#كتب أ نور الدين الهاشمي
حين اقترب سرب الغيوم من أطراف المدينة انفصلت عنه غيمة صغيرة تدعى ديمة …نادتها أخواتها
– إلى أين تهبطين يا ديمة ؟
– أريد أن أرى المدينة
– لكننا في عجلة من أمرنا …فقد تعبنا من السفر والتجوال وحمل الماء
– أمطري هنا ..
– لم يحن الأوان بعد
– دعوني قليلا هنا ..سألحق بكم في أسرع وقت
تابع سرب الغيوم سفره على أجنحة الريح …هبطت الغيمة.. هبطت ..تتأمل البيوت ..الشوارع ..الأسواق …الناسَ الراكضين السائرين الذاهلين …لا ينظرون إلى الأعلى أبداً …ثمة جبال من التعب والألم والقهر والإعياء ترضّ أجسادهم وتشرخ أرواحهم …كادت الغيمة الصغيرة أن تحلق من جديد لولا أنها قد رأت من خلال نافذة في كوخ صغير طفلا يستلقي في سرير له عينان سوداوان واسعتان حزينتان وثمة ضماد أبيض يلف رأسه ويديه ..هبطت الغيمة هبطت حتى حاذت النافذة …ونادت
– صباح الخير
– صباح الخير ..من أنتِ ؟!
– أنا ديمة ..
– أنا نبيل ..
– لماذا أنت راقد في السرير يا نبيل ..؟
– كنت ألعب مع رفاقي فسقطت قذيفة قربنا ..
– أين أمك ؟
– لا أدري …بعضهم قال إنها ذهبت تبحث عن أبي ..وآخرون قالوا إنها غرقت قي البحر ..وآخرون قالو إنها سجينة …وآخرون قالوا..
– لا تبك يا نبيل …ماذا أستطيع أن أحقق لك ..
– أريد أن أرى أمي …
– صفها لي …
– جميلة …رائحتها عطرة ..لا تتعب …
– عرفت ..عرفت ….انظر …
تماوجت الغيمة الصغيرة فقصرت واستطالت واستدارت وتشكلت على شكل غزال جميل
– أهذه أمك ؟
– هذا غزال يا ديمة
– ألم تقل بأن أمك جميلة كالغزال …انظر إذن ..
– هذه وردة بيضاء يا ديمة
– ألم تقل بأن أمك رائحتها عطرة ؟..انظر ..
– هذه حمامة يا ديمة ..
– ألم تقل بأن أمك نشيطة ولا تهدأ أبداً …؟
– أمي إنسانة يا ديمة ..إنسانة ..وتبتسم دائما …
– لا تبك يا نبيل
– أنا مشتاق إليها ..
– هل لديك صورة لها ..؟
هز الطفل رأسه المحاط بالشاش والقطن المدمى …..
صمتت الغيمة حزينة …ارتفعت في السماء قليلا…هبت نسمة باردة لطيفة …فتساقطت ديمة على شكل حبات مطر تقرع نافذة الطفل كموسيقا عذبة كما رسمت في السماء قوس قزح جميل ..غفا الطفل ..وارتسمت ابتسامة حلوة على وجهه وتلاشى الألم …قالت ديمة وهي تتلاشى
-أنا واثقة أنه يرى الآن أمه الجميلة الحلوة النشيطة ..الباسمة

من almooftah

اترك تعليقاً