تمام العواني

ذكرياتي مع المعلم فرحان بلبل
منذ عشرين عاما انتسبت الى فرقة المسرح العمالي الذي كان يديرها الكاتب والمخرج فرحان بلبل .
واشتغلت عرضا مسرحيا للاطفال ( البئر المهجورة )
ومن حسن حظي ان الفرقة ستذهب الى التجمعات العمالية
( رميلان وجبسة )
والفرقة عادة تقدم لهذه التجمعات
عرضان مسرحيان .
عرض للاطفال وعرض للكبار .
وانطلقنا وركبنا الباص وكنا جميعا بسعادة عارمة
انطربنا لاصوات بعضنا ورقصنا ولعبنا الورق ونحن في الباص
لان الطريق كان طويلا .
وصلنا الى رميلان وكان هناك قائدا للرحلة وعلى ما اذكر
هو عضو الفرقة الشاعر الجميل عمر قندجي .
نزلنا من الباص وانزلنا ديكور المسرحيتان ، ثم قام بتوزيع الغرف علينا الصديق عمر .
وقبل العرض المقرر بيوم واحد حدث الذي لم يكن في الحسبان . الم شديد لا يحتمل في خاصرتي .
نوبة البحصة . . بكيت من شدة الالم .
ركض نحوي جميع اعضاء الفرقة بعاطفة صادقة لم اراها من قبل .
حاول الراقي والانيق عبد القادر الحبال ( ابو نجيب )
حملي ومساعدتي لاخذي الى الوحدة الصحية ، لكنني كنت متعبا جدا وغير قادرا على النهوض .
عيناه دمعت علي ورايت في وجهه كل عاطفة الدنيا نحوي
انا لا ابالغ ولا اجامل ابو نجيب رجل شهم ونخوة ورجولة
يملك من الحب الكثير . وهذا لا يقلل من شان اعضاء الفرقة
وعاطفتهم وحبهم الكبير لي .
لكن للانيق ابو نجيب شي اخر .
المهم احد الاعضاء اخبر الاستاذ فرحان بلبل بان تمام يعاني من نوبة البحصة .
جاء مسرعا من غرفته ملهوفا ومرتبكا وهو ينظر الي بعين الاب . .لا يمكن ان انسى تلك اللهفة وذاك الحنان الذي غمرني بهما .
نظر الى ابو نجيب وقال : اتصل بسيارة الاسعاف فورا
وفعلا دقائق جاءت السيارة وليس غريبا على شباب الفرقة الجميع اراد ان يذهب معي الى الوحدة الصحية .
لكن المعلم رفض رفضا قاطعا : لا احد يذهب معه غيري
ابو نجيب بعاطفته المعهودة قال له : ابا عمار انت متعب ومريض انت ادخل غرفتك وانا اذهب معه .
لم يستمع المعلم لكلامه .
نظر الى اعضاء الفرقة وقال : ابقوا في اماكنكم لن يذهب معه احد غيري . . انتهى الكلام .
انطلقت السيارة الى الوحدة الصحية .
دخلنا . . . جميع كادر الوحدة يعرف من هو فرحان بلبل
وقاموا بالاجراءت على الفور مع بعض الفحوصات وبعض الادوية المهدئة ، حتى استرحت قليلا .
وعدنا معا وساعدوني الشباب للوصول الى غرفتي
والالم مازال موجودا لكنه خفيف .
وقف في الباب المعلم ضعوا فوقه ماتيسر من ( الحرامات)
لانه اصابني شي( من البردية ) .
اتروكوه وحده في الغرفة .
لا يمكن ان انسى ابدا كيف يفتح باب الغرفة كل نصف ساعة بهدوء ليطمئن علي .
ما هذا الحب الذي يملكه هذا المعلم
نعم انه معلم . . معلم بعلمه واخلاقه وحنانه الكبير نحو اعضاء فرقته .
تعلمت منهم الانضباط والتنظيم والحقوق والواجبات
والاهم تعلمت منهم الحب والتفاني في سبيل الاخر ،
والا كيف استمرت اربعون عاما هذه الفرقة .
وراء هذه الفرقة معلم كبير يدعى فرحان بلبل .
فرحان بلبل لن يتكرر ابدا .

من almooftah

اترك تعليقاً