كان موضوع معرض رهام الأول "المرأة والمجتمع" عام 2008 (الجزيرة)

6/3/2019

رهام الهور.. ريشة مغربية تحارب لأجل النساء

سناء القويطي-القنيطرة 

درست رهام الهور الأدب العربي في الجامعة، غير أن شغفها منذ طفولتها بالفن التشكيلي سيطر عليها، فما كان منها إلا أن استسلمت لشغفها وتحدت الصعوبات التي واجهتها حتى صار الفن مهنتها ورسالتها في الحياة.

في طفولتها، كانت رهام تمارس شغبها بالرسم على كل ما تصل إليه يداها، تحكي للجزيرة نت قصة أول بورتريه رسمته في عمر العاشرة، وكان أستاذها معروفا بقسوته وتعنيفه للطلبة.

ارتسمت ابتسامة على وجهها، وهي تتذكر كيف لانت ملامح أستاذها الجامدة عندما رأى ذلك البورتريه، ولم يخف انزعاجه لأنها رسمته على الطاولة وليس على ورقة يمكنه الاحتفاظ بها.

تقول رهام إن لوزير الإعلام الأسبق العربي المساري دورا في سبرها عوالم فنية جديدة، فعندما سلمها جائزة مسابقة اليونسكو قبل عشرين عاما، أخبرها بأن ما رسمته ينتمي لصنف الكاريكاتير -وهو ما كانت تجهله- ونصحها بصقل موهبتها والاستفادة من تجربة رسامي الكاريكاتير “العربي الصبان”.

ريشة لاذعة
في مكتبها الخاص ببيتها في مدينة القنيطرة، شمالي العاصمة الرباط، كل شيء يشي بروح إبداعية تسكن المكان، لوحة بورتريه كاريكاتيرية لرهام أول ما يطالع الداخل إليه، صور تؤرخ للحظات مميزة في حياتها الفنية الحافلة بالجوائز والمشاركات في معارض ومسابقات وطنية وعربية ودولية، أرشيف الصحف التي مرت ريشتها الساخرة منها.

 في رسوماتها، تصرخ رهام الهور في وجه أعطاب المجتمع دون ضجيج، تدافع عن المظلومين دون كلام، هادئة ومسالمة وبسيطة لكن ريشتها لاذعة وغاضبة من واقع تراه غارقا في اللامساواة والاحتكار.

لم يكن الطريق مفروشا بالورود، فهذه الشابة التي قررت اقتحام عالم ذكوري، ثابرت وفرضت موهبتها رغم الإكراهات التي تواجه رسامي الكاريكاتير في الصحف المغربية، وهي الإكراهات التي تتضاعف إذا كان الأمر يتعلق بأول امرأة تقتحم الميدان.

كانت البداية في الصحافة الوطنية مع مجلة “لاسيطادين” النسائية عام 2003، وفيها ظلت تدافع طيلة ثماني سنوات عن قضايا النساء بريشتها الساخرة وعينها الناقدة، ثم بدأت مسارا جديدا مع أسبوعية الرهان ثم يومية رسالة الأمة.

كان الانتقال من مجلة نسائية إلى صحف سياسية تحديا صعبا ما لبثت أن نجحت فيه، تقول رهام “ليكون رسام الكاريكاتير محترفا عليه أن يتابع الأحداث بشكل يومي وأن تكون لديه معلومات دقيقة وهامش حرية حتى يجد عمله صدى”.

هاجس القضية
ومع ذلك لم تفارق رهام ميولها لقضايا المرأة وظل الهاجس الذي يشغلها، وهو ما ظهر من خلال معارضها، فمعرضها الأول عام 2008 كان موضوعه المرأة والمجتمع، وعرضت فيه خمسين لوحة كاريكاتير ناقشت مختلف قضايا المرأة المغربية من الاغتصاب والتحرش وزواج القاصرات إلى مدونة الأسرة والعنف.

أما معرضها الثاني الذي نظمته عام 2013 فكان عنوانه “المرأة المغربية حضور وتألق” وضم مئة بورتريه لمغربيات رائدات في مجالات الطب والرياضة والسياسة والفن وغيرها.

تعتقد رهام أن ريشة امرأة أقدر على التعبير عن هموم النساء بوضوح، لذلك كرست فنها لنقل أوجاعهن ولتغيير الصور النمطية السائدة بشأنهن.

وبفضل رسومها الملهمة، اختارتها شبكة “بي بي سي” ضمن قائمة مئة امرأة مؤثرة لعام 2016، إلى جانب رسامة كاريكاتير مصرية وأخرى تونسية، وقالت الشبكة إن الرسامات الثلاث يستعملن موهبتهن في الرسم من أجل تحفيز النساء على الدفاع عن حقوقهن. 

صوت المجتمع
انغمست رهام في عالم الكاريكاتير حتى النخاع، لأنه يعبر، كما تقول، عن المجتمع والمواطن الضعيف، ودوره أن يعري القبح ويضع الأصبع على الجرح، وهي أحبت أن تقوم بهذا الدور وتصبح صوت من لا صوت له.

وفي غمرة هذا النضال اليومي، تحاول أن تجد وقتا للفن التشكيلي حاضنتها الأولى “عندما أحتاج لتصفية ذهني ألجأ للرسم التشكيلي فهو بالنسبة لي بمثابة استراحة محارب”.

رغم سنوات عملها في الصحافة الوطنية، لا زال الكثيرون يستغربون حين يعلمون أن وراء تلك الرسوم الساخرة والناقدة التي تنشرها صحيفة رسالة الأمة ريشة ناعمة.

ومن هؤلاء المستغربين رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران الذي اتصل بالصحيفة يوما ليبدي امتعاضه من بورتريه ساخر نشرته لَهُ، غير أن امتعاضه انقشع حين علم أن وراء ذلك الرسم ريشة امرأة اسمها رهام الهور.اعلان

رغم تخصيص الصحافة المغربية والمواقع الإلكترونية نوافذ خاصة بالكاريكاتير، إلا أن النساء فيها شبه غائبات، فرهام الهور هي المرأة الوحيدة في المغرب التي تنشر رسومها في الصحافة.

 وتعزو هذا الوضع إلى طبيعة هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر، كونها لا تضمن الاستقرار المادي والمهني، وفي نظرها فهذا الحال لا يخص المغرب فَقَط، بل العالم بأسره حيث أسماء فنانات الكاريكاتير معدودة، وهو ما لاحظته خلال مشاركاتها في معارض ومسابقات دولية.

سؤال ضعف الحضور النسائي في عالم الكاريكاتير والرسوم المتحركة، طرحته الرسامة الكندية والباحثة في تاريخ الفن ميرا فالاردو في كتابها “المرأة والسخرية” وحاولت الإجابة عنه، كما تناولت تجارب فنانات من بداية القرن العشرين إلى اليوم، وكانت التجربة الفنية لرهام الهور بوصفها “مثالا نموذجيا للمرأة العربية الجديدة” وأنها تمثل نِسَاء العالم العربي إلى جانب الرسامة المصرية دعاء العدل.

وتأمل رهام أن تنزع العربيات القيود التي تحول دون اقتحامهن فن الكاريكاتير، ليساهمن بريشتهن الناعمة في إيصال صوت المرأة والفئات الهشة للمسؤولين وصناع القرار.المصدر : الجزيرة

من almooftah

اترك تعليقاً