من مسلسل “الكاتب” (يوتيوب)

يُثير الموسم الدرامي الحالي عاصفةً قد لا تنتهي بانقضاء شهر رمضان. يبدو أنّ أروقة المحاكم ستشهد أكثر من دعوى قضائية بين روائيين وشركات إنتاج بتهمة سرقة النصوص والتعدّي على الملكية الفكرية. الكاتبة السعودية نور عبد المجيد اتهمت محمد عبد المعطي، مؤلف مسلسل “حكايتي” للنجمة المصرية ياسمين صبري، بسرقة روايتها “لاسكالا” وهدّدت بعدم الصمت واللجوء إلى القضاء. وكتبت على صفحتها منشوراً طويلاً ختمته بأنّ “سرقة الكلمة جريمة وسرقة الأفكار حرام”.

وفي هذا السياق، يُعدّ مسلسل “الكاتب” (بطولة باسل خيّاط، إنتاج شركة إيغيل فيلمز) من أكثر الأعمال إثارةً للجدل. ما إن عُرضت الحلقات الأولى منه، وجّه الكاتب والسيناريست السوري خلدون قتلان اتهاماً صريحاً لمخرج العمل رامي حنّا بسرقة نصّ له بعنوان “الخونة”، كان قد عرضه عليه قبل سنوات. وأكّد قتلان أنّه سجّل في العام 2013 نصّه “المسروق” في دائرة حماية الملكية الفكرية في سوريا، وأنّه سيُكمل طريقه من أجل إثبات حقّه عبر القانون.

بعد أيام قليلة من هذا الاتهام، كتب الروائي التونسي كمال الرياحي، صاحب “عشيقات النذل”، على صفحته الفيسبوكية منشوراً يدعو فيه الكُتّاب العرب إلى “مراقبة ما يجري في الدراما والمسرح والسينما، لانّ لصوص كتابة السيناريوهات- على حد تعبيره- يتحرّكون في نصوصنا من دون أن نشعر بهم”. ثم اتهم مباشرةً القيّمين على مسلسل “الكاتب” قائلاً: “عندي رواية جديدة ستحقق لكم نجاحاً كبيراً لرمضان المقبل. رجاءً ارسلوا لي كاتبة السيناريو المفترضة لأفسّر لها أحداثها حتى لا “تبوز” الحبكة عندما تسرقوها وتفشلوا مرة أخرى كما هذا العام. فرصة ليكون هناك وقت للممثلين كي يتقمصوا أدوارهم، وليضع المخرج رؤية جمالية تليق. سنمرّ إلى مقاضاتكم على السطو دفعة واحدة. مسلسل “الكاتب” هو “عشيقات النذل” بسوء معالجة وتحريف رديء للإفلات من الملاحقة القانونية لكنها فشلت”.

وأمام هذا الاتهام، كان لا بدّ من التواصل مع الروائي والإعلامي التونسي كمال الرياحي لمعرفة الأسس التي اعتمد عليها في اتهامه العلني، لا سيما أنّ ثمّة كاتباً آخر ينسب العمل إليه أيضاً. وعند سؤاله عن حقيقة السرقة المنسوبة إلى “الكاتب”، أجاب الرياحي قائلاً: “بدأت الحكاية عندما ظهرت روايتي “عشيقات النذل” سنة 2015 ورشّحتها دار الساقي لجائزة البوكر وحققت نجاحاً كبيراً في العالم العربي. في الأثناء، كنت أتلقى عروضاً لتحويلها إلى عمل سينمائي أو درامي من تونس ومن لبنان ومن سورية. اتصلت بي كاتبة وصحافية لبنانية أصرّت على فكرة تحويل الرواية إلى سيناريو فيلم وكانت لها تصورّات في شأن الشركة المنتجة وأبطال العمل، فرشحت الممثل اللبناني رودريغ سليمان لشخصية الكاتب وماغي بو غصن لدور ناديا زوجة الكاتب، وهما الشخصيتان الرئيستان في العمل. وأخبرتني أنها وصلت في العام 2016 إلى كتابة نصف السيناريو وأنها عرضته على رودريغ سليمان الذي أعجب بالسيناريو والرواية وبالدور أيضاً. كما أخبرتني أن لها موعداً مع زوجة المنتج جمال سنان (صاحب شركة إيغيل فيلمز التي أنتجب “الكاتب”)، وأرادت أن تتصل بدار الساقي لشراء الحقوق، وأخبرت رانيا المعلم، مديرة الدار بذلك”. ويضيف الرياحي بالقول: “وعند بداية شهر رمضان، تفاجأتُ بقرائي يكتبون عن شبهة سرقة ويؤكدون ذلك ووصلتني عشرات الرسائل حول الموضوع ذاته. لذلك عدت إلى اليوتيوب من أجل مشاهدة ما فاتني من المسلسل فتفاجأت بأن الرواية تجسدت تقريباً بكل شخصياتها وحبكتها. فتاة مراهقة اسمها سارة تتحوّل في المسلسل إلى تمارا، تُقتل في ظروف غامضة ويُتهم الكاتب بقتلها فيتمّ توقيفه ويبدأ التحقيق مع كل من حوله ونكتشف علاقاته المشبوهة بنساء أخريات. ويتخلّل الرواية مشاهد “سريالية” تحوّلت في المسلسل إلى مشاهد بالأبيض والأسود في القطار تجمع الكاتب بشخصيه وهمية يسميها “حلمي”. كل ذلك موجود في المسلسل بحذافيره. الحبكة هي نفسها في المسلسل، وكذلك الشخصيات وإن تمّ استبدال شخصية المحامي اليهودي- صديق الكاتب في الرواية- بمجدولين، المحامية التي وقعت في غرامه لاستحالة عرض شخصية يهودي معاصر في مسلسل سوري لبناني”.

سطو وتعمية

وعند سؤال الرياحي عن التشابه بين مسلسل “الكاتب” ومشاهد من أفلام أجنبية مقتبسة من أعمال لأغاتا كريستي مثلاً، أجاب: “المسلسل حاول التعمية عبر إدراج بعض المشاهد الملتقطة من أفلام وأعمال أخرى أُقحمت في النصف الثاني. وهذا ربما ما سبّب تراجع مستوى المسلسل في النصف الثاني منه”.

وعن القوانين التي تحمي الُكتّاب، يقول الرياحي: “مسألة السطو (الدرامي) على أعمال الروائيين مشكلة كبيرة في العالم العربي، لا سيّما في غياب محاسبة قانونية صارمة. ومع ذلك، فإن الكاتبة ريم حنا وضعت في الجنيريك كلمة “رؤية” بدلاً من قصة، كأنها تعترف بأنها قامت بسطو على أعمال غيرها. أشعر كما قرائي بالكثير من الحزن على هذا السلوك المشين الذي ترتكبه شركات إنتاج وصُنّاع دراما في سرقة مجهود غيرهم من دون أن يطاولهم أي قانون، ولا نجد صحافة استقصائية تكشف هذا الاحتيال”.

وفي قضايا مماثلة، يبدو ضرورياً معرفة رأي دار النشر التي تُمثّل طرفاً في مسألة النزاع بين الروائي والمنتج. لذا، اتصلنا بمديرة دار الساقي رانيا المعلّم التي أكدّت أنّ أحداً لم يتواصل معها من شركة “إيغيل فيلمز” في شأن رواية “عشيقات النذل” للكاتب كمال الرياحي. “كنّا في صدد التفاوض على أعمال أخرى ومن بينها كتاب الراحل نجيب محفوظ “همس النجوم”، الذي تمّ أخيراً شراء حقوقه الدرامية والسينمائية. أمّا في ما يخصّ مسلسل “الكاتب”، فأنا لا أتابعه ولا أعرف الخطوط المتشابهة بين العملين. ولكننا نفهم الروائي كمال الرياحي وندعمه في أيّ موقف يتخّذه. مع العلم، أنّ التقارب بين مادة درامية ونصٍ أدبي لا يُثبت فعل “السرقة” لأنّ الأمر ملتبس ومعقّد ويدخل في تسميات كثيرة منها التشابه أو توارد الأفكار، خصوصاً عندما يتمّ تغيير بعض الأحداث. لذا، لا يمكننا كدار أن نتهّم صنّاع المسلسل بالسرقة، لكننا ندين أي “سرقة” أو قرصنة. ومهما حاول الفاعلون إخفاء “جريمتهم” عبر تعديلات وإضافات، يبقى هذا العمل منافياً للأخلاق والأدبيات العامة”. وتضيف المعلّم قائلة: “مفهوم الـ copy rights والملكية الفكرية مازال ضعيفاً في عالمنا العربي. وهذا ما نعانيه من خلال قرصنة الكتب وتزويرها… والحديث في هذه المسألة يغدو أحياناً جدلاً بيزنطياً لأنّ بعض المزوّرين للأسف محميّون من مافيات كبيرة… قد يبدو كلامي محبطاً لكنّه واقعي”.

ولم يكن ممكناً أن نخوض في هذا السجال من دون أن نسمع رأي ريم حنّا، صاحبة رؤية “الكاتب” والمسؤولة عن السيناريو والحوار. فهل يُمكن كاتبة معروفة وصاحبة أعمال راسخة في الدراما العربية والسورية أن تُغامر باسمها وسمعتها من خلال “سرقة” رواية معروفة وصادرة عن دار كبيرة مثل الساقي؟ هذا السؤال كان دافعاً أساسياً بغية الوصول إلى ريم حنا وسماع رأيها، خصوصاً انها اختارت، كما شقيقها المخرج رامي حنّا، الصمت في وجه كلّ الاتهامات الآتية من هنا وهناك. وبعد جهدٍ حثيث، تواصلنا مع الكاتبة ريم حنّا التي علقّت على الأمر بالقول: “أنا الآن استمتع فقط بنجاح مسلسل “الكاتب”، وهو “تراند” على “نتفلكس”، ويحتلّ المراكز الأولى ضمن الأعمال الأكثر مشاهدة. لا شيء أضيفه. وبعد انتهاء المسلسل، لنا لقاء آخر”.

من almooftah

اترك تعليقاً