المعاني الفلسفيّة والنقديّة في “أدب السخرية”

الحقول الحرة

المعاني الفلسفيّة والنقديّة في

“أدب السخرية”

خالد ناجي الكريماوي

 ان أدب حضارة بلاد الرافدين أقدم أدب أنتجه الإنسان على ما أجمع عليه الباحثون في تاريخ الحضارات القديمة فكان بذلك أولى المحاولات في تاريخ الإنسانية للتعبير عن الحياة وقيمها ومعانيها بأسلوب الفن الأدبي، وقد نقله العراقيون القدماء في بدايته عن طريق الروايات الشفهية، وقد بدأوا بتدوين ذلك الأدب على ألواح الطين بأشكاله النهائية الأخيرة في مطلع الألف الثاني ق.م. وقد كان هذا الأدب على أنواع أو أغراض منها الغزل والمديح والتراتيل ومن تلك الأنواع أيضا أدب السخرية والهزل، حيث عرف العراقيون القدماء أدب السخرية والهزل الذي عد من أهم أصناف أدب العراق القديم، فقد وصل إلينا من  العراقيين القدماء بعض الأقوال والحكايات القصيرة الساخرة بعضها يدور بشأن الحيوانات وحياتها وهي تشبه الى حد واضح بما جاء بقصص كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة وغيرها.

ونورد فيما يلي نماذج من هذه القصص الفكاهية القصيرة التي نقلت الينا عبر الألواح الطينية المصدر الأصلي لها :

1ـ البعوضة والفيل :

” وقفت بعوضة فوق ظهر فيل وهو يمشي فقالت له : هل أثقلت عليك يا أخي ؟ فإن كنت فعلت ذلك فإنني سأنزل عند بلوغنا مورد الماء فأجابها الفيل ” من أنت؟ لم أحسّ انك كنت فوق ظهري ولن أعرف عندما ستنزلين ” . (هنا يتصور القارئ إن البعوضة هي فرد من الشعب والفيل هو الملك بجلالة سطوته على شعبه الذي لا يهتم لأمور رعيته وربما تعود هذه القطعة الأدبية إلى حاكم ظالم من حكام تاريخ العراق القديم ).

2ـ الكاهن والأسد:

” أبصر أحد الكهنة أسداً في البادية وهو في طريق عودته إلى المدينة فملكه الرعب والهلع، ولمّا نجا من الأسد وبلغ المدينة رأى عند بابها تمثال أسد رابض فهجم عليه ولطمه على وجهه قائلاً ” ماذا كان يفعل أخوك في البادية؟”. ( هنا يتبين لنا إن قوتهم كاذبة ووهمية فهو لم يستطع مقابلة الأسد عوض فشله لكي يقنع غيره ونفسه بأنه قادر على ذلك الأسد ولكي ينام بقناعة تامة بكذبته الكبرى التي يعيشها).

3ـ الثعلب و البحر :

” بال ثعلب مرة في البحر، فنظر إلى البحر وقال متعجباً متباهياً : أكل هذا البحر من بولي ؟ “.  ( هنا يختلف عن الحكايتين الأولى والثانية، فما طالعناه في الثانية كذبة لكي يعيش في كذبة كبرى وهنا سذاجة وعدم دراية بالقدرات الذاتية، فكيف تتكون الصحراء من حبة رمل وكيف تكون الجبال من حجر صغير .. أي سذاجة وجنون غبي تجعل الثعلب بهذه الصورة، والحكاية هنا تذهب مذهب المثل كما في الحكايات الأخرى .. في حين تضرب لمن يعتقد شيئاً عظيماً من صنعه وهو لاشيء ولا يقوى حتى على التفكير بما يناسب طاقته..).

     هذه بعض الصور لأدب السخرية التي عرفها العراق وأدبه قديماً وهي تحمل في طياتها جوانب فلسفية تارة ونقدية تارة أخرى وقد وصلت الينا بهذه الصورة التي يعتز بها تاريخنا.

http://www.newsabah.com/ar

 

من almooftah

اترك تعليقاً