​​​​​​​​​​​​​
ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-41- نوري عبدالدائم
*****************​​​​*********************​​​​​​

الطريق الى احياء الحركة المسرحية
بقلم / د. احمد ابراهيم الفقيه

قرأت للزميل الكاتب كامل عراب ، مقالا يطالب فيه بعودة شباك التذاكر الى المسارح الليبية ، كخطوة في الاتجاه
الذي يقود الى اعادة الاعتبار لهذا النوع من الفن ، الذي يطلقون عليه مجمع الفنون ، لانه احتوى بداخله اغلب
الالوان الفنية ، وهو فن لحقه الهوان علي ايدي العاملين به ، عندما ظنوا ان فتح المسارح مجانا ، سيدفع
الجمهور الى التزاحم على ابواب مسارحهم ، وارتيادها باعداد كبيرة كلما سنحت الفرصة امامهم لمشاهدة عرض مسرحي
، وهو اسلوب للاسف الشديد ، جاء بنتائج عكسية لانه جعل المسرح يتحول الى بضاعة بائرة، حاله حال كل بضاعة
يعرضها صاحبها على الزبائن بلا ثمن ، فيرفضونها ويذهبون لشراء بضاعة لها قيمة ، يدفعون ثمنها واثقين انهم
يحصلون على بضاعة تساوي الثمن الذي دفعوه من اجلها .
نعم ، نعم ، لابد حقا من اعادة شباك التذاكر الى مسرح الكشاف ، وهو المسرح الرئيسي في طرابلس الذي
تعودنا رؤية ابوابه مفتوحة ، بلا حسيب ولا رقيب ، وهو ما يحدث في المدن الاخري ، او في طرابلس في مسارح غير
مسرح الكشاف ، لحق اغلبها الخراب والانهيار وتحولت الى مواقف للسيارات . تعود التذاكر ، دون ان ينتظر اهل
المسرح حلا سحريا لمحنتهم مع الجمهور الذي سيظل ، رغم التذاكر ، رافضا الاقبال على عروضهم ما لم ترافق عودة
التذاكر عودة لقيم اخرى غابت مع غياب التذاكر وغياب الجمهور ، فالامر لن يكون سهلا بعد هذه السنوات التي تعود
فيه الناس على اعتبار المسرح وكالة بدون بواب ، وانما يحتاج الى سياسة وتخطيط وتدبير ، وحصافة في التنفيذ
ايضا ، لاعادة الثقة المفقودة بين الجمهور والمسرح الليبي ، ووضع المسرح على طريق النهوض من جديد ، باعتبار
ان بلادنا مؤهلة مثلها مثل بلدان عربية وغير عربية ، تزدهر فيها الفنون وعلى راسها المسرح ، وقادرة على خلق
حركة مسرحية ناضجة متطورة ، تقدم للمواطن غذاء فكريا ومتعة روحية ، وتصنع اطارا لبيئة حضارية لا يصنعها الا
المسرح ، القادر ، على مخاطبة كل الا عمار وكل الشرائح الاجتماعية وكل المستويات الثقافة ، بمستوى رفيع من
الخطاب الثقافي ، ومن خلال اداة ابداعية ، مشهود لها بالرقي ، ولها قدرة ، دون غيرها ، على تحقيق التواصل
الانساني الحميم بين المتفرج وفنان العرض ، وانجاز ذلك التفاعل الخلاق بين المبدع والمتلقي ، وهناك في هذا
الشأن صيغ معروفة ، وواضحة ، سبق لمجتمعات اخرى ان قامت بتجريبها وحققت بها ما تريده لفنونها المسرحية من
نجاح ، ولجمهورها ما يحتاجه من غذاء ثقافي وجداني .
وانطلق في هذه المقالة من مسلمات يعرفها ويؤمن بها كل الناس القريبين من هذا المجال ، وهي وجود مواهب
وامكانيات بشرية ، بسبب المسيرة الطويلة التي قطعها المسرح رغم الازمات والارتدادات ، وما تحقق من خلال هذه
المسيرة ، من تراكم للخبرات والتجارب والدروس ، وايضا بسبب وجود بنية تحتية تعليمية تواصل مسيرتها منذ ما
يقرب من نصف قرن بدأت بانشاء المعهد الوطني للتمثيل والموسيقى ، الذي اصبح اسمه معهد جمال الدين الميلادي ،
وكلية الفنون ، والمعهد العالي للحرف المسرحية ، بالاضافة طبعا الى المناشط والفعاليات التي سبقت المسيرة
التعليمية وواكبتها فيما بعد ، والتي عرفتها الفرق المسرحية الاهلية والاندية الاجتماعية وادارات النشاط
المدرسي ، مع عديد الدورات في الداخل والخارج التي انخرط فيها عدد من شباب المسرحيين للتأهيل والتدريب ،
مما يقطع بوجود مخزون لا بأس به من الامكانيات البشرية ، التي لا نرى لها استثمارا ولا استغلالا جيدا ، يتكافا مع
مستوى خبرتها ، بل نرى في الحقيقة اهدارا وعبثا واهمالا لا يتفق مع الشعارات التي نرفعها في النماء والتقدم
وبناء الوطن والمواطن .
طالما اتفقنا على ان يكون فتح شباك التذاكر ، هو الخطوة الاولى نحو اعادة الثقة المفقودة بين المسرح
والجمهور ، فان الخطو ة الثانية هو تقديم عروض ترغم المتفرج على ان يدفع نقوده من اجلها لانها تقدم له شيئا
يمثل اضافة عما يستطيع ان يراه في بيته على الشاشة الصغيرة ، او خارج بيته على الشاشة الكبيرة ، اي عروض
تستجيب لشروط المسرح الراقي الذي يقدم المتعة والابهار والفائدة ، من خلال توفير امكانيات العرض الكبيرة ،
التي تفلح في تقديم عريض ثرية مبهرة ، تساعد على تجسيد النصوص في افضل شكل ، وتساعد الفنان على تقديم افضل
ما لديه ممثلا ومخرجا ، وغيرهما من فناني وفنيي العرض ، مسرح مصروف عليه ، كبديل لهذه العروض التي نراها تقدم
بميزانيات هزيلة ، ومستويات فقيرة بائسة ، رغم انها عروض تنفق عليها الدولة ، الا انها تصرف عليها بيد مغلولة
الى عنقها ، بينما يجب ااذا ارادت هذه الدولة نجاحا في رسالتها ، ان تبسط يدها كل البسط فلا تقعد ملومة
محسورة ، لانها ليس اموالا مهدرة ، فكما ان ما تنفقه من اموال طائلة على التعليم ليس اهدارا للمال العام ،
فكذلك الاموال التي تذهب للانفاق على الفنون ، لانها ايضا تعليم وتعبئة للروح والوحدان وملء للفراغ النفسي الذي
يجلب الشرور والاثام ، كما هو الحال مع الزنادقة وكل من دفعه الاملاق الادبي والفني وسوء التغذية الوجدانية
والثقافية الى السير في طرقاتهم الموحلة ، والغرق في مستنقعاتهم النتنة ، بل ان الاستثمار في الفن يمكن ايضا
ان يكون له مردوده المادي السريع ، وقد راينا كيف صار العمل الثقافي في بلدان العالم المتقدم ، هو المصدر
الاول للدخل القومي ، فلا عذر لنا اذا تخلفنا عن تسخير الفنون والاداب والمنتجات الثقافية لخلق عوائد اقتصادية
تنموية ، وقد عرفت حركتنا المسرحية في تاريخها عروضا مسرحية مربحة ، فليس غريبا اذن ان يلقى انتاجنا
المسرحي في المرحلة الجديدة نجاحا فنيا وتجاريا مثلها ، فيما اذا تحقق لنا النجاح في بناء الجسور المهدمة
بين المتفرج وهذه القنون . الخطوة الثالثة التي لا تكتمل الخطوة الثانية الا بها ، هي توفير النصوص الليبية
الجيدة والتعامل مع المؤلفين لهذه النصوص بمستوى من الحرفية والمهنية ، يضمن الوصول الى نتيجة ترضي كل
الاطراف، فلا تترك المسالة للصدف ، او لمن يتطوع بتقديم نص له ، يبقى في الادراج الى ان يتذكره احد المخرجين ،
وانما خطة مدروسة لاستهداف كبار الاقلام في بلادنا االمشهود لها بالكفاءة العالية ، والتعاقد معهم تعاقدا مجزيا
مرضيا ، مضبوطا باجراءات ادارية وقانونية ، تضمن حق كل طرف ، على كتابة اعمال مسرحية تخاطب المواطن بمفرداته
الشعبية المحلية ، وتقدم لها صورا من حياته ، يرى فيها نفسه ومجتمعه في مرايا الفن المسرحي ، دون ان يتعارض
العمل على توفير النصوص االمحلية ، مع الاستعانة بالرديف الضروري ، للنص المحلي ، وهو النص العالمي ، حيث لا
يكون المسرح مسرحا ، ولا يحقق نهضته وحضوره ، الا اذا دخل هذه الافاق الرحبة الانسانية التي يشملها المسرح ،
ليكون على تماس مع ابداع المبدعين في العالم اجمع ، متيحا لجمهوره الاستمتاع بثمار الفكر الانساني في مجال
التاليف المسرحي .

خطوة رابعة ، هينة يسيرة ، لانها لا تكلف مالا ولا جهدا مضنيا ، واانما درجة من التنظيم والتنسيق ، وهي
انهاء حالة الفوضى في تقديم العروض ، بحيث نذهب الى مسرح الكشاف فنجد عرضا للمسرح الوطني ، وفي اليوم التالي
عرضا لفرقة جديدة من هواة الارياف ، وفي يوم آخر ، عرضا لفرقة مسرحية قادمة من احدى المدارس الاعدادية ،
والمطلوب هو تخصيص مسرح كبير وليكن مسرح الكشاف مثلا للعروض ذات المستوى الكبير الراقي ، الذي يوازي مسرح
المحترفين في البلدان الاخرى ، فلا سبيل مثلا لان تذهب الى لندن وتجد فرقة مسرحية في مسرح لورانس اوليفييه أو
تذهب الى مسرح الاوديون في فرنسا وتجد فرقة هواة قادمة من ارياف نورماندي ، فلكل مقام مقال ، ولكل مستوى من
المستويات، المكان الصالح للعروض التي تتفق معها ، بحيث يستطيع المتفرج وهو يذهب لذلك المسرح او غيره ان
يعرف على وجه اليقين انه سيشاهد هذا النوع من المسرح ، محترفا ، او طلابيا ، او مسرحا للهواة ، دون انتقاص من
أي جهد ، فلا يجب ان يقوم شيء على حساب شيء اخر ، ولا يجب ان يستوي الماء والخشب ، لان الخلل في المقاييس
والموازين سيقود بالتالى الى الفوضى ، واجهاض فرص النجاح والتطور التي ننشدها .
يمكن بالتأكيد اضافة افكار اخرى ، تنفع لاثراء الحركة المسرحية ، ولكنني حرصا على تسهيل المهمة امام
المسئولين على المناشط المسرحية ، واظهارا لمدى سهولة ووضوح الخطوات القادرة على انجاز الهدف الذي يصبو
اليه المسرحيين ، اكتفي بتقديم هذه الافكار ، مبديا وانا اقدمها تشككي العميق في ان يكون هناك حقا من سيأخذ
بها ، مثلها مثل افكار اخرى ، نراها تتواتر في الصحف والمنابر الاعلامية ، منذ عقود وعقود ، دون ان نرى لها
اثرا في الواقع ، لان هناك شرطا اوليا ، يعتبره اهل الفقه الركن الجوهري في اية عبادة ، هو شرط النية ، أي
النية على القيام بهذه النهضة وتحقيق الاصلاح الذي تحتاجه الحركة المسرحية ، وهي نية لا اظنها موجودة ولا متوفرة
عند اهل الحل والعقد ، ونرجو الله ان يرينا البرهان على ان هذا الظن بالقائمين على الحركة المسرحية ظن عاطل
باطل لا مصداقية له ، اللهم آمين .

من almooftah

اترك تعليقاً