ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-23- نوري عبدالدائم
**************************

علاقة جميلة كهذه
رحيل الجياد البرية
بقلم عبد الله الزروق

مثلما تموت الجياد البرية وحيدة وكريمة وتسقط بلا معين بعد أن كانت تزرع البهجة وتفتح عوالم الدهشة سقط الراحل فرج قناو وحيداً وكأنه نسياً منسياً سقط فرج قناو بعد أن قدم للمسرح الليبي جواهر الكلم وعذب البيان مناضل اسطوري عاش بيننا اعواماً زرع في قلوبنا بيادر الحب وغاص في كيان المجتمع فقدم آهاته وآماله وأحلامه شاهداً على عصر قدم مفرداته بأمانه وعشق بعيداً عن الفترينات والواجهات وتجارة الكلام .
عرفته في عام 1968 مسيحي بعد أن قدمه لنا الصحفي والفنان عثمان إسماعيل في فرقة المسرح الليبي والتي كان مكانها في ذلك الوقت بالظهرة شارع سيدي بن الأمام انسل هذا الرجل إلى داخلنا بهدوء وبدون ضجيج كنا في ذلك الوقت نجرى التدريبات على مسرحية “السماسرة” للراحل الأزهر أبو بكر حميد ورحب به الأعضاء عبد الله الشاوش ـ عياد الزليطني ـ عثمان اسماعيل ـ سعيد المزوغي ـ محمد الغرياني ـ الدوكالي بشير ـ عيسى عبد الحفيظ، رمضان القاضي وغيرهم وفي أيام أصبح صديق الجميع كان يشتغل في ذلك الوقت في صحيفة “الشعب” والتي كان يدرها ويرأس تحريرها الأستاذ الكبيرعلي مصطفي المصراتي وعاش معنا فرج قناو في أجواء التدريبات إلى درجة أنه في عرض المسرحية الأخير في مسرح “الارنيا جاردينو” “الحديقة الصيفي ” والذي يقع في شارع حسونة باشابين شارع أول سبتمبر ـ وشارع المقريف ـ ومكانه الآن (محطة سيارات) في العرض الأخير غاب أحد الممثلين فأسند دور الضابط للراحل قناو وهو أول وآخر دوره مثله وفي نفس السنة تأسس (اتحاد الهواة العرب السينمائي) وكان مكان هذا الاتحاد غرفة في فرقة المسرح الليبي..ومن أعضائه مصطفى المصراتي .. والشاوش وسعيد المزوغي..وسعد الجازوي .. وعيسى عبد الحفيظ ومحمد الغرياني .. ويوسف النعمي وكان فرج قناو أيضاًً أحد أعضائه .. وقد قدم قصة قصيرة في ذلك الوقت لانتاجها سينمائياً .. تحت اسم ( عودي يا صغيرتي أمينة ) كما قدم الراحل الأزهر حميد للاتحاد قصته( الزهرة الأخيرة) ..وأصبحت الفرقة محظوظة في ذلك الوقت فهي تضم ثلاثة صحفيين عثمان اسماعيل وسعيد المزوغي وفرج قناو.
وفي عام 1971 مسيحي ترك الراحل الأزهر حميد فرقة المسرح الليبي .. وقد كان هو المخرج الأوحد والمؤلف الأوحد فترك فراغاً كبيراً .. عندها تقدمت للإخراج مسرحية (الحضيض) للكاتب الروسي مكسيم جوركي وساعدني الجميع البوصيري عبدالله وفرج قناو وشاركني فيها ممثلين منهم عبدالله الشاوش ـ عبد الوهاب الزنكولي ـ سالم جمعة المرحومين رمضان القاضي ـ وعلي العلواني ورسام الكاريكاتير محمد الشريف والفنان عبد السلام القرقارشي والفنانة المصرية زينب عبد العزيز .. والفنانة خدوجة صبري وكان عمرها في ذلك الوقت إحدى عشر سنة . وتمت المجازفة بنجاح غير متوقع أنقذ الفرقة من الاساءة التي واجهتها في المهرجان الأول للفنون المسرحية بعد عرضها لمسرحية ( دولاب الملابس وحجرة المكياج ) للراحل الأزهر حميد والتي تحصلت على الترتيب الأخير بعد ذلك بدأت مرحلة فرج قناو .. فبدأ تجاربه في الكتابة المسرحية.
بإعداد مسرحية “هال أشي ” لاتتزوج مؤلفة والتي حولها إلى مسرحية “متزوج سبعة ” والتي كان أول عروضها في مدينة بنغازي في نهاية عام 1972مسيحي وبعد ذلك أعد عملاً آخر وهو مسرحية “اللي اتديرة تلقاه “وهي ماخوذة عن مسرحية “الراجل اللي ضحك عالملايكة “للكاتب المصري علي سالم وأخرج المسرحية أيضاً وهي مسرحية قصيرة مثلها الشاوش وخدوجة ورمضان القاضي وهي أول وآخر إخراج له .
بعدذلك توالت أعماله المسرحية الاجتماعية والتي شكلت في مجموعها اقتراباً حقيقياً من أديم المجتمع وإبراز مكارمه وخصائله وخصوصياته فاصبحت تجاربه الاجتماعية في البنت اللى قالت لا وأخطي رأسى وقص وحوش العيلة له خصائص تذكرنا بمسرح نعمان عاشور وسعد الدين وهبه ..و كذلك هجالة وميات عريس.
وقد كان لي شرف أن أخرج لهذا الكاتب الكبير مجموعة من أعماله منها متزوج سبعة ـ أخطى راسي وقص ـ البنت اللي قالت لا ـ بشرى ـ الطير اللي يغني ـ حدث ذات مرّة وهي سلسلة اعتز بها كثيراً … ولم ينتج فرج قناو نصوصاً مسرحية فقط بل أبدع شخصيات أصبحت نماذج حقيقية للمواطن مثل بوعديلة،وهرودة ،والحاجة مناني، ونعنوشة وتبره .. وساهم أيضاً في انتاج ممثلين مثل فتحي كحلول، وخدوجة صبري، وعبد المجيد الميساوي،وحسن اكشيك ولطفية ابراهيم .. وقدم لهم أدواراً صنعت منهم فنانين حقيقيين وكان الراحل قناو شاعراً منفرداً بجمل في أعماقه حنيناً دائماً .. وبحث دائماً عن معانٍ تجذر الأصالة .. وكأنه كان يخاف من تلاشي الهوية .. فيقولها في بعض أعماله…
ومادابينا نسيروا منطلقة خطاوينا
ومادابينا نغنوا مع الطير غناوينا

ويقول أيضاً ..
حوشك ياعمي عبدالله
حرام يعطوه لبوبرطله..
ويقول أيضاًِ
حرام ينعرض للبيع حوش العيلة
حب انكتب في القلب وآش يشيله
ويقول عاشقاً
لاتهمدي رمشك ولا تصديني
فتمهيدتك تحت الهدب تلقيني
هذا هو جانب من جوانب الفنان الراحل فرج قناو والذي فقدت بموته شقيقاً وأليفاً وعزيزاً كاتباً مثقفاً بدأ حياته بقراءة المتون والمراجع عرف الأغاني للأصفهاني والعقد الفريد ونهم البلاغة والحيوان للجاحظ .. وتمتع بالمعلقات السبع..عاشقاً من عشاق المعرفة …
وسراجاً حقيقياً..وعندما تخلى عنه الجميع .. ترك حياتهم واتجه إلى عالم الطفولة إلى معسكرات البراعم يلقنهم المعرفة ويطرح فيهم مشروع مسرح المستقبل..بقى وحيداً طوال حياته .. وآن لهذا الفارس أن يترجل … وودعنا طيفاً حقيقياً لون حياتنا بالأزاهير .. ليلي بسيط .. وليبي بسيط فقط ..ولكنه بسيط جداً..

 

من almooftah

اترك تعليقاً