الأسئلة التي تبقي دون إجابة ، لماذا اختار القدر ابني ؟ لماذا يا إلهي ،
يعاني أطفال أبرياء لم يرتكبوا إثماً يعاقبون عليه ؟ ومتى تنتهي معاناة الضحايا وآبائهم وأمهاتهم وأسرهم ،
لكن مسرحية المستشفى لاتشير من قريب أو بعيد إلى تلك المأساة المتصلة والتي لم تنتهى بعد .

الكوميديا
المسرح في نهاية الأمر ، نوع من التنفيس كما عرفه آباء المسرح الإغريق .. بمعنى أنك تشاهد مسرحية ، تراقب
أحداثها ، وتعيش انفعالاتها من حزن وغضب أو ضحك … فتتجاوز أو تتخلص بذلك من انفعالاتك الحقيقية إزاء حالات
ومواقف مشابهة تتكرر يومياً في حياة الناس … والواقع ، أي الحياة الحقيقية ، كما نعلم ، أكثر غرابة وأحيانا
أبشع مما يمكن أن يرسمه ممثلون على خشبة مسرح .
يبدو أن داوود، في بنائه لمسرحية المستشفى تجاوز الجوانب المأساوية للمرض والمعاناة بشكل عام .. لكنه وجه
عدسته الذهنية نحو أوجه القصور والفوضى التي تسود مستشفياتنا، وكشف عن هذه الجوانب بتركيزه على السمات
الضاحكة في علاقات البشر داخل نسيج المرض الذي يصل بينهم ، هم في الواقع بشر ضعفاء .. أسرى قدر مؤلم.. وشر
البلية ما يضحك ..!!

بشرية البشر
الأنكى .. أن البشر حتى في ذروة المأساة .. أي مأساة ، في مستشفى ، أو مشردين طرحى على الأرض إثر زلزال ، أو
نزلاء في سجن ، أو إبان مجاعة أو حرب .. يبقون مشدودين إلى نزواتهم وأطماعهم البشرية .. يطلبون أكثر من غيرهم
، ويحتالون على نصيب الآخرين … ويغازلون .. بل يسرقون وبشكل أكثر براءة يضحك البشر في وسط المأساة ..
هذه هي الإعادة التي ينتبه إليها داوود ، ويوظفها لبناء مسرحية المستشفى ، طبيب صغير السن ، قليل الخبرة ،
متسلط ، مغرور والمريوح ممرض قديم ، دون علم حقيقي ، يتصدى لقرارات ليس أهلا لها، يفصح عن هوسه بالممرضة
شهاوي كلما أتيحت له الفرصة ، لكن مواقف الرجلين ليست مصطنعة بل هي وليدة ثقافة المجتمع وهنا أذكر مثلاً أن
إحدى القصص الشائعة في الخمسينيات ، حين لم يكن هناك طبيب ليبي واحد … أن جراحاً إيطالياً فتح بطن مريض ،
ووجد أن المرض بسبب ضفدعة متشبتة بسطح الكبد ، فحار في إزالتها ، وهنا أشار مساعده الممرض الليبي بلذعها
بالسيجارة ، وكلما رفعت رجلا وضع تحته قطنة .. وهكذا أنقذ الممرض حياة المريض ، تلك القصة المغرقة في
سذاجتها ، كانت متداولةبكل جدية بين الناس لماذا ؟ كانت استجابة مجتمع قليل النصيب من العلم ، يريد أن يعوض
إحساسه بالدونية ، بقصة خزعبالية!! ويتصدى داوود لنفس العلاقة ، أي علاقتنا بالغريب ، ولكن ببراءة حين يخلق
شخصية الطبيب الهندي سنجام الذي يتفوق على زملائه الليبيين حتى في الكشك والشعر الشعبي !
ولكن علاقتنا المرتبكة بالغريب ماتزال موجودة ، وإن في صيغ وتعبيرات أخرى فهناك المريض بلهجته البطنانية
والمرسى مطروحية .. الذي ينتظر إجراء عملية جراحية ، وزوجته المصرية ، وزائرة الأعمي (ضاوي) الذي يذكرك بدهاء
(أبوعباب) المغني الذي تألق في الستينيات عبر الإذاعة وأشرطة التسجيل .
حول هذه الشخصيات وتفاعلاتها رسم لنا داوود أيضا شخصيات ليبية نمطية .. أبومعيرقة الشايب الليبي الغرباوي
المتزمت السريع الغضب .. ومقابله شخصيات نمطية حديثة ، مثل أبو ذراع الجزار وأحد فتوات العالم السفلي بكل
عضلاتخه وجهله ولغته المسطحة .. ثم الشاب حسونة الساقط من النظام التعليمي وهي نماذج أمست متزايدة في مجتمع
الكثرة والتخلف والبطالة والمخدرات. لكن براعة داوو ، وربما نتيجة لصفاء سريرته ، قدم كل هذه الشخصيات دون
تحقير وبقدر كبير من التسامح والرأفة .

الآداء
كثير من التمثيليات الكوميدية العربية ، والليبية ، تعتمد على نوعين من أساليب الفكاهة .. أولها مجرد إلقاء
نكتة ، أو سلسلة من النكت في موقف، والأسلوب الثاني ، استعمال شخصيات إما متخلفة ذهنياً أو معاقة وأشهرها
اللثغ اللساني مثلا وهذه أساليب كوميدية بدائية ، وقد تطور المسرح الحديث لكي يولد النكتة من جوف موقف عادي
بين بشر عاديين ، وهو ما نراه في كثير من التمثيليات والمسلسلات العالمية .. ورأيناه في مسلسلات غوّار ورفاقه ،
ويستعمله أحيانا وببراعة عادل إمام لكن التراث الشائع لدينا مستمد من المسرح التجاري المصري الذي بدأه
أبولمعة والخواجة بيجو في بدايات الخمسينيات ، ثم نشره مدبولي والمهندس بعد ظهور التلفزيون والحق أن مسرحيات
داوود ، تعتمد على الأسلوب الأنضج القائم على توليد الضحك من المواقف الطبيعية ذلك أن الضحك على الآخرين
والسخرية منهم .. سواء من مظهرهم أو غبائهم أو عاهاتهم ، ضرب من العدوانية، وبالمقابل فإن إبراز ما هو مضحك
في سلوكياتنا وقراراتنا نوع من «العلاج» !
بالطبع ليس المسرح نصا فقط، لكنه ممثلين بمواهبهم ومهاراتهم وأحاسيسهم الخاصة ومع ذلك فإن الممثل مهما كانت
مواهبه وقدرته على تقمص الشخصيات لابد له من مخرج يصنع حركاته وآداءه وإيقاعه ضمن السياق العام للمسرحية ،
وتلك، موهبة يمتلكها داوود الحوتي ،، والدليل على ذلك أن بعض زملائه الممثلين الموهوبين لم يحرزوا نفس النجاح
حين ظهروا في تمثيليات من إخراج آخرين !!
وستبقى مسرحية المستشفى في إخراجها الأول علامة مضيئة في تاريخ المسرح الليبي بفضل الأداء المميز .. ألا يحق لي
أن أقول المذهل والآسر .. لميلود العمروني وفرج عبدالكريم وخالد الفاضلي وعبير الترهوني وسالم القزيري ومحمد
ابعيو والبقية .

داوود في الميزان
لايعني كل هذا الإطراء أن داوود عبقري فريد ، فقد يكون لدينا آخرون بنفس مقدرة الرجل ولكن لم تتح لهم الفرصة
بعد … والأكيد أن أجيالا جديدة ستظهر في المستقبل ، وتتجاوز داوود وجيله وما قدموه ! فتلك سنة الحياة .
وحتى يظهر من نحلم بهم من مسرحيين أكثر إبداعاً . لماذا… لماذا تبقي مسرحيات محاصرة فغير «المستشفى» له
مسرحية «خرّف يا شعيب» التي عُرضت وهي متداولة على اسطوانات كمبيوتر أو سي ديهات و «وطن الوزة» التي لم تجز
بالمرة ، و «حوت الشعبية» مصورة لدى الإذاعة التي ترفض بثها!!
أم أن مجتمعنا غير قادر بعد على مواجهة بؤره المظلمة وأركانه العطنة من فوضي وقصور الخدمات الطبية ، توريد
الأمصال والمحاليل الملوثة ، تجارة أدوية الجراحات الخلفية في أزقة العالم الثالث ، إلى الفساد الإداري ،
والغش في مدارسنا ،، ومحابات الأستاذ الجامعي لابناء زملائه ، والشهادات العليا المشتراة ؟
ولعل غالبية من استمتعوا «بالمستشفى» ، وبعض من تضايق من المسرحية شعروا بأن المستشفى كبئية إنما هو قطاع من
المجتمع ككل ، اختاره داوود ، ليسلط عليه الضوء ويعري فوضاه ونقائصه .. ويضعنا في لحظة استمتاع ، أمام
تقصيرنا وقصورنا نحن ! .. وليحذرنا من مغبة التمادي ، وما سيقود إليه هذا التحلل الأخلاقي والنفور من العلم
وتطبيقاته وما يرتبط بهما من قيم .. أليست تلك من مسؤوليات الفنان الحق ؟!!

داوود الحوتي
ممثل – كاتب – مخرج
مواليد دريانة1953 مسيحي
السيرة الذاتية
بدأ العمل الفني صغيراً بالمسرح الشعبي والإذاعة سنة 1965 بمدينة بنغازي .
كان عضوا بالمسرح القومي سنة 1969 ببنغازي .
درس بالجامعة كلية الآداب قسم اجتماع لمدة عامين .
أوفد للدراسة بالخارج لدراسة الإخراج المسرحي بالنمسا والمجر .
تحصل عام 1984 على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية بالمجر (إخراج مسرحي).
موظف بالإعلام والثقافة بنغازي منذ عام 1975 وتولى عدة مناصب قيادية منها رئيس قسم المسرح ومدير المسرح الوطني
بنغازي عدة مرات .
صُعِّد عضوا للجنة الشعبية للإعلام والثقافة بنغازي في عام 1998 .
تحصل على جائزة أفضل مخرج مسرحي عن مسرحية (المسافر ليل) في المهرجان الوطني السابع للفنون المسرحية في
طرابلس عام 1997.
شارك في عدة مهرجانات مسرحية وطنية وعربية وتحصل على عدة جوائز .
عمل بالمسرح لأكثر من 40 عاماً (ممثلاً – كاتباً – مخرجاً – ناقداً) .
أشرف على عدة دورات مسرحية في الجماهيرية ودرَّس فيها.

أهم أعماله المسرحية :-
طار الحمام (تأليف وإخراج) لعام 1980.
كان ياما كان (تأليف وإخراج) لعام 1984.
الفرافير (إخراج) لعام تأليف يوسف إدريس.
راس المملوك جابر (إخراج) لعام 1987 تأليف سعدالله ونوس.
حلم ليلة صيف (إخراج) لعام 1989 تأليف وليم شكسبير.
المرتجلة (إخراج) لعام 1991 تأليف يوجين يونسكو.
الحارس (إخراج) لعام 1993 تأليف هارولت بنتر.
مسافر ليل (إخراج) لعام 1997 تأليف صلاح عبدالصبور.
لست أنت جاره (إخراج) لعام 1999 تأليف عزيز نسين.
المستشفي (تأليف وإخراج) لعام 2003 .
خرف يا شعيب (تأليف وإخراج) لعام 2003.
يوسف وياسمينة (إخراج) لعام 2003 تأليف الفريد فرج.
الوزة (تأليف وإخراج) لعام 2005.
العب يا حوت الشعبية (مسلسل) (تأليف وإخراج) لعام 2006.
(مينو دراما) من العطس ما قتل (إخراج) عام 1991 تأليف أمين باكير.
(مينودراما) امرادجع الكسلان (إخراج) عام 1997 تأليف الفريد فرج.

من almooftah

اترك تعليقاً