هرجة: وزن الكلمة

جاك أتالي Jacques Attali من مواليد 1943، الأستاذ و كاتب العمود في مجلة إكسبريس والمفكر والاقتصادي والمستشار الفخري للدولة الفرنسية في شخص الرئيس فرانسوا ميتران منذ عام 1981 وحتى عام 1991، والذي ألف ما يزيد عن الخمسين كتاباً ورواية، ورشحه حبه للفن ليكون في مجلس إدارة متحف أورسي للفنون بباريس. أتالي هو رمز متعدد التأثير في الساحة الثقافية والسياسية والاقتصادية، فلقد ترأس إدارة شركة A & A للاستشارات الدولية والمتخصصة في مجال التكنولوجيات الجديدة، ومقرها في باريس، بالإضافة لمساهماته الاقتصادية مثل ترأسه لهيئة بلانيت فاينانس PlaNet finance غير الهادفة للربح الدولي، والتي تسعى لجمع مؤسسات التمويل الأصغر في العالم بهدف رعاية وتشجع أصحاب الابتكارات.

والمعروف أن جاك أتالي هو من قدم الشاب إيمانويل ماكرون للرئيس فرانسوا هولاند ونصحه بإتخاذه مستشاراً له، فكان الفاتحة التي مهدت لهذه الموجة التجديدية التي تجتاح فرنسا وأوصلت ماكرون لقصر الإليزيه رئيساً لخامس أكبر القوى في العالم فرنسا، رجل في التاسعة والثلاثين من العمر يمسك بناصية هذه القوى وآلياتها القيادية والتي لايستهان بها في توجيه سياسات العالم.

وهو مايبرر الفرح الطاغي الذي عصف بجاك أتالي ليلة السابع من مايو 2017 ليلة انتخاب ماكرون رئيساً، الفرح الممزوج بالترقب لجسامة التحديات التي تواجه الرئيس الشاب بمواجهة المشاكل التي تعيشها فرنسا من البطالة والديون وتهاوي النماذج السياسية التي دامت لأكثر من قرن من الزمان بالإضافة للتهديدات القادمة من الداخل والخارج المتمثلة في التطرف والإرهاب.

ولقد هرع جاك أتالي بهذه المناسبة لتقديم عدد من المرئيات التي هي في صميمها قراءاته العميقة في الواقع المعاصر والرؤى للمستقبل والتي يطرحها بتجرد سواء في الموقع الخاص به على الإنترنت أو لمجلة الإكسبريس الإخبارية الأسبوعية، ونتوقف هنا بتوجيهه الضوء لحقيقة هي الأفدح تأثيراً ألا وهي خطاب العنف، و كما عبر عن ذلك بكلماته قائلاً:

“وسائل الإعلام الاجتماعية هي مكان العنف العنيف، وحتى لو كان هذا العنف مجهولاً، فإنه يقول الحقيقة: لأنه وحينما تكون ضعيفاً فإنك لا محالة ستصرخ وتصرخ لدرجة الإهانة حتى نتمكن من سماعك. وهذا مايفرز خطاب العنف والكم من الأكاذيب وعمليات التشهير، مما يجعل من الضروري تعزيز الآليات التي تسهل تصفية الأكاذيب ودعاوى التشهير الرائجة بتلك المنابر الحصينة في حرياتها المطلقة والمسارعة في اضمحلال باطلها مع احترام الديموقراطية وعدم المساس بها.”

وهنا ينبه جاك أتالي لسلطنة الكلمة في هذا السجال الحساس والبالغ الخطورة، يقول:

“يجب أن يتم وزن كل كلمة على خلفية هذا العنف، يجب أن تُوزَن الكلمة ومن قبل كل من يستطيع أن يستمع إليها، حتى تلك الكلمات الفردية أو البيانات في عزلة. يجب أن يتم الوزن حتى من قبل أولئك الذين يمكن تحولهم الكلمة و بسوء نيتها لكاريكتور.”

ولا يدع لنا جاك أتالي مناصاً من التوقف بوجل أو حتى بفزع أمام تناولنا المستخف للكلمة، بحيث لايمكن لنا إلا أن نعترف بمسؤوليتنا في هذا الوزن الذي إن خاننا تحولت الكلمة لشغب وفوضى وأحزمة ناسفة تذهب بحاملها وضحاياه، الكلمة ليست آمنة في الحريات المطلقة التي لشبكات التواصل الاجتماعي، و في نفس الوقت فإن الكلمة ليست جبانة و لامُهَادِنة و لامنافقة ومن هنا لايمكن أن يقف أمام عصفها إن عصفت ولا أعتى الطغاة والجبابرة، ومن هنا تجيء الإباحة لها بالجموح هنا وهناك وتتجاوز، حيث في خضم هذا الجموح تتحقق مكاسب رغم الأضرار، أضرار مهما بلغت فلن تفوق أضرار قمع الكلمة.

ويستطرد جاك أتالي مصرحاً للإكسبريس” إن المستقبل سيكون قاتماً إذا لم نشهد أيضاً في هذه المناسبة -مناسبة التغيير الذي تعيشه فرنسا- ظهور شباب من جميع الآفاق والقناعات لكي يحلوا محل الطبقة السياسية المعروفة اليوم، شباب يتسارعون للتعبير عن روح التحدي والتجديد ونراهم في الانتخابات البرلمانية الفرنسية المقبلة قادمين من جميع الأطراف الحزبية، ولا سيما في حزب الرئيس الجديد.”

فرنسا اليوم هي رمز للعالم في مفترق طريق لمستقبل مغاير وساع لبعث حيوات الشعوب.