Ehab Ali
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

عن معنى كلمة (طز)؟ فهى كلمة تفيد اللامبالاة وبمعنى أكثر دقة انعدام القيمة وأكيد إنه عدم المبالاة…ولكن كلمة طز لها معنى آخر بعيد عن عدم المبالاه وهو: أن ( طز ) كلمة عثمانية قديمة معناها(ملح ) أصل الكلمة: أتت هذه الكلمة عندما كان الأتراك يسيطرون على العرب في مراكز التفتيش وكان العرب يذهبون لمبادلة القمح بالملح.. فعندما يمر العربي خلال بوابة العسكري التركي وهو يحمل اكياس الملح يشير إليه التركي بيده إيذانا بالدخول ودونما إكتراث يقول: (طز) (طز) (طز) ! فيجيب العربي ( طز ) بمعنى إنه فقط ملح أي لا شيء ممنوع أو ذا قيمة فيدخل دون تفتيش.
ومن معنى طز الضارب في القدم نجد الأديب العالمي نجيب محفوظ استخدم تجرد الكلمة و بلاغتها في عدد من المواقف في رواياته فهي بين القاهرة ٣٠ و “طز” محجوب عبد الدايم بطل رواية “القاهرة ٣٠ والذي جسده سينمائيًّا الفنان الراحل حمدي أحمد و”طز” كمال عبد الجواد في رواية “السكرية” الجزء الثالث من الثلاثية الشهيرة لعمنا نجيب محفوظ والذي جسده سينمائيًّا الفنان الراحل نور الشريف حيث تسير حياة أغلب “الأفندية” من أبناء الجماعة الثقافية والمهتمين بالشأن العام في بلادنا.
و لكن “طز” محجوب عبد الدايم اللا أخلاقية تأتي في بداية مشوار الحياة والعمل العام فتصبح دستورًا يتبعه صاحبها وبوابة لنجاحه و”طز” كمال عبد الجواد العبثية تأتي في نهاية مشور الحياة كجلد للذات لعدم تحقيقه شيئ ذو قيمة فبوصفها جَلدًا لذاته.
نجدها نقدًا لذاته ومنجزها في رحلة الحياة، وعنوانًا على فشله.
و نحن نعلم أن “طز” الأولى اللاأخلاقية تعني “طز” في القيم والمبادئ والمُثل العليا حتى أنها طُز في العيب نفسه وعدم الاكتراث به و”طز” في كل ما يؤمن به رجال الفلسفة والعلم فعلى الإنسان أن يبحث عن مصلحته الخاصة وأن تكون معايير تفضيله وحكمه وسلوكه مؤسسة على أرضية ما يجلب له القوة والثروة والسعادة واللذة دون اعتبار لأي قيم أخلاقية أو دينية. وقد عبر عن تلك القناعة “سقراط المهانة” محجوب عبد الدايم على النحو التالي:
“الدين + العلم + الفلسفة + الأخلاق = طز.
أما “طز” الثانية العبثية والتي يشعر بها الأغلبية فقد قالها بطل رواية “السكرية” كمال عبد الجواد وهو ينظر بأسى وغضب لسيرة حياته ومقدار خسارته وعدم تحققه فيها بعد أن عاش في محراب الفلسفة يبحث عن القيم والمبادئ والمثل العليا ملتزمًا بها و مصدوما ببعض حيودها ونتيجة لذلك أصبح ثابتًا في مكانه لا يتغير في حين تغير وتقدم العالم من حوله. ولهذا نجده يخاطب ذاته قائلًا:
“كل الناس بتكبر وبتتغير رضوان سكرتير وزير، حتى جليلة بتوب!، وأنا زي ما أنا، خُوجَة في مدرسة السلحدار الابتدائية، وباكتب مقالات في مجلة الفكر لا يقرأها أحد.
لينتهي من حوار مع ذاته بنتيجة مؤداها: “طز في كمال عبد الجواد نفسه جالدا للأنا بعد أن صارت الخيبة عنوانًا لحياته وتحطمت أوثانه و رفض نفسه و مبادئه وكل ما كان يؤمن به ودخل في حالة من الحزن والألم والذهول والدهشة لخلو العالم من حبه وبهجة أحلامه واماله اه واه من ضياع الماضي الساحر إلى الأبد. وبالطبع فتلك مفارقة مثيرة للتأمل والحزن.
وهكذا أصبحت طُز بدلالاتها اللا أخلاقية والعبثية قاسمًا مشتركًا بين شخصيتين متناقضتين تمامًا من أبطال نجيب محفوظ؟ فالأول “محجوب عبد الدايم” عديم الأخلاق والمبادئ و فهلوي وانتهازي عديم الجذور ولكنه متصالح مع ذاته وخياراته منعدمة الاخلاق في الباطن وناجح ومتحقق في الظاهر. والثاني “كمال عبد الجواد” مثالي حالم صاحب فكر ووعي وخلق ولكنه متردد ومهزوم في الداخل و سطحي غير ذو بصمة في الخارج.
ويزداد العجب عندما نعلم أن أزمة ومعاناة كمال عبد الجواد، كانت هي أزمة ومعاناة نجيب محفوظ شخصيًّا.
وأن محجوب عبد الدايم شخصية حقيقية، عرفها أثناء بداية حياته المهنية.

أظن أن صلاح حالنا وشأننا العام لن يتحقق إلا عندما ينكشف زيف الزيف وهو محجوب عبد الدايم المرفوض شكلا وقطعا و عدم منفعته للمجتمع والوطن ، ويقتنع بعدم جدوى الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر، والرقص على كل الحبال، وبعد أن يقوم كمال عبد الجواد بالتوقف عن جلد ذاته بقسوة، وينقذ بعقلانية وواقعية مشواره ورحلته وعلاقته بسياقه المهني ومجتمعه ليعرف أسباب عدم فاعليته وثباته وعندئذ ربما يصحح الأخطاء و يستدرك ما فات وضاع فيرضى عن خياراته وحياته.١

من almooftah

اترك تعليقاً