إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المهرّج ... مسرحية في ثلاثة فصول - محمد الماغوط - عشتار الأحمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المهرّج ... مسرحية في ثلاثة فصول - محمد الماغوط - عشتار الأحمد

    محمد الماغوط
    المهرّج
    مسرحية في ثلاثة فصول
    إعداد : عشتار الأحمد




    الفصل الأول



    صباحٌ شتائيٌّ بارد مبكّر في حي شعبي قديم. يتناهى من بعيد صياحُ ديكة وصريرُ عجلات تقترب مع قرع طبل وصناجات رقص وكل الضجة التي تسبق فرقة مسرحية متجولة تضمُّ شرذمة من أدعياء الفن، سدّت في وجوههم أبواب الحياة فقرعوا باب الفن حتى "خلعوه" وهم في سبيل جمع المال لا يتورعون عن تشويه أرقى النصوص المسرحية ومسخ أبرز الشخصيات التاريخية وكل ما من شأنه تملّق الجمهور وتلبية رغباته الأنيقة المرتجلة. ويدير الفرقة قارعُ طبل نصف أمّي يُستخدم في تقديم البرامج ميكروفوناً يتدلى منه شريط كهربائي مقطوع كتأكيد غير مباشر على عدم ارتباط الفرقة بأية غاية سوى إضحاك الجمهور، أما أسلوبه فهو أشبه بأسلوب المذيع المحترف وهو ينقل مباراة رياضية أو حفلاً خطابياً من خارج الاستديو. منذ أن تُسمع ضجة الفرقة تنفتحُ الأبواب ويتوافد سكان الحب وهم بين النوم واليقظة فهذا بثياب النوم وذاك يجفف وجهه بمنشفة وآخر لم يُنْهِ ارتشاف الشاي على المائدة وتظهر البهجة على الوجوه عندما تظهر العربة الملونة بما تكدّس عليها من ثياب التمثيل وكراسي الزبائن وكأنها شجرةُ ميلاد متحركة، وعلى متنها راحت الممثلة الأولى والوحيدة في الغرفة ترقص وتتمايل.

    قارع الطبل: أيها الزبائن الكرام.. أيها الجمهورُ الكريم
    زبون: السلام عليكم.
    قارع الطبل: وعليكم السلام (مستأنفاً خطابه) لقد كان المسرح..
    زبون: صباح الخير.
    قارع الطبل: صباح النور.. أهلاً وسهلاً (مستأنفاً) لقد ظلّ المسرح (يقاطعه مدرّس لغة عربية عجوزٌ نكد الخلقة والوجه وفدَ لتوّه ليجلس في المقهى المجاور لمكان التمثيل ومعه رزمة من الدفاتر).
    المدرس: فنٌّ منذ الصباح الباكر؟
    قارع الطبل: وماذا تريد منذ الصباح الباكر فولٌ بالزيت؟ حمص بالبصل؟
    الممثل الأول: جاهل!
    قارع الطبل: متخلّف (مستأنفاً خطابه للزبائن وقد أخذ عددهم يزداد) لقد ظل المسرحُ لسنواتٍ طويلة عجاف على هامش الحياة.. على هامش الشعب.. إلى أن قُدّر.
    صاحب المقهى: إنكم تسدّون باب المقهى.
    قارع الطبل: بل نرفعُ من مستواه.
    صاحب المقهى: سأرفع عليكم دعوى .. بمجرد أن تفتح المحكمة.
    الممثل الأول: جاهل!
    قارع الطبل: متخلف (مستأنفاً خطابه) إلى أن قُدِّرَ لنفَرٍ من الشباب المتمرّس بالفن، المخلص لقضيته ومبادئه أن يعيدَ للمسرح (مرحباً بزبون جديد) أهلاً وسهلاً.. كرسيّ للأخ كرسي للأستاذ.
    الممثل الثاني: حاضر (يقدم له كرسياً من العربة، وهو عمله الدائم قبل بدء التمثيل).
    قارع الطبل: أن يعيدَ للمسرح مكانته ويردَّ له اعتباره من أجل الشعب ومصالح الشعب.
    الممثل الأول: إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
    الممثل الثاني: ولا بدَّ لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر (تصفيق)
    صاحب المقهى: اذهبوا إلى مكان آخر (يبعد كراسي الفرقة) اذهبوا إلى ساحة ثانية.
    قارع الطبل: دعْ هذه الكراسي مكانها.
    الممثل 1 : إنها كراسي الشعب.
    الممثل 2 : نشرِّفُكَ إذ نمثِّلُ الروائع أمام مقهاك التَّعسِ هذا.
    صاحب المقهى: اذهبوا قبل أن تثور ثائرتي.
    الزبائن: دعونا نسمع. لا نرى شيئاً . دعونا نفهم.
    قارع الطبل: نحن هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا .
    صاحب المقهى: (يخلع حذاءه مهدداً) ستخرج بهذا الحذاء.
    الممثل الثاني: حذارِ إنه مدير الفرقة.
    صاحب المقهى: (ساخراً) كان حمالاً يحمل الصناديق وغيرها.
    قارع الطبل: أما الآن فأنا حاملُ مسؤولية.
    الممثل الأول: حاملُ حضارة.
    زبون: دعهم، من تظن نفسك؟
    زبون: إنهم فنانون.
    صاحب المقهى: بل دجالون كلما استخدمتُ أحداً لمساعدتي في المقهى لعبوا برأسه وأخذوه ممثلاً. هذا كان في الوِجاق، وذاك يقدِّمُ النراجيل وهذا.
    الممثل الثاني: نحن أحرار.
    الممثل 1 : كنا ضالين ووجدنا طريقنا.
    صاحب المقهى: هنيئاً لكم بهذا الطنبر (يدخل إلى مقهاه).
    الممثل 1 : جاهل.
    قارع الطبل: متخلف (مستأنفاً الخطاب) وأهمية هذه الظاهرة أن القائمون عليها.
    المدرس: (محتجاً) إن القائمين.. القائمين عليها.. وليس القائمون.
    قارع الطبل: (منصاعاً تحاشياً لاصطدام جديد) إن القائمين عليها رفضوا بهرجَ الدنيا وزخرف الحياة وتعلقوا بأهداب الفن.
    قارع الطبل: لم تكن ساعة خير بالتأكيد.
    زبون: اسكت.
    قارع الطبل: اخرس (مستأنفاً ) فليس عندهم ستائر وتذاكر وشباك تذاكر. ليس عندهم إلا الشعب والإيمان بالشعب.
    زبون: "مصفقاً" واحد قهوة.
    قارع الطبل: واحد قهوة للأستاذ (مستأنفاً) وبدلاً من أن يذهب الشعبُ إلى المسرح جعلوا المسرح يذهب إلى الشعب (تصفيق) فنحن..
    الممثل 1 : فنحن لم نشيّدْ مسرحاً؟ مكان ثابت. لأن هذا المكان أو هذه الأرض قد تُستغلُّ في زراعة حقل أو إقامة مصنع.. (تصفيق) كما أننا
    الممثل 2 : كما أننا لم نستخدم الستائر لأن هذه الستائر قد يُستفادُ منها في تضميد الجراحِ وستر العراة وتكفين الشهداء.
    قارع الطبل: فإلى جيوبكم أيها الإخوان المواطنون وتمتَّعوا معنا بالقول الجميل والفن الأصيل الذي يخدم الشعب.
    الممثل 1 : وأهداف الشعب.
    الممثل 2: عاش الشعب (تصفيق).
    قارع الطبل: لأننا كفنانين نعرف ماذا يريد فعلاً هذا الشعب (تصفيق)
    زبون : (مصفقاً لغاية أخرى) أركيله .
    زبون: طاولة زهر.
    قارع الطبل: (مزدرداً لعابه) يريد ثقافةً حية ومسرحيات تعالج همومه ومشكلاته (تصفيق وورود زبائن جدد) أهلاً وسهلاً.. كراسي للأخوان. بسرعة بسرعة (مستأنفاً) ويسرُّنا بهذه المناسبة أن نبدأ برنامجنا لهذا اليوم بواحد من أعظم كُتَّابِ المسرح في العالم. ألا وهو شكسبير وبمسرحيةٍ هي من أعظم المسرحيات في العالم ألا وهي مسرحيةُ عطيل (تصفيق) وسوف تشاهدون هذه المسرحية بحلّةٍ جديدة مشعة وأسلوب لم يُطرقْ من قبل أبداً كل ذلك بفضل نخبةٍ من الشباب المتمرّد الطليعي الثائر (الممثلون ينحنون للجمهور).
    صاحب المقهى: إنهم قمامة.
    قارع الطبل: اخرسْ (مستأنفاً) وسيقومُ بدور عطيل ممثلٌ شابٌ قفز (يقفز من بين أكوام الثياب على العربة الممثل الأول في الغرفة وينحني للجمهور) اسمُهُ بسرعة وأصبح خلال شهور من ألمعِ نجوم المسرح. أما دور ديدمونه فستؤدّيه ممثلةٌ نابغةٌ رضعتْ الفنَّ منذ نعومة أظفارها (تقفز الممثلة الأولى وهي ترضع مصاصة أطفال في فمها وتحيي الجمهور) أما الديكور ورسوم الشخصيات فسوف يقومُ بها جميعاً الفنان العظيم (يقفز الرسام وهو يحمل سطلاً وفرشاة ينحني للجمهور ويبدأ بطَلْي الممثلين) الذي بدأ حياته رساماً كلاسيكياً ثم انتقل من المدرسة الكلاسيكية إلى التعبيرية فالواقعية فالتجريدية وهكذا إلى أن أصبح أعظمَ طرَّاشٍ في البلد يتهافت عليه البناؤون في كل مكان.. أيها الأخوة.. (تصفيق) أيها الأخوة المواطنون.. وبما أننا في عصر السرعة ووقتُنا من ذهب.
    زبون: يشخر بصوت مسموع.
    زبون: يسحب نفساً مدوياً من نارجيلته.
    قارع الطبل: (متجاهلاً هذا الجواب – الصفعة- ) ولأن وقتنا من ذهب فلن نقدم المسرحية بكاملها، بل سنكتفي بفصل واحد منها، وهو الفصل المتعلقُ بالغيرة (الممثلون يصفقون) لأن الغيرة أيها الأخوة من أهم الأخطار التي تواجه أمتنا في الظروف المصيرية الراهنة (الممثلون يصفقون) فإلى مشهد الغيرة الخالد. في مسرحية عطيل الخالدة (الجمهور والممثلون يصفقون بينما ينزوي قارع الطبل ويفسح مجالاً للتمثيل.. صمت ونحنحاتٌ وأصوات نراجيل ثم يُسلّط الضوء على الممثل الأول في دور عطيل وقد أخذ يشد من قامته ويتشنج محاولاً بطريقة مضحكة ومبتذلة تقمّصَ شخصية عطيل كقائد يسير بغطرسة وتوتر وكأنه بلا مفاصل.. وسيطلق عليه من الآن وصاعداً اسم المهرج).
    المهرج: أيها الليلُ.. أيها النهار، اشهدوا على حبي لديدمونه.
    المدرس: (محتجاً) اشهدوا .. اشهدا .
    المهرج: أيها الليل أيها النهار، أيها العصرُ أيها المساء اشهدا على حبي.
    المدرس: (محتجاً) اشهدوا.. اشهدوا.
    المهرج: (منفعلاً) أيها الليل، أيها النهار، أيها العصر، أيها المساء اشهدا على حبي لديدمونه. ساعدوني على تحمل فراقها وأنا ماضٍ إلى المعركة.. كاسيو كاسيو.
    الممثل الأول: (يظهر بشخصية كاسيو) أمر مولاي.
    المهرج: ساعدني يا صديقي أنجدني ببعض الشعر.. ببعض الصلوات التي لم تُرتَّل إلا للملائكة لأرتِّلَها على مسامع ديدمونه تلك الزهرة العطرة والحمامةِ الوديعة والفراشةِ التي لم تعرف نابولي.
    الممثل الثاني: (هامساً من زاوية ما) البندقية.
    المهرج: البنديقةَ مثيلاً لها في الحب والإخلاص والوفاء.
    الممثل الأول: إنك تبالغ في ثقتك بها يا مولاي ولا ترى أبعد من أنفك.
    المهرج: (يمسك نفه) أنفي؟
    الممثل الأول: نعم يا مولاي. فديدمونه ليست مخلصة لك كما تتوهم.
    المهرج: ماذا تعني يا عزيزي كاسيو.
    الممثل الأول: أعني أنها تحبُّ شخصاً آخر.
    المهرج : من؟ أبوها؟
    الممثل الأول: لا.
    المهرج: أمها؟
    الممثل الأول: لا.
    المهرج: (بعصبية) أخوها عبدُها كلبُها من تحبُّ إذن؟
    الممثل الأول: شخصاً آخر لا يمت إليها بصلة إلا بشفتيه وذراعيه و ..
    المهرج: (يصفعه) كاذب. كاذب. الرعدُ يبرهن على قدوم الشتاء. والليل يبرعن على غياب الشمس فبرهن على خيانتها يا وجه النحس (الجمهور يضحك).
    الممثل الأول: (يخرج من عُبِّه منديلاً) هذا هو البرهان.
    المهرج: (يخطف المنديل ويشمه ككلاب الأثر) منديلها. منديل ديدمونه. أين وجدَته؟ أين عثرت عليه؟ كلم.
    الممثل الأول: مولاي..
    المهرج: تكلّمْ وإلا طار رأسك إلى روما.
    الممثل الأول: في منزل عشيقها . كانت زوجتي تقوم على خدمة المنزل وتربيته بعد معركةٍ ضارية في السرير على ما يبدو. فعرت عليه.
    المهرج: (شاهراً خنجره) ما اسمه؟ ما اسم هذا المرحوم سلفاً؟
    الممثل الأول: مولاي. ليس من طبعي إثارة المتاعب للآخرين.
    المهرج: تكلم وإلا مددتُ يدي إلى حلقك كالقابلة وانتزعت الاعتراف كاملاً. من هو؟ ما اسمه؟
    الممثل الأول: اسأل ديدمونه. فعندها الخبر اليقين (ينزوي جانباً).
    المهرج: ديدمونه... ديدمونه.
    الممثلة: (تظهر ملبية النداء وهي بثياب عصرية، تعلك لباناً وتؤرجح حقيبتها ـ الجمهور يصفق لها فتبتسم له ثم تنصرف لأداء دورها) هل تناديني يا مولاي؟
    المهرج: أين كنتِ حتى الآن؟
    الممثلة: (مترددة) كنت..
    الزبائن: بالسينما. عند الخياطة.. عند الكوافير.
    الممثلة: (للجمهور) وحِمَّى.
    المهرج: (للجمهور أيضاً) رجاء يا اخوان (للمثلة) حديث مع الجمهور أين كنت أين؟
    الممثلة: في الحديقة. هل تريد شيئاً مني؟
    المهرج: (يفتعل العطاس) مصاب بزكام.. اعطني منديلك.
    الممثلة: (تبحث في حقيبتها) أين اختفى؟
    المهرج: (يعطس) بسرعة.. بسرعة ألا ترين أنفي كالمزراب.
    الممثلة: استعمل كلينكس (تقدم له منديل ورق).
    المهرج: (يلقيه أرضاً) أريد المنديل.. المنديل المطرز بالورود والرياحين. منديل عرسنا يا ديدمونه.
    الممثلة: لا أعرفُ أين اختفى . ربما سقط مني في الحديقة.
    المهرج: في الحديقة أم في سرير عشيقك يا خائنة (يصفعها).
    الممثلة: عطيل!
    المهرج: (يكرر الصفعة) يا عاهرة.
    الممثلة: (وهي تتراجع مذعورة أمام أصابعه الممدوده لخنقها) مولاي. ضع عقلك في رأسك.
    المهرج: سأضعك في القبر يا عاهرة يا خائنة يا عميلة (ترتمي بين ذراعيه مدَّعيةً الموت فيصفق الجمهور ويصفّرُ طرباً وانسجاماً بينما يدخل الممثل الثاني بلباس جندي محارب ومن الخارج يتناهى وقع حوافر وصهيل جياد وقعقعة سيوف).
    الممثل الثاني: مولاي. الأعداء على أبواب البندقية. والجيش بانتظارك.
    المهرج: (نائحاً مولولاً) اخرجْ. اغربْ عن وجهي أيها الوغد. لا أريد أن أحارب . لا أريد أن أكافح بعد الآن.. سأهيمُ على وجهي في الفلوات (يتلمس طريقه كالأعمى وهو ينوحُ وسط تصفيق الجمهور وصيحات إعجابه).
    قارع الطبل: (مستغلاً حماس الجمهور لهذه الفترة من البرنامج) وهكذا أيها الاخوة رأيتم بأم أعينكم ما تفعله الغيرة في النفوس، وما تلحقه من ضعف وخدر في الهمم والعزائم.
    المهرج: (فوق جثة ديدمونه) آه يا حبيبتي.. ويا قرة عيني.
    قارع الطبل: فبينما كان عطيل.. هذا البطلُ المغربيُّ الشجاعُ يستعدُّ للذهاب إلى الحرب، والنضال ضد الاستعمار، لم يجد أعداء هذه الأمة سوى هذا الأسلوب الرخيص، أسلوب الغيرة لصرْفِهِ عن واجبه (وهو يشير إلى المهرج الذي حمل الجثة بين يديه وخرج بها مولولاً) انظروا إلى هذا المغربي الشجاع، هذا الفارس الذي كيف انقلب من قائد صنديد لا يهاب الموت إلى إنسان مسحخوق لا يقوى على شيء.
    زبون: عاش نضالُ الشعب المغربي البطل.
    أصوات: عاش . عاش . عاش .
    قارع الطبول: ولكن من المسؤول أيها الأخوة عن هذه
    زبون: عاش الشهيد المهدي بن بركة.
    أصوات: عاش . عاش . عاش (تصفيق).
    قارع الطبول: ولكن من المسؤول عن هذا المصير المؤلم الذي لقيه هذا البطل المغربي الشجاع؟ من دمّر حياته وحرمه من بيته وزوجته وطمأنينته؟
    زبون: شكسبير.. شكسبير.
    زبون: يسقط الكاتب الاستعماري شكسبير.
    أصوات: يسقط . يسقط . يسقط .
    قارع الطبل: نعم أيها الإخوة . إنه شكسبير. هو السؤول عن هذه المأساة التي حلَّتْ ببطلنا العربي الخالد عطيل. ولكن. ولكن علينا أن نسأل من يقفُ وراء شكسبير هذا؟ من القوى التي تسانده وتقف وراءه؟
    صوت: بريطانيا.. بريطانيا.
    أصوات: تسقط بريطانيا.. تسقط.. تسقط.. تسقط.
    قارع الطبل: نعم بريطانيا أيها الأخوة.. ولكن علينا أن نسأل أيضاً من يقف وراء بريطانيا؟
    أصوات: أميركا.. أميركا.
    قارع الطبول: (وسط التصفيق والتهليل) نعم أميركا أيها الأخوة. القواعد الذرية، طائرات الفانتوم.
    صوت: يسقط حلف الأطلسي.
    أصوات: يسقط . يسقط. يسقط.
    قارع الطبل: وهكذا كنتم أيها الاخوة المواطنون مع فصل أليم.. من فصول الاستعمار.. فصل ظهرت فيه..
    صوت: هتاف لا علاقة له بالموضوع.
    أصوات: يسقط.. يسقط.. يسقط.
    قارع الطبل: (مستأنفاً) ظهرت فيه النوايا الاستعمارية في أبشع صورها وأحط أهدافها (تصفيق) ولكن .. ولكن أيها الأخوة.. هل علينا لأن نستسلم أن نيأس ..؟ أبداً أيها الاخوة. لن نستسلم ولن نيأس مادام تاريخنا غنياً بالبطولات والمكارم زاخراً بالقيم والمعاني ويسرُّ فرقة المسرح الجوال المناضلة والمنافحة من أجل أهدافه وأمانيه أن تقدم لجمهورها الواعي المثقف صفحةً حيةً من تاريخنا المجيد.. فعطيل ليس البطل الوحيد في تاريخنا.. فحيثما قلَّبْنا صفحاتِ ذلك التاريخ.. نجد البطولات تزحمُ البطولات، والقائد يزحمُ القائد. فمن أين نبدأ أيها الأخوة؟ من أين ننهلُ.. والله لا أعرف.. أبو عبيدة الجراح.. خالد بن الوليد.
    زبون: الحجاج.
    قارع الطبل: الحجاج.
    زبون: أبو جعفر المنصور.
    قارع الطبل: أبو جعفر المنصور، أبو ذر .. أبو تمام.
    أصوات: هارون الرشيد.. هارون الرشيد (تصفيق).
    قارع الطبل: نعم أيها الأخوة هارون الرشيد، هو خير من يمثِّلُ العدالة العربية والشهامة العربية في أزهى حللها وأجمل مشاعرها.. فإلى العدالة العربية والشهامة العربية أيها الاخوة المواطنون.. إلى (بصوت مرتفع متحمس) هارون الرشيد (ينسحب عن المسرح ليخليه للمهرج وقد ظهر بقناع يمثل هارون الرشيد فيتعالى التصفيق والضحك والصفير. ثم يجلس إلى طاولة عامرة بأصناف الطعام فيبدأ بالتهامها بشراهة تدعو للمزيد من الضحك) إن سعادته كما ترون ينكبُّ على طعامه باهتمام بالغ كما هي عادته كلما كان على وشك النظر في قضايا الشعب قضايا الجياع والمظلومين (ينسحب قارع الطبل نهائياً ويرين الصمت استعداداً للمشهد الجديد).
    الممثل الثاني: (بلباس خادم عباسي) مولاي. في الباب اعرابي يطلب المثولَ بين يديك، فهل أقول له لبيك؟
    المهرج: (وفمه مملوء بالطعام حتى نهاية هذا المشهد) إليّ به في الحال.
    الممثل الثاني: أيها البدوي تعال.
    الممثل الثالث: (متقمصاً شخصية أعرابي فقير يدخل ويرتمي عند قدمي المهرج) مولاي. ليس لي إلاك يرأف بحالي. ويرد لي ما ضاع من مالي.
    المهرج: قصتك باختصار وبالتفصيل.
    الممثل الثاني: فسعادته لا يحب الثرثرة والتطويل (المهرج يومئ برأسه إيماءاتٍ مضحكة).
    الممثل الثالث : مولاي. كنت لسنوات خلت ، فتى عربياً غضَّ الإهاب، موفور الصحة لا أدخل من شباك أو باب وعندي..
    المهرج: وبعد؟
    الممثل الثالث : وعندي مال وجواري، ونوق تسرح في الوهاد والبراري..
    المهرج: وبعد ، و بعد؟
    الممثل الثالث : أناخ الدهر علي بكلْكَلِه ، فحرمني من مشربه ومأكله، حتى صرت من الضعف والهزال، أمرق والله من ثقوب النخل والغربال.
    المهرج: وبعد ، وبعد ، وبعد؟ (الجمهور يضحك).
    الممثل الثالث : حطّ بي الزمان عند تاجر كالثعبان.
    المهرج: والتتمة؟.
    الممثل الثالث : رحل بلا ذمة. بلع أجرتي، وأهان كرامتي، وشردني ما بين الموصل والبصرة لا أملك والله إلا عكازاً وصُرّه.
    المهرج: وخلاصة الكلام؟
    الممثل الثالث: علي وعلى عائلتي السلام. فعندي تسعة أطفال وزوجة لسانها متران، وهم ينتظرون إشارة من يدك الكريمة ترد حقنا وكفاف يومنا، وإلا صرنا للكلاب وليمة.
    المهرج: (متنفساً الصعداء) أعطوه ألف دينار.
    الممثل الثالث : شكراً يا مولاي.
    المهرج: واقطعوا رأسه لأنه ثرثار (تصفيق).
    الممثل الثالث : (فزعاً) مولاي (يظهر السياف ويقبض على المظلوم ويسوقه أمامه وهو يصرخ) الرحمة.. الرحمة (يغيبان ثم تنطلق صرخة مروعة يعقبها تصفيق وصفير وتهليل من الجمهور).
    المهرج: (يصفق منتشياً) والآن إلي في الحال براقصةٍ ذات غنج ودلال (تدخل على الفور الممثلة بثياب جارية وترقص أمام المهرج على الأنغام التي يعزفها أحد الممثلين وهو يغني أغنية شعبية غرامية سرعان ما يشارك الجمهور في ترديدها والتصفيق لها طرباً واستحساناً).
    قارع الطبل: وهكذا أيها الأخوةُ كنتم مع العدالة العربية والكرم العربيّ في أبهى صورة وأروع شكل مع صورةٍ مشرقةٍ من تاريخنا حيث أخذَ الحقُّ مجراه فوراً دون مناقشاتٍ ومداولاتٍ قد تستمرُّ الشهور والسنوات. رأساً أنصف المظلوم وعُوقبَ الظالم، بأسلوبٍ كله خفة ومجد ومكارم (يختفي الممثلون ويرتفع تصفيق الجمهور).
    زبون: واحد شاي.
    قارع الطبل: ولكن أيها الاخوة..
    زبون: (ينقر على نارجيلته) نارة . نارة .
    قارع الطبل: ولكن أيها الاخوة المواطنون. هل استمرَّت الأمور على هذه الحال؟ أبداً أيها الاخوة، فما أن مات هارون الرشيد وتولى الخلافة ابنه الأمين ذو النزعة العربية الصادقة والروح القومية الخالصة، حتى جُنّ جنون الاستعمار الفارسي. وراح يتَّهِمُهُ بالشوفينية ويحرّض عليه الأتباع والقبائل. مستفزاً أخاه المأمون . منتصراً له. لماذا أيها الأخوة؟ لمجرد أن أُمَّهُ فارسية. وسرعان ما دبَّ الخلاف واندلعت الحرب، وسالت الدماء وحلّ الفقر والجوع والخراب. والاستعمار الفارسيّ موغلٌ في تآمره، ناشطٌ في كيده لهذا الشعب ، لهذه الأمة.
    زبون: تسقط الرجعة الايرانية.
    أصوات: تسقط. تسقط. تسقط.
    قارع الطبل: ولكن أيها الاخوة..
    زبون: عاش الدكتور.
    أصوات: عاش. عاش. عاش.
    قارع الطبل: ولكن خاب ظن الاستعمار، فهذه الأمة كلما كَبَتْ نهضت، وكلما تعثَّرتْ استقامت. فما هي إلا سنوات، حتى عاد الاستقرار من جديد يعم الأرض العربية والحضارة العربية بفضل ما تنتجه البطون الحوامل من قادة وفرسان بطولاتهم على كل شفة ولسان. فمن منا لا يفخر بالغافقي، وعقبة وطارق.. انهم..
    زبون: وصقر قريش، صقر قريش (تصفيق طويل).
    أصوات: صقر قريش.. صقر قريش.
    قارع الطبل: نعم أيها الاخوة، وصقر قريش أيضاً واحد من هؤلاء الأبطال. هؤلاء الفرسان الذي أسسوا الدولة العباسية.
    المدرس: الأموية.. الأموية.
    قارع الطبل: الدولة الأموية في بغداد.
    المدرس: في الأندلس ، في الأندلس.
    قارع الطبل: في بغداد ، في الأندلس، في كل مكان (تصفيق) وصقر قريش أيها الاخوة، خيرُ ما نختَتِمُ به برامجنا المسرحية لهذا اليوم (تصفيق) حتى نستعيد ثقتنا بأنفسنا ، بماضينا، بمستقبلنا. فإلى البطولة العربية إلى الشجاعة العربية في أروع صورها وأبهى حللها.. إلى صقر قريش (ينزوي جانباً وسط التصفيق والتهليل، ويظهر المهرج منتحلاً شخصية صقر قريش انتحالاً مروعا. الكوفية والعقال فوق البنطلون ويبالغ في التقطيب والتشنج ليؤدي دور القائد الحازم كما يفهم الحزم بحيث يبدو كيوسف وهبي في فيلم كرسي الاعتراف فيضج الجمهور بالصفير والضحك).
    المهرج: يا غلام.
    الممثل الثاني: أمر مولاي.
    زبون: (محتجاً) صقر قريش بالبنطلون؟ يا لها من مهزلة.
    قارع الطبل: رجاء يا اخوان.
    المهرج: (كاتماً غيظه) يا غلام.
    زبون: إنها مهزلة.. وبنطلون شارلستون أيضاً.
    المهرج: (متحدياً) بالبنطلون، وبالشورت أيضاً. أنا حر أفعل ما أشاء (يضع قبعة شابو على رأسه فوق العقال فيضحك الجمهور لمنظره) هه. أيعجبك هذا (مستأنفا التمثيل) يا غلام.
    الممثل الثاني: نعم . نعم يا مولاي.
    زبون: وصقر قريش كان أرمداً؟
    المهرج: وهل أنت طبيب؟
    زبون: هذا معروف.
    المهرج: (يضع نظارات شمسية على عينيه فيتضاعق ضحك الجمهور) تفضل (للمثل الثاني) هل من أحدٌ سأل عنا؟
    المدرس: (محتجاً) هل من أحدٍ.. أحدٍ .
    المهرج: هل من أحدٍ سأل عنا؟
    الممثل الثاني: رسول من شارلمان.
    المهرج: من شارلمان؟ ليدخل (يجلس خلف طاولة مكتب ويلفُّ ساقاً على ساق ويتصفح جريدة يتظاهر بأنه يعبّئ مركزه). (يدخل حاملاً رسالة على شكل اسطوانة كبيرة من الورق) السلام عليك يا أمير المؤمنين.
    المهرج: (يخطف الرسالة بنزق ويلقي عليها نظرة ثم يصرخ) هدنة شهر؟ يطلب مني هدنة شهر؟ يا للوقاحة (يتمشى متصنعاً الغضب والاهتمام).
    رسول شارلمان: إنه يرجوك ويلحفُ بالرجاء يا مولاي.
    المهرج: حتى لو قبَّلَ حذائي هذا (يضحك الجمهور عندما يرى حذاءه المثقوب) لن ينال يوماً واحداً.
    رسول شارلمان: شهر واحد فقط؟
    المهرج: قد أمدِدُ الشهر إلى شهرين والسنة إلى سنتين، ولكنني لن أمدد الهدنة يوماً واحداً. وسأهاجمه كالغضنفر ما بين أيلول وسبتمبر.
    زبون: (مندهشاً) ولكنه نفس الشهر.
    المهرج: اخرس.
    رسول شارلمان: سوف يُصْعَقُ لهذا الجواب.
    المهرج: لينفلقْ. ليضرب رأسه بالحائط (متفجعاً ) لأنني لن أنسى أبداً ما فعله بلواعج روحي، عندما حرمني تلك الجارية التي فتنت قلبي وسلبت لبي. الجارية كهرمان .
    رسول شارلمان: ولكنه تزوجها وأنجب منها.
    المهرج: (باكياً) آه منها. بسببها لا أنام الليل والنهار، كأن في قلبي فلفلٌ وبهار.
    المدرس: (محتجاً) فلفلاً . فلفلاً . إنها اسم.
    المهرج: اخرس.
    رسول شارلمان: ولكنه يجهل ذلك يا مولاي.
    المهرج: يجب أن يعرف عليه. عليه أن يعرف. هو وكل قادة الأمم والبلدان، أنني في حبها هيمان (شاهراً سيفه) ومن أجلها سأخوض حرباً تحرق الأخضر واليابس ومعركة أين منها الغبراء أو داحس.
    رسول شارلمان: حكم العقل يا مولاي.
    المهرج: لن أحكّم إلا هذا السيف (يحاول إرعاب محدثه) أكتبْ أيها الكاتب (الممثل الثالث يستعد للكتابة) أكتب: أيها الكلب الحقير شارلمان..
    رسول شارلمان: مولاي.
    الممثل الثاني: لا يجوز.
    المهرج: اخرس. اخرسا (للجمهور الضاحك) اخرسوا. نعم إنه كلبٌ وحقير ومتآمر أكتب: طالما الموضوع معلقاً بيننا.
    المدرس: (محتجاً ) غلط، غلط. طالما أن الموضوع معلقٌ .
    المهرج: اخرس. طالما الموضوع معلقٍ.
    المدرس: غلط، غلط. طالما لا تدخل على الاسم. لا تدخل.
    المهرج: (متحدياً) بل تدخل.
    المدرس: (ينهض عن كرسيه ويتقدم متحدياً أيضاً) لا يمكن أن تدخل لا يمكن.
    المهرج: وإذا دخلتْ ماذا يحدث؟
    المدرس: تنهار قواعد اللغة.
    المهرج: (يهجم عليه) إلى جهنم وبئس المصير وهل هي قواعد صواريخ (يضحك الجمهور بحماس).
    المدرس: لا يمكن أن تدخل مستحيل. أوقفوا التمثيل. طالما لا تدخل على الاسم.
    المهرج: بل ستدخل رغماً عن أنفك "يقبض على عنقه" هل هي أختك، أمك، ما علاقتك بها؟
    المدرس: النجدة.. النجدة (الجمهور يضحك).
    المهرج: هناك أناس يدخلون السجون والمستشفيات كل يوم وكل دقيقة، فهل تهتزُّ منك شعرة؟ طبعاً لن تهتز. أما من أجل..
    المدرس: ما علاقة هذا بهذا.. النجدة.. أغيثوني.
    المهرج: ومن أجل إدخال كلمة على كلمة تقيم الدنيا وتقعدها. أيها المحنط .. أيها المومياء.
    المدرس: إنك تسيء إلى اللغة تنصف الفاعل وترفع المفعول وهذا آه..
    المهرج: سأنصب مشنقتك (يرفعه عالياً) سأرفعك أنت ولغتك وقواعدها المبجَّاة إلى ما فوق رأسي وأخبطُكَ على الأرض.
    المدرس: لا لا .. النجدة. النجدة أغيثوني (المهرج يلقي به بعيداً ويتركه يتأوه ويتوجع مولياً الأدبار ثم ينفضُ يديه منتصراً ويعود للتمثيل بينما يصفق له الجمهور بحرارة).
    زبون : عاش البطل الخالد صقر قريش.
    أصوات: عاش. عاش. عاش.
    المهرج: "متابعاً إملاء الرسالة" تابع أيها اللام. وبخصوص الجارية كهرمان فإني أُعلِمُكَ دون لبْسٍ أو إيهام بأنني "بنبرة رجل عاشق" قد أتخلى عن مملكتي بأسرها ولن أتخلى عن قُلامةِ ظفرٍ من أظافرها. وإنني..
    زبون: هذا تزوير.
    صقر قريش لا يهتم بالنساء.
    لم يكن يهتم أبداً.
    المهرج: لأنه غبي. أما أنا فسأهتم "متابعاً الإملاء بنبرة عاشقة" وقد أتخلى عن عروبتي..
    زبون: هذا تزوير.
    لا يجوز.
    مستحيل.
    المهرج: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها.. من له اعتراض فليتقدم "متابعاً الإملاء وسيفه بيده" وقد أتخلى عن روحي وحياتي.
    زبون: هذا ليس صقر قريش.
    انظروا كيف يتلّوى كالمخنث.
    المهرج: سأمشي كما أريد. هِهْ "يمشي متمايلاً كالراقصة فيزداد ضحك الجمهور" هل يعجبك هذا؟
    زبائن: (وسط التصفير وصيحات الاستنكار) هذا تزوير للتاريخ.
    للحقائق..
    القائد لا يتمايل.
    لا يتخلّع.
    المهرج: اخرسوا. سأمشي على رأسي هه. "يقلب في الهواء" سأرقص سأقفز سأغني كالمجانين "ينفذ هذه التهديدات فوراً" وسأخطئ في اللغة كما أريد ومن لا يعجبه فليأخذ نقوده ويسهر في المجمع اللغوي "يتابع الرقص ويغني أغنية شعبية معاصرة فينسجم معه القسم الأكبر من الجمهور ويشاركه الغناء والدبكة بينما ينسحب القلة منهم".
    زبون: هذا مهرج. وليس صقر قريش.
    المهرج: نعم مهرج. هل هو أفضل من شارلي شابلن ولوريل وهاردي؟ "يستأنف الرقص والفرقعة بأصابعه وسط حلقة من الجمهور المنسجم مع الموقف".
    زبون: " وهو ينسحب" أؤكد أن صقر قريش يتململ الآن في قبره "يرن الهاتف في المقهى عدة مرات. صاحب المقهى يرفع السماعة والضجة مستمرة".
    صاحب المقهى: ألو.. الو.. "للجمهور" دعونا نفهم. الو.. نعم _للجمهور) اسكتوا دعوني افهم (تخف الضجة قليلاً) نعم نعم.. من أنت؟
    صوت من السماعة: (يدوي كالرعد) صقر قريش.
    (يتجمد الجميع في أماكنهم ويرينُ صمتٌ مخيف. أما المهرج فقد كسا وجهه الشحوب وهو يرى صاحب المقهى يمدُ له سماعة الهاتف دون أن يقوى على الكلام.
    المهرج: (متلعثماً) يريدني أنا؟
    صاحب المقهى: (يزدرد لعابه ولا يستطيع الجواب.. وبينما يقبض المهرج على السماعة بيد مرتجفة.. يأخذ الجمهور بالتراجع نحو الخارج استعداداً للهرب).
    المهرج: الو.. (صمت) نعم.
    (تنطلق من سماعة الهاتف شتيمة (تفو) كطلقة مدفع خلال كاتم للصوت بحيث يجفل المهرج ويمسح عن وجهه رذاذاً وهمياً كما يجفل الجمهور أيضاً)
    المهرج: نعم. نعم. كيف أحضر؟ بأية وسيلة.. من أين تتكلم.
    صوت السماعة: من المقبرة.. من الماضي.. من التاريخ (يدوي الرعد في الخارج ويتسربل الجمهور الهارب مع الممثلين بخطوط متقاطعة من البرق وكأنها حبال من التاريخ بينما يترنح المهرج مستغيثاً).
    المهرج: ماء.. جفَّ حلقي.. كرسي.. شُلَّتْ قدمي لا تتركوني النجدة.. النجدة (تطوقه خطوط البرق بحيث يصبح كالسمكه داخل الشبكه وتظلم الدنيا).


    (ستار)




    الفصل الثاني



    من فجوة هائلة في التاريخ الموغل في القدم حتى العصر الأموي تعبقُ منها رائحة الجلال والموت . يتصدرها مجلس صقر قريش المنعقد لأمر طارئ ، ويضم بالإضافة إليه صديقيه المخلصين عبيد الله وأبو خالد ، ثيابهم البيضاء النظيفة تضاعفُ من تقطيب الوجوه الملتحية السمراء . أما صقر قريش فعيناه تُشعَّان أكثر من سيفه ودرعه غضباً ونقمة على المهرج المستكين في تابوته خائفاً متضرعاً من هول الموقف ومرارة الاستجواب .

    صقر: إذن هكذا كنتُ أصرّف شؤون الدولة ؟ بالصراخ والشتائم أحكمتُ قبضتي على عنق أوربا حتى جحظتْ عيونها من محاجرها .
    المهرج: الرحمة يا مولاي .
    صقر: لو أن مهرجاً من أحفادِ الفرس، من أحفاد الرومان، فعل ما فعلتَ، ومقال ما قلتَ لما اهتزَّّ خيطٌ في كفني هذا. أما وأنك من لحمي ودمي. حفيد من أحفادي فهذا والله أمر لن أنساه مادام لي شاربٌ تحت أنفي وعقال فوق رأسي (يجلس حانقاً وكأن جسمه ناء بغضبه).
    عبيد الله : (ينهض شاهراً سيفه) أيها المهرج الصغير.
    أبو خالد: (يقلد زميله) أيها القنفذ البشري
    عبيد الله: في أية مباءةٍ وضعتَ شرفك عندما تقمَّصْتَ أشجع الرجال وأصلبهم عوداً نائحاً متيّماً كالعشاق ؟
    أبو خالد: وعلى أي رفٍّ ركنت تاريخك عندما نقلت عن لسانه كلماتِ وأقوالاً لا يفوه بها إلا الندماء والمهرجون؟
    المهرج: سيدي .. مولاي
    عبيد الله: هل تعرف حسبه ونسبه؟
    المهرج: لا
    أبو خالد: وهل تعرف خصاله وأفعاله ؟
    المهرج: لا.
    عبيد الله: وهل تعلم كيف وصل إلى سُدّة الحكم؟
    المهرج: دخل الكلية العسكرية وعمل انقلاباً.
    عبيد الله: لا.
    المهرج: بالطرق البرلمانية.
    عبيد الله: لا لا لا. وصلها في قبر مكشوف عمقُهُ عمقُ الفرات وطولُهُ طولُ ضفته . كان في العشرين من عمره أرمدَ العينين حافي القدمين عندما تحدّى بغداد (مستفهماً) وهل تعلم من كان يحكم العراق آنذاك؟ هل تعلم؟
    المهرج: عبد السلام عارف.
    عبيد الله: لا.
    المهرج: عبد الرحمن عارف.
    صقر: (وكأنه يسمع إسم كوكب جديد) من؟
    عبيد الله: لا لا . أبو جعفر المنصور أيها الأبله ولا أظنك تجهل ما يعنيه هذا الاسم. ومع ذلك تحداه وفك حصاره.. واخترق الأدغال والكهوف والأنهار.. ليبني مملكته بيتاً بيتاً كما تبني الحمامة عشها في الأبراج...
    أبو خالد: تصوَّر فتى في العشرين من عمره يقف على شواطئ الأندالس وحيداً شريداً ليس في فمه كسرةُ خبز يبتلعها . وبعد عشر سنين.. كان في فمه مصيرُ العالم (مشيراً بسيفه) هذا هو أميرنا.
    عبيد الله: هذا هو قائدنا.
    المجلس: هذا هو صقر قريش.
    المهرج: (يرتمي مذعوراً على قَدَميّ صقر قريش) الرحمه.. الرحمة يا مولاي.
    صقر: (يركله كحصاة) انهض.
    المهرج: لم أكن أعلم . لم أكن أدري.
    صقر: قلت انهض. لأول مرة أرى جبيناً عربياً بين الأحذية.
    المهرج: ولكنه حذاء صقر قريش.
    صقر: ليكن حذاء الآلهه.
    عبيد الله: انهض قبل أن تُصاب الأرضُ بالعدوى.
    المهرج: (ينهض مطوقاً بحلقة من السيوف) مولاي.. هذا عنقي المسكين بين سيوفكم القاطعه. اريحوني منه. اختصروا آلامي وأريحوني.
    صقر: إذا كنتَ جباناً على هذه الصورة، فلماذا تتحرش بالأسود.
    أبو خالد: وإذا كنت ذليلاً لهذه الدرجة فلماذا تحاول القفز نحو النجوم.
    صقر: دعوه. أتمنى لو وقعتْ عيني على كلب نافقٍ ولم تقع عليه.
    عبيد الله: (ساخراً) ثم ما هذا الشارب الرفيع كذنب الفأر
    أبو خالد: (يشده من ربطة عنقه) وهذا الرسن الطويل كرسن الحمار (ضحك وتقهقهات).
    المهرج: مولاي.. إنني مجرد ممثل بسيط أردِّدُ ما يُملى علي.
    صقر: كالببغاء؟
    المهرج: نعم كالببغاء.
    صقر: من المسؤول إذن عن هذه الافتراءات والأكاذيب؟
    المهرج: المؤلفون؟ الكتاب؟
    صقر: الكتاب؟ ومن هؤلاء الكتاب، لأية قبيلة ينتمون.
    المهرج: أنا أعلم؟ شبابٌ لا أراك الله يا مولاي. يطلقون اللَّحى والسوالف، ويتحدثون في المقاهي عن الضياع والتمزق.
    صقر: (مستغرباً) ضياع؟ تمزق؟
    أبو خالد: ماذا يعني هذا ؟
    المهرج: متاعب العصر. تعقيدات الحضارة.
    صقر: (وقد راح يجنح عن الموضوع الرئيسي) هل عندكم حضارة أيها المهرج.
    المهرج: حضارة مخيفة.
    عبيد الله: (وقد انتقلت إليه عدوى الاهتمام) كحضارة الروم؟
    المهرج: أدوه.
    أبو خالد: كحضارة الفرس.
    المهرج: أي روم وأي فرس. إن الحضارة التي ننعم بها يا أجدادي تفوق أيّ تصوّر وأي خيال (الأجداد يتحلقون حوله باهتمام وقد بلعوا الطعم)
    صقر: هات حدثنا.
    عبيد الله: لا تُثِرْ فضولنا.
    المهرج: لقد تغير كل شيء وتطور كل شيء . الطعام الشراب، اللباس، الكلام، الحرب، العلم، الأدب، كل شيء، كل شيء، تغيّر وتبدل (وكأنه يبوح بسر) عندنا تكنولوجيا.
    صقر: تكنولوجيا؟
    الأجداد: (يهمهمون مع حركات وإشارات بالأيدي والعيون)
    صقر: وماذا أيضاً؟
    المهرج: (يشعل سيكارة فيسعل الأجداد ويتحاشون الدخان بأيديهم) أشياء لا تصدق.
    أبو خالد: ما هذا الذي تنفخه؟
    صقر: أهو من الحضارة؟
    المهرج: هذا اختراعٌ بسيط لتخفيف الهموم
    عبيد الله: هل سمعت يا أبا خالد
    صقر: دعونا نفهم وماذا عندكم أيضاً؟
    المهرج: (وقد اشتعل حماساً بعد أن حرفهم عن الموضوع الرئيسي نهائياً) عندنا عَصَّارات جزر ، ماكنات حلاقة، طاولات فورمايكا. غسالات فريسكو، قداحات غاز، مراوح توشيبا، طناجر بريستو، ساعات أوميغا، أقلام شيفرز (يفتح التابوت ويعرض عليهم بعض النماذج الملونة الباهرة للأنظار، يتكومون حوله غير مصدقين).
    صقر: مخترعات عجيبة.
    أبو خالد: أشياء لا تصدق.
    المهرج: وعندنا كلونيا، قمصان نايلون، بنطلونات شارلستون.
    صقر: وهل تنعمون أنتم أحفادنا العرب بكل هذه النِّعم.
    المهرج: طبعاً طبعاً. وعندنا أيضاً بفتيك، روستو، همبرغر، شاتوبريان، بوظه توتي فروتي، شوكالامو.. عندنا سيارات تسير.. طيارات تطير.. عندنا صحف مجلات (يعطيهم رزمة من الصحف والمجلات فيختطف كل واحد جريدة أو مجلة ويغرق فيها) خذوا يا أجدادي خذوا.. واطّلعوا على ما تشاؤون من أنباء الحضارة والتقدم في بلادنا. (يجهز نفسه بهذه المناسبة وكأنه سيرحل).
    صقر: نزول أول إنسان على سطح القمر.
    عبيد الله: اكتشاف دواء للصرع..
    أبو خالد: الفريق العربي يهزم الفريق التركي بكرة القدم.
    صقر: أنباء لا تصدق.. أنباء لا تصدق
    عبيد الله: البطل المصري يهزم البطل الانكليزي في المصارعه
    أبو خالد: البطل التونسي يهزم البطل الفرنسي في الجمباز
    صقر: انه حفيدي
    عبيد الله: عازف سوري يفوز بالجائزة العالمية للموسيقى
    صقر: إنه حفيدي.
    أبو خالد: حسناء لبنانية تصبح ملكة جمال الكون.
    صقر: إنها حفيدتي.. إنهم أحفادي (يعانق المهرج) شكراً يا بني.. شكراً لقد أثلجت صدري بهذه الأنباء..
    المهرج: وعندنا أيضاً أبطال في الملاكمة والباسكيت والبينغ بونغ والشطرنج.. في كل شيء، في كل شيء..
    أبو خالد: الآن اطمأنَّ قلبي
    عبيد الله: وعادت ثقتي بأحفادي
    صقر: بوركتم من شعب
    المهرج: وعندنا أجمل الألبسة، وأطيب المأكولات، وأحدث الحوانيت والفيلات. وقد جئتكم ببعض الهدايا.
    صقر: لا لا . وإلا أغمي عليّ. أنباؤك أجمل الهدايا.
    المهرج: للذكرى.. للذكرى فقط (يقدم له نظارات شمسية ويثبتها على عينيه)
    صقر: (مختالاً بالنظارات) يالله.. الدنيا سوداء.. سوداء من بعيد.
    المهرج: (يقدم ربطة عنق لعبيد الله ومظلة لأبي خالد) للذكرى.. للذكرى فقط
    عبيد الله: (مختالاً بربطة العنق) ما أروعها انظر أبا خالد.
    أبو خالد: (مختالاً بالمظلة) يالله.. خيمة، والله خيمة تُحْمَلُ باليد.
    صقر: اختراعات لا تصدق.
    المهرج: وعندنا أيضاً كلينكس.. وعندنا كوتكس.
    صقر: يكفي، يكفي يا بنيّ إن النماذج التي رأيناها والأنباء التي قرأناها تجعلني أكثر زهواً من الطاووس. شكراً أيها الأحفاد.
    عبيد الله: أحفاد رائعون.
    صقر: لا ريب في أن هذه اللحظة من اللحظات المجيدة في تاريخنا.
    أبو خالد: ولا غِروَ في أن هذا اليوم سيخلده التاريخ كيوم القادسية.
    عبيد الله: ولا مشاحة في أن شهداءنا يبتسمون الآن مطمئنين في قبورهم.
    المهرج: (بعد أن أصبح مستعداً للرحيل) أفهم من هذا أن ما بيننا من سوء تفاهم قد انتهى؟
    صقر: لقد غفرنا لك وسامحناك.
    أبو خالد: يا رسول أمتنا من القرن العشرين.
    المهرج: أجدادي الكرام. إنني أنتهز هذه المناسبة الخالدة لأعبِّر لكم عن عميق شكري وامتناني للحفاوة البالغة التي لقيتها من لَدُنكم، ولِتَفَهُّمِكم العميق لظروفي كممثل (يتصنع البكاء) وأنني إذا أرحل عنكم في هذه اللحظة أعاهدكم عهداً قوياً متيناً بأنني سأنقل لأحفادكم في القرن العشرين أجمل تحياتكم وأحرَّ أشواقكم.. الوداع يا أجدادي (يعانقهم فرداً فرداً ويتمدد في تابوته ويغلقه بسرعة حيث يحمله أربعة من الأعراب ويخرجون به).
    صقر: الوداع يا حفيدي.
    عبيد الله: طيبَ الله ذكراك.
    أبو خالد: ترفقوا به .. وسيروا بهدوء.
    (يجلس صقر وأبو خالد وعبيد الله في وجوم لهذا الفراق بينما تسمع في الخارج الزغاريد وقرعات الطبول ترافق النعش وتخفت رويداً رويداً مع موسيقى جنائزية)
    صقر: كأنه حلم.
    عبيد الله: حفيدٌ رائع.
    أبو خالد: حفيد مثقف.
    صقر: يخيل لي أننا تسرَّعنا.
    عبيد الله: بماذا؟
    صقر: برحيله.
    أبو خالد: فعلاً. لم يكن يضيرنا لو مكث بيننا ليلة أخرى .
    عبيد الله: أو ليلتين.
    صقر: إنني أفكر في أبعد من ذلك (نظرات اهتمام) أفكّر في بقائه بيننا إلى الأبد. رجل في مثل موهبته وذاكرته ومعلوماته يجب أن نستفيد منه (ينادي) أيها الخادم..
    الخادم: أمر مولاي
    صقر: الحقْ بحفيدنا الراحل.. وعد به في الحال (الخادم يخرج مسرعاً)
    صوت الخادم: أوقفوه.. أعيدهوه..
    أبو خالد: فكرة وجيهة.
    عبيد الله: ولكن أتراه يوافق؟
    صقر: ولم لا؟ إذا كان ودوداً لأجداده فخوراً بتاريخه.. عليه بالموافقة. (بحماس مفاجئ كله نشوة) يجب أن نستغلّه من رأسه حتى أخمص قدميه.
    عبيد الله: في أي مجال يا مولاي.
    أبو خالد : مجالاتنا لا تحصى
    صقر: راودتْني هذه الفكرة وأنا أودعه.. وأنا أشعر بدموعي تختلط بدموعه.
    عبيد الله: دمٌ واحدٌ يجري في عروقنا جميعاً
    أبو خالد: لنعينه مديراً للمقابر العربيو، فروحُهُ المرحه ستبعث فيها الحياة.
    صقر: لا لا. حرام أن نبدِّدَ مواهبه في المقابر.
    عبيد الله: مدير تشريفات. فإن فنه وحسنَ تصرفه وبداهة خاطره تنسجم تماماً مع هذا المنصب.
    صقر: لا لا. مؤهلاته ليست محصورة في لباسه. إنها هنا (يعني في رأسه) وعلينا أن نستغلَّ حتى آخر قطرة ما هو موجود هنا.
    أبو خالد : خطرتْ لي فكرة . فكرة جهنمية يا مولاي. ما دام حفيدنا ممثلاً بالفطرة بالسليقه.. فلماذا لا نبعث به إلى إحدى الولايات ليكون ممثلاً لك فيها؟
    صقر: تقصد والياً؟
    أبو خالد: نعم والياً. إنه ثروة من الثقافة والكلام المنمق.
    عبيد الله: فكرة جديرة بالتمحيص.
    صقر: (موافقاً بحرارة) بل جديرة بالتنفيذ. سأعينه والياً في الحال (ينادي) أعيدوه أوقفوه.. أعيدوه (تقترب ضجة الجنازة العائدة من زغاريد وقرع طبول) سيكون قدوةً في الإدارة والتنظيم.
    عبيد الله: فكرة جليلة.
    أبو خالد: إنها فكرتي.
    (يدخل حاملو التابوت يضعونه على الأرض وينصرفون بينما يتساءل المهرج قبل أن يخرج منه)
    المهرج: ما الخبر؟ لماذا أعادوني؟
    أبو خالد : أخبار سارة.
    عبيد الله: مفاجأة.
    المهرج: ماذا تخبئون لي أيها الأجداد؟
    صقر: (يعانقه) مفاجأة لن تخطر لك على بال (منادياً) أيها الخادم.
    الخادم: نعم مولاي.
    صقر: جهز لنا المائدة.. كما لو كنت تجهز جيشاً للحرب.. فحفيدنا جائع.
    المهرج: (بغير حماس لبقائه) ولكنه قد يتأخر بي الوقت ولا أرتاح للسفر ليلاً في تابوت.
    صقر: ومن قال لك سترحل.
    عبيد الله: لن ترحل في الوقت الحاضر.
    أبو خالد: قل وداعاً للقرن العشرين.
    المهرج: لن أرحل؟ وماذا أفعل هنا.. إنني
    صقر: تفضلوا.. تفضلوا (يجلسون إلى الخوان وقد أخذ الخادم بجلب الطعام) اسمع أيها الحفيد العزيز نظراً لما تتمتع به من حصانة ومنطق وسعة اطلاع ومواهب ونظراً لافتقارنا الشديد إلى الرجال الأكفاء من أمثالك فقد قررنا تعيينك والياً على إحدى الولايات العربية.
    المهرج: (وقد هزته المفاجأة) والياً؟
    صقر: نعم كالحجاج وابن العاص.. وسواهما
    المهرج: ولكنني يا مولاي.
    أبو خالد: لا تحاول الاعتذار
    عبيد الله: لن نقبل أعذاراً
    المهرج: لا أعرف بأي لسان أشكركم. إنني أقبل بكل تأكيد فأنا خُلقتُ على كل حال لتحمل المسؤوليات والمخاطر الجسام. ولكنني أتساءل عما إذا كنت جديراً بهذه الثقة.
    صقر: ومن هو أجدر منك بهذا المنصب؟
    أبو خالد: من يبزّك ثقافة واطلاعاً؟
    المهرج: فعلاً معي لاث شهادات. وأتقن ثلاث لغات (يتحدث بضع جمل من كل من اللغة الفرنسية والانكليزية والصينية)
    صقر: رائع .. رائع
    عبيد الله: مدهش.
    أبو خالد: إنها فكرتي.
    صقر: والآن إلى الطعام.
    عبيد الله: كان يجب أن نشرب نخبه
    صقر: ما دامت المشروبات محرَّمةً علينا فليس عندنا ما نشربه سوى دموع الفرح
    المهرج: بعد أن ملأتم قلبي بالفرح فإملاءُ المعدة بالطعام يصبح أمراً ثانوياً. ولكنني أحبّ أن أسأل
    عبيد الله: صاحب طُرفة أيضاً.
    أبو خالد: والطُّرفُ من مستلزمات الوالي (يضحكون)
    المهرج: ومع ذلك أحب أن أسأل أية ولاية سأتولاها؟
    صقر: الولاية التي تريد.
    أبو خالد: قل أريد هذه أو تلك وتُفتَحُ لك الأبواب على مصاريعها.
    المهرج: آمل أن تكون معتدلة المناخ فصحَّتي كما ترون يا مولاي.
    صقر: طبعاً طبعاً (يتوقف عن مضغ الطعام ويفكر) سأضع كل شيء في اعتباري.. أية ولاية.. أية ولاية.. الأندالس.. سأعينك والياً على الأندلس.
    المهرج: (تتجمد اللقمة في فمه وكأنه قضم لسانه) الأندلس؟
    صقر: نعم الأندلس.. أعزّ الولايات على قلبي.
    المهرج: ولكن
    أبو خالد: اختيار موفق.
    عبيد الله. ولاية حقيقية.
    المهرج: ولكن الأندلس رحمها الله يا مولاي
    صقر: ماذا تقصد برحمها الله؟
    المهرج: أقصد ذهبت منذ مئات السنين
    (الثلاثة ينظرون إلى بعضهم سوف ينفجرون ضاحكين)
    صقر: طُرفه.. يا لها من طرفه
    أبو خالد: ألم أقل لكم.. صاحب طرفه
    عبيد الله (وهو لا يكاد يمسك نفسه عن الضحك) يا بني إذا كان من وردٍ أحمر مازال يتفتح في سهول الأندلس.. فلأنه مرويٌّ بدمائنا.
    المهرج: على كل حال .. آسف..
    صقر: لا داعي للأسف.. لا داعي للاعتذار فهمت قصدك.. (للآخرين) فهمت قصده الأندلس كبيرة عليه.. ويريد ولاية أصغر.
    أبو خالد: هذا واضح.
    عبيد الله: عندنا ولاياتٌ من جميع الأحجام والأوزان.
    صقر: الخريطة أيها الخادم .. سأنتقي لك ولاية صغيرة في حجمها كبيرة في فعلها.
    الخادم: (يناوله الخريطة) تفضل يا مولاي.
    صقر: (يمرر يده على الخريطة وهو يمضغ) وجدتها .. وجدتها ورب الكعبة. الاسكندرون. ما رأيك بها؟
    المهرج: (وكأنه قضم حجراً في الطعام) الاسكندرون؟
    صقر: إنها والله أغلى عليَّ من ولدي سليمان.
    عبيد الله: مناخٌ ولا أحلى ولا أجمل.
    أبو خالد: وشعبٌ لا أعرق ولا أنبل
    صقر: (يضع يده على صدره) بشهادتي.
    المهرج: ولكن الاسكندرون هي الأخرى.
    صقر: (متأهباً للضحك ظناً منه والآخران أنه مزاح في مزاح) ماذا رحمها الله؟
    المهرج: منذ عشرات السنين _ احتلها الأتراك.
    (وينفجر الثلاثة ضاحكين مرة أخرى)
    صقر: طُرفة.. طُرفة ثانية يا أبا خالد. الأتراك الذين كنت آنف من محاربتهم بسيف من تنك.
    أبو خالد: وأي طرفة؟
    عبيد الله : لم يقلها أبو نواس.
    المهرج: (بعد ضحكة مرتبكة صفراء) إنكم لا تفهمون قصدي.. ذهبتْ هي.. الأخرى
    صقر: (وهو يغالب ضحكه) فهمت. فهمت الأندلس كبيره.. والاسكندرون صغيره
    أبو خالد: وتريد ولاية وسطاً
    عبيد الله: بين بين.
    المهرج: إما لا تفهمون.. أو تتجاهلون.. الموضوع
    صقر: (وقد بدأت تعود إليه جدّيتهُ) يجب أن ننتهي من هذا الموضوع بسرعة. لقد لهونا ما فيه الكفاية (يبحث في الخريطة) وجدتها. لا هي في أقصى الجنوب كالأندلس ولا في في أقصى الشمال كالاسكندرون. بينهما تماماً فلسطين لقد انتهينا (يطوي الخريطة)
    المهرج: (وكأنه وجد عقرباً في لقمته) فلسطين
    صقر: أجملُ بلاد الدنيا قاطبه
    عبيد الله: لا حُجَّةَ لك عليها
    المهرج: ولكن
    أبو خالد: لا تكن مغناجاً.
    المهرج: افهموني
    صقر: أووه. ماذا تريد أن أعيِّنَك ؟ أميراً للمؤمنين؟
    المهرج: لا لا لا . المشكلة أن فلسطين هي الأخرى
    صقر: (غاضباً) لم أعد أطيقُ مزاحك.ثلاث ولايات معجونة ذرة ذرة بدمائنا ودموعنا، لن أقبل أبداً أن تكون موضوعاً للتفكُّه.
    المهرج: لست مازحاً يا مولاي. ثم جئتُ من القرن العشرين حتى العصر الأموي لأطلقَ الفكاهات (الثلاثة يشهرون سيوفهم)
    عبيد الله: إنك تلعب بالنار
    صقر: حذارِ وإلا فالملائكة لن تشفعَ لك عندي
    أبو خالد: فلسطين.. مهبط الرسل والأنبياء..
    المهرج: نعم .. نعم.. فلسطين مهبط الرسل والأنبياء.. أصبحت مهبط الفانتوم والمظليين. التهمها اليهود منذ عشرين سنة.
    صقر: اليهود!
    أبو خالد: قمامةُ التاريخ.
    عبيد الله: حثالة الفتوحات.
    صقر: مستحيل. قد تُطردُ النجوم من السماء. ولكن العرب لا يطردون من ديارهم. قد تفرُّ الأظافر من أصابعها ولكن العربي لا يفرُّ من وطنه.. الأندلس.. الأندلس الحمراء كدمي.. كيف ضاعت؟
    المهرج: لا أعرف. لم أكن مولوداً بعد.
    صقر: ليتك لم تولد أبداً.
    أبو خالد: والاسكندرون.. الاسكندرون الطفلة برياحها وصخورها وأمواجها.. كيف اندثرت؟
    المهرج: في أعقاب الحرب العالمية الأولى وبعد توقيع معاهدة سايكس بيكو راح الاستعمار الغاشم...
    صقر: وفلسطين.. فلسطين الملوَّنةُ كأزهار الربيع.. كيف جفَّتْ وذَبُلَتْ؟
    المهرج: في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتوقيع وعد بلفور.. راح الاستعمار البغيض...
    صقر: يافا.. حيفا.. القدس .. بيت لحم.. من يقرع أبوابها؟ ن يعبر دروبها؟
    المهرج: الصهاينة (مطمئناً) ولكن وضعهم في الداخل متضعضع.
    صقر: (ساخراً) وأنتم؟
    المهرج: (بحماسة) نحن نرصُّ الصفوف ونحشرُ الطاقات لزجها في المعركة.
    صقر: أحقاً؟
    المهرج: طبعاً يا مولاي طبعاً. لقد تنبَّه الرأي العام العالمي لخطورة هذه القضية وأخذ ينظر إليها نظرة جدية. ونحن بدورنا أقمنا الدنيا وأقعدناها وبرقيات التأييد تنهال علينا من كل حدبٍ وصوب، ومشاعر الاستنكار تعمُّ أرجاء العالم.. فهناك نقابة النجارين في غواتيمالا تعطفُ على قضيتنا، واتحاد النحاس والألمنيوم في ساغالي ماغالي يؤيد نضالنا وكفاحنا.
    صقر: ساغالي ماغالي؟
    المهرج: نعم. وجمعية مربيي الدواجن في الدانمارك تندّدُ بالمؤامرات الاستعمارية علينا.
    عبيد الله: تنتظرون العون من الدجاج؟
    المهرج: لحظه. وثوار ايرلندا وبوليفيا وموزمبيق.
    أبو خالد: موزمبيق؟
    المهرج: نعم موزمبيق وانغولا وفييتنام ولاوس .. كلهم كلهم دون استثناء يؤيدوننا ويعطفون على نضالنا.. فماذا تريدون أكثر من ذلك..
    صقر: إنه مهرج.
    عبيد الله: إنه غراب.
    أبو خالد: الموت للغراب.. (يشهر سيفه)
    صقر: الموت. الموت. الموت ولكن أيُّ سيفٍ عربي يقبل بهذه المهمة النتنة.
    عبيد الله: لنجلدْهُ بالسياط.
    صقر: لا. والسياط أيضاً لها كرامتها.
    أبو خالد: لنسلخْ جلده.. لنشْوِهِ على النار.
    صقر: لا. لا سيظل هناك رماده..
    عبيد الله: ماذا سنفعل به إذن يا مولاي..
    صقر: دعوني أفكر.. دعوني أفكر بحق الصحابه.. (يلقي بالنظارات على الأرض كما يلقي كل من عبيد الله وأبو خالد هديته) خذ هداياك النتنة، واجمع حوائجك القذرة وانتظر العقاب (المهرج يلملم الهدايا ويضعها في التابوت ثم يتمدد فيه انتظاراً لما يجد في الموقف) سأنفيه.
    أبو خالد: نِعْمَ العقاب.
    عبيد الله: بعيدا بعيداً حتى لا يبقى منه أثر.
    صقر: سأنفيه إلى مكان لا ينبت فيه زرع، ولا يسيل ضرع.
    أبو خالد: إلى الربع الخالي.
    صقر: لا. سيكون قريباً من بيت الله. سأنفيه إلى سيناء
    المهرج: (يقفز مذعوراً عند سماعه هذه الكلمة ويستغل انصراف الآخرين في مناقشة أمره ويتسلق عموداً متصلاً بالسقف).
    صقر: نعم إلى سيناء حيث لاماء ولا شجر .. حتى يتشقَّقَ جلده وتتقرَّحَ أجفانه وتتساقط أسنانه.. ليكون عبرة لمن اعتبر.. هيا أيها الصعلوك (يبحث عنه فلا يجده ينظر إلى العمود فتزداد دهشته ) ماذا تفعل عندك أيها القرد؟
    المهرج: مولاي، وسيناء هي الأخرى رحمها الله.
    صقر: (صارخاً بأعلى صوته) اقتلوه.
    أبو خالد: (وهو ينادي خارج المسرح) أيها العرب اقتلوه
    عبيد الله: ارجموه.
    صقر: وسيناء أيضاً أيها البومة.
    المهرج: سيناء، وشرم الشيخ وجبل الشيخ و ..
    صقر: إذن نادِ على شيخ يقرأ الفاتحة على روحك (يدخل الأعراب هائجين مكبرين شاهرين سياطهم وسيوفهم ويحاولون جذبه عن العمود وهو يستيث ويستنجد. فيتمكنون منه.. ويتكومون فوقه كالنمل شتماً وضرباً واستنكاراً).
    صوت: ارجموه.
    صوت: ارجموه.
    صوت: اشنقوه.
    صقر: إنه غراب.. غراب..
    أبو خالد: ليس عربياً ، ولا أعجمياً.
    عبيد الله: انه يهوذا .
    أصوات: أرِنا وجهك ويديك وعينيك وأذنيك (المهرج يتملصُ منهم بصعوبة ممزق الثياب معفَّرَ الوجه بالتراب والكدمات، يلتقط حجراً ويقف قبالتهم مهدداً بمرارة ويأس وجنون)
    المهرج: ابعدوا عني أيها الوحوش. إنني عربيٌّ من رأسي إلى أخمص قدمي. رضعت حليباً عربياً وتنشَّقتُ هواءً عربياً، وجُلدتُ بسياط عربيه..
    صقر: (وقد مسَّتْ كلمات المهرج قلبه) لا يهمني أن أعرف حسبك ونسبك.. أريد أن أعرف كيف ضاعت فلسطين؟
    المهرج: ضاعت بالخُطب؟.
    صقر: الخُطب؟ وماذا تعني بالخطب؟
    المهرج: (ينسى تعاسته على الفور ويتقمص شخصية خطيب معاصر) أيها الأخوة المواطنون.. أيها الشعب الكريم (ثم يقفز ويهلل ويصفق كواحد من الغوغاء ويغني) يا فلسطين جينالك وجينا وجينالك جينالك.
    صقر: (وسط القهقهات رغم دقة الموقف). يكفي، يكفي قبّحك الله..
    المهرج: هكذا ضاعت فلسطين.. يا أجدادي.
    صقر: الأندلس.. الاسكندرون. فلسطين .. سيناء .. ماذا بقي من أمة العرب بحق السموات؟
    المهرج: بقيت جبال من التخلف
    صقر: أزيلوها يا أحفادي أزيلوها..
    المهرج: ومن يزيلها يا مولاي.. الآلهة لا تزيلها
    صقر: الشعب. أين الشعب؟
    المهرج: هذا هو شعبك يا صقر قريش (يُسلَّط ضوءٌ أزرق حيث يشير المهرج إلى إحدى الزوايا الفارغة حيث يظهر شخصٌ بائس من عامة الشعب في الوقت الحاضر وهو يحمل بضعة أرغفة ويسير ملتصقاً بالحائط).
    الشخص الأول: امشي الحيط الحيط وقول يا رب السترة (يختفي ويظهر شخص آخر يحمل سلَّه).
    الشخص الثاني: مين ما أخذ أمي بقللو يا عمي.
    الشخص الثالث: لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشه.
    الشخص الرابع: العين ما بتقاوم مخرز..
    المهرج: (يختفي الضوء باختفاء الأشخاص) هذا هو شعبُكَ . هؤلاء أحفادك يا صقر قريش.
    صقر: لا أصدق عيني، لا أصدق أذني..
    أبو خالد: مستحيل.. مستحيل العربي أشجع إنسان في التاريخ.
    المهرج: كنا شجعاناً يا أجدادي.. شجعاناً وأبرياء ومغامرين.. ولكنهم جردونا من كل شيء.. الشجاعة.. الشرف.. الكرامة .. الكبرياء.. لقد حوَّلونا إلى أرانب.
    صقر: أرانب؟
    المهرج: وصراصير أيضاً.
    صقر: (بتعاطف واضح) من هم يا بنيّ.. من حوَّلكم إلى أرانب؟ تكلم لا تَخَفْ .. نحن أجدادك.. لا تخف منا.
    المهرج: (يهمس في أذن صقر قريش بعد تردد)
    صقر: من؟ الارهاب؟
    المهرج: (يكرر الهمس ثانية)
    صقر: من؟ المباحث؟ ماذا تقصد؟ بالمباحث؟
    صقر: (هامساً للمرة الثالثة) الشرطة.
    صقر: (ينفجر ضاحكاً) الشرطة (الجميع يضحكون ويرددون هذه الكلمة بسخرية واستخفاف)
    المهرج: ايه.. لا تضحكوا يا أجدادي انكم لا تعرفونهم .
    صقر: وكيف لا نعرفهم؟ أليسوا أولئك الرجال البسطاء الذين يحملون الهراوات، ويقبضون على اللصوص والأفاقين.
    المهرج: بلى.. ولكنهم الآن يقبضون على كل شيء.. لقد تطوروا يا أجدادي.. وجعلوا من الارهاب فناً قائماً بذاته.. كالنحت .. كالموسيقى.. إن عنتر بنفسه لو وقع بين أيديهم سوف يتحطم وينهار.
    صقر: هراء.. العربي أشجع إنسان في التاريخ . لو سلخوا جلده عن عظمه لن يجبن ولن ينهار.
    أبو خالد: (مشيراً إلى من حوله) لقد خاضوا حروباً بعدد ورق الشجر. وفي جِلْدِ أيٍّ منهم تجد من الطعنات أكثر مما تجد من الشعر والمسام.. ومع ذلك تراه دائماً ذلك الفارس الصنديد (ضحكات)
    المهرج: الحربُ على صهوات الجياد شيءٌ وفي أقبية التحقيق شيء آخر (ضحكات)
    صقر: مستحيل.. العربي أشجع إنسان في العالم.
    المهرج: هل تراهن؟
    صقر: على ماذا؟
    المهرج: تعطيني أشجعَ فارس بينكم. أشجعهم وأكثرهم احتمالاً وأريك بعينك كيف يتحطم وينهار.. بدقائق فقط.. دقائق معدودات.
    صقر: (مقهقهاً) خذ من تشاء .. كلهم صناديد.
    (يتسابق العديد من الرجال لهذه المهمة باستخفاف)
    أعرابي: أنا يا مولاي.
    أعرابي: أنا أيها الأمير.
    أعرابي: أنا لها.
    دحام: (يظهر فارس عملاق مسلح بالسيف والدرع والخنجر ويتقدم الصفوف بعظمة واستخفاف) لا لا أنا..
    صقر: دحام.
    أصوات: نعم دحام.. دحام.
    المهرج: حسن أين هذا الدحام..
    دحام: (يقترب منه) معك له بضع دقائق فقط بل بضع سنوات (ينظر إلى رفاقه غامزاً وساخراً).
    المهرج: سنرى بعد قليل (لصقر قريش) ويلزمني عددٌ آخر من الرجال في مثل قوَّتِهِ واحتماله ليساعدوني في مهمتي.
    صقر: انتقِ من تريد كلهم فحول.
    عبيد الله: صناديد لا يهابون الموت.
    أبو خالد: جاهل.
    أعرابي: أنا يا مولاي.
    أعرابي: أنا .. أنا (المهرج ينتقي عدداً منهم ويعزلهم عن الجميع).
    صقر: يضيِّعُ وقتنا ووقته.
    عبيد الله: لا يعرف من أي معدنٍ هذا الدحام.
    أبو خالد: سيعرف بعد قليل.
    المهرج: حسناً حسناً (لمعاونيه) امسكوه جيداً من هنا ومن هنا (يتم تجريد دحام من كل أسلحته ويقبض عليه المعاونون بإحكام دون أن تفارقه سخريته واستخفافه بالتجربة كلها. وفجأة تأتيه لطمة قوية من يد المهرج فيجفلُ وتصدرُ همهماتٌ عن الآخرين تخلو من السخرية أو الضحك)

    المهرج: اخرس بدون ضحك. اسمك.
    دحام: دحام.
    المهرج: (يصفعه) كذاب.
    دحام: وهل أكذب في اسمي.
    المهرج: طبعاً. أنت غامضٌ ومشبوه.
    داحم: غامضٌ ومشبوه؟
    المهرج: (يصفعه) اخرس
    دحام: ...
    المهرج: حقير (يصفعه ويركله) أين كنت البارحة؟
    دحام: في البيت.
    المهرج: كذابٌ حقير (يصفعه بقوة).
    دحام: أقسم بشرفي كنت في البيت إسأل زوجتي.
    المهرج: (ينهال عليه صفعاً وركلاً) ومتزوج أيضاً يا سافل يا منحط يا حقير. متزوج؟
    دحام: سبِّحْ بالرحمن يا رجل. سبِّحْ بالرحمن.
    المهرج: (يضربه بلا شفقة حتى آخر المشهد) سأحطم هذا الرأس.. هذا الرأس سأحطمه.
    دحام: (وقد أصيب بالذعر) مولاي..
    المهرج: اخرس.. متآمر.
    دحام: متآمر؟ على من متآمر؟
    المهرج: على الشعب على الجماهير (يصفعه ويرفسه).
    دحاك: مولاي .. أيها الأمير..
    المهرج: متى دخلتَ في الحزب؟
    دحاك: أي حزب؟
    المهرج: (يضربه بسوطه) الحزب. الحزب متي انتسبتَ إليه متى؟
    دحام: أيّ حزبٍ دعني أفهم.
    المهرج: الحزب الوطني (يصفعه).
    دحام: لا والله.
    المهرج: الحزب التقدمي (يصفعه).
    دحام: لا وربي.
    المهرج: إذن الحزب التقدمي الوطني (يجلده بدون شفقة)
    دحام: لا والذي بسط الأرض ورفع .. آه .. آه
    المهرج: (يعدد له كل أحزاب الوطن العربي خلال الضرب والرفس)
    دحام: (وهو يتأوه) لا والذي رفع السموات.
    المهرج: إذن الحزب الديغولي.
    دحام: لا.
    المهرج: حزب العمال (يدق رأسه بالأرض) حزب المحافظين
    دحام: نعم .. نعم.. نعم
    المهرج: (متنفساً الصعداء ومبلغاً من حوله) اعترَف. من حزب المحافظين (للمهرج المولول) مَنْ معك في المؤامرة؟
    دحام: أية مؤامرة؟
    المهرج: (مستأنفاً الضرب) المؤامرة.. المؤامرة. اعترف
    دحام: (مستنجداً) مولاي.. عبيد الله.. أبو خالد.. أغيثوني (الجميع صامتون ويقتربون بحركة لا شعورية من منافذ النجاة وقد سيطر عليهم رعبٌ قاتل)
    المهرج: هذه الشواربُ سأقتلعها. هذه اللحية سأشمطها.
    دحام: (قافزاً ) آه لحيتي.. شواربي
    المهرج: أين تجتمعون؟ في أي بيت.. تكلم اعترف.
    دحام: سمِّ بالله يا رجل..
    المهرج: حسناً.. هاتوا المنفاخ (المعاونون يلبون طلبه بخوف وسرعة. يتصرَّفُ المهرج وكأنه وضع المنفاخ في مكان معين ويبدأ بالضغط على قبضة المنفاخ) اعترفْ.. اعترف يا كلب
    دحام: (وهو يعوي من الألم) آه.. مؤخرتي..
    المهرج: من معك في المؤامرة من؟
    دحام: لا أعلم.. لا أعرف.. آه .. آه
    المهرج: (مشيراً إلى الآخرين) مَنْ من هؤلاء شريكك في المؤامرة؟
    دحام: لا أحد.. لا أحد.. آه .. آه..
    المهرج: من؟ تكلم
    دحام: (يشير إلى أحد الأعراب لانقاذ نفسه) هذا (يهرب الرجل الذي أشار إليه)
    المهرج: ومن أيضاً؟
    دحام: وهذا وذاك وذياك (يهرب الجميع لا يلوون على شيء بما فيهم عبيد الله وأبو خالد) باستثناء صقر قريش الذي أصبح كالتمثال.)
    المهرج: والآن.. وقع هنا..
    دحام: (وهو يبكي) سأوقع.. سأوقع (يمد يديه كالأعمى)
    المهرج: وأقسم بأنك لن تدخل في حزب من الأحزاب
    دحام: لن أدخل ولن أخرج..
    المهرج: (يركله ويصفعه الصفعات الأخيرة بينما دحام لا يعرف كيف ينتعل خفه) وأنك لن تغادر البيت وستنام منذ غروب الشمس.
    دحام: سأنام.. سأفيق.. سأقبِّلُ يديك ورجليك وخُفَّيك (يرتمي على قدمي المهرج منتحباً مقبلاً بينما يرفسه هذا في قفاه بقوة)
    المهرج: والآن اغربْ عن وجهي يا جاسوس يا حقير
    دحام: (وهو يبحث كالأعمى عن منفذ للخروج) بأمرك سيدي.. بأمرك مولاي آه رأسي.. آه ظهري..
    المهرج: (وهو يطرح السوط جانباً وينفض يديه كالمعلم بعد انتهاء الدرس مخاطباً صقر قريش) والآن قل لدحَّامك البطل أن يحارب. ضع في كل اصبع من أصابعه ، بل في كل سلامية من سلامياته.. سيفاً ورمحاً وترساً وادعِهِ إلى الحرب. لن يحارب سيُهزَمُ أمام دجاجه.
    صقر: (يبصق جانباً) اللعنة عليكم. اللعنة عليكم. على حضاراتكم وبراداتكم وغسالاتكم اللعنه.. اللعنه.. اللعنه (يدور كالمنذهل ويبحث عن شيء ما يسند رأسه إليه)
    المهرج: (وهو يشعل سيكارة) هذه.. مسطرة .. مسطرة.. فقط
    صقر: أعطني من هذه التي تزيلُ الهموم.
    المهرج: (وهو يعطيه سيكارة ويشعلها له) مسطرة فقط يا مولاي مما قاسينا ويقاسيه أحفادك منذ قرون.
    صقر: (وكأنه يسأل الجدران) أليس عندكم كرامة؟
    المهرج: عندنا.. ولكنها ممنوعة.. كلمخدر كالهيرويين
    صقر: (يتفل) ولا قطرة دم عربية؟
    المهرج: لا عربية ولا أعجمية. كل دمائنا ذهبت هدراً على هروات الشرطه.. ومواعيد الحيض. إذا لم يكن كلُّ إنسان، فكل عائلة يا جدي عانى واحدٌ من أفرادها.. مثلما رأيت. الأبن الأكبر، أو الأصغر. الأم أو الجد أو الجدة. آلاف الشوارب العربية اقتُلِعَتْ من جذورها والقيتْ في سلال المهملات. مئاتُ اللِّحى الطاهرة مُرّغتْ في الرغام.. حتى الطيور في السماء لم تعدْ تميِّزُ بين رؤوس الأغصان ورؤوس الحراب.
    صقر: (بشفقة صميمية) يا للأحفاد التعساء
    المهرج: لقد حوّلونا إلى مائة مليون فأر أمام مصيدة كبيرةٍ تمتد من الجاهلية حتى القرن العشرين. باسم فلسطين.
    صقر: (يكاد يبكي) يا للأحفاد المساكين.
    الهرج: نحن رجال في الهوية فقط أما في الداخل. في الأعماق فنحن فئران.. صراصير (يرمي هويته الشخصية على الأرض)
    صقر: (بأمل حزين) ومع ذلك لا بد من حل (منادياً) أبا خالد.. عبيد الله..
    المهرج: عبثاً تنادي أيها الأمير.. فالزهرةُ المقطوفة لن تعود إلى غصنها أبداً.
    صقر: (مكرراً نداءه بين الحزم والاستجداء) لا بد من حل.. لا بد من حل.. أبا خالد عبيد الله أيها الفرسان.. أين أنتم يا أبناء ويا رفاقي (لا يجيبه سوى الصدى الحزين لندائه)
    المهرج: عبثاً تنادي عبثاً تحاول يا مولاي.. الوحشةُ قابعه كصغار البيض في الأعماق ولاستئصالها ينبغي تحطيم كل شيء..
    صقر: ولكن من ينقذُ الأحفاد غير الأجداد؟
    المهرج: لا أحد.. لا أحد.. ولكن أيّ جد مغفّلٍ يفقد صوابه ويغامر؟
    صقر: أنا.
    الهرج: (بهلع) أنت؟
    صقر: نعم أنا صقر قريش عبد الرحمن الداخل بسيفي هذا سأعيد للأرض العربيه كرامتها.
    المهرج: مولاي.
    صقر: وللوجوه العابسة ابتسامتها، وللسهول المقفره.. جداولها وأزهارها أنا أنا.. سأحرِّر فلسطين (ينادي بحماس) أيها السائس.. اسرج لي جواداً بسرعة الريح
    المهرج: (يحاول منعه من الخروج بكل وسيلة) لا لا.. سوف تندم يا مولاي
    صقر: دعني .. أنت غراب .. أنت قطيعٌ من الغربان.
    المهرج: (وقد سمع صهيل الجواد في الخارج) ستندم يا مولاي.
    صقر: (وهو يخرج شاهراً سيفه) إليك عني. أنا صقر قريش. فاتح لأندلس.
    المهرج: (ينوح وقد سمع صهيل الجواد يمتزج بوقع الحوافر المبتعدة).


    (ستار)













    الفصل الثالث




    (مركز مراقبة على حدود الوطن العربي في الوقت الحاضر. صقر قريش موقوف في النظارة. المهرج يحمل معروضاً ويعاتبه من وراء القضبان).

    المهرج: حذَّرتُكَ سلفاً. سلفاً حذَّرتُكَ يا مولاي. فلم تأبه ولم ترعو (يقلده بمرارة) أيها السائس اسرج لي جواداً بسرعة الريح. سأحرر فلسطين.. تفضلْ حرِّرْها.
    صقر: (بتفاؤل عجيب) طبعاً. سأحرّرُ فلسطين والأندلس والاسكندرون.
    المهرج: (ساخراً) ولا تنسَ انطاكيه والصومال وأرتيريا وعربستان.
    صقر: ان شاء الله.. إن شاء الله العلي القدير، لن أبقي على شبر واحد محتل.
    المهرج: مولاي.. هل أنت على ما يرام؟
    صقر: طبعاً . إن هي إلا اجراءات شكلية.. سؤال وجواب وأمضي حيث أشاء.
    المهرج: ومن قال لك هذا الهراء؟
    صقر: أحفادي. الدَّورية التي أوقفتني على الحدود.
    المهرج: (نائحاً) سؤال وجواب. مولاي أنت لا تعرف ماذا يعني السؤال والجواب لديهم قد تموت وتتعفَّنُ هنا وراء هذه القضبان قبل أن ينتهي ذلك السؤال وذاك الجواب.
    الشرطي: العهودُ التي تتحدَّثُ عنها زالت وانتهت. الآن عهد الكفاح عهد الحرية.
    المهرج: عهد الحرية.. وأعظم قائد في تاريخ العرب يقفُ وراء القضبان كالقتلة والمهربين.
    الشرطي: كل المواطنين سواسيه أمام القانون.
    المهرج: ولكن هناك استثناءات . هذا الرجل ليس كبقية الرجال.. لو ساعدتَهُ فقد يُدوِّنُ اسمك في التاريخ.
    الشرطي: ما يهمني بالدرجة الأولى أ، يدون اسمي في جدول الرواتب. مَنَعْتُ أشهرَ مطربة من متابعة السفر لأنها لم تحصلْ على تأشيرة دخول.. مع أنها.. إنك تسمع على كل حال.
    صوت المطربة: سأرفع القضية إلى جميع الجهات وإلى أعلى المستويات (تدخل)
    الشرطي: أتمنى ذلك. علّهم يحسُّون بوجودي (وهو منصرف إلى عمل من الأعمال)
    المطربة: (تلتفت إلى المهرج) شرطي. بماذا تتحدَّثُ إلى شرطي؟
    المهرج: (يُفاجأُ بأنها ذات الممثلة التي لعبتْ أمامه دور ديدمونه في يوم من الأيام) ديدمونه.
    المطربة: (وكأنها لا تعرفه) أهلاً.
    المهرج: (مصدوماً) مابك؟ هل تشعرين بمغص؟
    المطربة: (متنهدة باستعلاء) أبداً إنها متاعب الشهره. أصبحتُ فوق الريح.
    المهرج: لماذا؟ هل تعملين مضيفه؟
    المطربة/ إنني أشهرُ مطربة يا هذا.. ألا تشاهد التلفزيون وتقرأ الصحف، وتسمع الاذاعات.
    المهرج: من سوء حظي كنت مسافراً في الـ ...
    صوت المدير: ما هذه الفوضى على الحدود، وهذه الأقذار أمام المركز.
    الشركي: (بارتباك) انتبهوا . جاء المدير يا سيدتي.
    المطربة: لا تتملَّقْني ، ستنالُ عقابك.
    المدير: (يدخل ومعه مجلة فنية) ألا يوجد نظام؟ ألا يوجد مكنسه بمجرّدِ أن أغيب تدب الفوضى.
    الشرطي: احترامي سيدي..
    المدير: (للمهرج) نعم ماذا تريد.
    المهرج: جئتُ بخصوص.
    المدير: (وقد انتبه لوجود المطربة وهي تدخِّن بغيظ) يا لها من مفاجأة. أيةُ ريحٍ مباركة حطَّتْ بك في مكتبي الموحشِ في أطراف الصحراء.
    المطربة: وما الذي يأتي بي إلى هنا.. أو هناك غيرُ الفن.
    المدير: وأنا الذي أنجزتُ أعمالاً يعجزُ عنها المارشالات هذا الأسبوع لأكون حراً هذا المساء وأسهر في الملهى الذي تعملين فيه.
    المطربة: ولكن حفلتي لهذه الليلة قد تلغى.
    المدير: لماذا؟ هل من مناسبة دينية؟
    المطربة: بل لأنني مُنعتُ من متابعة السفر.. لأنني لم أحصل على تلك الخربشة على جواز سفري.
    المدير: وأيُّ مغفل تَعِسٍ منعك من الدخول؟
    المطربة: هذا الماريشال
    الشرطي: سيدي المدير
    المدير: أيها الطبلُ الأجوف.. كيف تُقْدِمُ على فِعْلَةٍ شنيعةٍ كهذه؟
    الشرطي: سيدي.
    المدير: اخرس. ألا تقرأ الصحف؟ ألا تشاهد التلفزيون ألا تسمع الإذاعة؟ شرطي بماذا تتحدثين إلى شرطي.
    المطربة: (وهي تنظر إلى ساعتها) وجمهوري كما تعرف لا يطيق الانتظار.
    المدير: (وهو يؤشر على جواز سفرها) ستتابعين سفرك في الحال.. ولكن ليس قبل أن تتقبَّلي ضيافتنا (للشرطي) تحرَّكْ (يشعل لها لفافتها)
    المطربة: شكراً
    المدير: والآن ما أخبار الفن؟
    المطربة: باهظ الثمن أيها المدير.. ثياب وأحذية . أنت تعرف.
    المهرج: سيدي..
    المدير: (يرمقه بنظرة جامدة) وما أخبار ميمي وفوفو
    المطربة: فوق الريح.
    المدير: عظيم .. عظيم
    المهرج: سيدي
    المدير: ( بغلظة) نعم. ماذا تريد؟
    المهرج: سيدي بعد الاطمئنان على أخبار ميمي وفوفو وسوسو.. أرجو منك التلطُّفَ والنظر في مشكلة ذلك المسكين.. صقر قريش.
    المدير: صقر من؟
    المهرج: صقر قريش.. عبد الرحمن الداخل
    المدير: (متنفساً الصعداء ومنفجراً بالضحك) تقصد ذلك الأهبل الذي يدّعي أنه
    الشرطي: (عائداً مع زجاجتي مرطبات) ليس أهبلاً يا سيدي
    المهرج: طبعاً
    المدير: أهبلُ أو يدّعي الهبل.. فهو طريفٌ (للمطربه) بل أطرف محتال رأيتهُ في حياتي (للمطربه) ما رأيك ببعض التسلية.
    المطربة: (على مضض) ولكن بسرعة.. فجمهوري كما تعرف.
    المدير: احضره أيها الشرطي
    المطربة: (تنظر ناحية النظارة) يا لها من لحية.. أنا أتبرع له بإجرة حلاقة
    المدير: ربما كان من الخنافس (يتقدم صقر قريش برفقة الشرطي)
    صقر: السلامُ عليكم يا أحفادي
    المدير: لا يتكلم إلا الفصحى
    المهرج: (يقوم بالتعريف) مولاي أقدِّمُ لك
    صقر: (مشيحاً ببصره وقد راعَهُ منظر العُري وهي تلفُّ ساقاً على ساق) أعوذ بالله أأنت حفيدة خولة وزينب والخنساء.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله..
    (المدير والشرطي غارقان في الضحك)
    المطربة: (تنهض مذعورة) يا ماما ..
    المهرج: (يستوقفها) إنه فاتح الأندلس
    المطربة: (تخرج خائفة) باي .. باي
    المدير: باي .. باي
    المهرج: لا تلمْها يا مولاي .. البطلُ في نظرها.. هو الذي يفتح لها زجاجة وسكي.. زجاجة شمبانيا وليس الأندلس.
    المدير: طريف.. طريف.. لماذا لا يعملُ في التمثيل؟
    المهرج: (يساعد صقر قريش على الجلوس) اجلس يا مولاي .. اجلس وستنفرجُ عما قريب إن شاء الله.
    المدير: (وقد عادت إليه جديته) قفْ أين تظنُّ نفسك يا هذا؟
    صقر : (يقف ) في بلدي .. في وطني
    الشرطي: ولا تعبثْ في لحيتك كلما افْحَمَك الجواب.
    المدير: اسمك (يشير على الشرطي كي يسجل الافادة)
    صقر: مرة ثانية؟
    المدير: مرة ثانية، وثالثة ورابعة.. حتى تعترف صراحةً من أنت؟ وماذا جئتَ تفعل في بلادنا
    صقر: أجبتك بوضوح من قبل
    المدير: ما من شيء واضح. إنك مجموعة طلاسم. قلت لك منذ اعتقالك.. هات شاهدين .. شاهدين فقط.
    المهرج: ألا تكفي شهادتي؟
    المدير: لا . القانون صريح (يرن الهاتف يرفع السماعة) أي بطل هذا.. لا يعترفُ به اثنان من المحيط إلى الخليج (على الهاتف) الو نعم. نعم مركز الحدود. ولا أية اشارة أم م.. (يغلق السماعة) شكراً . لم يجدوا له أو لعائلته أي اشارة في دوائر النفوس استنفرْنا عدة مخاتير للبحث في هذه القضية دون جدوى.
    الشرطي: مشبوه
    المدير: وغامض.. (لصقر قريش) أعزب أم متزوج؟
    صقر: متزوج و
    المدير: وكم ولداً عندك؟
    صقر: إنهم كثيرون
    المدير: (غاضباً) وكيف تعيلُهم. ما هي ثروتك؟ ماذا تملك؟
    صقر: أملك إيماني
    المدير: (ساخراً) إيمانك؟ وأين تودعُهُ في أيّ بنك؟
    الشرطي: (منسجماً في السخرية) بنك انترا
    المدير: اسكت (متابعاً الاستجواب) تقول إنك مولود في عام 113 هجرية. وهذا يعني أن عمرك الآن أكثر من ألف ومائتي سنة. فأين كنت طوال هذه المدة؟
    صقر: في المقبره
    المدير: ولماذا خرجت منها؟
    صقر: لأحرِّر فلسطين فنحن لا نقبل
    المدير: لن نقبل؟ من أنت؟ باسم من تتكلم؟
    صقر: باسم الموتى والشهداء باسم خالد وعمر.. والسلولي والحجاب، والزمخشري وقنسرين وابن بخت، وابن قطز.
    المدير: ايه . أية أسماء أعجميه هذه (للشرطي) هل فهمت شيئاً؟
    الشرطي: ولا كلمة
    المهرج: هذه أسماء أعجميه. أما سوسو وفيفي ومومو . فهي أسماء جاهلية.
    المدير: اسمع يا هذا .. إنني مريض. مصاب بالجلطة.. ولذلك فقد أموتُ في أية لحظة، ولكنني سأحاول المستحيل.. لكي أظلَّ حياً.. وأكشفَ سرّ هذا الرجل الغامض (لصقر) نعم أكمِلْ.
    صقر: باسمهم جميعاً جئت أسألكم كيف أضعتم فلسطين والأندلس واسكندرون؟ وبأيّ وجهٍ بعد ذلك تأكلون وتشربون وتمرحون؟
    المدير: هل انتهيت؟
    صقر: لا. لم أنته أيها الأحفاد العاقون. لقد تركنا لكم الراية العربية أنقى من ماء المُزْن. أنصعَ بياضاً من لِحى القديسين. وها هي تصبحُ أشدَّ قذارة من ممسحةٍ للوحل. لماذا أيها الأحفاد العاقون لماذا؟ (يدير وجهه ويمسح دموعه)
    الشرطي: هل أسجِّلُ هذا الهراء؟
    المدير: لا. إنه دجّالٌ منافق.
    صقر: إنني صقر قريش.. عبد الرحمن الداخل
    المدير: ما أعرفه فقط، أنك داخل إلى البلاد خِلْسةً وليس في حوزتك أي إثبات للشخصية لا هوية، ولا دفتر خدمة ولا إخراج قيد ولا حتى دفتر صحة.
    الشرطي: ولا شهادة سواقه
    المدير: وعلى رأسهم جميعاً . جواز السفر. أين جواز سفرك؟
    صقر: ولماذا جواز السفر؟
    المدير: على كل مواطن يرغب في الانتقال من بلد إلى بلد أن يصطحبَ معه جواز سفرٍ مثل هذا وهذا وهذا (يعرض عليه نماذج من جوازات السفر)
    صقر: ومتى كان العربيُّ بحاجة إلى إذنٍ حتى يتجول في أرض آبائه وأجداده؟
    المدير: لقد انتهى عهد الفوضى والمحسوبية، وجاء عهد القانون والنظام
    الشرطي: والديموقراطية
    المدير: والديموقراطية. إن الوحدة العربية لم تعدْ مجرَّدَ شعارات عاطفية بل أبحت واقعاً منظماً فاعلاً متفاعلاً (يسعل) هذه الجلطةُ ستقتلني. فكيف تريد مني التسليم بما تدّعيه دون أي قرينة أو اثبات؟ (صقر قريش يفتش عبه وجيوبه بحركة لا شعورية خائبة)
    المهرج: وهل على النسر أن يحملَ هويةً بين جناحيه حتى يُثْبِتَ أنه نسر.
    المدير: لا أ عرف . لا أعرف. (لصقر قريش) من دفعك إلى هذه المهمة؟
    الشرطي: مهمة تحرير فلسطين.
    صقر: واجبي
    المهرج: النخوة العربية هل نسيتها؟
    المدير: لأنني متمسك بنخوتي وعروبتي لا أرضي أحداً. ليس كل من ادّعى الوطنية هو وطني معظم الذين نقبض عليهم على الحدود يتظاهرون بالوطنية. ولذلك من واجبي أن أدقِّقَ في كل شخص يثيرُ الريبة، من هو ؟ من أين قادم؟ إلى أين ذاهب ولماذا؟ وكيف ومتى؟ فبلادنا كما تعرف تخوض معركة حياة أو موت. ولذلك فما الذي يثبت لي أن حضرته ليس عميلاً أرسلته الأمبريالية لتنفيذ مخططاتها؟
    صقر: عميل للغرباء.. ضد وطني وبلادي؟ وأنا الذي شاب سيفي قبل شعري في الدفاع عن ترابها ومقدساتها
    المهرج: سيدي: حكِّم العقل يا سيدي.. إنسان يتحدث بهذه العاطفة.. بهذه اللغة التي لا خطأ فيها ولا لَحْن يمكن أن يكون عميلاً أو خائناً.
    المدير: هذا ليس دليلاً كافياً. غلوب باشا. أبو حنيك كان ينطق العربية بأحسن ما ينطقها الأدباء والمفوَّضون الفطاحل.. مع ذلك ماذا أثبتت الأيام. أثبتت أنه جاسوس.
    الشرطي: حقير
    المدير: وكذلك لورنس العرب وعشرات وعشرات غيرهم ممن يَفِدون إلينا تحت اسم خبراء وعلماء.. وفنانين.
    المهرج: يا لتقلبات الزمن. هل أصبح الذي يتكلّم اللغة العربية الفصيحة عميلاً، والذي يتكلم العامية وطنياً؟
    المدير: طبعاً. الوطني هو الذي يتحدَّثُ بلغة الشعب
    الشرطي: بلغة الجماهير
    المهرج: وهذا اللباس وهذه البشرة.. أي أوربي أو روسي له هذا اللون العربي الأصيل؟
    المدير: وهذا أيضاً ليس بالدليل الكافي. ربما اكتسب هذه السُمرة من السباحة
    الشرطي: أو ربما صبغوه قبل إرساله إلينا
    المهرج: إنه ليس باباً أو خزانة حتى يصبغوه. إنه صقر قريش عبد الرحمن الداخل (يرن الهاتف)
    المدير: بل دجالٌ منافق (يشير للشرطي) اعِدْهُ إلى النظارة.
    صقر: (للمهرج) اعطني من هذه .. التي تخفِّفُ الهموم
    المهرج: (يعطيه سيجارة) لقد وقعتَ يا صقر قريش. وجيمس بوند لن ينقذك من هذه الورطة.
    صقر: مهما يكن إنهم أحفادي وأغفرُ لهم
    المهرج: ركبتَ رأسك قبل جوادك وجئتَ وفي اعتقادك أنك ستلقى الأمة العربية بأسرها تمتطي الخيول وهوادج الجِمال بانتظارك.. وها أنتَ تُعامل كمكنسة.
    المدير: الو.. نعم.. نعم
    صقر: ما زلتُ متفائلاً. قد ينتابني الشوق والغضب والدهشة، ولكن اليأس لن ينتابني أبداً (يربت على خدّ المهرج قبل أن يدخل النظارة ثم فجأة يصغي الجميع بانتباه للحديث الدائر على الهاتف).
    المدير: أظنه إما عميلاً خطيراً أو مهرباً أكثر خطورة وفي الحالتين (ممتقع الوجه وعيناه على صقر قريش مشيراً بيده) ماذا؟ لا يمكن. مستحيل أن أخطئ إلى هذا الحد.. أتحمَّلُ المسؤولية. وهل أنا منجم حتى أتعرف على شخصية مندثرة منذ ألف عام.. أمرك .. يا سيدي (يضع السماعة ويهرع إلى صقر قريش متضرعاً) مولاي.. مولاي اغفرْ لي قسوتي وبلاهتي.. (راكعاً أمامه) مولاي صقر قريش.. في ثيابك رائحةُ الأندلس، في عينيك أنوارُ غرناطة (أبواق سيارات وضجة في الخارج)
    المهرج: وأخيراً.. وأخيراً يا مولاي (يتعانقان بحرارة وهما يسمعان الهتافات في الخارج)
    أصوات: عاش.. صقر قريش.. عاش. عاش. عاش
    المدير: (الشرطي) تحرّّكْ. لا تقفْ كالأبله.. المدير العام في طريقه إلينا (يخرجان بينما يدخل عدد من الناس متحمسين وهم نفس الأشخاص الذين رأيناهم كمتفرجين في الفصل الأول يتقدَّمهم صحفيون ومصورون ويتكومون على صقر قريش يمطرونه بالأسئلة وهو يجفل أمام عدسات التصوير كالجواد البرّي وقد دخل قاعة العرض للمرة الأولى)
    صوت: مرحباً بجدنا الخالد
    صوت: مرحباً بجدنا العظيم
    الصحافي الأول: متى فتحت الأندلس؟
    صقر: منذ ألف عام.. أهلاً بأحفادي أهلاً
    الصحافي الثاني: ماذا تحبُّ من ألوان الطعام
    الصحافي الأول: ماذا تحبُّ من ألوان اللباس
    صقر: لا أحبُّ سوى بلادي.. وطني بلادي
    الصحافي الثاني: ولأية غاية جئتم؟
    صقر: لتحرير فلسطين
    الصحافي الأول: وأين تقيمون الآن؟
    صقر: في النظارة.. لقد سمعت مؤخراً أن فلسطين قد ضاعت
    الصحافي الثاني: ما رأيك بنزع السلاح؟
    الصحافي الأول: ما رأيك بدخول الصين للأمم المتحدة؟
    صقر: وقد آلمني أشد الألم.. بوركتم من شعب. بوركتم من أمة..
    الصحافي الثاني: ما رأيك بالتجارب الذرية تحت الأرض؟
    صقر: وقد آلمني أشد الألم
    الصحافي الأول: والتجارب الذرية فوق الأرض؟
    المهرج: ابعدوا عنه يا اخوان.. ابعدوا عنه يا شباب من له سؤال فليوجهه إلي.. أنا سكرتيره الصحفي
    أصوات: عاش جدنا العظيم
    أصوات: عاش عاش عاش
    صقر: يا أحفادي وقرة عيني سمعت مؤخراً أن فلسطين قد ضاعت (يدخل المدير والشرطي ويشرعان في إخراج الموجودين)
    المدير: من سمح لكم بالدخول
    الشرطي: اخرجوا .. اخرجوا
    صقر: (متابعاً خطابه) وقد شُرِّدَ أهلها، واننُهِكَتْ مُحرَّماتُها.. وقد آليتُ على نفسي
    أصوات: عاشت فلسطينُ حرةً مستقلة
    أصوات: عاشت عاشت عاشت
    صقر: وقد آليتُ على نفسي ألا آكل وألا أشربَ
    أصوات: الموت للخونة
    صقر: فإلى السلاح أيها العرب
    (يدخل في هذه الأثناء رجل هام يطلق عليه اسم "المسؤول" يقف له المدير والشرطي باحترام).
    المسؤول: من أبلغ الصحافة.. اطردوهم في الحال، لا تبقوا على أحد.
    الرطي: بسرعة.. بسرعة..
    صقر: إلى المعركة
    المسؤول: (يشير للشرطي كي يعيد صقر قريش للنظارة فينصاع في الحال) لا تدعوا أحداً يراه.
    المدير: ولكن كيف خرج من المقبرة يا سيدي؟
    المسؤول: هذا دليلٌ على أن الإنسان العربي أقوى من الموت (لأحد المصورين الصحافيين) اخرجْ وإلا حطَّمتها على رأسك.
    صقر: (والشرطي يدفعه داخل النظارة) أين سيفي؟ أين درعي؟
    الشرطي: إننا نشحذه يا مولاي
    (تدخل شخصية أجنبية يسارع المسؤول والمدير إلى تحيتها باحترام بالغ. والشخصية تعلَّق قبعتها في مشجب وتدخل إلى غرفة جانبية).
    المدير: ما هذه الطلاسم يا سيدي.. من هذا الأجنبي وماذا جاء يفعل؟
    المسؤول: اجتماع هام.. ستعلم في الحال.. (للشرطي) لا نريد أية ضجة (يدخل إلى الغرفة الجانبية ويتبعه مدير المركز. الشرطي يغلق الباب ويقف أمامه كالحارس. يدخل المهرج حاملاً باقاتٍ من الزهور، والفرح مازال يغمره لتطوراتِ الموقف لصالح صقر قريش)
    المهرج: زهور وهتافات يا مولاي (يفاجأ بخلو المركز وبالصمت المطبق) أين الأمير؟
    الشرطي: (يعترضه) هس
    المهرج: أين الأمير؟ هل ذهب بدوني.
    صقر: (من وراء القضبان) إنني هنا
    المهرج: (بغضب واستغراب) من أعادك إلى النظارة؟ ما هذه اللعبة؟
    الشرطي: الأوامر.. اخرج بسرعة .. ولا كلمة.. اجتماع هام
    المهرج: ما هذا الغموض.. ما هذه القبعة؟
    الشرطي: اجتماعٌ هام مع مندوب عن الحكومة الاسبانية
    المهرج: (هلعاً وقد لعب الفأر في عُبِّه) مولاي
    الشرطي: (مشيراً إلى باب الخروج) إذا سمحتَ وإلا أخرجتك بالقوة.
    المهرج: (متوسلاً بحرارة) أرجوك. كلمة واحدة وانصرف
    الشرطي: (يوافق على مضض بعد أن قرع الجرس في الغرفة الجانبية فينصرف عنه إلى الداخل) بسرعة قبل أن يراك أحد.
    المهرج: (متضرعاً أمام الزنزانة) يجب أن نهربَ يا مولاي
    صقر: أهرب؟ وهل جئت من قبري وقطعت ألف عام من العصر الأموي حتى الآن لأهرب؟
    المهرج: ولكن الماء تجري من تحتك.
    صقر: أين الماء؟ لا أجد أثر لهذا الماء
    المهرج: هنا تحت قدميك. تحت الأرض في كل مكان
    صقر: (ساخراً) متشائم دائماً متشائم
    المهرج: ستغرقُ يا مولاي وأنت لا تجيد السباحة. سيفك ودروعك الأندلسية ليست بالحراشف الملائمة لأمواج القرن العشرين.
    صقر: إن تشاؤمك يعذبني أكثر من سجني. لقد تأكدوا من شخصيتي واعتذروا مني وارتموا على صدري وقبلوا يدي ماذا تريد أكثر من ذلك؟
    الشرطي: (يخرج ويغلق الباب وقبل أن يغادر المسرح إلى غرفة أخرى يقول) بسرعة .. بسرعة.. سوف أفقد وظيفتي.
    المهرج: لحظة فقط (لصقر قريش) إنك لا تفهم. لا تفهم يا مولاي
    صقر: ألم ترَ الوجوه يغمرها الفرح؟ ألم تسمع الهتافات تدوي في الشوارع..
    المهرج: ليس المهم ما يجري في الشوارع. بل ما يجري هان في الغُرف السرية (يشير إلى غرفة الاجتماع) (يعود الشرطي حاملاً صينيه عليها مشروب) عليك أن تهرب. الشرطي مشغول كما ترى والقضبان ليست متينة.
    صقر: لن أهرب لن أهرب. ما جئت لأهرب.
    المهرج: مازلت مصراً على تحرير فلسطين
    صقر: طبعاً . إن هي إلا إجراءات شكلية وأكون حراً كالصقر طليقاً كالريح فوق الرمال والمضارب العربية.
    المهرج: دعك من الشعر الآن.
    الشركي: (يأتي غاضباً) ألا تفهم من كلمة واحدة
    المهرج: كلمة أخيرة أرجوك (الشرطي يهرول بعد أن يسمع الجرس مرة أخرى) مولاي إنك تحتفظ تحت عقالك الطاهر هذا بذكريات أكل الدهر عليها وشرب. أيةُ مضارب وأية رمال تتحدث عنها. حتى لو قُدِّرَ لك أن تخرج حراً من هنا، وهذا ما لن يحدثَ أبداً وترى ما خلف هذه الجدران من خوفٍ وجوعٍ ولا مبالاة. وما يتراكم في خنادق الحرب من الغبار وبول المارة. سوف تقبلني على خدي هذا احتراماً لتشاؤمي.
    صقر: قد يتزعزعُ برجُ بابل من أساسه.. وتنهار جبال الكون من جذورها. ولكن ثقتي بهذه الأمة لن تتزعزع.. وإيماني بهؤلاء الأحفاد.. لن ينهار.
    المهرج: حسناً. احتفظ بتفاؤلك كالسردين. فلن يطول بك الوقت حتى تنبعثَ منه رائحة أين منها رائحة المقابر.. رائحة المستنقعات. وداعاً يا جدي (يقبل يده الممدوة من خلال القضبان وهو يبكي)
    صقر: (يلثم رأسه حزيناً) وداعاً يا غرابي الصغير
    الشرطي: (بينما ينصرف المهرج ينفتح الباب ويظهر الشرطي) بسرعة .. بسرعة (لصقر قريش) جاءك الفرج
    صقر: (متفائلاً) انتهت الاجراءات
    الشرطي: انتهت المفاوضات
    صقر: (يفرك يديه فرحاً) عظيم .. كنت واثقاً من هذه اللحظة.
    (يخرج من غرفة الاجتماع الشخص الأجنبي مقطباً ويسارع إلى ارتداء قبعته، ويتبعه المسؤول أكثر تقطيباً)
    كنت أعتقد أن هذا الاجتماع سيكون الأخير.. لابرام الاتفاق فقط
    المسؤول: شقةُ الخلاف مازالت واسعة بيننا.
    الاسباني: لقد بيَّنْتُ لكم بوضوح كل الأسباب التي تمنعنا من تقديم الكمية التي تطلبونها
    المسؤول: وحكومتي لها أسبابها أيضاً. لن نتنازل عن بصلة واحدة. فصقرُ قريش مهما كان يظلُّ بالنسبة لنا بطلاً قومياً.
    الاسباني: ولكنه بالنسبة لنا فهو مجرم. مجرم حرب احتل بلادنا بالقوة.. وميثاق الأمم المتحدة صريح في هذا المعنى..
    المسؤول: نحن نحترم ميثاق الأمم المتحدة ونلتزم بميثاقها ولكن التزامنا نحون تاريخنا أقوى. ولذلك فلن نتنازل عن موقفنا مهما كانت العواقب.
    الاسباني: لا تنسَ أنه بإمكاننا أن نطالبَ بتسليمه لنا عن طريق الانتربول
    المسؤول: هذا تهديدٌ لا يتَّفِقُ وأصول المفاوضات
    الاسباني: إنكم متصلبون جداً
    المسؤول: هذا معروفٌ عنا
    الاسباني: (متردداً) سأخذ الموضوع على مسؤوليتي. سأرفع الكمية إلى 25 ألف طن.
    المسؤول: 30 ألف طن لن ينقصوا طناً واحداً
    الاسباني: لا لا هذا ابتزاز
    المسؤول: سمّه ما شئت. لن نتنازل
    الاسباني: ولكنكم تسيئون إلى اقتصادكم
    المسؤول: إلى الجحيم. لن يذهبَ صقر قريش رخيصاً . ثلاثون ألف طن كلمة أخيرة
    الاسباني: سنعوِّض لكم النقص في الموسم القادم
    المسؤول: مستحيل . مستحيل. لا نستطيع أن نوزِّع على قسم من الفلاحين دون الآخر. وإلا اتُهْمنا بالتحيُّزِ وعدم الانصاف.
    الاسباني: ولكن عندنا التزامات تجاه دول أخرى وانتاجنا لهذا الموسم لا يكفي الجميع.
    المسؤول: ما يهمني بالدرجة الأولى هو مصلحةُ بلدي وشعبي
    الاسباني: (يصحح مسودة الاتفاق بعد أن أُسقِطَ في يده) حسناً سآخذ الموضوع مرة أخرى على مسؤوليتي (يوقع)
    المسؤول: (يوقع أيضاً) آسف لتصلّبي، ولكن لكي تعرفوا أنتم أو سواكم مع أيِّ طرفٍ تتفاوضون في المستقبل.
    الاسباني: لا بد لنا من تسلُّمِهِ ومحاكمته مهما كان الثمن
    المسؤول: مبروك
    الاسباني: (وهو يطوي الأوراق في حقيبته) كم سيفرحُ شعبي عندما يرى فاتحَ بلاده وغازيها قبل ألف عام مكبلاً وراء القضبان. لحظة تاريخي لا تنسى. هل رجلُنا جاهز؟
    المسؤول: بانتظاركم. وهل رجالُكم جاهزون؟
    الاسباني: على أَحَرِّ من الجمر (يدخل شخصان أجنبيان)
    المسؤول: (للشرطي) سلِّمْهم الأمانة
    (بينما يسارع الشرطي لفتح النظارة يرافقه الاسباني والشخصان الآخران. يخرج المدير مترنحاً شارداً من غرفة الاجتماع السابقة وبيده زجاجة خمر فيبشّره المسؤول) اتفقنا
    المدير: (دون أن يفارقه شروده) عظيم
    المسؤول: 30 ألف طن
    المدير: عظيم.
    المسؤول: حاول أن يراوغ.. ولكنني كنت واضحاً وحازماً
    المدير: عظيم .. عظيم..


    (ستار)










يعمل...
X