الصناعات الثقافية
مريم ابرادشة Meriem_brad26 يناير، 20190654
يعد مفهوم الصناعات الثقافية من بين أحدث المفاهيم التي دخلت حقل التداول ضمن الممارسة الأكاديمية لعائلة العلوم الانسانية و الاجتماعية و ذلك بفعل مرتكزات عدّة من بينها : المرتكزات الفكرية و الاقتصادية .
و يعتبر مفهوم الصناعات الثقافية مفهوم هلامي يصعب ضبطه، و قد نشأ بفعل جهود مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية، و دخل حقل التداول في الأربعينيات من القرن الماضي، إلّا أنّه قد أتى بصيغة المفرد في مقال بعنوان ” نقد العقل التنويري” و كذلك لولوج هذا المفهوم لحقل التداول في علم الاقتصاد و التجارة .
و نقصد بهذا المفهوم تشييء الفعل الثقافي و جعله سلعة تجارية خاضعة لنظام السوق ( العرض/الطلب) و للربح و الخسارة، و يعني أيضا : الإبتكار الثقافي و ترويج هذا المنتوج، و قد ركزت منظمة اليونسكو على حماية هذه المنتوجات و جعل فائدتها تصب لصالح الحفاظ على التنوع الهُوِّياتي و حماية حقوق الآخر و تقبل بيئته الثقافية .
و من أجل الحفاظ على هذه الصناعات الثقافية وجب على الحكومات أن تعمل على مأسسة هذا الابتكار الثقافي و ذلك عن طريق مؤسسات خاصة باحتضان هذا الفعل الثقافي، و أيضا وجب تكاثف الجهود خاصة التكتلات الاقليمية و القيام بأيام دراسية و معارض فنية و استعراضية من أجل ترويج مضمون المنتج و حمولته الثقافية .
و تعتبر الصناعات الثقافية من محددات الهوية و هي الحاملة لها، فهي تحمل في أبعادها تاريخ، لغة و حتى الحيّز الجغرافي الخاص بالبيئة الاجتماعية التي إحتضنت هذا الفعل الثقافي .
والبلدان المتطورة تعمل جاهدة على كسب الرهان و الخوض في عملية الإنتاج الثقافي و تصدير منتجاتها و صناعاتها الثقافية للآخر و هي بهذا تصدر هويتها و تروج لتاريخها و حضارتها من أجل كسب السيّاح و إنعاش السوق الاقتصادية و التجارية، حتّى و إن كانت السياحة من القطاعات الهشة إلا أنها تكون الرأسمال البشري و تحقق أرباحا باهضة، كما أنّها تنعش السوق الاقتصادية و تساهم في الحفاظ على الهويات الثقافية و تسجيلها في منظمة اليونسكو ضمن تراث ثقافي مادي أو لامادي لا يمكن سرقته و إن تمّ ذلك فيعاقب المسؤول عن هذا الجرم أشد عقوبة .
ففي عصر العولمة و الثورة التكنولوجية هذه وجب حماية الصناعات الثقافية من القرصنة مثل : سرقة الكتب العلمية أو نشرها على شكل pdf دون دفع حقوق للكاتب أو دور النشر .. أو حتى إعادة توزيع الأغاني القديمة.
وقد استفادت الصناعات الثقافية من مكاسب العولمة من خلال الترويج و الإشهار لهذا المنتج الثقافي و تسويقه عبر وسائل الإعلام المختلفة، و أيضا استفاد العديد من الكتاب من نشر أفكارهم بسهولة على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال مدونات أو مجلات علمية دون الحاجة لطباعتها في دور النشر و زيادة أعباء التكاليف .
و عصر العولمة هذا قد خلّف مل يعرف بالمجتمعات ما بعد الحداثية و التي بالرغم من كل النقد الموجه إليها و سلبياتها التي خاض فيها العديد من المفكرين ، إلا أن من أهم مميزاتها أن الفرد ما بعد الحداثي مهتم بالأقليات و الهوامش و يسعى للحفاظ على الموروثات الثقافية و الفكرية و مدافع شرس عنها .