لا يتوفر وصف للصورة.

‏‎Karam Alaraji‎‏
‏٨ يونيو – ‏2020 م‏ ·
نقر النوارس
…..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏طبيعة‏‏‏

يرزح تحت قبعة صغيرة من امجاده، لم يكن ثرثاراً لكن عقله دائماً يثرثر، قلقا من مجهولية ما يُستل من حياته باحثا عن جوهر خساراته، يخبئ جبن حقيقته وهو ينظر نحو سرب مجند للهتاف، مستترا خلف الحشد المتهور، الحامل ليافطات لاترسل الا الشتائم.. يخدشه شعور حاد بسبب هتاف الغائبين في اللحظة الصاخبة متفائلين بالقرار الذي لا ينفذ، الا على اساس هذه الصيحه،ـ
انسل خارج الضوء نحو صفناته الهادئة فاغراً فاهُ باللعنة على مايحدث، انها خديعة اخرى.. طينتهُ المجبولة من الحياء تدهس روحه الاشف من رائحة الطيب، الشعور يتجه نحو مكامن تدفعه بتسلط في هاوية اللوم، كان منجذبا لحرائق الاكتشافات الروحية من اسرار باطنه المنحوت من الدهشة التي لا تستقر، شعور مجازي مخيف -الحياة بقعه سوداء من الموت- مدَّ يدهُ في جيب سترته القديمة، مخرجا علبة النشوق، يشمها بنفس عميق بحيث تغيب احداقه في غفوة سريعة ودامعة ترافقها عطسات متواتره تنتشله من وهم اللوم، الذي لا يزال يطارده منذ شبة فكره الملوث بقراءات ضلّلتهُ بفلسفاتها فآنبهر بالعماء -الحياة بقعة سوداء من الموت-
لم تكن المسألة عميقة بقدر ما يتصور، طأطأ راسه ومضى يبحث عن حذاء قديم من (سوق البالة) كانت تستهويه الاحذية النسائية بجلدها الطري الاصفر الفاقع، نادراً ما يعثر على احجام كبيرة تناسب اقدامه التي اكلها زمن المشي الطويل فوق اعتق جسر يفصل ضفتي النهر، هذا بالاضافة الى نفسه اللوامة المعاتبة والمعاندة في تأنيب ضميره المتأرجح بين السلوك والوعي، لم يقل للحياة نعم هذا لانها جزء منسحق ينتظره الموت..ـ
قلب الحذاء الاصفر الفاقع والمبطن بصوف الكنغر، ارسل ابتسامته لصاحب (الباله) كشر مستجيبا لدعوته المبتسمه قائلا هذا نسائي من النوع الجيد بـ(250ر1) دينار، كل تلك المعرفة حطمتها جملة شعرية والتي بالغ في ترديدها البائع المقهقه (لا يربطني في هذه الارض سوى الحذاء) عرفه منذ اعوام الدراسة الثانوية ايام كانت لثغه الادب المتأثرة تجوب السنة الطلبه، تبادل معه القبل بعناق حار حتى انهما كادا يختنقان بعبرتهما، كان صديقاً حميماً..ـ
ـ اتذكر
ـ نعم اتذكر
ـ أتدري ان فلانه تزوجت
ـ ومن تزوجت – انها زوجتي
ـ جميل رغم انها لم تكن راغبة بك
ـ هذا هو النصيب..ـ
ـ هنيئاً لك فأنها تستحقك ايها المثابر بالعمل الشريف – ماذا نفعل هذه هي الحياة، حكمت علينا بالركض خلف الرزق الحلال
ـ امنياتي لك بالتوفيق
ـ وانت
ـ اكلت الشوارع اقدامي، وها انا ادور مكاني باحثا عن مبهم، – الم تتزوج
ـ النصيب، مع ابتسامة خفيفة اظهرت له تجاعيد وجهه
هذه التظاهرة ضد البطاله…ـ
ضحك عميقاً وهو يلقي عليه تحية الرحيل، هزّ الصديق راسه مهموماً دون ابداء اي طرح مغري لهذا المستقبل الباهر.. نفس المفاهيم الضيقة يحملها هذا الصديق، يتصور كما تصوره من قبل اصدقاء الشارع والمقهى وصاحب المنزل، راح يفتش بين الوجوه المكتظة في المكان عن ابتسامة حقيقية خارجة بلا تصنع، اشتعل شعوره وهو ينفض عن يده وسخ رماد سكارته التي بالغ في استنشاقها حدّ احتراق العقب، هذه العادة الازلية لاتفارقه منذ ربع قرن هدراً، تفرقت حشود المتظاهرين والابتسامة الخفية لم تظهر بعد على محيا احد من المارة، اختنق بالزحام الذي يشبه قطيعاً يخرج من زريبه، آخذا به الفيضان البشري نحو سوق (الصيرفة) حيث الغش والكساد، ودموع المساكين، استل من جيبه محفظته الاثرية التي ورثها عن جده يبحث في جيوبها المتعددة عن ريالات قد تبقت من رحلته الى الديار المقدسه، ربما كان احمقاً يجره الخيال نحو ابتكار حقائق جديده فيها تجاويد لمعناه بهذه الديمومة الفوضويه، ربما سيبدأ حياته، على نغمات هذه الوريقات او سيكشف لعبة السوق المتداول، او يلجأ الى مدارك حديثه فيها من الخبث الماكر ما يجعله يمسك بسحرية الحياة من ركنها المالي، (لم يكن لعلماء الاقتصاد بصمة بهذا السوق) حتى لو كان
ـ ( ديكارت) حاضراً لبصق على نظريته وغاب في الابعاد، مازال يحاول ان يرى نفسه بوضوح، لكنه مشطور وفيه من الازدواجية ما يشبه بطولة (بودلير) بازهاره، هذه الشرور الغامضة في الجسد البشري من يستطيع ان ينتزعها في خضم هذا الاضطراب النفسي القمئ والمرعب،ـ
ليضج به المكان وضوحاً، عرفه كثيرون في ذلك السوق، حدَّد بصره باتجاه احدهم كان مبتسما احس بسمته كما حكة بلسم على جدار قلبه، (الخباز) الوسيم الملفوف من عسل الطين الابيض الذي يقف امام كوة النار- النار- المفتوحة على وجهه طوال الوقت وبعد كل وهلة يفرك يديه بالماء البارد وانا ارتدي معطفي المزركش بلمعان النظرات من حدقات الطابور..ـ
المسافة حكاية مأسوره بين نظرتين، تعارفا عن بعد، ثم حرك انامله المغسولة من ضياء ابيض.. لم يكن الخباز ملاكاً طينياً كما يفهمه الاخرون من خلال لغته التي سخرها للاصلاح، الجميع يراه مستبشرا برغم الالم، وبقدر هذا الوصف كان يحسه آدمياً مجبول من طينه الطيب لذا اسرج كل مراسيمه الانيقة بالتحايا ليقترب منه ناسيا وريقات جده، تعانقا بحرارة الامتثال للماضي المقرون بدعابته للناس حين يصفهم بجملته الاثيرة على قلبه – نحن ارواح متطايرة ارتبطنا بالجسد وقعنا في فخ الحياة – تذكرها والدموع انهمرت بهدوء زهرة النرجس عندما يبللها الندى، خدشته اللحظة حين فاجأه بخدر الاحساس، انا مريض جداً واعيش الان في ازمة نفسية قاسية، ارجو ان تنظم حملة دعاء من كل من تحسه قريبا الى الله بأن يأخذ امانته ولاني اعرفك بأنك من ورثته اخترتك، ادعوه قد تخرق الاثير، ارجوك (افعلها وخلصني) والدموع تجرًف ما علق في لحيته، داست اصابعه منكبيه وابتسم مصبرا اياه بحكمة العارف، اخذهما صراخ الماره الخائفين من صوت الانفجار نحو الجسر القديم وهو ينتظر درة الحكمة ان تخرج من فاه الصغير المرسوم على محيا ابيض كورده الشقيق وسط خضرة الربيع..ـ
اللعنة على الحرب..ـ
.. افترقا وبعد منتصف الجسر اخذ يردد هامساً في اذن الهواء- نحن ارواح متطايره ارتبطنا بالجسد وقعنا في فخ الحياة
ثم نثر وريقات جده في فضاء الجسر، اراد ان يصنع له مجداً، قفز محدثا من خلفه ضجة والموج يفور طينا حتى غاب مع الغياب، وبدأت تتجمع حوله النوارس تنقر من راسه..ـ
ايقظه من نومه عراك ونقر العصافير المفروشة اجنحتها على زجاج النافذة، والعرق المالح يبلل فراشه، هز راسه بصبر، تمنى وجود ابن سيرين في تلك اللحظة، قرأ المعوذتين ونهض منشرحاً مستبشرا ومبتهجا بالحياة وسار في شوارع المدينة حاملاً (يافطة) البطالة ومن خلفه الطابور…………….

من almooftah

اترك تعليقاً