ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏

إثر الإعلان عن تسليم الدولة الروسية للكيان الصهيوني رفات جندي اسرائيلي قتل في المواجهات مع جيشنا في معركة السلطان يعقوب عام 1982، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالكتابات التي تحمل أراء وتحليلات متباينة، ومن جهتي أثار الحدث رغبة عندي في إعادة نشر نص كتبته في السادس من شهر حزيران عام 2016، إثر استجابة الرئيس بوتين لطلب رئيس الوزراء الصهيوني بتسليم الكيان دبابة إسرائيلية استولى عليها الجيش السوري في المعركة ذاتها وأرسلها السوريون إلى الأصدقاء السوفييت. ذلك لأن وجهة نظري يومذاك تتطابق مع وجهة نظري الآن.

دبابة السلطان يعقوب
سعد القاسم
من بين كل التعليقات على خبر «دبابة السلطان يعقوب»، لم أجد – على المستوى الشخصي – ما هو أكثر أهمية من حقيقة أن الضجة الإعلامية التي أثارتها أخيراً هذه الدبابة قد سلطت الضوء بعد أربع وثلاثين سنة كاملة، على وقائع حرص الأعداء، و(الأشقاء) على التعتيم عليها حيث استطاعوا. وتشويهها وتزييفها بقدر ما استطاعوا.
تعود تلك الوقائع إلى العاشر من حزيران عام 1982، أي بعد أربعة أيام من اجتياح إسرائيل للجنوب اللبناني في العملية التي أطلقها الصهاينة تحت اسم «سلامة الجليل»، لتحقيق هدفين معلن ومُضمر.المعلن: إخراج القوى الفلسطينية المسلحة من لبنان، والمُضمر:عزل لبنان عن سورية بالقوة العسكرية، ومن ثم تنصيب سلطة لبنانية عميلة لإسرائيل. في ذلك اليوم كانت القوات الإسرائيلية في غرب الجبهة قد احتلت معظم الساحل اللبناني وصولاً إلى حصار العاصمة «بيروت»، وفي شرق الجبهة وصلت طلائعها إلى مشارف الطريق الدولي الواصل بين«دمشق» و«بيروت»، وبدا أن الصدام صار وشيكاً مع القوات البرية السورية التي تحمي هذا الطريق، بعد أربعة أيام من عدوان جوي شرس وضع فيه الأميركيون كل إمكانياتهم التقنية، وكان من نتيجته أن أصبحت القوات البرية السورية دون دفاع جوي، ودون مساندة جوية متكافئة، مما عمًق الإحساس بقدرة القوات الصهيونية على تحقيق كامل أهداف حملتها العدوانية، خاصة بعد السهولة، والسرعة، التي اجتاحت بهما الجنوب اللبناني، وهو الشعور الذي تملك جنود الكتائب الصهيونية التي كلفت بقطع الطريق، وحكوا عنه بعد ذلك.
في تلك الأيام كنت محرراً في قسم التحقيقات في هذه الصحيفة، وبسبب دعوة قسم كبير من الزملاء إلى الخدمة الاحتياطية كان على الباقين منا أداء جهد مضاعف، غير أن ذلك أتاح لنا في المحصلة الالتقاء اليومي بمقاتلي الجيش السوري باختصاصاتهم المختلفة، سواء في قواعد انطلاقهم، أو قرب مواقع القتال، أو في المستشفيات التي تعالج المصابين منهم، وسمعنا منهم تفاصيل لا تنسى عن المعارك التي خاضوها بشجاعة وبسالة منقطعة النظير، في ظل هيمنة جوية معادية. وتزوير إعلامي معادٍ و(شقيق) لا حدود لكذبه وصفاقته، ظل يتمدد في الزمان والمكان، حتى أنيّ حين التقيت بعد بضع سنوات في«نيودلهي» بطلاب سوريين يدرسون في «الهند»، كانت معظم الأحاديث تستوضح عن حقيقة المعارك التي خاضتها القوات السورية في حرب 1982، وقد شعرت بالأسى حين أخبروني أن المعلومات المشوهة لم تصلهم عبر صحافة موالية للصهيونية، وإنما عبر صفحات مستأجرة من قوى سياسية عربية، وبعضها تقدم نفسها على أنها قوى مقاومة للمشروع الصهيوني، ومع ذلك فهي لم تكن معنية باطلاع الرأي العام الهندي على حقيقة هذا المشروع، ولا على عدالة القضية الفلسطينية. وإنما كانت معنية فقط بتشويه صورة سورية وجيشها.
حكيت للطلاب المتلهفين عن الوقائع البطولية التي عايشناها عن قرب، وعن سكان دمشق الذين نثروا الرز والزهور على القوافل العسكرية المتجهة إلى المعركة بعد يوم واحد فقط من الضربة الجوية الصهيونية لمواقع دفاعنا الجوي في البقاع اللبناني، وعن السمو الذي جلل أحاديث أسر الطيارين الشهداء، وعن الجندي الخجول المصاب الذي استغربت وجوده في جناح الضباط بمشفى «تشرين» العسكري، ثم دهشت حين علمت أن هذا الجندي الودود قد دمر لوحده ثماني دبابات معادية. كان الطلاب يستمعون إلى الكم الكبير من الحكايات باستغراب لا يخفي نفسه، بلغ ذروته حين وصل الحديث إلى معركة السلطان يعقوب، وعن الدبابات الصهيونية التي غنمها الجنود السوريون فيها واستعرضوها في شوارع «دمشق»، كانوا في تلك اللحظة كمن يسمع أساطير وحكايات خيالية، وما لبثوا أن برروا موقفهم بتأكيد أن كل تلك الوقائع قد حجبت عنهم.
في الأسبوع الماضي تسبب خبرٌ – من غير قصد – بتسليط الضوء على ما أريد التعتيم عليه طوال ثلاثة عقود ونصف، وذلك حين تم الإعلان عن أن «بنيامين نتنياهو» رئيس الحكومة الصهيونية قد طلب من الرئيس الروسي دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قدمها هدية للأصدقاء السوفييت، وحجة «نتنياهو» أنها الذكرى الوحيدة المتبقية لأقرباء الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين كانوا داخل الدبابة، بعد أن اختفى كل أثر لهم منذ أن فقدت في أرض المعركة.
لا يعنيني هنا تفنيد (الدوافع الإنسانية) لأحد أكثر القادة الصهاينة كذباً وعنصرية وإجراماً. ولا محاولة تفسير السلوك السياسي الروسي.لأن كلا الأمرين تتضاءل أهميته – إعلامياً – مقابل ما أثاره الخبر من أسئلة عن الدبابة – الغنيمة ذاتها مرفقة بالكثير من المقالات الصحفية التي وجدت نفسها مضطرة، بعد أربع وثلاثين سنة من التعتيم المتعمد، للحديث عن براعة وكفاءة وشجاعة السوريين، وعن المعركة الأسطورية التي خاضها بتنسيق رائع مشاتهم ودباباتهم في منطقة السلطان يعقوب ، ضد كتائب المدرعات الصهيونية المحمية بغطاء جوي توفرت له أفضل الإمكانات. فاستطاعوا هزيمتها وإجبارها على التقهقر، بعد تدمير عشرات الدبابات, والاستيلاء على بضع دبابات سليمة. وإصابة عدد كبير من الجنود الصهاينة.
المهم فيما سبق أن هذه الشهادات جاءت من جهات صهيونية، أو صديقة لها، لا تحمل إلا الكراهية للسوريين..
والأهم من ذلك أحاديث الجنود الصهاينة الذين شاركوا في المعركة، والتي تنضح بالقلق، وذكريات الرعب، وانكسار الزهو.
* صورة عن التلفزيون لجنود سوريين على ظهر دبابة سليمة غنموها في المعركة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
التعليقات
  • مهند غرلي
    مهند غرلي رب ضارة نافعه استاذنا

من almooftah

اترك تعليقاً