ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-25- نوري عبدالدائم
**************************

فؤاد الكعبازي
سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر
حوار / نوري عبدالدايم

على مدى ستة أيام متقطعة حرص الأستاذ ” فؤاد الكعبازي ” كما حرصت على أن تترك الذاكرة تقودنا الى سرد حر مفتوح لأن الذاكرة كما يقول أشبه بالفقاقيع إذا أطلقت واحدة تيقظت الأخريات ” فكانت تداعيات سرده أشبه ببناء روايات ” ميلان كونديرا” في إنتقاله الزماني والمكاني والعودة اليهما . لم تفارقه ذكريات طفولته فنراها نقية صافية على غير ذكرياته في فترة الأربعينيات والخمسينيات التي يتعذّر عليه رصد تواريخها وأسماء أعلامها تاركاً لي مهمة التـأكد منها من المراجع أوشهود عصرها للأمانة . هنا أختص بنشر مادار بيننا من حوار حول المسرح وأعلامه الرواد .
* :- عندما تأسس ” نادي العمال ” سنة ” 1944 م ” برئاسة ” احمد قنابة ” وعضوية د. مصطفى العجيلي ” نائباً للرئيس ” و ” محمد محمد قنابة ” أميناً للصندوق . قمت بتصميم شعار النادي ، بالإضافة الى نشاطك كرياضي ومصمم مناظر “1 ” .
د . الكعبازي :- كان أغلب رواد ” نادي العمال ” من خريجي ” مدرسة الفنون والصنائع ” وكان رواده ” مصطفى العجيلي ، والهادي المشيرقي ، ومحمد قنابة ، واحمد قنابة ، ومحمد حمدي ، وأحمد البيزنطي ، عبدالمجيد النعاس ، والصديق حواص ، وسالم التلتي ، وعمر حدود ، سالم كمال ، وأحمد الحصايري ، _ تحر على الأسماء فذاكرتي لاتستطيع استحضارهم كلهم _ والتحق أخيراً ” مصطفى الأمير ” كان يضم موسيقيين و ملاكمين وأدباء وعمال … كان مقرّنا في ” حوش قنابة ” بشارع ” سيدي درغوت ” وهو عبارة عن منزل عربي يحتوي على استراحات . صممنا فيه حلبة للملاكمة ومصطبة للتمثيل في صالة بمساحة ( 12×12 متر) قمت بهذا العمل صحبة ” علي فتحي المحمودي ” من مناظر ونجارة…. يضم هذا المقر إستراحات صيفية وصالة للشتاء ، تركنا في خلفية الركح مسافة 30 سم على الحائط لضرورات التنكر وتغيير الملابس ” كواليس ” و لم يترك مكاناً للملقن الذي يعد ضرورة من ضرورات فن التمثيل في ذلك الوقت ، فكان بدوره يحفظ جميع الأدوار ويتنقل حسب حركة الممثل . كان أيضاً ” مصطفى العجيلي ” و محمد حمدي” يمتلكون القدرة على الحفظ …. روح التعاون هي المبداء الذي اعتمدناه في هذا النادي … كانت تجلب المقاعد من المقاهي بعدما تقفل أبوابها . وتكفلت أنا بالستائر من بيت والدي وإرجاعها للبيت بعد العرض . منهم من تكفل بمد الإنارة . الملابس كان يتكفل بها الممثلين . كان ” مصطفى العجيلي ” يمتلك مقدرة نادرة على جمع التبرعات من الأسواق بمساعدة ” محمد الكريكشي ” . إضافة لدوري في المناظر والتنكر كنت مدرباً للتربية البدنية ” الملاكمة ، المصارعة ، كرة القدم” . كما قدمت يوم الافتتاح عرضاً رياضياً “1” …. كنت قبلها منتسباً للنادي الأدبي والكشاف صحبة ” مظفر رفعت ” والد ” حورية مظفر ” ، و” مماد الامير” ، والد ” مصطفى الأمير ” . ولد ” الكشاف ” سنة 1934 م ” قبل ميلاد ” النادي الأدبي ” كانت التدريبات _ أي الكشاف _ في ” سيدي عمران ” كما أسس ” نادي العمال ” تحت مظلة ” النادي الادبي ” الذي أفتتح امام ” مكتب الفنون و الصنايع ” أمام ” فندق البدري ” .
*:- أخبرتني بأن والدك لم يذهب للعروض المسرحية إلا مرة واحدة عندما ألتزم أمام فرقة هواة درنة سنة 1936 م . كما لا يرغب في إنضمامك لأي فرقة مسرحية .
د. الكعبازي :- كان ” مصطفى العجيلي ” يتمتع بعلاقة طيبة مع والدي الذي دعاه لحضور أحدى العروض التي أمثل فيها دور ” عريس ” يموت والده دون علمي . لم يرض أبي هذا الموقف و تشأم منه ولم يذكره سلباً أو إيجاباً . كانت ردة فعله الوحيدة إمتناعه عن الكتابة في مجلة ” المرآة ” التي يديرها ” مصطفى العجيلي ” أنتقل هذا الإحساس إلي من والدي ولم أعد التجربة بعد ذلك .
*:- هذا أخر عرضاً لك كممثل … كيف كانت البدايات ؟
د . الكعبازي :- اول عرض أذكره كان مع الممثل ” محمد حمدي ” في دور ” طبيب ” كان باللهجة المصرية التي لم اكن أجيدها مثل ” حمدي ” و ” حسن المصري ” ، الأمر الذي جعل الجمهور يضحك من طريقة أدائي . واضحكت ” حمدي ” معي . كتبت الصحف ” الممثل الذي أضحك ” حمدي ” …. تعلمت من حمدي فن التنكر والإخراج وطريقة صباغة الوجه . …. بعدها انتقلت فرقة ” نادي العمال ” الى مقر أخر “2” . شاركت في تأسيس ” الفرقة العربية للتمثيل ” 3 ” مع نخبة من المثقفين أذكر منهم ” محمد حبيب الله ، سالم كمال ، أحمد جميل ، عبدالسلام باش امام ” مع الأستاذ ” الطاهر الشريف ” _ وهو شخصية وطنية _ أتفقنا مع ” سالينوس ” صاحب ” الهمبراء ” الذي خصص لنا صالة للتدريبات . كنت مسؤلاً فنياً في أغلب أعمال الفرقة وكان ” سالم كمال ” مديراً للإدارة المسرحية . كانت لغة الأعمال الفصحى البسيطة السلسة . قمت بإخراج مسرحية ” أماه ” من تأليف ” الطاهر الشريف ” تحكي سيرة ثلاث شخصيات ” عمر الخيام ، ونظام الملك ، وحسن السفاح ” وتربط بينهما ” الأم ” كنت أقوم برسم الشخصيات حسب تصوري وأقدمها للممثلين مع النسخة ، في أغلب أعمالي كنت أعتمد هذه الطريقة وأيضاً كنت أحاول أن أجرب الممثل في أغلب الأدوار . في أحد الأعمال أسندت دور ” المحقق ل ” لبيد الخضار ” وأسندت للبيزنطي دور ” بحار ” مع كل تفاصيله بالوشم والأداء .. مع مخارج حروف الشخصية . ففي هذا العمل يمثل عاملاً وفي عمل أخر مديراً . ولتأثري بالسينما أدخلت الأداء الطبيعي للمسرح مستعيناً بناقل للصوت . مثلث في هذا العمل فتاة إيطالية مستوطنة ، كما قمنا بتنفيذ شلال تجري منه المياه بمساعدة الخلفية والإضاءة وتوزيع المياه من الحنفيات …. في أحد العروض قدمت الفرقة ” لبيد لخضار ” _ وهو شخصية محبة للفن ويتمتع بصوت جميل ويعشق أغاني ” محمد عبدالوهاب “_ بالات عصرية اوركسترالية متكاملة غنى فيها قصيدة ” أنشودة الفن ” ” 4 ” .
* :- كيف كانت أشكال الدعاية في ذلك الوقت ؟
د. الكعبازي :- كان ينشر إعلانأ في صحيفة ” طرابلس الغرب ” مع ملصقات كبيرة تعلق أمام المسرح كان ” محمد بطاطا ” ينسخ منها عدة نسخ في مطبعة يملكها إيطالي . وأوراق صغيرة ملونة توزع يكتب عليها أسم العمل ومكانه وقيمة التذكرة . بقيت مع هذه الفرقة الى غاية ذهابي الى ” بريطانيا ” للدراسة .

– المصادر :-

-“1″_ تصدرت الساحة حيث يقع مربع الملاكمة صورة كبيرة لشعار النادي قام بتصميمها ورسمها ” فؤاد الكعبازي ” ………. وانتهت الحفلة باستعراضات رياضبة سويدية قام بها المدرب الرياضي ” فؤاد الكعبازي ” والرياضي المسرحي ” عمر جرمة ” . المصدر / بشير محمد عريبي ” الفن والمسرح في ليبيا ” منشورات ” الدار العربية للكتاب ” ليبيا- تونس 1981 م .
“2” _ سنة ” 1945 م ” انتقلت الفرقة الى ” فندق النصر ” أما ” برج الساعة ” بشارع سوق المشير كانت باكورة ‘إنتاجها ” مساوي المال ” تأليف ” عبدالرزاق الطاهر البشتي ” أخراج ” د . مصطفى العجيلي ” وأشرف على الإدارة الفنية ” فؤاد الكعبازي ” . المصدر السابق .
” 3 ” _ تأسست الفرقة العربية سنة ” 1946 م ” وكان بين روادها ” الأديب الطاهر الشريف ، مظفر الامير وبشير عريبي ” أهم أعمالها المسرحية ” الأبرياء ، أماه ، العاقبة ، تاجر الجواهر ” من تأليف الطاهر الشريف ، وفد ندبوا أستاذاً إيطالياً لتدريبهم على التمثيل وأستاذاً أخر للموسيقى . المصدر السابق .
“4 ” _ عقب عرض مسرحية ” الأبرياء ” تأليف واخراج ” الطاهر الشريف ” قدم ” لبيد الخضار ” ” أنشودة الفن ” وهي أحدث أغنية ل ” محمد عبدالوهاب ” رافقته في الأداء الفرقة الموسيقية الشرقية بقيادة ” عثمان نجيم ” وعزفت الفرقة الموسيقية عدة قطع غربية بقيادة المايسترو ” باربا لونقا ” . المصدر السابق .
الأزهر أبوبكر حميد
متعة الكوميديا وجرأة الطرح
بقلم/أحمد بشير عزيز

الأزهر أبوبكر حميد كاتب فقدناه وفقدنا معه مبدع أعطي للحركة المسرحية وللإذاعتين المرئية والمسموعة في بلادنا الكثير والكثير.غادرنا في أوج عطائه وفي قمة نضجه الإبداعي.الأزهر أبوبكر حميد خيال خصب وقلم رشيق يمتاز بمقدرة ملفتة على اقتناص الفكرة واستثمار اللحظة وإدارة الحوار الدرامي بطريقة فيها من التلقائية والإنسيابية والروح الشعبية الشيء الكثير. فهو بالفعل كاتب شعبي من الطراز الرفيع.الروح المرحة ساعدته كثيراً وشقاوة الصحفي أفادته كثيراً وسؤال المعرفة الذي لأزمة أعانه كثيراً،في كتاباته جرأة وفي مسرحياته جرأة وفي تمثيلياته أيضاً جرأة فهو لايكترث بالقيود الاجتماعية ولا يعير أهمية للمجاملة ولا يتردد في الجهر بقناعاته حتى وأن خالفها البعض. هذا التكوين وضعه في سجال دائم وفي مناكفة مستمرة وفي حالة عدم رضي من الكثيرين وفي حالة أعجاب الكثيرين أيضاً وحقيقة الأمر أن الأزهر هكذا هو لايتصنع ولا يدعي وما يقتنع به لايتردد في فعله.
الأزهر أبوبكر حميد كاتب غزير الإنتاج كتب أكثر من أربعين مسرحية وما يزيد عن المائة بين تمثلية ومسلسل ومسمع إذاعي إضافة إلى عدد من السهرات الدرامية والمسلسلات المرئية.
عناوينه مثيرة وملفتة وكثيراً ما تكون جذابة من عناوين مسرحياته وزارة في السوق السوداء-إبليس كان هنا-السماسرة-شكسبير في ليبيا-نقابة الخنافس-ملحن في سوق الثلاث-حريم عمي المتصلول-الحب بالدينار-تحظمت الأصنام.
حوارات الأزهر أبوبكر حميد ليس بها إطالة أو تمطيط وهو لايركز كثيراً على الديالوجات أو المنولوجات بل كثيراً ماكان يصنع نصه على أساس التراشق الحواري بين الشخصيات مما يعطيها مزيداً من الديناميكية والحيوية وهو عادة ما يدير بناءه الدرامي عبر مواجهات ساخنة في إطار كوميدي بهدف إظهار السلوكيات غير السوية وكشف الظواهر الاجتماعية السيئة..فالأزهر عندما يعري شخصياته فأنه يقوم بوظيفة مزدوجة فهو يضحكنا على تطرف الشخصيات من جهة ويجعلنا نسخر من هذا التطرف من جهة أخرى.الأزهر أبوبكر حميد بدون شك احد فرسان الكوميديا الاجتماعية في بلادنا واحد رواد المدرسة الواقعية.
في أعماله ظهور واضح لكوميديا الموقف التي تعتمد على المهارة في بناء المفارقة الدرامية أكثر من اعتمادها على صياغة الحوار.وعادة مايثير بها قضايا اجتماعية شائكة تحتاج لجرأة الطرح وقدرة التناول.في مسرحياته لا وجود لشخصيات نمطية كما هو الحال في مسرح مصطفي الأمير وفرج قناو بل شخصياته المسرحية متجددة فهي معاندة مشاكسة متشبته متزمتة مهرجة متحررة مقهورة انتهازية نفعية مقتبسة من شرائح المجتمع المختلفة يستلها من تراكمات الواقع الاجتماعي يصوغها دراميا ويعتني بها إبداعياً وهو بذلك يركز في نصوصه على حركة عامة داخل المسرحية تستوعب شخصياته وتعطي لكل واحدة منها ما تحتاجه من فعل أو رد فعل وما تتطلبه من قوة أو ضعف وما يلزمها من انفعال أو تأثير.
الأزهر أبوبكر حميد يتعامل مع الكوميديا من خلال مفهومها الواسع الذي هو ثورة على قيم قديمة وعلى مجتمع قديم وتفسير لرؤى عميقة في العلاقات الإنسانية.وهذا ما يجعل الكوميديا عنده فناً جاداً يرتكز على مفارقات ديالكنيكية جدلية تفضي إلى مضمون هادف وليس إلى مجرد التسلية أو التزجية.لقد سعي الأزهر وبمثابرة كبيرة إلى أن تكون له بصمته المتميزة في مجال كتابة النص الكوميدي وحرص في مسرحياته على أن ينفلت من دوائر الحياة الضيقة المسكونة بالحزن والفجيعة إلى دوائر أرحب كلها تفاؤل وأمل انطلاقاً من أن الحياة مدرسة كبيرة فيها كل الاحتمالات ولكن بالصدق والجرأة والعزيمة والصراحة والشفافية يمكن للحياة أن تكون جميلة رائعة.

من almooftah

اترك تعليقاً