Abdellatif El Batal مع أحمد بلحاج آية وارهام
مساء الخير أصدقائي صديقاتي
حضي ديوان “العلبة السوداء بعناية الشاعر العميق و الناقد المتميز سيدي أحمد بلحاج آية وارهام، حيث وضع له مقدمة بعنوان :
#أسرار( #العلبة #السوداء)
كثيرا ما نخال أن الوجود مُكتملٌ، وأن حياتنا فيه ضَرْبٌ من السعي صوبَ مجهولِ الحُلْم لا صوب الاكتمال،وذلك لأننا تعوَّدنا على تنفُّسِ هواء الطبيعة، ولم نتعود على تنفُّس هواء الفنون التي تعطي لهذه الحياة معنى أجدَّ في كل لحظة،وماهيةً خاصة.. هي ماهية الاكتمال الروحي والجمالي، وفي مقدمتها الشعر الذي هو نبض الوجود، وضرورة الكائن الأنطولوجية، وعيْنُه اللغوية التي يبصر بها الأكوان وهي تتناغل وتتفاعل وتتناسل مثله، تارة بخفًّة وسلاسة، و تارة أخرى بحدَّة وضغط دمٍ، وكأنها تُكلِّمه رمزاً بما عليه أن يبتدعه ليكتمل،ويسعى إلى الضوء الراعش خلف اللانهائي.ِ
وهذا هو الوعد الذي يقدمه لنا الشعر في ديوان (العلبة السوداء) للشاعر عبد اللطيف البطل،فهو ديوان وعُودِ اللغة في اغتسالها وانتشائها،وديوانُ التخييل في بكارته وفرادته،وديوان الشعرية الآتية من أعالي الشفوف، ومن الغرابة الآخذة باللب صُوراً وبنياتٍ وبلاغةً،حتى ليَعرُوك يقينٌ أنه أرضٌ شعريةٌ، يضُوع فيها النثر بمصابيح البُهْرِ، وتتبرَج فيها المغايرة والمخالفة للسائد والمألوف إلى حدِّ الصعق، إعجاباً بما أتى به من بنيان شعريٍّ ما كان لك عهد به فيما كُتِب ويُكتَبُ من شعر بالنثر.فالشاعر عبد اللطيف البطل قد كتب عمله الشعري هذا بحبر الروح،ليُعانق المتلقي فيه نفسَه، ويرى حياتَه في حميميتها، و في خفائها وتجلياتها:
لن يهزمني الملل
ما دمت أخترعني
كل صباح
ويرى كذلك وجهَ الوجود المستكِنِّ بين خلاياه الجذعية، ويعملَ على تطويره، و ترويضِه لغاياته. فنحن الوجود في تحولاته، وليس هو نحن:
قد تتخلى عني رئتاي
ولا شيء يُحركني
فأتنفس إكسير اللغة
المتقطِّر
من عروق الرغبة
الجامحة .
لا نكاد نحيد عن الصواب الشعري إذا قلنا إن الشعر في هذا الديوان يَصنع، وبقوة اللغة والتخييل، فعل الوجود، ويسافر بالمُخيلة إلى أقاصي الدهشة والإدهاش التي عجزت عن الوصول إليها أجنحة البرناسيين والسورياليين :
عند ما رغبت في التنزه
اخترت السماء
رضعت من ثدي عقرب
مخمور
وشربت كأسا من الثرثرة
لأنعش فشل لساني.
فعوالم الديوان وأجواؤه تمنحك متعة الصدمة بما لا تتوقعه، ورعشةَ اللذة القصوى بما أدخله في كيانك من سحرٍ مبين، ومستحيل متَصَوَّرٍ، كان من قبلُ في رحم العدم:
لن يرى الكفيف
إلا ضوء
أبيات الشعراء.
ونحن لن نرى كينونتنا الخفية المحمولةَ على أعمدة التضادِّ إلا في علبة الشاعر عبد اللطيف السوداء، فهي مَكنزُ أسرار الشعرية، ومَكنز أسرار الانجراحات والخيبات التي تعصف بنا، فنسقط غافلين عن أسباب هذا السقوط.
وإذن؛ فإن الدخول إلى هذه العلبة هو دخولٌ إلى الجوانب السرية فينا، وفي وجودنا،وكم سيكون الولوج في طقوسها ولوجاً في الشهيِّ الأبهى، وفي الألوان المفارقة للعادة، والعازفة على وتر التجدد المنشود، في زمن لا يصهل فيه غير الرماد.