المسرح السوري.. صورة جامعة لابداع مختلف
النقد مهووس بالمركز وغائب عن مسرح الأطراف

رنا رفعت
علي الرغم من الدور المهم الذي تقوم به الفرق المسرحية في المحافظات السورية المختلفة لرفد المشهد الفني العام إلا أن النتاج الإبداعي لهذه الفرق لا يحظي بالاهتمام الإعلامي والنقدي خاصة في ما يتعلق بمسرح الهواة الذي تقوده طاقات مسرحية لا تقل أهمية في كثير من الأحيان عن الأعمال ذات المستوي الاحترافي العالي و هو الأمر الذي يبرهن عليه المنجز الفني للمسرح الجامعي علي مدي ثلاثة عقود من الزمن .
وقد أكد الدكتور محمد بصل عميد كلية الآداب في جامعة تشرين خلال ندوة أقيمت مؤخرا في اتحاد الكتاب في اللاذقية علي الدور الفاعل الذي قامت به الفرق المسرحية الجامعية منذ انطلاقتها الأولي في دفع الحركة الفنية المحلية رغم غياب الخبرة الكافية للكوادر التي ألفتها و التي اعتمدت أساسا علي موهبتها الفطرية وسعيها المتفاني لرسم معالم المسرح السوري عامة .
وأضاف بصل خلال الندوة التي تمحورت حول الحركة المسرحية في المحافظات السورية و شارك فيها لؤي شانا مدير المسرح القومي في اللاذقية ان جامعتي دمشق و حلب قدمتا خلال ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم عروضا مسرحية موسمية شكلت الإرهاصات الأولي للعمل المسرحي في هذا الجانب .
وقد استطاعت هذه الفرق منذ مطلع السبعينيات كما أوضح أن تبلور مجتمعة حالة مسرحية حقيقية من خلال اضطلاع الاتحاد الوطني لطلبة سورية بدوره التثقيفي الذي شمل إقامة تظاهرات ثقافية متنوعة سمي أبرزها آنذاك بمهرجان الفنون الجامعية واتسعت نشاطاته لتطول كلا من مسرحي الحمراء والقباني بالإضافة إلي مدرج كلية الهندسة .
كذلك قدمت فرقة جامعة دمشق حسب بصل.. خلال مهرجان المسرح الجامعي العام 1971عروضا شكلت في مجملها علامة مضيئة في مسيرة المسرح الجاد بينها رسول من قرية تم تميرة وفي انتظار أليسار وكيف تركت السيف والانتظار وفي انتظار غودو وسواها.
كما عملت هذه الاحتفاليات علي تكريس العديد من الأسماء المسرحية التي سطع نجمها في مرحلة لاحقة علي صعد الكتابة والتمثيل والإخراج المسرحي وربما يكون أبرزها علي سبيل المثال لا الحصر ممدوح عدوان وحسيب كيالي ولؤي عيادة و نائلة الأطرش وعبد المسيح نعمة ورشيد عساف وسلوم حداد وعباس النوري ونذير سرحان .
ولفت إلي أن انتشار الجامعات و المعاهد إلي بقية المحافظات السورية نهاية السبعينيات كان من شأنه أن يكرس مفهوم المسرح بصورة أكثر عمقا وفاعلية إذ نشط الاتحاد الوطني لطلبة سورية في دفع الحركة المسرحية لتطول محافظات اللاذقية وحمص وحماة ودير الزور وأنشئت العديد من الفرق المسرحية التي شاركت لاحقا في مهرجانات المسرح المركزية لتحقق حضورا فاعلا و متميزا خلال وقت قصير.
وركزت البانوراما التاريخية التي قدمها الدكتور بصل في ورقته علي الدور الذي اضطلعت به جامعة تشرين في هذا الجانب حيث استطاعت أن تقدم منذ العام 1980 عشرات العروض المهمة عبر كفاءات فنية عالية تفانت في خدمة العمل المسرحي لتنضم إليها لاحقا نقابة المعلمين في الجامعة من خلال فرقة مسرحية رفدت هذا الحضور الفاعل و أثرته بمزيد من النتاج الإبداعي الجاد منذ العام 1993.
واختتم بالإشارة إلي ضرورة تفعيل المسرح الجامعي نظرا لدوره الحيوي في بلورة المشهد المسرحي و إغنائه من خلال التواصل مع شرائح الطلبة كجمهور أساسي و ركيزة للنهوض بوعي فني جاد بالإضافة إلي أهمية تسخير مختلف الإمكانات لتأهيل الطاقات المتوافدة إلي جامعات القطر بأقسامها المتنوعة وتأهيلها علي نحو تخصصي يكفل تعدد الفرق المسرحية في الكليات المختلفة كحاجة ملحة في هذا القطاع البشري الواسع .
بدوره أورد شانا في ورقته نبذة عن تاريخ المسرح السوري منذ المشروع التنويري الذي أطلقه رائد المسرح العربي أبو خليل القباني وصولا إلي الحقبة المعاصرة حيث جري التركيز علي تفعيل هذا الفن العريق و تعميق حضوره في المشهد الثقافي العام من خلال العديد من المؤسسات الأكاديمية و الفنية .
وأضاف شانا ان العمل المسرحي في المحافظات مازال بعيدا عن المتابعة والبحث والدراسة من قبل المتخصصين ما يؤشر علي نظرة قاصرة لجانب واسع من النتاج الإبداعي في المشهد المحلي مؤكدا ضرورة تسليط الانتباه علي هذا النتاج الذي يؤلف حراكا فنيا لا يستهان به .
كما تمت الإشارة إلي الحيز الواسع الذي يشغله مسرح المحافظات في الحراك الثقافي والفكري العام ومدي التأثير الفاعل لهذا النشاط الإبداعي في دعم الحركة المسرحية في سورية من خلال العديد من الفرق المسرحية التي استطاعت أن تكرس حضورا متميزا في هذا الجانب و إن لم تزل بعيدة عن الضؤ الإعلامي .
واختتم شانا بالتأكيد علي ضرورة مشاركة الأعمال المسرحية التي تنجز علي مساحة المدن السورية في تمثيل سورية خلال الاحتفاليات والتظاهرات الفنية الخارجية و إعطائها الفرصة لتصدير نتاجها الفني الذي يضفي علي المحتوي الابداعي السوري بعدا آخر يتفاعل فيه التنوع والتجريب في الادوات الفنية المختلفة .

ــــــــــــــــــــــ
تاريخ المسرح السوري ..الانتشار القومي (3-4)


لؤي عيادة

بعد استحالة ان يعود القباني الى نشاطه المسرحي في دمشق نظرا للفرمان السلطاني الذي حصل عليه المتزمتون كان الشيخ على مفترق طرق فاما ان يوافق على اجهاض اول تجربة مسرحية في الوطن العربي او ان يقدم عروضه بعيدا عن اعين السلطات العثمانية هناك في مصر التي كانت محمية بريطانية, فاختار طريق الفن ولو ابتعد عن حبيبته دمشق وتغرب عنها لذلك قرر ان ينشر فنه المسرحي ولو كره الكارهون ورب ضارة نافعة لهذا الفن المسرحي فقد راسل ابو خليل صديقه سعد الله بك حلابو وهو تاجر ثري حلبي الاصل وهو يقطن ويعمل في الاسكندرية ,وقد شاهد بعض عروضه اثناء زياراته المتكررة لدمشق يستشيره بالقدوم الى مصر لتقديم العروض المسرحية لفرقته فجاءه الرد سريعا يدعوه فيها وفرقته لتقديم مثل هذه العروض التي شاهدها في الشام (انظر مذكرات وصفي المالح التي تعتمد على رواية شفوية لخليل القباني الابن الاكبر لهذا الرائد المسرحي )اما ا لمؤرخ المسرحي عدنان بن ذريل فيكمل هذه الحكاية في كتابه » تاريخ المسرح السوري« .
ان القباني نجح نجاحا كبيرا وانضم الى جوقة » الجوق : الفرقة كما كانت تسمى في مصر « الكثير من الفنانين المصريين الذين اصبحوا مشاهير فيما بعد واسسوا فرقا فيما بعد بعد ان استقلوا عن الفرقة الام فرقة ابي خليل القباني .وبذلك نقول عن ابي خليل القباني رائد المسرح العربي » هو ومارون النقاش الشامي الاصل – لبناني« ومن اسماء المصريين الذين انضموا الى فرقة – جوق – ابي خليل : الموسيقار كامل الخلعي والشيخ سلامة حجازي والملحن درويش الحريري » استاذ الشيخ سيد درويش « وآخرون .. وبعد أن اشتهر القباني من الاسكندرية وذاع صيته حتى وصل الى مصر (القاهرة).‏

استدعاه الخديوي الى العاصمة واكرم وفادته وسمح له بتقديم عروضه المسرحية على خشبة دار الاوبرا مجانا بعد أن حضر بعض عروضه وانتقلت فرقته » الشامية المصرية« الى مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة بمناسبة افتتاح معرضها وقدمت عروضا اذهلت الاجانب قبل المغتربين العرب كما يقول الموسيقار كامل الخلعي في مذكر اته . وفي نهاية حياته وبعد ان اكمل رسالته الفنية ونشر المسرح من مصر عاد الى دمشق عام 1900 للميلاد وقد استقدمه الى الاستانة الصدر الاعظم احمد عزة باشا وقدمه الى السلطان ولكن بعد ماذا .. بعد فوات الاوان .‏

المسرح السوري قبل الحرب الأولى‏

بعد موت القباني خلت الساحة الفنية الشامية تقريبا من وجود اي فرقة مسرحية عدا فرقة الرائد جورج دحول بشخصية كامل الاصلي والتي كانت تقدم عروضها على خشبة مسرح القوتلي بالسنجقدار. اما ما تبقى من نشاط فقد اقتصر على زيارة بعض الفرق التركية فرقة ارطغرل واستقبال الاجواق القادمة من الشقيقة مصر وينبغي ان نذكر مجدداً ان اصحاب هذه الفرق والاجواق كانوامن تلاميذ القباني او من تلاميذ تلاميذه ومن اهم الفرق الوافدة من مصر في العقدين الاولين من القرن العشرين فرق سلامة حجازي التي وفدت بين عامي (1906-1919) عدة مرات كما قدمت عروضها في سورية ولبنان فرقة » ابيض عكاشة« وفرقة » يوسف بك وهبي وفاطمة رشدي «.‏

المسرح السوري بين الحربين – أولاً المحترفون‏

بين الحربين العظميين تابعت الفرق المصرية فقط قدومها الى سورية وتقديم عروضها المسرحية على خشبات مسارحها »دور السينما« حيث وفدت فرقة نجيب الريحاني وبعدها فرقة امين عطا لله وقد تميزت هذه الفترة بميزة حصلتها تختلف عن سابقتها حيث ان الفرقة المصرية لم تأت بكامل طاقمها كما في الفترات السابقة لاسباب اقتصادية ,فاستعانت بممثلين سوريين مثل انور مرابط ,عبد اللطيف فتحي ,وفيما بعد محمد علي عبدو واللبناني صباح العمري ..الخ.‏

يقول الفنان سعد الدين بقدونس في مقابلتي المنشورة في الثورة: » عندما تأتي الفرق المصرية الى سورية ولبنان كانت تجلب العناصر الاساسية فقط وكنا نحن الفنانين السوريين نعمل معهم, فبالاضافة الى الاسماء التي ذكرتها كان هناك : صبحي الطرابلسي, نزار فؤاد , احمد أيوب ,محمد شفيق الصبي« وعندما تعود الفرق المصرية الى بلادها او تذهب الى مدينة سورية -لبنانية اخرى تصطحب من تشاء وتبقي من تشاء, اما هؤلاء الباقون فلا يتركون الساحة خالية حيث يقدمون عروضا بدل الفرق المصرية لأنهم اصبحوا محترفين اذ ان اصحاب صالات دور السينما » بهجت المصري مثلا صاحب سينما النصر في دمشق « لا يسرهم بقاء صالاتهم فارغة ودون عمل لذلك ساعدوا الفنان السوري المحترف وبذلك تشكلت فرقة عبد اللطيف فتحي » القصبللي« , وفرقة انور مرابط وفرق اخرى دون اسماء,وكانت تقلد المصريين حتى في طبيعة العرض .فالعرض ليس مسرحيا بل كان عبارة عن عرض منوع » ميوزيكول« فقد كان يقدم الغناء والرقص والمونولوج الساخر اضافة الى نص كوميدي واخر تاريخي. اما اهم ظاهرة مسرحية في تلك الفترة فكانت ظاهرة فرقة ناديا العريس التي نسفت شكل ا لعرض الفني المنوع بفقرات والذي ذكرناه واستبدلته بتقديم شكل مسرحي غنائي استعراضي .فالزوج الذي كان يقدمه على العريس صاحب الفرقة ومخرجها » وهو زوج ناديا العريس التي سميت الفرقة باسمها «كان عرضا استعراضيا موسيقيا ومن العاملين في فرقته التي استمرت عشر سنوات اسماء كانت العمود الفقري للفنانين السوريين واللبنانيين مثل ميليا شمعون وزوجها نزار فؤاد الحنبلي, ومرغريت شمعون وزوجها محمد العقاد والملحن عبد الغني الشيخ صاحب اغنية( يا ام العباية) العراقية واغنية (مقدر احبك مع السلامة روح ). واغنية (امجاد ياعرب امجاد )ومن الاسماء صباح العمري وانا – والحديث للفنان بقدونس -وقد قدمنا الكثير من الاوبريات منها :‏

الدارعة او المدرعة, اسكتش التلفزيون .. الخ ,فكانت مسرحياته اشبه بمسرحيات القباني- الرائد- وعلي العريس رغم انه لبناني الاصل الا انه قدم معظم اعماله في دمشق مقر فرقته وهو الذي بنى مسرح القباني الحالي الذي استلمته الدولة ابان عهد الوحدة .‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب: محمود عبد اللطيف
 m7mod3bd
محمود عبد اللطيف

لايجوز تكرار النشر دون الأشارة لمجلة سطور

الظواهر المسرحية في سوريا حتى ظهور أبي خليل القباني
يروي التاريخ أن السوريين عرفوا المسرح منذ ما يزيد عن ثلاث الاف سنة تاركاً وراءه مدرجات خلدت الملاحم التي أحياها السوري القديم لسنين طوال في تدمر و وبصرى و جبلة .. ويدلل التصميم الهندسي لهذه المدرجات على قدرة الجمهور التقاط أي كلمة يليقها الممثلون.. و مما أكتشف من الواح طينية نقرأ قصص وملاحم وأناشيد كانت تغني في طقس تمثيلي لألهه الخصب
ويمكن لنا أن نقول أن ابتعاد العلماء العرب عن نقل المسرح اليوناني يعود إلى وثنية هذا المسرح خاصة في تمثيليات الشاعر اليوناني ( سوفوكليس ) والتي وصلت المئة مسرحية
غير أن المسرح لم يكن غائباً بشكل نهائي عن الحضارة العربية الإسلامية .. فثمة طقوس قدمت لظهور المسرح بشكله الفعلي في العصر الحديث مما أدى إلى عودة الفن التمثيلي إلى العالم العربي و إن متأخراً عن أوربا عودة مدروسة على أيد أناس هواة .. ومغامرين بآن معاً
فيصنف الدارسون الحج و المواكب الحسينية وصلاة الاستسقاء طقوساً مسرحية على اعتبار أن الطقس الجماعي الذي يحظى بوجود العنصر البشري في مكان ذاته مقترناً بحركة جسدية معينة و نصاً ثابتاً يكرر في كل مرة نوعاً من المسرحة للطقس الحياتي .. كذلك ثمة ظواهر أخرى سبقت ظهور المسرحيين الأوائل في العالم العربي
مسرح ما قبل المسرح
الحكواتي
ظهر الحكواتي بعهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب حيث اعتمد الناس قبل ظهور الراوي على التواتر الشعبي لتداول الأحداث التاريخية والسيرة النبوية ، و مع ظهور التدوين ظهر الحكواتي حيث سمي بمصر “الراوي”، وفي العراق “القص خون” بينما يطلق أهل المغرب على من يقص الحوادث اسم “المحدث” وفي بلاد الشام “الحكواتي
و في زمن الاحتلال العثماني للبلاد العربي برز الحكواتي ظاهرة قوية في بلاد الشام ويحتفي جدار مقهى النوفرة لحكواتي دمشق الأول عبد الحميد الهواري أبو أحمد المنعش من مواليد 1885 والذي توفي عام 1951.
ويكون للحكواتي في غالب الأمر كرسياً مرتفعاً في المقهى ليراه الجميع ويردتي لباساً شعبياً وله من الأدوات المساعدة على سرد الحكاية ما يفيده فالسيف أو العصا أداة مهمة في سرد قصة الظاهر بيبرس او الزير سالم أو ابي زيد الهلالي
وفي كل مرة ينقسم جمهور المقهى إلى فريقين يميل كل منها إلى طرف من الحكاية فثمة من كان يرى في جساس مصيباً فيما فعله حين رمى كليباً بالرمح فيما يذهب الفريق الآخر إلى اعتبار الزير سالم مصيباً في استمرارية ثأره لأربعين سنة
هنا نجد أن الحكواتي كان حالة تمثيلية بكل معنى الكلمة من حيث اكتمال عناصر المسرحية من نص و ممثل و جمهور تأخذه حالة الايهام إلى التفاعل مع الحكاية ليكون جزءاً منها
خيال الظل
يعود تاريخ خيال الظل إلى ابن دانيال الموصلي المؤسس الحقيقي لمسرح خيال الظل فلم يسبقه في هذا المجال أحد وهو إبداع متفرد سار على هديه العديد من الذين أتوا بعده حيث لا توجد أشكال تمثيلية ترجع إلى قبل تاريخ ابن دانيال الموصلي في أي بلد آخر لذلك فإنها الأولى من نوعها في العالم أجمع
ويذكر التاريخ في كتب عدة أن صلاح الدين كان يطرب لتمثيليات خيال الظل و بأن السلطان ابي السعادات وهو أحد سلاطين المماليك كان يطرب بهذه لتمثيليات في احتفاليات عيد المولد النبوي الشريف و وصل الهوس ببعضهم أن كان يصطحب معه ممثل لخيال الظل إلى الحج
غير أن السلطان جمقمق أمر بأحراق كل تمثيليات خيال الظل كما يذكر ابن ياس في كتابه (بدائع الزهور )
كما أن السلطان سليم (السلطان العثماني) اهتم بتمثيليات خيال الظل حتى أنه أخذ معه أحد الممثلين إلى اسطنبول لتمتيع ابنه الذي صار سلطاناً بعده وعرف بالسلطان سليمان الأعظم.
وقد وجدت في مصر مخطوطات في فن تمثيل خيال الظل ترجع إلى عهد قديم مؤلفها (محمد بن دانيال الموصلي) المتوفي عام 1311م وهو طبيب عيون كما ذكرنا وكان يعيش في زمن السلطان الظاهر بيبرس
لتمثيليات الثلاث التي ألفها ابن دانيال هي:
1-طيف الخيال، 2-عجيب وغريب، 3-المتيم.
وقد أطلق عليها تسمية بابات نشرت تمثيليات (بابات) ابن دانيال للمرة الأولى في المانيا عام 1925 م من قبل جورج جاكوب ضمن كتاب (تاريخ مسرح خيال الظل في الشرق والغرب) حيث يوضح جاكوب بأن ابن دانيال أعظم شاعر ممتع في اللغة العربية .
و لخيال الظل شخصيتان شهيرتان هما (عيواظ وكركوز ) فلا يعرف خيال الظل إلا بهاتين الشخصيتين اللتين كانتا المتنفس الحقيقي لضيق الانس من تصرفات الحكام آنذاك ويوصل لجمهوره في المقاهي والساحات ما يريد الممثل أن يوصله من رسالة توعوية أو انتقاد مباشر لسلطة الحاكم أو الوالي العثماني و إن ذهبنا بالتاريخ على تلك التصرفات لوجدنا أن (خيال الظل ) كان الرقيب المباشر على عمل الولاة لكنه رقيب عاجز عن التأثير في الحدث ,
وهنا نعود إليه كطقساً تمثيلياً متكاملاً من حيث انتقاء الممثل (محرك الدمى ) للنص الذي يسرده عل جمهور يغوص في عمق الحكاية التي تعنيه بشكل مباشر
المولوية
تأسست “المولوية” على يدّ جلال الدين الرومي المولود عام1207 في القرن السابع الهجري في “أفغانستان”، والده عالم ديني من “بلخ” الواقعة في “إيران”، والدته من أسرة حاكمة في “خوارزم وهي فقيهة في علوم الدين والشريعة، و”الرومي” له مؤلفات موجودة في الشرق والغرب
وتؤدى المولوية بحيث يضع المولوي على رأسه الطربوش ويرتدي تنورة بيضاء طويلة حتى القدمين وحين يبدأ بالرقص يثبت قدمه اليسرى على الأرض ويحرك اليمنى ويدور بعكس عقارب الساعة، رافعاً يده اليمنى نحو السماء طالباً الرحمة والخير من “الله” ويده اليسرى يجعلها باتجاه الأسفل رافضاً للشر أيّاً كان وجوده،
وحركة اليد الممدودة والأخرى على الكتف للتحية ورونق الأداء، واليدين مضمومتين على الصدر بشكل متعاكس والجسد ثابت والرأس محني، تقليد مأخوذ عن “جلال الدين الرومي” أثناء تنفيذه “للمولوية” والبرد من حوله يجمد أطرافه، فضم يديه إلى صدره للشعور بالدفء والحرارة وباتت حركته مرافقة للأداء بشكل دائم
ونتيجة لاعتناء الصوفي بالقلب باعتباره مركز الحب الإلهي أوحى هذا الاعتناء بالرقصة الصوفية إلى “جلال الدين الرومي” عندما خرج لصلاة الفجر فرأى الورد والزهور والربيع والندى والجمال والنقاء وسمع زقزقة العصافير، ففتح قلبه للدنيا وراح يدور، قائلاً: (مجرات النجوم تدور، وجميع الكواكب تدور، والدورة الدموية في الجسم تدور، وحجاج بيت الحرام حول الكعبة يدورون، وقطرات الماء في الدنيا من البحار إلى السماء فالأرض عائدة إلى البحار، إنها تدور)»
على هذا فأن المولوية طقساً تمثيلياً أخر من الطقوس التي مهدت لظهور المسرح بشكله الاعتيادي في دمشق ومنها إلى العالم العربي
رقص السماح
عرف هذا الرقص في مدينة حلب، ويقترن تاريخه بتاريخ لفن الموشح.. فقد ارتبطا معاً.. ومعاً نضجا في الزوايا الدينية وهي الأصل الذي خرج منه رقصُ السماح ليكون في كل تطوراته اللاحقة رقصاً راقياً محتشماً..دقيقاً، ولأنه رقص جماعي فقد احتاج إلى التناغم والتوافق في الأداء الحركي الشامل للجسد..
وكان للثياب التي يرتديها الراقصون (أو الراقصات فيما بعد) دور مهم.. فكأن هذا الرقص قد جمع كلَّ أبعاد زمانه الفنية والثقافية من حيث : الموسيقى والتي تجلت في لحن الموشح، والشعر (شعرية الموشح) نفسها، والبعد الإنساني (التجلي الجسدي والنفسي للراقص أو الراقصة) بالاضافة إلى الأزياء وهي بعدٌ فني مهم في التشكيل النهائي لهذه اللوحة الفنية التاريخية وهنا تكتمل عناصر المسرحة التي تحتاجها المسرحية للنهوض بذاتها من نص وحركة و تقنيات مساعدة (الازياء – الاكسسوار …إلخ )
بداية المسرح السوري
المسرح ما قبل القباني
بدأ المسرح في شكله الحديث المستورد من أوربا مع عرض مسرحية «البخيل» لمارون النقاش في منزله ببيروت عام 1848،
فقد كانت انطلاقته امتداداً لأفكار عصر النهضة العربية، التي حملتها البرجوازية المدنية الناشئة على أكتاف مثقفيها، ممن احتكوا بالغرب وأتقنوا لغاته، أو بالأستانة العثمانية المهيمنة. هذا إلى جانب امتلاك هؤلاء المثقفين معرفة واسعة بتراث وطنهم ولغته، ووعياً كافياً بضرورات المرحلة التي يمر بها على مستوى الثقافة التنويرية.
إلا أن مبادرات هؤلاء المثقفين لإيجاد المسرح على مستوى الإعداد والتأليف والترجمة والعرض كانت فردية ومتباعدة لأسباب عدة، منها ظروف الهيمنة العثمانية وسياسة التتريك المعادية لأي توجه عروبي، إلى جانب الرجعية الدينية آنئذ المناهضة لحركة التنوير
ظهور أبي خليل القباني
في عام 1871ظهر أحمد أبوخليل كأول مسرحي عربي وقد اسس لمسرحه في دمشق وقدم ناكر الجميل – انس الجليس – عروضاً مسرحية غنائية هامة منها (هارون الرشيد – عايده – الشاه محمود – وغيرها ،)
ويعود الفضل للقباني في قيام حركة مسرحية في سوريا وفي الوطن العربي بعد ذلك
.واجه القباني من اجل نشر فنه العديد من الصعاب والعقبات إلى ان نجح في استقطاب الجماهير لمتابعة عروضه ومسرحياته ولاقى نجاحا كبيرا بالعروض التى قدمها في بداياته بدمشق وكانت الناس تتهافت لحضور مسرحياته وعروضه الغنائية ، وكان القبانى في البداية متابعآ ومعجبآ للعروض التى كانت تقدم في مقاهي دمشق مثل قصص الحكواتى ورقص السماح والعروض التي كانت منتشرة في مقاهي مدينة دمشق فكان من متابعي اجتماعات وعروض موسيقا ابن السفرجلاني بدمشق وتعلم منها واختلط القبانى بالفرق المسرحية التى تمثل في مدرسة العازرية بمنطقة باب توما ، ومن كل هذا كون احمد أبو خليل القباني أسس هذا الفن الراقي لينطلق به من دمشق ويطوره واضعآ آسس المسرح الغنائي العربي
ففي العام 1871 قدم أول عرض مسرحي له وهو ( الشيخ وضاح ومصباح وقوت الارواح ) وهي أول مسرحية سورية وعربية وفق مفاهيم المسرح ،
وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحه اعجب بها الجمهور الشامى بدمشق وفي عام 1879-1880 الف فرقته المسرحية وقدم في السنوات الاولى حوالى 40 عملاً مسرحياً
سافر بعدها القباني إلى مصر حاملا معه عصر الازدهار وبداية المسرح العربي وكان معه مجموعه من الفنانين والفنانات السوريين ح نذكر منهم (جورج ميرزا وتوفيق شمس وموسى ابوالهيبة وراغب سمسمية خليل مرشاق ومحمد توفيق وريم سماط واسكندر فرح وغيرهم )
سافر ابوخليل القبانى بعدها إلى مدن سورية ومصر وامريكا وعاد إلى دمشق متابعا عروضه المسرحية إلى ان توفي عام 1903 ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق
ومن أهم رواد المسرح اسكندر فرح والذي عمل مع ابوخليل القباني وكون بعد ذلك فرقته المسرحية الخاصة وكان المعلم الاول للكثير من رواد المسرح في سوريا ومصر ولد اسكندر فرح بدمشق عام 1851 وتوفى عام 1916
وقدم مسرحيات هامة في تاريخ المسرح العربي : (شهداء الغرام – صلاح الدين – مملكة اورشليم – مطامع النساء – حسن العواقب – اليتيمين – الولدان الشريدان – الطواف حول العالم وغيرها الكثير)
على هذه الحال كان المسرح في سوريا امتداد حضاري متوارث عبر مختلف الثقافات التي مرت بسوريا و العالم العربي ليكون نتاجاً للحياة السورية الثرية بالإنسان بمكونه الأخلاقي و الثقافي و الديني و السياسي .. ما يدلل على امتداد الحياة السورية ثقافياً وفنياً بحيث تكتمل السلسلة ولا تفقد منها اية حلقة كما يحدث في ذاكرة الشعوب القريبة او البعيدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسرح سوري

من ويكيبيديا،

تاريخ انطلاق المسرح السوري في عام 1871 على يد رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبوخليل القباني حيث يعتبر القبانى أول مؤسس لمسرح عربي وقد اسسة في دمشق، أبدع القباني في بداياته وقدم عروض مسرحية وغنائية كثيرة منها ناكر الجميل – انس الجليس – هارون الرشيد – عايده – الشاه محمود – وغيرها، وكان له الفضل في قيام حركة مسرحية في سوريا وفي الوطن العربي بعد ذلك.
البداية

كانت البداية للمسرح السوري مبكره وقد وأنطلق وازدهر المسرح في سورية في القرن التاسع عشر على يد أبوخليل القبانى في مدينة دمشق وواجه القباني من اجل نشر فنه العديد من الصعاب والعقبات إلى ان نجح في استقطاب الجماهير في مدينة دمشق لمتابعة عروضه ومسرحياته ولاقى نجاحا كبيرا بالعروض التي قدمها في بداياته بدمشق وكانت الناس تتهافت لحضور مسرحياته وعروضه الغنائية، وكان القبانى في البداية متابعآ ومعجبآ للعروض التي كانت تقدم في مقاهي دمشق مثل قصص الحكواتى ورقص السماح والعروض التي كانت منتشرة في مقاهي مدينة دمشق وكان أبوخليل القباني يحضر ويتابع اجتماعات وعروض موسيقا ابن السفرجلاني بدمشق وتعلم منها واختلط القبانى بالفرق المسرحية التي تمثل في مدرسة العازرية بمنطقة باب توما ، ومن كل هذا كون احمد أبو خليل القباني أسس هذا الفن الراقي لينطلق به من دمشق ويطوره واضعآ آسس المسرح الغنائي العربي.

أول عرض مسرحي

قدم أبو خليل القياني أول عرض مسرحى خاص به عام 1871 وهي مسرحية الشيخ وضاح ومصباح وقوت الارواح وهي أول مسرحية سورية وعربية وفق مفاهيم المسرح ،وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحه اعجب بها الجمهور الشامى بدمشق وفي عام 1879-1880 الف فرقته المسرحية وقدم في السنوات الأولى حوالي 40عملا مسرحيا ووضع الاسس الأولى للمسرح العربي وخاصة المسرح الغنائي وسافر أبوخليل القباني إلى مصر حاملا معه عصر الازدهار وبداية المسرح العربي وكان مع أبوخليل القبانى مجموعه من الفنانين والفنانات السوريين حوالي 50 فنان وفنانةنذكر منهم جورج ميرزا وتوفيق شمس وموسى أبوالهيبة وراغب سمسمية خليل مرشاق ومحمد توفيق وريم سماط واسكندر فرح وغيرهم وسافر أبوخليل القبانى إلى مدن سورية ومصر وأمريكا وعاد إلى دمشق متابعا عروضه المسرحية إلى ان توفي عام 1903 ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.

وقبل أبوخليل القباني عرفت سوريا عروضا للمسرح لكن ليس بالشكل المعروف للمسرح الذي ظهر على يد أبوخليل وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر مثل عروض كركوز وعواظ وخيال الظل ورقص السماح والمولوية والحكواتي وكانت جميها تقدم في نوادى ومقاهى دمشق وبعض الأماكن العامة.

ومن أهم رواد المسرح السورى كذلك اسكندر فرح عمل اسكندر فرح مع أبوخليل القباني وكون بعد ذلك فرقته المسرحية الخاصة وكان المعلم الأول للكثير من رواد المسرح في سوريا ومصر ولد اسكندر فرح بدمشق عام 1851 وتوفى عام 1916 وقدم مسرحيات هامة في تاريخ المسرح العربي : شهداء الغرام – صلاح الدين – مملكة اورشليم – مطامع النساء – حسن العواقب – اليتيمين – الولدان الشريدان – الطواف حول العالم وغيرها الكثير.

بداية ظهور الفرق المسرحية

بعد فرقة (أبوخليل القباني) والرواد الأوائل للمسرح السوري، ظهرت في بداية القرن العشرين فرق مسرحية سورية كثيرة أخذت بالتزايد مثل فرقة نادي الإتحاد وفرقة جورج دخول وكانت تقدم عروضها على مسرح القوتلى في السنجقدار فرقة عبد اللطيف فتحى وكانت تظم عددا كبيرا من الفنانين ونذكر كذلك الفنان جميل الاوزغلي وفرقة أنور مرابط وفرقة ناديا المسرحية لصاحبتها ناديا العريس حيث كانت الفرقة من أكبر الفرق المسرحية العربية في الثلاثينات من القرن العشرين ضمت الفرقة أكثر من 120 فنان وفنانة وكانت تقدم عروضها على مسرح الكاريون بدمشق أحد مسارح دمشق.

قدمت الفرق المسرحية السورية الكثير من المسرحيات العالمية وعروض مسرحية كوميدية واستعراضية وغنائية وسياسية واجتماعية ودرامية وتاريخية كثيرة لمؤلفين سوريين وعرب ومسرحيات مترجمة لروايات عالمية.

بعض الفرق المسرحية السورية منذ بداية القرن العشرين

فرقة نادي الاتحاد 1906
فرقة الصنائع (حلب 1928)
فرقة ايزيس 1931 (جودت الركابي- سعيد الجزائري – علي حيدر كنج – نصوح دوجى – أنور المرابط – ممتاز الركابي)
فرقة ناديا المسرحية (ناديا العريس)
الفرقة السورية (الثلاثينات)
الفرقة الاستعراضية (الثلاثينات)
فرقة الكواكب (الاربعينات) محمد علي عبده
فرقة عبد اللطيف فتحي
فرقة اتحاد الفنانين
فرقة العهد الجديد
نادى الفنون (توفيق العطري)
فرقة حسن حمدان (الثلاثينات)
فرقة سعد الدين بقدونس (الخمسينات)
فرقة فنون الاداب
فرقة نهضة الشرق
فرقة المسرح الحر (رفيق جبري – توفيق العطري – نزار فؤاد)
ندوة الفكر والفن (الستينات) رفيق الصبان
النادى الفني (منذر النفوري)
فرقة المسرح الكوميدي
فرقة المسرح الشعبي
فرقة الفنانين المتحدين (محمد الطيب)
فرقة الأخوين قنوع (فرقة دبابيس)
فرقة زياد مولوي
فرقة هدى شعراوي
فرقة مظهر الحكيم
فرقة محمود جبر
فرقة مسرح اقهوة (طلحت حمدي)
فرقة مسرح الشوك (عمر حجو – دريد لحام -أحمد قبلاوي)
فرقة ناجي جبر
فرقة رفيق السبيعي
فرقة تشرين
فرقة ياسين بقوش
فرقة المسرح القومي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسرح السوري الجاد ..جهود كبيرة لاستقطاب المتلقي المحكوم بالأمل

إذا عدنا إلى المسرح العربي في بداياته وبعيداً عن إرهاصات مرجعيته التاريخية العربية (غياب المسرح في الثقافة العربية وصولاً إلى جدلية زمن حضوره وتحققه في سياقات تعيش صدمة التحول الحضاري ودهشته أمام الغرب)،
وحاولنا رصد علاقته بالمتلقي، العنصر الأهم في هذا النوع من أنواع التواصل الإنساني الفكري والاجتماعي، سنجد أن هذا المسرح ومنذ أيام رائد المسرح السوري «أبي خليل القباني»، سعى للقاء جمهوره المكون من عامة الناس ومن مختلف شرائحهم الاجتماعية، في الأماكن التي يوجد فيها هذا الجمهور بحكم عاداته اليومية، فتوجه إليهم متخذاً من المقهى الشعبي فضاء للفرجة الدرامية والتلقي المسرحي، ونزل إلى الحارات الشعبية والشوارع العامة، الأماكن الحقيقية للمسرح على عكس ما هو متعارف عليه حسب مفهوم العلبة الإيطالية المجهولة الهوية آنذاك، ومن دون أدنى شعور بعقد النقص تجاه المسرح الغربي ونتاجه الغريب عن عادات المجتمع السوري وقيمه المحافظة، طبعاً لا نغفل عن ذكر المسرحي العربي الأول «مارون النقاش» في تأسيس المسرح العربي الذي بدأ في شكله الحديث المستورد من أوروبا مع عرض مسرحية «البخيل» «للنقاش» في منزله في بيروت عام 1848، فقد كانت انطلاقته امتداداً لأفكار عصر النهضة العربية، التي حملتها البرجوازية المدينية الناشئة على أكتاف مثقفيها، ممن احتكوا بالغرب وأتقنوا لغاته، أو بالأستانة العثمانية المهيمنة. هذا إلى جانب امتلاك هؤلاء المثقفين معرفة واسعة بتراث وطنهم ولغته، ووعياً كافياً بضرورات المرحلة التي يمر بها على مستوى الثقافة التنويرية، إلا أن مسرحه بقي رهيناً لظروف عدة، منها ظروف الهيمنة العثمانية وسياسة التتريك المعادية لأي توجه عروبي، إلى جانب الرجعية الدينية آنئذ المناهضة لحركة التنوير، ما جعله ظاهرة فردية برجوازية، أكثر منها تظاهرة ثقافية معرفية، مشرعة أبوابها للجميع من دون استثناء، بمعنى أنها بقيت محصورة بالمتلقي النخبوي من دون غيره.
العرض الأول

منذ انطلاق مسرح «أبي خليل القباني» في باكورة أعماله المسرحية «ناكر الجميل» العرض المسرحي الأول الذي عُرض في خان أسعد باشا في «البزورية» أواخر القرن التاسع عشر، عمل هذا المسرحي السوري الأصيل، جاهداً إلى إشراك المتفرج العمومي إن صح التعبير، (حينها لم تكن مفردة «النخبة» من مفردات القاموس المسرحي القباني وما سبقه من أعمال شبه مسرحية، كخيال الظل وكركوز وعواظ)، بمجريات العرض المسرحي، بغية الوصول إلى صيغة فريدة، تجعل من تلك الكتلة الصلبة والصماء إلا ما ندر، شريكاً حقيقياً، في صياغة هذه الفرجة، وجعلها اقرب إلى الذوق العام، من خلال أعمال قدمها صاحب أغنية «يا مال الشام»، هدفت إلى تقديم هموم الإنسان البسيط، وعكسها بمرآة «أنا وأنت شركاء في الهم» رغم الطابع الغنائي والفكاهي الذي غلب على جل أعماله ومنها: (هارون الرشيد) و(عايده) و(الشاه محمود) و(أنس الجليس)، بطريقة قريبة من ذهن الإنسان البسيط وهمومه، أقنعت متلقيها بمصداقيتها الإنسانية، أكثر من كونها عملية تمثيلية، حتى إن الجمهور وفي كثير من الأحيان قام بالمشاركة بشكل لا إرادي في مجريات العرض المسرحي، وثمة طرفة وقعت أثناء تقديم أحد عروض «أبي خليل» وهو عرض «الشاه محمود»، حيث يحكى عن متفرج متحمس كان يتابع ذلك العرض، فما كان منه إلا أن انبرى وهم بالصعود إلى الخشبة،لمعاقبة إحدى شخصيات العرض، التي شخّصت دور تاجر جشع، يذل أجيره، أمام مرأى الناس، ولم يستطع الكاست إنزال ذاك المنفعل عن الخشبة، والشرح له أن ما يقومون به هو مجرد تمثيل، إلا بشق الأنفس.
وهنا نشير إلى التقاطع مع فكرة «ستانسلافسكي» الذي يرى أن التمثيل غريزة إنسانية عامة، والشيء الرئيس لا يكمن في الفعل ذاته بل في نشأة الميل إلى الفعل نشأة طبيعية، وأن يكون هذا الميل أو الحافز مركباً وسهل التطويع في الوقت ذاته، فالأصل في التمثيل هو رغبة الإنسان الدائمة في التعري من شخصيته الواقعية الذاتية والتحول إلى شخصية أخرى غريبة، سواء كان هذا بدافع الحفاظ على الذات عن طريق الاختفاء والتنكر أم لمجرد الرغبة في اللعب وعرض الذات بطريقة مثيرة أو ما يمكن أن نطلق عليه (حب الظهور)، وهذا ما كان عليه أفراد فرقة صاحب «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح»، من قدرة على التماهي مع ما يقدمونه، والتمكن من أدواتهم بغريزتهم الأساس، من دون معرفة مسبقة بمنهج إعداد الممثل واشتغاله على أدواته مع نفسه (المعايشة الفنية) للتفريق بين «الفن المصطنع» و«الفن الحياة».
تأصيل المؤصل..

لم تكن لتغيب ظاهرة المتلقي وأثره البالغ الأهمية عن وجدان وفكر، أهم رجالات المسرح السوري حتى الساعة، العبقري «سعد الله ونوس» الذي رفع شعار «على المسرح أن يذهب إلى الحياة» عندما أسس والمخرج «علاء الدين كوكش» فرقة المسرح الجوّال عام 1971، مقدمة عروضها في القرى والساحات العامة، وكانت لوحات مستوحاة من حياة الناس وهمومهم وخلال سنة قدمت الفرقة حوالي عشرة عروض في أماكن مختلفة، حيث استهدف صاحب (سهرة مع أبو خليل القباني)، كذلك التأثير في جمهور عروضه، متبنياً في رؤيته الإخراجية مسرح التسييس الذي كان يرتكز بدوره على مجموعة من الوسائط الفنية والجمالية كالمادية الجدلية والمسرح البريختي والتغريب، وكانت كل هذه الوسائل من أجل تنوير الجمهور وتوعيتهم ودفعهم إلى التغيير. ويقول سعد الله ونوس في هذا الصدد: «إن المتفرج يستطيع أن يقوم بدور إيجابي كبير في توجيه المسرح، وعلينا أن نعلمه كيف يقوم بهذا الدور، وأن نشجعه على الاضطلاع به بشكل فعال، حتى يتحقق لنا فعلاً توجيه المسرح، وتقويم أساسه». كما كان لصاحب «حفلة سمر من أجل حمسة حزيران»، العمل المسرحي الأكثر شهرة لـ«ونوس» (نظراً لطرحه قضية نكسة حزيران من وجهة نظر مختلفة، كان للجمهور دوره الفعال في المشاركة بها وتصويب بعض الأخطاء التاريخية أو الإدلاء بدلوه عما يدور بدواخله من أسباب مختلفة لهذه النكسة)، عدة بيانات مسرحية، أكد فيها أهمية التعاطي مع الجمهور باعتباره كائناً تاريخياً وجغرافياً، يجب أن يقدم له كل ما يعنيه ويهمه وبالأسلوب الذي يحقق أعلى نسبة من التواصل معه. وقد تميزت تلك البيانات «الونوسية» باتساع أفقها لتحلم بمسرح عربي خالص ومخلص لقضايا الجماهير متبنياً أحلام وآمال وطموحات،وهواجس وآلام الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
إن علاقة المسرح بشكل عام ومنذ نشأته كانت ولاتزال مرتبطة بالمتلقي فمنذ مسرحيات اسخيلوس كان دور المتلقي واضحاً في إنجاح هذه العملية التفاعلية وقد عبّر «أرسطو» في كتابه (فن الشعر) عن ذلك من خلال طرحه لمفهوم (التطهير) بوصفه تعبيراً واضحاً عن عمق العلاقة بين المسرح والجمهور.
سعدالله ونوس رفع شعار «على المسرح أن يذهب إلى الحياة»
المتلقي ودوره الحقيقي

إلا أن مهمة شاقة تقع على عاتق هذا المتفرج باعتباره الجزء الشريك الأهم في أي عرض مسرحي، إذ ينبغي عليه أن يغير طريقة تعاطيه أو فكرته المسبوقة عن هذا الفن النبيل، الذي لايزال يعاني من تعرضه لشتى المضايقات الأيديولوجية، بدءاً بالتابوهات المحرمة السياسية والدينية المغلوطة، التي فعلت ما فعلت بمؤسس المسرح السوري «القباني» عندما اضطر إلى الاستعانة بصبية لأداء دور الإناث في بداياته المسرحية، الأمر الذي استنكره مشايخ ذلك الزمان وكل زمان فشكوه لوالي دمشق لينتهي الأمر بحرق مسرحه وهجره لديار الشام إلى مصر، مروراً بازدواجية المعايير عند الرقيب ومزاجيته الوظيفية البحتة، وليس انتهاء بسوء الفهم العجيب لدور المسرح الجاد وأهميته في مخاطبة الوجدان الجمعي لشرائح المجتمع كلها، بعد أن خُربت ذائقته الجمالية والثقافية بفعل عوامل عدة، كان للمسرح النخبوي بنصوصه المستوردة، بهاملتها وعطيلها وعنبها الحامض ومغنيتها الصلعاء، وغيرها من النصوص العالمية، غير المشغول بدراية على إعدادها بما يلائم واقعنا وطبيعتنا وخصوصيتنا الاجتماعية والأخلاقية، الدور الأبرز في القطيعة الحاصلة بين الجمهور وخشبة المسرح التي نُظر إليها في فترة من الفترات على أنها أماكن وجود «المختلين عقليا»، وذلك لوجود نظرة عامة للمسرح، قوامها انه مكان للترفيه والضحك أكثر منه منبراً وفسحة للمعرفة الثقافية المختلفة عما هو سائد، وبالطبع لا نغفل هنا عن الدور السلبي الذي لعبه المسرح التجاري الاستهلاكي المبتذل، عندما استهدف دغدغة عواطف المتفرج وترفيهه فنياً بكوميديات ساخرة وتسلية هزلية، عداك عن الكاريكاتورية المملة والملاهي الاستعراضية السمجة، باعتمادها النكتة البذيئة والكلام الفاحش، بديلاً عن الحوار، وهز الخصور المدفونة تحت أكوام من اللحم المترهل، لراقصات من الدرجة العاشرة «هذا إذا اعتبرنا أن ثمة تصنيفاً يقبل احتواءها»، بدل الرقص الاستعراضي الأكاديمي، الموجود ضمن خطة العمل المسرحي كجزء أساس من العرض، لا كشيء فائض عن الحاجة.
النقلة النوعية

جاءت النقلة النوعية للمسرح الجاد المعني بالمتلقي العمومي في المقام الأول، في سورية بعد العديد من الخطوات المهمة التي أنضجت دور هذا المسرح وأهميته التنويرية الفكرية، ومنها تأسيس «ندوة الفكر والفن» 1959 بإشراف د.رفيق الصبان العائد حديثاً من فرنسا، وقد ضمت أهم وجوه الفن والثقافة في دمشق وقتذاك. وفي عام 1960 تأسست فرقة المسرح القومي التابعة لوزارة الثقافة، وضمت معظم العاملين في الفرق الخاصة والأندية والجمعيات، ومنهم أهم نجوم الكوميديا مثل عبد اللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس ثم اندمجت «ندوة الفكر والفن» عام 1963 مع فرقة المسرح القومي الرسمية، فتشكلت بذلك نواة النهوض المسرحي الجديد الموجه ثقافياً والمموّل رسمياً. وكانت هذه النقلة على يد المخرج المسرحي الكبير «فواز الساجر» الذي أسس بعدئذ في دمشق مع سعد الله ونوس «المسرح التجريبي» عام 1976، أي في العام نفسه الذي استقبل فيه المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق أول دفعة من طلبته في قسم التمثيل، وهو العام نفسه الذي أسست فيه مجلة «الحياة المسرحية» في وزارة الثقافة بإشراف الكاتب ونوس والناقد نبيل الحفار.
إذاً سعى المسرح السوري الجاد إلى تغيير نظرة المجتمع لأقدم أنواع الفنون قاطبة، عندما عمل على جعل المتفرج محور اهتماماته وعدّه عنصراً فعالاً وشخصاً محتفلاً يشارك في ارتجال العرض وبنائه من جديد والمساهمة فيه بتدخلاته وإبداء آرائه والدخول في حلبة التمسرح عبر تكسير الخط الفاصل والجدار الواهم للمشاركة بعرضه المنطوق ولغته الجسدية وتمثيله اللعبي، وهو ما يحسب للمسرح السوري من دون غيره من المسارح العربية الجادة، على قلتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المسرح المصري الأكثر إثارة للجدل، في حين كان المتلقي في بعض الدول العربية والخليجية تحديداً، ليس أكثر من عابر سبيل في مسارح المتعة الحسية البحت، الموجودة في الغرب، كأمريكا التي قامت بإنشاء مسارح خاصة بأمراء النفط ورعاة الإبل، لتقدم له عروضاً، أبطالها السيقان العارية والأرداف المهتزة، مبهرة إياه بالأضواء المتراقصة على وقع موسيقا صنعت خصوصاً لهذا المتفرج «اللقطة»، موسيقا الروك الممزوجة بنوح الربابة، مع إمكانية جلب ناقة إلى الخشبة، كي لا تشعر جيوبه بالغربة، ونفسه بالحاجة إلى مسارح مرتجلة في جناحه الفاره في أحد الفنادق، يكون فيها كما يشتهي، المتفرج الملك، والمتلقي الوحيد بلا شغب، لما تقدمنه بنات الهوى، من عروض كُتب نصها الغرائزي الوحيد منذ آلاف السنين، قبل وبعد سقوط ورقة التين، إذ لا فرق يذكر بين الحالين.

من almooftah

اترك تعليقاً