مدينة تدمر

سرقة الآثار: هل يمكن إنقاذ تاريخ سوريا؟

 تتعرض المواقع التراثية في سوريا لهجمات من كل أطراف الصراع؛ القوات الحكومية،ومسلحي المعارضة، ولصوص انتهازيين وما يُطلق عليه تنظيم “الدولة الإسلامية”، وحتى الضربات الجوية الروسية.

وتعاني المواقع الأثرية، مثل تدمر، من التخريب. ويُخشى أن مئات القطع الأثرية القيمة قد هُربت خارج البلد، وتباع في سوق الفن الدولية.

عن هذا الشأن، تحدثت بي بي سي إلى كريستوفر مارينيلو، المتخصص في الفنون، ومدير مجموعة استعادة الفنون، الذي استعادت منظمته مقتنيات فنية مسروقة ومهربة بقيمة 500 مليون دولار على مدار السنوات العشر الأخيرة.

ويقول مارينيلو “نحن على علم بتهريب عدد من القطع من سوريا. وكمحام في نيويورك، أمثل العديد من المعارض الفنية، ودور المزادات، والوسطاء، ممن يواجهون مشكلات في جلب وإرسال قطع داخل وخارج الولايات المتحدة. لذا، فأنا على علم بمسارات سرقة وتهريب القطع الأثرية. وما يحدث حاليا هو أن تنظيم الدولة الإسلامية وآخرين يستفيدون من الحرب في سوريا، ويبيعون القطع الأثرية في الأسواق العالمية”.

ويضيف خبير الفنون “هناك أناس فقراء تماما، يقومون بالحفر، ويبيعون القطع لوسيط، ينقلها إلى لبنان، ومنها إلى تركيا، ثم إلى الغرب. وثمة تقارير أن تنظيم الدولة الإسلامية يفرض ضريبة على هذه التجارة تبلغ حوالي 20 في المئة. والمصدر الأساسي لدخل تنظيم الدولة الإسلامية هو النفط، يليه الاختطاف وطلب الفدية. وعندما يضيق عليهم العمل في هذه التجارة، يتجهون إلى الآثار كمصدر للدخل”.

معبد بعل شمين
Image caption أظهرت صور القمر الصناعي مدى التخريب الذي لحق بمعبد بعل شمين في تدمر.

واعتبر مارينيلو أن “وضع حد لهذه الأزمة يتطلب عددا من الحلول، أولها وقف الحرب. والثاني زيادة الوعي لدى المقتنين والوسطاء ودور المزادات حتى لا يشتروا القطع غير المعروف أصلها”.

واستطرد بالقول “أما نحن، فجزء صغير من الحل، إذ نقدم قاعدة بيانات للقطع الفنية. وقد قدمنا خدماتنا للمتاحف وأي من المهتمين بالتعرف على القطع المهربة. ويمكن للمتاحف تحميل المجموعة الكاملة وطلب إضافة قطعة لقاعدةالبيانات. وحال ظهور أي من القطع المسروقة أو المهربة في الأسواق، يُمنع بيعها”.

“وبمجرد حدوث الصراع في سوريا، تواصلنا مع معارفنا لإضافة أي قطعة إلى قاعدة البيانات، حتى قبل سرقتها. وبمجرد سرقة القطعة، يتم إبلاغنا وإدراجها في قاعدة البيانات. وتقوم فرق تابعة لنا بمحاولة رصد القطع على مواقع المبيعات. كما نتلقى اتصالات من مشترين وهواة اقتناء يستفسرون في حالة عرض القطع عليهم”.

“وعادة ما نسأل عن أصل القطع، لكن المهربين عادة ما يزيفوا هذه المعلومات. لذا، ننظر إلى القطعة نفسها، ونخبر السلطات. وأنا على وشك التوجه إلى مدينة فينيسيا الإيطالية بناء على دعوة من الحكومة الإيطالية. وتتبعها بولندا ورومانيا وبلغاريا وغيرها من الحكومات”.

“وتحتوي قاعدة البيانات لدينا على مئات الآلاف من القطع، وذلك منذ بدايتها في مارس/ آذار 2015. في حين أن قاعدة مكتب التحقيقات الفيدرالية (الأمريكي) تشمل 15 ألف قطعة فقط. وتضم قاعدة بيانات الشرطة الدولية (الانتربول) 40 ألف قطعة”.

أفراد تنظيم الدولة الإسلامية يدمرون آثار الموصل
Image caption دمر أفراد تنظيم الدولة الإسلامية قطعا أثرية في العراق وسوريا. لكنهم يلجأون إليها كمصدر للدخل عند التضييق على مصادر دخلهم الأخرى.

“أما الشرطة الإيطالية، فلديها قاعدة بيانات مذهلة، وسيعدلونها العام القادم للعمل مع الانتربول. لكنهم لا يتفقدون سوق بيع القطع الأثرية بنفس الطريقة التي نقوم بها، إذ ليس لديهم الإمكانيات المادية ولا الأيدي العاملة. ويوجد حوالي 300 محقق في إيطاليا متخصصون في جرائم سرقة القطع الفنية”.

“أما في الولايات المتحدة، التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 320 مليون نسمة، يوجد 16 محقق فيدرالي فقط في سرقة القطع الفنية. وهم يتعاملون مع التفجيرات أيضا”.

“وفي لندن، يتعامل عدد ضئيل من المحققين في جرائم السرقات الفنية. وهم يحملون الكثير من الأعباء، وأجورهم ضعيفة. وقد لاحظنا زيادة كبيرة في أعداد الوسطاء والمقتنين الذين يتعاملون معنا، وهو دليل على الخوف”.

“وقد أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة بيانا قال فيه إن من يضبط بشراء قطع مهربة من سوريا سيقع تحت طائلة القانون الفيدرالي الأمريكي بتهمة تمويل منظمة إرهابية. وهذا أمر مخيف”.

“وقد وردت إلينا تقارير عن غزو العديد من الأسواق بقطع مهربة من سوريا، لكننا لم نعثر على أي قطع بأنفسنا. وسمعنا عن ضبط حاوية كبيرة محملة بقطع أثرية، لكنني لا أملك المزيد من المعلومات لأن الأمر ما زال خاضعا للتحقيق”.

“عدا ذلك، نعثر على الكثير من القطع المقلدة، إذ يحاول الكثيرون استغلال الموقف وبيع قطع مزيفة على أنها حقيقية”.

“وعادة ما تتجنب دور المزادات الكبيرة بيع هذه القطع المزيفة. لكن الوسيط متوسط أو متدني المستوى يبحث عن هذه البضائع، إذ يسعى لاقتناء قطع فنية بتكلفة قليلة، وبدون الكثير من الأسئلة. وهذا خطر كبير، لأنه يخلق سوقا رائجة لهذه البضائع. ومع الوضع القائم في سوريا، حيث توشك الحكومة على الانهيار، لا توجد سلطة يمكنها إيقاف هذا النوع من المقتنيات أو هذه الفوضى”.

من almooftah

اترك تعليقاً