وفاة «عادل محمود» عالم اللقاحات المصري الذي أنقذ الملايين

وفاة «عادل محمود» عالم اللقاحات المصري الذي أنقذ الملايين

رحل رائد أبحاث اللقاحات والأمراض المعدية في العالم، البروفيسور المصري عادل محمود، عن عمر يناهز 76 عاما ، في مدينة نيويورك.

ونعى الوسط الأكاديمي والطبي في الولايات المتحدة العالم المصري، الذي قضى حياته في تطوير لقاحات أنقذت حياة مئات الملايين حول العالم.وخلال حياته المهنية في الطب، كان محمود رائدا مؤثرا في المجال الأكاديمي، وأبحاث تطوير الطب الحيوي، والسياسة الصحية العالمية. أفنى عمره في الأبحاث الطبية خاصة الأمراض المعدية، من أجل توفير أقصى درجة من الحماية والوقاية للبشر في مختلف أنحاء العالم. حديثنا اليوم أتى متأخرًا للغاية، فقد أسلم روحه لخالقها في صمت شبه تام في وقت سابق في الـ11 من يونيو 2018، في مستشفى مانهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية عن عمر يناهز 76 عامًا.

البداية في القاهرة

ولد الدكتور عادل محمود في القاهرة في الـ24 من أغسطس/آب عام 1941، وهو الابن الأكبر بين ثلاثة أطفال. والدته فتحية عثمان كان من المفترض أن تلتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، إلا أنها لم تكمل دراستها بعد أن منعها شقيقها، الطالب في كلية الطب أيضًا، من الذهاب إلى الجامعة.تزوجت فتحية من والده عبد الفتاح محمود الذي كان يعمل مهندسًا زراعيًا، وله شقيقان؛ الدكتورة ألفت عبد الفتاح والدكتور محمود عبد الفتاح.كان أول لقاء لعادل بالأمراض المعدية حين كان في العاشرة من عمره، عندما ذهب لشراء عقار «البنسلين» لوالده المصاب بالتهاب رئوي حاد، لكنه توفي قبل عودته.التحق عادل بكلية الطب في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1963. اتخذ عادل قراره بمغادرة مصر عام 1968 إلى المملكة المتحدة، وفي عام 1971، حصل عادل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة.
تركزت أبحاثه في البداية على «دور الحمضات – eosinophils» وهو نوع من خلايا الدم البيضاء تقوم بالدفاع ضد الديدان الطفيلية.
اتجه البروفيسور إلى مجال الطب بدافع شديد الصلة بمرض والده، حيث تعرض خلال طفولته إلى موقف تسبب في تحول طفري ورغبة مُلحة في دراسة الطب وإنقاذ أرواح المرضى، حيث اخترق جسد والده النحيل، في أحد الأيام، مرض الإلتهاب الرئوي، واشتد عليه المرض ما أجبر الطفل إلى الهرع نحو إحدى الصيدليات للبحث عن حقنة البنسلين، وإنقاذ والده إلا أن محاولته باءت بالفشل وتوفى الوالد بسبب تأخر الصغير عن جلب العلاج في الوقت المناسب.
وفاة الاب
تركت صدمة وفاة الأب تأثيرها الموجع على الطفل، ذو الـ10 سنوات، لكنها رسمت الخطوط الأولى لحلم العمل بالمجال الطبي، إلى أن اجتاز مرحلة الثانوية العامة بنجاح ملتحقًا بكلية الطب بجامعة القاهرة واستمر في إنجازاته بالحصول على شهادته الجامعية بل كللها بالحصول على شهادة الدكتوراة في الطب.وفي عام 1968، سافر «محمود» إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراسته وحصل على شهادة الدكتوراة للمرة الثانية عام 1971 من كلية لندن للصحة والطب المداري، وركز خلال رسالة الدكتوراه على دراسة الحمضات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، بهدف مكافحة الديدان الطفيلية، من بعدها سافر الراحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1973، من أجل استكمال دراسته والعمل هناك.

انضم إلى جامعة «كيس وسترن ريسرف» الأمريكية، كمدرس جامعي مساعد، وسرعان ما أثبت كفاءته وعُيّن رئيسًا لقسم الطب هناك (1987-1998)، وكان للدكتور دور فعّال في الجامعة حتى أنه ترك تأثيرًا بين الطلاب في الجامعة، وأشادت عميدة الطب في الجامعة ذاتها، باميلا ديفيس، بأداء البروفيسور ودوره بالجامعة، قائلة: «كان ذكيًا في التعامل مع المشكلات بدرجة تفوق الطبيعي حتى أن العالم صار مظلمًا بعد غيابه».

شركة ميرك للقاحات

ترأس الدكتور عادل محمود الشركة في الفترة من عام 1998 – 2006، وأشرف على إنتاج وتسويق العديد من اللقاحات التي حققت تقدمًا كبيرًا في الصحة العامة. أهم هذه اللقاحات، كانت المستخدمة في الحماية ضد «فيروس الورم الحليمي البشري – HPV» المسبب لسرطان عنق الرحم، والأعضاء التناسلية والشرج. كما طور لقاحًا آخر يمنع عدوى «فيروس الروتا – Rota virus»، وهو فيروس قاتل يسبب الإسهال عند الرضع.ساعد الدكتور في إنتاج لقاحات أخرى مثل لقاح مضاد للحصبة، النّكاف، الحصبة الألمانية، جديري الماء، والوقاية من القوباء المنطقية؛ وهو طفح جلدي مؤلم ينشط عندما يكون المصاب قد تعرض لجدري الماء سابقًا. تم توزيع أكثر من 500 مليون جرعة من هذه اللقاحات على مستوى العالم بدءًا من العام 2017.وكان لـ«محمود» دورًا فعّالاً في تطوير اللقاحات والتسويق للعلاج، ومن بين الأدوية التي طوّرها، علاج أمراض المعدة والحصبة الألمانية، حتى أن الشركة أطلقت إحصائية في 2017 تؤكد بيع 500 مليون جرعة من اللقاحات التي طورها البروفيسور، على مستوى العالم.وعلّق رئيس مجلس إدارة الشركة والمدير التنفيذي، كين فرايزر، بعد رحيله: «كان شخصية محبوبة، وترك تأثيرها الكبير في مجال الطب على مستوى العالم، بل وله الفضل في إنقاذ وشفاء العديد من الرضع والمراهقين، ويعتبر من الشخصيات القليلة التي تركت بصمتها في الطب عالميًا».وفي 2006، تقاعد البروفيسور من العمل بالشركة، وعاد إلى الدراسة الأكاديمية مقدمًا النصائح إلى أبناء جامعة «وينستون سالم ستيت»، الواقعة في ولاية نورث كارولينا الأمريكية، وكان يقدّم المشورة السياسية أيضًا، لذا أشاد الدكتور أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، التابع للمعاهد الوطنية للصحة، برأيه السياسي: «كان من أوائل الشخصيات التي تتجه إليه للحصول على النصائح السياسية بأصعب القضايا».

جهوده أمام فيروس إيبولا

في أعقاب تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في العام 2014، بدأ الدكتور عادل محمود في الدعوة إلى إنشاء صندوق عالمي لتنمية اللقاحات. وصرّح بضرورة ألا تقف الأعباء المالية في طريق حل الأزمات الصحية العالمية القاتلة.شاركه في هذه الدعوة أكاديميون آخرون؛ هم البروفيسور جيريمي فارار – Jeremy Farra من جامعة أكسفورد، والبروفيسور ستانلي بلوتكين – Stanley Plotkin أستاذ فخري من جامعة بنسلفانيا. كان يرى أن إنشاء الصندوق يتطلب العديد من الإجراءات مثل الحصول على الأموال من تبرعات الحكومة، الأعمال الخيرية، أو مساهمات مختلفة من شركات تعمل في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وربما المنظمات الأكاديمية والاجتماعية، وبعض المنظمات الدولية.ثم يبدأ الصندوق عمله بطريقة شفافة للغاية لضمان عدم التلاعب بهذه الأموال، والتحكم في طريقة عمل الصندوق من قبل لجنة تطوعية علمية مستقلة من الجامعات والحكومة ومؤسسات البحث.أخيرًا، أن تكون البشرية هي شغلك الشاغل، فهذا أمرٌ صعب، وجيّد في ذات الوقت. بصفته طبيب وعالم تدور أبحاثه في محاربة الفيروسات، كان الراحل د. عادل يعلم تمامًا كم حياتنا في خطر، لذا فضّل أن يكرّس حياته لحياة الناس وصحتهم، وأن يكون معلمًا وقدوة، مثلما شهد له الجميع كما رأينا.فإن كان هناك من شيء جيد تفعله في حياتك، فهو السعي جاهدًا لترك أثر كبير في حياة الناس بأي صورة، أن تكون النجمة التي تسطع وسط الظلام حتى ولو كانت مجرد سيرة عطِرة يتذكرك بها الناس بعد رحيلك.

بيل جيتس ينعي العالم المصري

نعى بيل جيتس، رجل الأعمال، مؤسس شركة ما يكروسوفت، العالم المصري عادل محمود، الذي توفى، الأسبوع الماضي.
وكتب بيل جيتس، في تغريدة له على موقع التدوينات القصيرة تويتر:«فى وقت سابق من هذا الشهر، فقد العالم واحداً من أعظم المبدعين في اختراع اللقاحات في عصرنا الدكتور عادل محمود الذي أنقذ حياة عدد لا يحصى من الأطفال».

من almooftah

اترك تعليقاً