رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

حمص سوريا – ص – ب – 5121 جوال 0966326100
نبيه اسكندر الحس

الاحتجاج
رواية
( يبكي ويضحكُ لا حزناَ ولا فرح ..كعاشقٍ خطَ سطراً في الهوى وم ..من بسمةِ النجمِ همسٌ في قصائدهِ ..ومن مخالسةِِ الظبي الذي سنح ..قلبٌ تمرسَ باللذاتِ
وهو فتى كبرعمٍ لمستهُ الريح   فانفتح مالي الآقاحيةِ السمراءِ قد صرفت عنا هواها أرقُ الحسنِ ما سمح لو كنتِ تدرينَ ما القاهُ من شجنٍ لكنتِ أرفقَ من آسا ومن صفح )

بدا النزل كحمام قطع ماؤه ، و بدا دخان السجائر كدوائر يشكل سحابات ضبابية بين أرجاء الصالون ، ، فرأى نفسه واقفاً أمام أبي ” صابر ” يتوسل له أن يعود لكن توسلاته لم تجد نفعا لحمله على الإياب ، و بروعة الحلم جاءه أستاذه :”  ينبغي أن تكون الاستثناء . أمك في
قبرها حزينة ، ومجللة بالتراب ، و أحذرك من بنات الهوى ، قريبا سترقص الغجرية احتفاء بعودتك “.
سحرته الكلمات تساقطت أمامه كالثلج ، فأحس بأن البذور تنمو، لتجعل الثلج ملونا بالأخضر ، وهناك شريان أحمر يشق هضبتين ،و من على القمة تلوح أمّ صابر بمنديلها ، وبجانبها جماعات من الغجر ،فأخذت إحداهن  ترقص ، حتى جعلت النجوم تبادلها الوميض . فسأل نفسه : ” يا
ترى هل سأجد مهدي ؟ … و أين سأجده مساحة العراق واسعة ” .
من كان يظن أن ” صابرا” سيذهب إلى بغداد ، في مثل هذه الظروف ، كان يدرك أنه يندفع إلى أتون النهاية ، بدا كفراشة وسط اللهب .لكن يترتب عليه أن يكسب الوقت .
ساد الصمت بضعة لحظات ،قبل  أن يلتقي مع أمّ ” فادي ” كان يستسهل الأمر ، ربما لأن الكلام مجرد كلام فقط ، و ربما يكون بدافع اليأس … و ربما رغبة منه أن يمسك بطرف خيط القضية ، قضية تصفعه بسياطها . نظر إلى النافذة ، شق ستارها عن سماء صافية ،فيها قمر غارق بين
النجوم ، بدت كمصابيح ، لكن الحافلة استطاعت أن تسرق متعة التأمل ،حيث غيرت وجهتها مع تعرجات الطريق ،كان يرغب بالسفر إلى العراق ،ولو ترتب على ذلك أن يصل في الليل ،والبحث عن الصبي ،ولو كانت الرحلة تشتمل على بعض المخاطر . وقع بصره على خيام الغجر، رأى الغجريات
يرقصن تحت أضواء القمر ، و فجأة عرض التلفاز فيلما ، عن مجموعة من جيش الأمريكان ، تهاجم معسكرا في فيتنام ، قتلت قادته ، وقد  أسرت بعض الجنود ، و منهم  من تعاطف مع الأمريكان فقال لنفسه : ” هذه هي عادتهم ، قبل أن يبدأ الهجوم العسكري ، يبدأ الهجوم الإعلامي ،
بمساعدة  العملاء ، و فجأة يقومون بتنفيذ ما خططوه  ، ترى علام يضع سائق الحافلة مثل هذا الفلم ،  وبهذا الظرف بالذات ” ؟ ! …
جعله الفلم يسخر من نفسه و من السائق ، و شتم كل شيء … ثم عاد يفكر أين سيجد ” مهدي ” لعله يرتاد مقهى الهافانا ، اقتربت الحافلة من العاصمة ، و بادر بعض الركاب بالتأهب لمغادرتها ، نزل في محطة الركاب، فلم يذهب إلى الفندق ، أحب التجوال في شوارع دمشق ، جلس في
مقهى الحجاز … بعد تناول القهوة ، ولج إلى أحد المطاعم ، تناول وجبة الفطور ، عاد إلى الفندق ، سأل عن ” مهدي ” بلغه أحد العراقين أنه سافر إلى العراق .
قال :
– سأسافر إلى بغداد ..
أجابه العراقي :
– لن تجده … لأنه اختار العيش في البوادي .
– أمره غريب ، ماذا يفعل في البادية ، أتراه عاد إلى الرعي … أم باع كل ما لديه ، و أخذ أهله ليعيش معهم , كما عاش أجداده قبل دخول الإنكليز؟ …
فكر في المغامرة :
– ماذا لو بدأت الحرب و قتل الطفل ؟ و أكيد سوف تستخدم أمريكا بعض الأسلحة المحرمة دولياً ؟ وهل من الضروري أن يظهر أمام الجيش و الشرطة ؟.
صمت هنيهة و سرّ لذاته : ” أكيد ستفتح الحدود أمام السوريين على الأقل ، و في هذه الحالة سيأتي أبو فادي ، وولده بدون أي جهد ، و ربما تعرف أم فادي و تستبق الأحداث أنها امرأة غير عادية ، سوف تتلاعب مع أبي فادي ، مثلها مثل الأمريكان في البداية ،لقد تلاعبت مع
الزعماء العرب ، ثم بدأت بتنفيذ خططها  .
ولج مقهى الحجاز ،سند ذقنه على مرفقيه ،غيبه النوم ، أشار إلى سيارة أجرة نقلته إلى المقبرة ، بحث عن قبر زوجته ، جلس قرب الشاهدة أخرج بقايا من قطع البخور ، أشعلها و وضع باقة من الورد . و راح يسألها :
– علام رحلت ، أنت تدركين أنني لا أسقط بسهولة ، و إن سقطت فسيكون سقوطي على رأسي ، كي لا أقف مرة ثانية . أنت تدرين أنني سقطت عشرات المرات . و قال الناس :
– قضى الأستاذ نحبه …
لكنني مثل طائر ” الفينيق ” أسقط و أعود ، و لا أعلن التوبة ،  أنا أعرف لو أنني أعلنت التوبة مرة واحدة لنأت عني المصائب . و لكن المصاب يدوس على ذاكرتي لكي أنسى و ما نسيت ، حتى ابتعدت المسافات بين رجرجة الفجر ، و خيوط الشمس هي المسافة بين التباسات العشق و
نور النهار .
جاء حارس المقبرة ، كانت تربطاهما أواصر صداقة :
– هل استيقظت ليلاك يا قيس ؟
– لا لكنها تسمعني … تعال … ضع أذنيك على حافة القبر .
– يا مجنون .. لم يعد مثل هذا الحب موجودا .
– لا أبداً أنه موجود .
– إن شاء الله أكون الأخير …
– لا قدر الله أن يوجد أمثالك … أيها المعتوه .
و اندفع حارس المقبرة بين القبور يكلم نفسه : ” الشيطان فقط يعرف كلامه ” .

دفعت ماجدة  له جواز السفر ،وقدمت له كل المعلومات ،وصورتها مع علوان يوم الزفاف ،وصورتها وهي حامل ،وصورة  فادي على صدرها،كما زودته بمبلغ كبير :
– المكافأة عندما تعود مع فادي .
ودعها وسط الشارع ،ومضى وهي تشيعه حتى غيبه المنعطف ،وفجأة بدأت تستعيد ملامحه ،تمعن في التخيل ،تذكرت صابر قرينها .لكن بعد فوات الوقت ،ضربت على صدرها :” يا إلهي !..كيف أعميت بصيرتي “؟.
سكن اللحن في خلايا دماغ ” صابر ” يردده سكون الليل ، وقفت الغجرية على ضفاف الفرات , و خيوط البوح تلملم أطرافها ، خلعت ثيابها ، جمعته بطريقة عشوائية قذفتها بعيداً ، و كان القمر يلون شعرها الأسود ، تأبطت ذراعه و قذفت الحذاء كلاعب كرة قدم ، و بدأت تتصاعد
موسيقى جنائزية ، لا يعرف مؤلفها . كانت عروس النهر تقابلها و تتلوى فتتكسر صورتها مع التيار ، فجأة بدت أنثى من عهد الأمومة ، فاستيقظ على إيقاع صاخب ، فقال :
– يا إلهي ! …. مرّ أسبوع ، و لم تطأ قدماي شوارع بغداد .
سافر مع أحد السائقين ، على أساس أنه معاون له ،سأله في الطريق عن رجل يدعى أبو فادي يرافق طفلا :
– لن أنسى فضلك .
– سأدلك على موقف قوافل السيارات. المحملة بالبضائع، فأبو ” فادي ” يأتي المكان حين تخلو المنطقة من الدوريات… فتلتقي به بين الساعة الخامسة و السابعة صباحاً أشار السائق إلى طريق يتلوى بين كثبان الرمل ، قائلا :
– هناك ضالتك .
ترجل ” صابر ” من السيارة ، و هام على وجهه في البراري يبحث عن مأوى يأوي إليه حتى يطلع الفجر .كان مغمورا في تلك المغامرة ،فأخذ يسترجع تلك المقابلة التي رسخت في ذاكرته ،سأل ذاته ” حقا أنني أندفع من أجل المكافأة التي ستغير حياتي ،أم أن المرأة لها في أعماقي
سيطرة ،هل خطر لي أن أنظر إلى وجهها نظرة رجل إلى امرأة جميلة ،أو أفكر بأموالها ،وهل كان علي أن انسحب في اللحظة التي حددت فيها الفواصل ،ماذا كانت تريد عندما قالت :
– يا صابر لن أنسى ما تفعله لأجلي ،لهذا انس كل شيء المال وتوابعه ،أنس انك تقوم بهذه المغامرة ، لأجل المال ،هذا يجعل القلب أسودا ،يجعل الرجولة تتراجع ،اعتبر فادي ولدك ،آه لو كنت تعرفت عليك في  ذلك الزمن ،ولكن يبدو أننا لا نستطيع فعل شيء أمام الأقدار .
غصت بالبكاء ،وارتمى رأسها على صدره ،ماذا كان يستطيع أن يفعل غير الذي فعله ؟.تأملها واصطنع ابتسامة ،لم يفكر بشيء غير أن يجفف دمعها بمنديل نظيف ،ولم يحاول أن يستغل ضعفها ولم يخطر بباله أن يقبلها بالرغم من صراخ حواسه( هاهي بين يديك حقلا للبذار ) .
فلم يكن يدري أنه حقل من البور ،تمنى لو تحول إلى طائر ليصل منزله ،ويدخل إلى غرفته الوحيدة على السطوح ،ويجلس أمام طاولته ،ليكتب أي شيء ،أي كلام ،ربما تكون الكتابة جزء من التراجع الداخلي ،وربما تكون ترويحا عن النفس ،أو  تعويضا عن حالة ما ،أو نقص ما في الأنا
التي راحت تتضخم في داخله .

أطفئت الفوانيس ، وهجعت البراري إلا من عواء ذئاب ، ازدادت الجذوة اشتعالاً في داخله ، تذكر ماجدة حين ودعته ، رغم المال الطائل ، كان يخيم الحزن على كيانها . لم يدر كيف غيبه النوم بين خوف و طوفان من الخوف ،  رأى نفسه في صحراء شاسعة ، فجأة شق ” ديناصور ” كثبان
الرمال . و راح ينفث اللهب . شعر بالنار تجتاح جسده حاول أن يولي الأدبار :
– النجدة ، النجدة .
فتح صابر عينيه كان الليل يفرد وشاحه على المكان ،فوجد نفسه داخل الأرض العراقية على مقربة من الحدود السورية التركية ،حث خطاه صوب الماء ،ناداه أحد البحارة :
– أتريد أن تقطع إلى الجانب الآخر .
– أجل …
أطفأ المركب ضوء فانوسه ،وعبر النهر ،وحين انبلج الفجر ،كان قد توغل في الأراضي العراقية ،وراح ينتقل من مكان إلى آخر حتى وصل أطراف مدينة بغداد ،وراح يسأل عن موقف السيارات حسب المعطيات الواردة في المخطط .
وقع بصره على سيارات شحن تأخذ رتلا طويلا ، فسر في نفسه : ” هذا ما أكده السائق ” .
حث خطاه صوب السيارات ، شاهد عددا من السائقين يشكلون حلقة . و من بينهم أبي ” فادي ” يتناولون الفطور . استقبلوه مرحبين ، جلس بينهم و شاركهم الطعام ، و راح أبو فادي يعطي أوامره :
– قم يا ولد .
يقف الولد :
مر …
– احضر الماء ، وصب على يد عمك  .
قال صابر :
– دع الولد.. الخدمة ذاتية.
وقعت العبارة على رأس أبي فادي كصاعقة ، جحظت عيناه ، رمى ” صابر ” بنظرة ذات معنى . ثم هرب بنظراته ، و أشعل لفافة التبغ .
سأله أحد السائقين بعد الفطور :
– ما حاجتك ؟ .
– لا شيء . سوى الذهاب إلى الحدود السورية . و من لي غير الشباب الطيبين .
– سافر بطريقة نظامية .
– فقدت جواز سفري .
ردّ السائق ذاته ،و نصب نفسه شخصية في المسرحية التي افتعلها ” صابر “:
– إيه … يا أبا فادي، يا لك من محظوظ . جاء رفيق دون حساب .
نظر أبو” فادي ” إلى ” صابر “:
– إن وجدت طريقة لا تنسانا.
وضحك ساخراً:
– أنتم كثر ؟ .
– لا .. أنا و ابني فادي .
قال السائق الأول :
-الأفضل أن تسلموا أنفسكم للشرطة .
يقف أبو فادي :
– سامحك الله ، أتعرف نتائج ذلك ؟ .
ردّ صابر :
– أنا أفكر بذلك .
أبو فادي :
– يعني …
وأشار إلى عنقه .
صرخ صابر :
– معقول .
سائق آخر :
– ليس ملكنا هذه السيارات ، هي أمانة في أعناقنا ، من يضحي بالملايين ، من أجل الفارين ، الله يعلم ما جرمهم ؟ ..
قدم أحد السائقين كأساً من الشاي :
– تفضل يا أخ العرب .
تناول صابر الكأس ، و راح يرتشف الماء الملون ، بصمت و هو ينظر إلى الولد الذي تكور تحت إبط أبيه ، فقال صابر : فصل جديد من المسرحية التي شارك فيها الجميع :
–  الحل عندي إذا وافق الأخ .
جعل صابر ” أبا فادي ” يتوسم خيراً ، و غمزه ، ووقف جميع السائقين بعيداً عن رتل السيارات ، جلس صابر وعينيه على الولد فقال :
– نرحل مشياً على الأقدام .
و نظر إلى أبي فادي :
– ما رأيك ؟ .
– كنت أنتظر رفيق الدرب .
ابتسم صابر ، و أدرك أن أبا فادي وقع في التباس اللعبة :
– فكرة منطقية  . و لكننا لا نعرف الطريق .
قال أبو فادي : نسير بمحاذاة الطريق العام .
– الدوريات كثيرة .
– نسير بعيداً عن ” الاوتستراد ”  مسافة تحمينا من التعرض للدوريات … لنا الله يا أخي .
– من أين نؤمن الطعام و الشراب ؟ .
أبو فادي :
– لو كان لدينا نقودا . لكان الأمر في غاية السهولة .
– لدي نقوداً كثيرة ، هيا لنبتاع الزاد .
– و لم لا …
– خذ … سأترك ولدي معك … و سأحضر لوازم الطريق .
– لا تتأخر .
وجد ” صابر ” نفسه مرغماً على العيش مع رجل غبي متغطرس وولد ضعيف  … سلبته الغربة كل شيء ، و هو مضطر أن يعيش دون أمّ ، و دون معطيات الحرية ، و تبين أن أبا فادي غير أهل لأخذ المواقف ، و لم تأخذ أحاديثهم أهميتها إلا بعد ابتعادهم عن الطريق . و من شدة التعب ،
عرجوا إلى كهف صغير بعيداً عن أعين الدوريات ، و المراقبين و المتطفلين .

غمر المكان ضوء الشمس ، و ازدادت الجذوة اشتعالاً في داخل صابر ، فتعهد بإعداد الطعام ، و أخذ أبو ” فادي ” يفتش عن المذياع الصغير ، الذي أصبح صديقه في الحل و الترحال ، فقال :
– هل تعلم كم عمر هذا المذياع ؟ ؟؟؟
– لا ….
– منذ جئت إلى العراق …
– ما هي الجهة الصانعة ؟ .
– بلد أجنبي … و هل لدينا صناعة ؟ .. اشتريته من حمص .
صابر يسأل :
– هل لك تنظيم سياسي ؟ .
– الطريق طويل ..ستعرف كل شيء . ( الصديق قبل الطريق ) . يبدو أن الظروف وفرت لي الصديق ، و الطريق معاً .
– أجمل ما فيك يا أبا فادي صدق مشاعرك .
بخبث قال صابر ذلك ، و مد يده إلى رأس فادي ، ومسد شعره السبل ذو اللون الأسود ..
أجاب أبو فادي :
– لولا صدقي لما رأيتني هنا .. طول عمري أكره الكذب ، و لكنني وقعت في أكبر كذبة عرفها إنسان .
– كيف ؟ .
– عرض علي أحدهم ، أن ألتحق بدورة تدريبية ، بعد أن تركت فادي برعاية أحد العائلات ، و حين انتهت الدورة ، علمت أنهم سوف يرسلوني إلى سوريا ، تحت جنح الليل .
– علام ؟ .
– من أجل … قتل ابنة الحرام .
– من تكون ؟ .
دنا من أذن ” صابر ” ووشوشه ، كي لا يسمع فادي :
– قتل ماجدة أمّ فادي .
– هل نفذت الأمر ؟ .
– لا .. رحلت إلى لبنان .
و هزّ طرف ثوبه ببراءة ما ذكر .
كان ” صابر ” يلتزم الصمت فسرّ في نفسه : ” ما زالت المدينة قريبة ،والمسافة غير كافية للمفاجأة ،( تسمح لأبي فادي ، اللجوء إليها مع فادي ) ، هذا ما جعل ” صابر يتريث … و في قرار نفسه كان يزداد فهماً لشخصية أبا فادي , و بقدر ما  اكتشف من حقيقة ، يكيل اللعنات
.
قال أبو فادي :
– نعم …
شرد بخياله بعيداً ، تذكر أنه كان يقرأ القرآن و يحفظ الأحاديث النبوية عن ظهر قلب على يد رجل مؤمن أحب الله و رسوله ، و إذا جاء الرجل إلى بيته ، يراه غير مخالف لتعليماته ، نفذ طلباته ، فطلب من أمّ فادي أن تلبس الحجاب ، فلم تنصاع ، و بعد جدل طلبت الطلاق .
وحين صحا من  شروده :
– هل سمعت أن امرأة تطلب الطلاق من زوجها . لذا قررت أن أحرق قلبها ، فأخذت الولد … أليس من حقي أن أحميه ، ماذا كانت ستعلمه سوى قلة الشرف .
دفعته الأوقات السحرية من غسق الفجر ، إلى رؤية ما وراء الحقيقة ، فعثر عليه يعيش في دياجير مسكونة بالضلالات ، فأخذ على عاتقه أن ينبش الأزمنة السحيقة ، و الأعمال التي قام بها الإنسان ،وكلم نفسه: ” يجب أن أعريه من براثن تخمر أفكاره ،و إعادة بنائه، لكن اللبنات
متفسخة لا يمكن إعادتها إلى جدارها الأول” ؟ .
اهتز وميض نجمة الصبح ، و تحركت النسمات ، لترسم على جدار الذاكرة ، رونقاً بديعاً ، لا يدري كيف سقط نظره على نخلة تتدلى منها عناقيد البلح ، تفسح مجالاً لعبور حبال الشمس الناعسة ، يظهر خيال امرأة أمام ناظره ، تنزع ثيابها ، هرب بنظره إلى أبي” فادي ” الذي كان
قد انتهى من إعداد الطعام ، و فجأة تعالى صوت المذيع :
– أطلقت الصواريخ العراقية على إسرائيل .
ما إن وقع الخبر على مسمع أبي فادي ، حتى انبرى يرقص في جوف الكهف ، و يهلل طرباً .
قال صابر :
– لا تفرح يا صاح .
– علام ؟.
– دائما” البدايات لها شأن عظيم .
– الذي يبدو واضحاً الآن قد  يعتم غداً .
– ما قصدك ؟ .. ألست عربياً ؟ ..
– نعم وطنيا” ..
– لم أفهم عليك ؟ . ..
– كشف صاحبك كل الأسلحة التي من شأنها التصدي لهجمات إسرائيل .
– كيف ؟ ..
ابتسم :
– ببساطة سوف تبني إسرائيل شبكة من صواريخ مضادة .
هز رأسه :
– أرجوك .. لا تقل أنك خدمت في الجيش ، و أنك أكثر فهماً من الذي يقف في رأس الهرم . لماذا تظن نفسك عالماً ؟ .. و لماذا … ؟
– إذاً كلانا جاهلان ؟ .
– لا … قد أكون أكثر منك معرفة ، علام تصادر رأي ؟ . تحلقوا حول المائدة ، في جو مشحون بالقلق و الخوف و الحذر ، فأخذ ” صابر ” فسر في نفسه : ” يا إلهي ! … من يكون هذا الرجل ” ..
كان أبو فادي يرتجل نقاشاً لا فائدة منه يأكل و عيناه ترصدان ” صابر ” الذي بدا كعدو أمامه . فسأل نفسه :
–      ” علام  لا ينطق البسملة على الطعام ، ولا يصلي أيضا”.
صمت مليا :
–  جعله خواء المعدة يصمت على حرقة.

رسمت حبال الشمس على الرمال ، رسم امرأة تقرأ الطالع ، و على الطرف الآخر رسمت الرطوبة ظلالا لسرب من القطا ، يبحث عن مكان آمن ليخلد إلى النوم . فتذكر ” صابر ” مجنون ليلى حين طلب من القطاة أن تعيره جناحيها ، فهو بحاجة أجنحة تحمله إلى ” ماجدة ” . فقال :
– هيا بنا …
حمل حوائجه و من خلفه صاحبيه ، يمّم وجهه شطر الحدود السورية ، و من خلال نجمة المساء ، أدرك ” صابر ” وجهة السير الصحيحة ، كان يراقب تشعب الدروب الموحشة ، و بعد مسير بين خوف و اطمئنان ، ظهرت أجسام ذات ابر مشعثة دكناء ، أمسك فادي بطرف ثوب ” صابر ” خوفاَ من
عواء الذئاب ، و انفرجت البادية عن أرض شاسعة  تربد بسكون  إلا من حركة طير هنا ، و عيون ثعالب هناك ، جعلتهم المواقف أكثر حذراً  و توثباً ، و ما زال أبو فادي يحدثهم عن بطولاته . بدءاً من صفوف المدرسة ، إلى أن دخل العراق ، بصفة مجاهد في سبيل الله …. فأدرك ”
صابر ” أنه يتحدث من وحي الخيال ، متخذاَ الجانب الذي يراه محط اهتمام الآخرين . بغية السيطرة عليهم . لكنه وقع مع ” صابر ” فلم يستطع فهمه جيداً .
فجأة ظهرت الأحجار على مرمى البصر ، يضيئها نور القمر ، فبدت كحيوانات مفترسة ، تتربص بفرائسها ، و من شدة الحذر ، تهيأ لهم أن أصداء خطاهم خطوات حيوانات مفترسة تقتفي إثرهم ، على أثر ذلك صمت أبو ” فادي ” و لم ينبس بحرف عن بطولة الخيالية ، سر ” صابر ” كثيرا لكن
السرور لم يدم إلا دقائق ، و همسات الولد تتأتى لسمع صابر ، كأنها صادرة عن خطوات تتخفى وراء الآكام ، فازداد توثباً ، و سارعت عيناه تجوبان كل الاتجاهات ، و فجأة أدرك أن الهمسات صادرة عن الولد ” فادي ” يعلن خوفه ، فسأله :
– ما بك ؟ ..
– أبي …
– ما به ؟ .
– سقط خلفنا ….
رسم النبأ في مخيلة صابر آلاف الصور و الاحتمالات عاد مسرعاً ، يسيطر عليه الهلع ، وجد أبا فادي مدداً على الأرض ، يبكي من ألمه ، محتضناً ساقه الأيمن ، فسأله :
– ما أصابك ؟ ..
يتلعثم :
– قفزت فوقعت ساقي تحتي … ربما كسرت .
حمله ” صابر ” على ظهره ، و انتحى مكاناً بعيداً عن الطريق خوفاً من عتمة تزجهم في كمائن التيه ، وجد صخرة كبيرة ترتكز على قاعدتها ، قمتها مندفعة إلى الأمام كجناح طائر النعام ، جلس القرفصاء بظل  الصخرة ، و بهدوء مدده على الرمل ، و راح يتلمس الساق ، عله يعرف
هل كسرت ساق أبي ” فادي ” أم  مجرد تشجن , ثمة قافلة عسكرية تتقدم باتجاه بغداد ، أضواء الآليات تشق العتمة ، و خوفاً من حزم الضوء ، لاذوا بحفرة  ، كان يدرك إذا سقطوا بين أيادي الجيش سوف يتهموا باتهامات تودي بهم إلى الإعدام ، لكن القافلة مضت دون أن يراهم أحد
.
مضى على مسيرهم أسبوعاً ، فلم يتجاوزا سوى بضع كيلو مترات بعدد أصابع اليد ، هذه المسافة القصيرة بعثت في داخل صابر الهم ، ومن أين له أن يعرف ما يدور في داخل أبي فادي ، الذي يجر ساقه المكسورة مكابراً ، و لكن عبثاً فالمخبوء بضعف الجناحين ولا يفيد الطير عند
مقاومة الريح . تجربة مخاض المسير عرت أبا “فادي ” كرجل ادعى من اللحظة الأولى ، القوة و الصبر ، ولما وصلوا مشارف منطقة الهيت ، سبقه ” صابر ” ومن خلفه ” فادي “، فصرخ أبو فادي صرخة ،رددت صداها الفيافي . وقف صابر هيئ له أن صاحب الصوت وقع بين براثن وحش مفترس ،
فعاد مسرعاً ، ليستطلع الأمر ، كشف عن صديقه ، رأى ما لا يصدق ، منظر تقشعر له الأبدان ، غدت الساق تأخذ لونا أحمر يخالطه السواد ، من بداية القدم و حتى نهاية الركبة ، وقف صابر حائراً ، حدث نفسه : ” حالته صعبة ، فمن أين لي بطبيب في مكان لا تسكنه إلا بنات آوى و
قشعم الطير ” ؟ …
تمدد فادي بمحاذاة أبيه ، و راح صابر يفكر ، أ يكون القدر الذي لم يؤمن به يوماً ، قد فعل فعله ، و زجه في لعبة يعجز عن فعل أي شيء أمامها . و إذا امتثل لفاجعة وقعت مع رفيقه ، فكاد يصرخ صرخة أشد و أقسى من صرخة أبي فادي لكنه استطاع تمالك أعصابه مبدياً التجلد و
الصبر ، و راح يبحث عن حل ، لكن الخيبة كالغول الفاتح شدقيه عندما أتت لحظات النهاية . ومضت أحلام بناها بالانكسارات ، جعلته يشعر بعجز ،لكنه بقي يسكن نفسه ، منتظراً هدوء عاصفة تكيلهم بوابل من حبات الرمل المتدفق ، لا يدري كيف لفتت هضبة أنظاره ، فحمل رفيقه ، و
انصرف إلى الكهف ، علهم يقضوا الليل في جوفها ، خوفاً أن تجعلهم الرمال في بطنها ، ساعدته الريح فأسرع و من خلفه الولد ، اندفع إلى المغارة ، وضع أبا فادي جانباً ، و راح يتفقد إذا ما كانت خالية من الوحوش ، و بعد تدقيق رجل حصيف أدرك أنها عبارة عن صخرة عملاقة
جاثمة على أرض فارغة ، و في جانبها انهيارات  ، فأدرك أنها أكثر أماناً من العراء . فأسرع و جاء بأبي ” فادي ” وولده . و قبعوا في أحد الزوايا .
بدت حركاتهم بطيئة ، و تمضي الدقائق سريعة سوداء ، فأسرع ” صابر ” يعد القهوة على نار القش ، فالقهوة تنعش داخله ، كرجل أنهكه التعب ، واليأس و العذاب و الحيرة ، أخذت المواقف تمتص اندفاعه ، رغم ما في النفس من نزعات فاضت على سطح المعرفة ، متحدية إصراره ، و فجأة
انتشرت رائحة الهيل مدعمة بروائح الشيح و البلان و سعف النخل ، صب الفنجان الأول قدمه لأبي فادي ، و تناول الآخر ، وهو يمج دخان لفافة التبغ التي لم تنطفئ جذوتها منذ أن دخل الكهف .
كانت السماء  مائلة للاصفرار ، و راح يبحث عن قمر ضائع .

بدت المغارة كحمام ، تصفر بين أرجائها الريح ، تعطر أنوفهم رائحة الشيح ، و رائحة مشبعة برطوبة الملح . ذكرته الرائحة بأيام الطفولة حين كان يحشر رأسه تحت إبط جدته ، و هي تقص عليه حكاية عن الضياع و مكرها ، و رائحتهم الكرهية أيقظه سؤال أبا  فادي :
– ترى ماذا حل ببغداد ؟ ..
– فكر في وجعك أولاً …
– إذن افتح على نشرة الأخبار .
تفقد أبو ” فادي ” جيوبه فلم يعثر على المذياع ؟ ..
بحث صابر بين حوائجهم ، و بعد لأي قال :
– لا بد ظل هناك … أكيد ستبلعه الرمال .
قال أبو فادي :
– كيف سقط ؟ ..
– اللعنة …المذياع وحده يضعنا في حقيقة هذا العالم المجنون .
تحركت مشاعر فادي ، واشتعلت شرارة في مخيلته دفعته لأن يظهر مهارته ، فانسل من بينهما ، و اندفع وسط صخب العاصفة ، و موسيقى الرمال الجنائزية ، التي لا يعرف مؤلفها ، و حين أدرك صابر أن الولد ولج العاصفة ، تبادر لذهنه أن العاصفة ، ستحمل الولد و تقذف به إلى
المستنقعات المجاورة ،أو إلى النهر ، فتهيأ للمغامرة بنفسه في سبيل إنقاذ الولد ، و فجأة وقع بصره على كتلة تتقدم على قوائم أربعة ، ظنها في بداية الأمر ، من فصيلة الوحوش ، فاحترز للمجابهة ، عاد إلى هدوءه حين غابت عن ناظره ، وقف صابر يعيش الصراع مع ذاته ، و
راح يقارن بمن سيضحي بالولد أم بالأب ، و راح يعيش جانبي الصراع ، صراع يدفعه إلى الجانب الإنساني ، و جانب يدفعه كيف سيقف أمام أم فادي التي تنتظر عودة ابنها ، ألم يؤكد لها أنه لن يعود إذا لم يكن معه ” فادي ” . لقد أفلح فادي و عثر على المذياع ، و قفل أدراجه
يعاند الريح حاملاً المذياع بيده ، والفرحة تغمر قلبه ، دفعته الريح إلى فوهة الكهف ، اندفع صابر صوبه ، و راح يشجعه :
– سيكون لك شأن .
وقف الولد أمامهم سعيداً ،وكاد تأنيب والده يحطم معنوياته . لكن مغامرة الولد كانت بداية تأسيس ذاته ، كانت الرحلة تعني ” لصابر ” استراحة المقاتل ،الذي يعشق الحياة و الحرية ، و تعني لأبي فادي هروبه من ثوبه .
حركات أبو فادي تلفت النظر ، فأدرك أنه يؤدي احتفالاً خاصاً ، وعند انتهاء وليمة الأخبار ،لم يتفوه بحرف ، و راحت الأسئلة تحرك ذاكرة ” صابر ” فجأة أخذ قراراً لا رجعة فيه ، فسر في ذاته : ” يجب التخلص من أبي فادي مع الحفاظ على الولد ” .
انتبه صابر على شرود أبي فادي الذي كان يفكر أن يحافظ على نفسه بطريقة ما . فغدا الولد ” فادي ” رهن الحالتين ، يرفض وصية أبيه ، و لا يقبل مساعدة ” صابر ” كان مصراً أن يعتمد على نفسه ، لكن الأقدار لها دور في المواجهة معهم . وغدت الرحلة طرف في الصراع .

جلست أمّ ” فادي ” قلقة ، فهي خبيرة بالرحيل … و أمور الرحالة ، لكنها لا تعرف ملابسات الرحلة ، لأنها لم تثق بكل ما خططته . بدا كل شيء أمامها ضبابياً ، لم تكن رؤية واضحة . حين تعلن الحرب ، تعلن أم ” فادي ” انكفاؤها في المنزل ، و تبحث عن محطات أكثر مهارة في
الانخراط بالحياة السياسية و الإعلامية . و منذ الصباح الباكر ، تبتاع الصحف و المجلات ، تعود إلى البيت تقرأ ما بين السطور ، ثم تقرأ صفحة الأبراج ، فيرسم الخط صورة يومها ، وعلى أساسه تبدأ يومها برحلة متشائمة ، أو متفائلة .
و ما إن تخلد إلى النوم ، حتى تبدأ رحلة الكوابيس و الأحلام الصادرة عن اللاشعور ، هكذا يمضي الليل ، و ما أن يطلع الفجر ، حتى تبدأ معه رحلة جديدة ، على تداعيات ما خطته قارئة أبراج الحظ .

حاول صابر اكتشاف الحقيقة ، لعله يعيد اللحظات الحالمة ، دبت الروح بالصلصال ، وفرت الأحلام ، و تركته الظلمة يتذكر الهجران ، وراح يراقب قمر السماء ، ثم نظر إلى أبي فادي و سأله :
– هل تستطيع السير … و لو كيلو متراً ؟ ..
– و ماذا بعد …. هل نسيت أن البوكمال تبعد أربعمائة كيلو متراً .
و راح صابر يبحث عن فكرة تصل به إلى حل . و يبقى على هذه الحال حتى بدت الكواكب الفضية تتدحرج في عليائها ترسل إشعاعات لاهبة ، شعر كأنها استهلالات لقصيدة تأتيه مع الفجر ، تذكره بزوجه ، وهما يعودان في آخر الليل محملا بآمال يظن أنه سيعلن التوبة أمام قمر اكتملت
دائرته ، تذكر اتفاقه مع أم فادي فقال لنفسه : ” و كيف لا .. و اسمها ملأ الآفاق على صناديق البضائع التي وصلت إلى ما وراء البحار ، لتعود إليها بالملايين ” .
كان يرثي لحال أبي ” فادي ” و يلعنه في قرارة نفسه ، تساءل عما أوصله إلى هذا الحال ، فأدرك أن أبا فادي كان ضحية ، فسرّ لنفسه : ” و أنا و فادي و من لف لفنا ، ليس إلا بيادق في لعبة غير دقيقة للاعب ، أخذ يضحي بهم دون هدف ” .
تنهد ” صابر ” بألم ، ونظر إلى قمر ابتعد في رحلته ، و هدأت الريح ، و ما زال يبحث عن مكامن ضعفه ، وشيئاً فشيئاً ، ينحدر مع نفسه إلى درك سحيق ، وصف نفسه بالجبان و الدونية ، و تمنى لو أنه يمتلك الشجاعة ليبوح عما يختلج في داخله ، لكنه عندما ينظر إلى أبي ” فادي
” يجده قد ارتقى أعلى درجات الدونية ، فأخذ يلعن عقله و قلبه ، و فجأة انتفض في مكانه ، ونظر إلى كثبان الرمال و هي تستحم بضوء القمر ، خرج إلى باب الكهف ، بسط  يداه و شدهما كطائر يتهيأ للطيران ، ثم عاد إلى جوف الكهف ، ونظر إلى الصبي الذي أسلم جفنيه للنوم ،
كان وجهه مكلل بالطهر ، كأي طفل محروم ، تظهر عليه آثار طفولة محرومة ، أنهك جسده التفكير ، فتوسد الأرض و غط بالنوم .
فاستيقظ مذعوراً على هذيان أبي ” فادي ” الذي أخذ يتكلم في نومه ، كأنه يعيش تداعيات أيام الماضي مع أم ” فادي ” فخيل لصابر ، عندما ترجم العبارات أنه يقف أمام فيلم يروي قصة عشق بطلته أم فادي . و هي ترتدي ثوباً فاضحاً عن صدر بارز يحوي قمتين .فقال كل هذا لصابر
النائم ،أجابه :
– يبدو الفكر الغيبي غيبك يا صاح .

فجأة ارتجت الأرض ، أحس صابر أنه اقتلع من مكانه ، و امتلأت المغارة غباراً ، فأسرع إلى انتشال أبي فادي . وأسرع إلى فوهة المغارة ، رأى بريقاً من شهب تنطلق من الأرض ، ثم تتلاشى في الفراغ ، و ثمة تفجيرات تدوي متلاحقة ، تأكد أن المعركة تدور رحاها ، و ثمة مضادات
تتصدى للطيران ، هذه الأحداث ، دفعته إلى إخلاء المكان ، كان يترتب عليه أن يحمل أبا فادي ، و أشار إلى الصبي أن يحمل الأغراض ، و ابتعدوا عن المنطقة قدر المستطاع ، لا مصلحة لهم أن يبقوا في مكان موبوء .
سكنت التساؤلات في داخله أمام صخب المكان ، لكن الصخب قد انتشر مبدداً الحركات ، فافترش الرمال ، قائلاً :
– ليحدث ما يحدث .
جلس الولد يبكي بصمت .
فسأل أبو فادي الذي نزل عن كتف صابر لتوه ، غير آبه بما يجري :
– هل بدأت الحرب ؟ .
– نعم .
– إذن سنموت هنا و لن يقبرنا أحد .
– لا … عليك القذيفة تدفنك في أعماق الأرض .
اجتاح الخوف كيان أبا فادي ، فقد كان بحاجة إلى طبيب يعالجه ، أو قل ليقطع ساقه ، لكن من أين سيأتي الطبيب ، الجبال و الوديان ، أعلنت عن سرائرها ، و الكهوف أيضا . أعلنت البراءة ، فهل يطلب من ولده الرحمة ، لأنه بلغ الحلم ، أم يطلب المغفرة من صابر الذي بلغ حد
اليأس ، فهل يواسيه ، أم يبكي معه .
أدار كل من أبي فادي و صابر ظهريهما ، وهما في بكاء مرير ، و ارتحل كل منهما إلى أعماقه في تداعيات لا حصر لها …. يحاول كل منهما ، إحضارها من غياهب الماضي .
كان الصبي جالساً في وسطيهما ، ينظر إلى أبيه الذي تبلل وجهه بالدموع ، ثم ينظر إلى صابر ، يراه يطوق صدغيه بكفيه . سأل الصبي :
– هل النجاة في بقائنا هنا ؟ …
صحح صابر جلسته ، تغزوه أفكار عديدة ، تذكر حين كان يؤكد لأعضاء الحزب أن يرفدوا الكوادر بدماء جديدة . هؤلاء ولدوا لمجابهة المصائب . فأجاب على سؤال الصبي :
– هل تستطيع حمل أبيك أربعمائة كيلو متراً ؟ …
– لا …. مستحيل .
رد أبو فادي :
– دعوني هنا .
سأله صابر :
– علام ؟ …
– ليس من الفضيلة أن تموتا من أجلي ، و أنا لا أستطيع أن أفعل لأحكم شيئاً .
صرخ صابر :
– لا … نموت معا ، أو نعيش .
رد أبو فادي :
– ما أمرنا الله بذلك .
– و لم يأمرنا بقتلك .
– إذاً نعود إلى الكهف .
و صمت أبو فادي ، و ثمة نسمات راحت تندفع شيئاً فشيئاً ، تحمل بين طياتها حبات الرمال . فأخذ حفنة من التراب و قذفها في الهواء .

أسرع صابر و من خلفه الصبي إلى الكهف ، و أخذا يوسعان مكاناً للنوم ، و عاد صابر ليحضر أبي فادي و لم يمض إلا  قليلاً من الوقت ، حتى شعروا بالراحة ، و جلسوا يراقبون الأتربة التي تملأ المكان بفعل الريح ، لتنتهي هناك في الوهاد ، حيث المستنقعات و نباتها من قصب و
بردي و غيرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استسلم الصبي للنوم ، و تمدد والده قربه ، و حمل ساقه ليستطيع النوم على جانبه الأيمن ، و ظل صابر مستيقظاً يفكر بطريقة تنقذهم من حالة يرثى لها ، و خاف أن يسرقه سلطان النوم ، فتباغتهم الوحوش على حين غرة ، لذلك خرج إلى الأرض ليجمع الحطب ، فوق سطح الكهف تتراكم
جذوع أشجار قديمة يابسة ، قلعها بيديه ، و ألقى بها أمام باب المغارة ، و لما جمع كفايته ، هبط إلى فوهة الكهف ، وقع بصره على أثر روث حيوانات ، جعله الأثر ، يستطلع المكان عله يعثر على خيام للبدو ، لكن الليل منعه أن يحظى بضالته ، أوقد النار في أكثر من مكان بين
أرجاء الكهف ، و راح ينتظر جمراتها ، التي بدت تلمع في الظلام .
سكنت التساؤلات في داخله ، وفسح مجالاً للرغبات بالانطلاق ، تسري مثل ماء في أرض عطشى ، فالشيء لا يظهر إلا  بضده ، حضر طيف امرأة في ذاكرته ، بتفاصيل مغرية ، فاتحة صدرها لتتعرض للقاء ، هذه اللحظات تضخم الأعصاب و تصعد النار إلى صلب الإنسان ، تبدو النار صاعدة
من القلب ، وتهبط من الرأس ، فيهتز البنيان إثر اندفاعات تبعث في داخله آلاف الصور ، أبعدته المرحلة عنها .
تطاولت ألسنة اللهب ، في مغارة موحشة ، كيف سيتصرف صابر مربي الأجيال و رجل القانون الذي لم ينحن إلا لطفل ، أو كتاب ، فضحك لتبديد الرغبات بهجوم مضاد من سكينة ،اتخذها  طريقة لطرد الوساوس ، و دفع حيوان الجسد إلى إيقاظ فادي بغية الرحيل … فسأل نفسه : ” من يكون
أبا فادي … ألم يختر طريقة بنفسه ” ؟ …
وقف كالرمح و سأل نفسه ذات السؤال : ” من أكون أنا ” .
فوجد أن مجيء أبو فادي بغية الحصول على المال ، بدون شك هو ليس بأفضل منه ، ألم يأت هو لذات الغاية .
تساؤلات ، راحت تسهل طرقات وعرة في نفسه ، فلم يدر كيف ركع أمام قمر أضاء بدائرته الفضية كثعبان الرمال ، فأقسم أن يكون مخلصاً لنفسه ، و لهذا الطفل الذي سيعود إلى أمه و ينعم معها بالحياة ، و أن يكون مخلصاً لأبي فادي حتى اللحظة الأخيرة التي تفصله عنه باعتبارها
حتمية لكل صراع تتأرجح ، وقع بصره على بشر قادم نحوهم ،فأحس بأن الفرج اقترب ،عاد ليوقظ الصبي و أباه .
انطلق صابر صوب النار ، وجد نفسه يقف أمام خيام البدو ، تبعثرت ماشيتهم في كل اتجاه ، خبت الجمال باتجاه الشرق ، تركض ثلة من الشبان وراءها ، و أحد الرجال تقنع بكوفية حمراء ، يعتلي صهوة جواده0 عله يسبق النوق ، ليردها إلى المضارب  ، و اندفعت الأغنام نحو الهضبة
تشكل قطيعاً متلاحماً ، و ثمة نساء يركضن ترافقهن الكلاب ، تنبح على القطيع و تجمعه ، فاندفع صابر لمساعدتهم ، يفكر :
– ننادي بالتلاحم دون أن ندرك أن التلاحم غايته تجمع القطعان بسبب الخوف ، الأكياس القوية تلجأ إلى الوسط و المواشي الضعاف يتلقون الصدمات القوية ، لأن الذئاب تمزقهم أولاً . نجح الشبان و الفارس في إعادة النوق إلى المضارب بعد لأي ، و تفقدوا عددها ، و إذا كان
هناك بعض الإصابات ، اقترب الفارس الملثم متسائلا :
– من أنت ؟ .
– عابر سبيل .
تقدم صابر باتجاه ملثم ، يتمنطق بسلاح حربي رمى السلام ، التحية نوع من المعاهدة الشفوية ، وضعت أسسها الأعراف ، و تعاملت بها الشعوب ، عبر التاريخ ، رد الفارس على السلام ، و ترجل عن صهوة جواده :
– سألتك من أنت و لم تجب .
– أنا في المغارة من ليلة أمس .
– هربتم من الحرب .
– لا … نحن من سوريا .
شرح صابر سبب وجودهم ، و ما آلوا إليه من وحشة المكان .. قذف الفارس سلاحه و كشف وجهه ، و اندفع يصافح صابر بسرعة ، وضع صابر صديقه في حقيقة الأمر . فأمر الشبان أن يحضروا أبا فادي حملاً على الأكتاف ، و ما زالت يد الفارس تشد بحزم على يد صابر .
كان يدرك أن البناء حامل و محمول ، إلا الخيام هي محمولة غير حاملة ، تهب الريح و تسكن سكون الأفق لحظات هدوء قائظ ، تصنع النسمة الجذلة فتوقظ في النفوس العطاء و الشعرية ، و تبدو الخيمة كالأفق الملتاع بشفافية الضباب المتساقط من سماء تغلفها مزنة مضيئة ، فقال
صابر لنفسه : ” المشيمة تعيش مع الوليد حتى الولادة تنفصل عنه إلى العدم ” .
إذا خفقت الخيام في مكان ملئت   بحكايات سكانها تنتقل معهم في ترحالهم ، و تخلق في الأذهان طرائق و قواعد ، و أعراف ، تتحول إلى تراث ، الابتعاد عنه مذلة ، و التمسك به تكريسا  للقيم حتى تنشأ قواعد و حكايات جديدة .
حين جاء الرجال بأبي فادي وولده اندفع البدوي يساعده على الجلوس في صدارة الخيمة ، أما صاحبة البيت ، فقد احتضنت الصبي ، و أخذته يحنو الأمومة إلى الخيمة المجاورة .
رحب البدوي بالضيوف ، قدم لهم الماء و اللبن و حين انتهوا من الشراب ، تقدم من أبي فادي يتفحص ساقه :
– سنحضر الطبيب .
قال صابر :
– حدثتك بصدق ، لا نريد أن يكون الطبيب مطباً لنا .
قرأ الرجل قلقه ثم أجاب :
–  أنت ضيف مهدي أبو فايد .. هل نسيت الهافانا ؟ ..
– أ و  ه … أنت ؟ ! . ..
– نعم آني .
ردّ أبو فايد بطريقة بدوية … و تذكر صابر قول مهدي :
– ( ماكو   وطن ) .
فاندفعا يتعانقان من جديد ، تعجب أبو فادي من وقع المصادفة ، و راح يرقبهما و هما يكفكفان الدمع ، و حين جلسا . نادى ” مهدي ” ، على أمّ ” فايد ” تضع يدها على كتف ” فادي ” الذي خرج لتوه من حمام صغير خلف الخيم ، و أشرفت أمّ ” فايد ” بنفسها عليه و صبت الماء
الفاتر على جسده ، فبدا وجهه جميلاً كالقمر ، فأومأ له ” مهدي ” . عرف قصيدة ، فجلس في صدر المضافة متكئاً على مرفقه ، كمن يعلم مقامه كغريب ( الوافد من بعيد غريب ، و القاطنين بالنسبة للوافد غرباء ) كان ” فادي ” منزوياًّ كهر صغير يراقب كل شيء بحيادية من يريد
أن يتعلم من تجربة الحياة بشقيها الحلو و المر . يوصوص بعينيه الجوالتين الباحثتين عن كل شيء بخوف وحذر .
اعتذر ” مهدي ” لبعض الوقت :
– أنتم أصحاب البيت .
ظن صابر أنه هرب من دموعه ، في الوقت الذي بقي فيه صابر يجفف دموعه بطرف المنديل .
أسرع ” مهدي ” اعتلى صهوة جواده ، ولكزه برجله فأخذ يشق عباب الصحراء ، و تولت صبية في عقدها الثاني و شاب لم يبلغ الحلم ، و اجب الضيافة ، و أوقدت أم فايد النار ، وضعت القدور فوق النار ، لم يدم طويلاً من الوقت حتى عبقت رائحة اللحم المسلوق ، و ما زالت الصبية
تقدم القهوة المرة مع حبات التمر .
أدرك صابر أنها مقدمة لوجبة دسمة . فبدت الحياة كتاباً مغلقاً مليئاً بأسرار مخبوءة ، و عندما يفتحه المرء و يكشف رموزه لم يعد سراً .
دخلت أمْ  فايد رمت التحية :
– الله بالخير ..
تقدمت من الضيوف سلمت عليهم باليد ، وحين وصلت إلى أبي فادي حاول الوقوف ، لكنها أقسمت :
– بالله عليك خليك جالس .
الإحساس بالعجز أمام المرأة ، رآه صابر في عيني صاحبه ، و قرأ في وجهها الحذر و التوجس ، حين نظرت إلى وجه صابر سألت نفسها : ” من يكون هذا الشخص الذي أبكى زوجها ” ؟ …
تشابكت العيون فأحست بدفء عينيه ، و أحس صابر برعشة اختطاف الومض حيث للأمل ، في ميزان النفوس ثقل معادن فولاذية، فما من حد لتماثل النشوة المغلفة باكتشاف الوفاء . تتلاشى في مثل هذه اللحظة ، تظهر الغربة في كينونتها و تحفر حروفها في لوح الذاكرة ، تتفجر في لحظة
تداخل عناصرها ، فتتوحد بالانصهار لتتحول إلى أفعال للحماية الأبية .
قدمت أمّ فايد الطعام مع آيات الترحيب الصادرة عن جميع أهل البيت ، و خصوصاً أمّ فايد :
– يا هلا بك يا صابر … و الله شرفت البيت …
نظر إليها و أشار بطرف عينه فهمت ما رمى إليه ، فاتجهت إلى أبي فادي :
– يا هلا … و الله جبرت على نفسك يا خوي .
أشارت إلى فادي أن يتبعها إلى خيام أخرى … و قالت بفرح :
– ها … وصل أبو فايد .
ترجل أبو فايد عن جواده و من خلفه رجل يعتلي صهوة الذلول ، أمر الدول أن يبرك بطريقته ..
دخل رجل في عقده الخامس ، يحمل حقيبة تحوي أدوات طبيب جراح ، تقدم من أبي فادي تفحص ساقه ، فأجل كلامه إلى انتهاء وجبة الطعام .
سأل أبو فادي الطبيب :
– ما قولك يا أخي ؟ .
و أشار إلى ساقه .
رد الطبيب :
– بعد الطعام .
أدرك صابر قصد الطبيب ، الحديث يطول و زمن الطعام قصير فقال :
– لا تستعجل .
تكلم الطبيب بدقة ، صمت أبو فادي و لم يقل شيئاً ، لكن عينيه أخذت تأكلان السجادة ،ويرحل بهما بعيداً ، حتى يحسب المرء  أن  سوادهما يذوبا في النقوش ، ثم اتجه إلى الطبيب ، وبشجاعة مغلفة بالمزاح :
– أعرف أن ساقي خشبة تالفة! ..
– لا عليك … أنت بحاجة لغذاء و راحة .
بدت أوداج أبا فادي منفوخة ، بعيدة عن قول الطبيب ، حاضرة في ميسم المفاجأة … يدرك أن الطبيب وحده ، يكتشف الخوف الذي يسيطر على مريضه ، فأخذ يتصنع الابتسامة  ، في مثل هذه الأوقات تتباين الأحاسيس ، و ثمة يقيناً يلملم الإيقاعات المجهولة ليوضح مصير كل فرد .
خرج الطبيب و دعا الجميع ، مبعداً الالتباسات التي من شأنها إثارة التساؤلات ، فلم تعد تعنيه التقاليد ، ففي مثل هذه الحالة تتشابه عنده المواقف ، يحس بأنها تنطلق منه و إليه ، هكذا تبدأ خيوط شبكة من الأعراف لا حدود لها . فقال لنفسه : ” يجب الدخول في صميم
المشكلة ” .
يدرك أن الشيء المنصهر في عقله ، لا يمكن التعبير عنه بالكلام ، أو الإشارات فسر في نفسه :” ربما السبب طبعه العملي ” .
حياة الإنسان غاية ليس فيها شيء من المقدمات .. المقدمات مسألة صورية ، إنها تعبير عن أحكام  وجدانية ، لكن الممارسة فعل في اللحظة . فقال :
– أنت تحتاج إلى طبيب . و إذا دخلت المشفى سيقطعون ساقك .
رد أبو فادي :
– هذا مستحيل ! …
خفقت الخيام بالريح …. الإبل هادئة ترعى الأشواك و تجتر ، لا يعنيها الأمر ، تندفع خبباً إلى المستنقعات ، تظل ترعى حتى المساء ، فإذا استخدموها لعمل ما … رحلت بترادف وراء حمار أبله ، و إذا هاج أحد الجمال ، يذبح و يقدم على الموائد وجبات شهية ، و هناك تجتر
الأغنام ، و تعطي الألبان دون إرادة وحده الحمار سعيداً ، لأنه يبقى في مقدمة القطيع ، فجأة جلجل رعد ، قطع الصمت و التداعيات ، انكشفت أمام العيون أسراباً من طائرات أمريكا و أصدقاءها تشق الفضاء ، تقابلها شهباً ترسم خيوطاً وهمية ، فقال صابر في نفسه : ” كل
الدروب تؤدي إلى الطرق ، إلا طريق المجرة ، لا يؤدي إلا إلى السقوط ” .
كان صابر ينظر أمامه تارة ، و إلى السماء تارة ، و حين عاد سرب الطيران على ارتفاع منخفض ناقة واحدة مدت عنقها .

استلقى على الفراش منهاراً ، حاول أن يتخلص من القلق ، وقع بصره على عينين تحدقان به كجهاز إسقاط تحركت عروة الخيمة شدها بقوة ، دخلا حزم الشمس لتمحو ما هيئ له ، سمع نقرات خفيفة ، فأدرك أن الأمر ، ليس مجرد حلم ، حاول اكتشاف الحقيقة ، لم يقع على شيء ، كان يدرك
أن الخيال حقيقة ، انبرى إلى الفسحة ، رأى الأطفال فرحين ، باستثناء فادي . يقف و يراقب بحذر ، جلس صابر يضيء الرواق يدخن دنا منه فايد متسائلاً :
– حقاً ستدخل سورية التحالف ضد العراق ؟ …
رد صابر :
– تحاربون إخوانكم ؟ …
– سياسة تأتي نتاجها فيما بعد .
مسد أبو فادي لحيته :
– السياسة ( أن تقاتل أخوك في الدين ).
أجاب أبو فايد :
– لا … معاوية قاتل علياً ، و يزيد قتل الحسين . و احتلت تركيا الوطن العربي .
أبو فادي :
– مجرد فتوحات .
ضحك صابر … فصرخ أبو فادي :
– لم يعجبك حديثي …
– نعم ، حديثك عن الساسة مثل لعب الميسر ، إذا وقعت ورقة البنت الثالثة أمام اللاعب  ، يسعى لامتلاك الرابعة .
أبو فادي :
– لعب الميسر شطارة و قليلا من الحظ .
أجابه صابر :
– لا … لعب الميسر انحراف في الأخلاق . أما السياسة فهي علم .
أبو فايد :
– نعم ، وبرأي السياسة امتلاك مصالح .
مسد أبو فادي لحيته :
– ما مصلحة سوريا ، إذا دخلت التحالف ؟ .
صابر :
– لتبعد الحرب عن أرضها .
انبرت ابنة أبو فايد :
– استقراء القادم … يعني المستقبل ، علم يسعى لإيجاد الممكن و الأقوى . و يجب أن لا ننسى أن السياسة فن الممكن .
صابر :
– غدت أمريكا قوية بعد سقوط السوفييت ،لهذا إبعاد الحرب أفضل من الغطرسة .
انسحبت ابنة أبو فايد و قال صابر بهدوء و تعقل :
– تضرب أمريكا البنى التحتية ، دون تواجد على الأرض . تهيئ الظروف لمعركة نهائية .
صمت قليلا :
– المهم ساق أبا فادي … دعونا من تقييم سلوك أمريكا …
قال أبو فادي ببرودة أعصاب :
– أنا موافق على بتر ساقي .
أسرع الطبيب و تناول أدواته الجراحية .

___________________________الى اللقاء في الحلقة القادمة من – رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

من almooftah

اترك تعليقاً