رحيل مفكر مستنير
علي مبروك.. رحلة من التجديد
القاهرة – عيد عبد الحليم:

ودّعت الحياة الثقافية المصرية أحد أبرز المفكرين التنويرين في السنوات الأخيرة، وهو الدكتور علي مبروك – أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة – والذي وقف بجسارة ضد محاولات استلاب العقل، رافضاً أي حجر على الحريات الفكرية.
وقد ظهر ذلك جلياً من خلال مجموعة من مؤلفاته التي صنعت جسراً من التنوير بين الماضي واللحظة المعاصرة، كاشفاً عن الجوانب المشرقة في التراث، وداعياً إلى دراسته في إطار من الفكر المستنير وإعمال العقل. واستلهام التجديد من خلال الموروث الفكري. وهذا ما يتجلى في كتابه «ما وراء تأسيس الأصول».
كما سعى مبروك في أبحاث متعددة إلى أن يناقش مشروع التنوير العربي والذي يرجع إلى مئتي عام ودور محمد علي في هذا المشروع بإرساله للبعثات الدراسية إلى أوروبا، وظهور رفاعة رافع الطهطاوي الذي غير من شكل التعليم وقتها، حيث جاء حاملاً للأفكار النهضوية من باريس، وسجل كل ذلك في رحلته لفرنسا «تخليص الأبريز في تلخيص باريز»، وهذا ما طرحه مبروك في كتابه «لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا».

كان مبروك يراهن على الأفكار الحداثية وقدرة العقل على التغيير، وهذا ما تجلى من مواقفه الثقافية والفكرية ومؤلفاته المتنوعة. وقد استطاع مبروك بسماحته وقوة معرفته أن يكون له تلاميذ في أماكن كثيرة، فقد عمل لفترة في جامعة بريتوريا ومعهد الدراسات القرآنية في ماليزيا، والذي درس فيه لفترة مع الراحل د. نصر حامد أبو زيد.
كما كان له مشاركات متنوعة في الحياة الثقافية المصرية، وشارك لسنوات كعضو في مجلس تحرير مجلة «أدب ونقد»، من خلال دراساته ومقالاته الفكرية التي أحدثت حالة من التواصل والجدل بين القراء.
وكان د. مبروك يرى أن التنوير العربي يمكن أن يخرج من إطاره وماضيه المضيء، لأنه يرى أزمة التنوير تكمن في تقليد السياق الأوروبي والتي على حد تعبيره في إحدى دراساته: «لا يتوقف الكثيرون عن الثرثرة بها».
وكان يرى أن العقل ليس أبداً معطى مطلق بل هو تكوين تاريخي داخل ثقافة، وكان يرى أن تفعيل قوة العقل لا بد أن تأتي في إطار ثقافي حر بعيداً عن أي سلطة أخرى غير سلطة المعرفي والثقافي.
تعرض د. مبارك للرقابة على بعض مؤلفاته خاصة حين تقدم منذ سنوات للترقية إلى درجة الأستاذية، لكنه حصل عليها منذ سنوات.
عاش د. علي مبروك مخلصاً لفكر الاستنارة عبر ثقافة نوعية وفكر جدلي مؤسس على بعد معرفي عميق، معبراً عن الاختلاف الفكري عبر رؤية من التسامح واحترام الآخر، د. علي مبروك.. وداعاً. 

من almooftah

اترك تعليقاً