Announcement

Collapse
No announcement yet.

مسـرح محمد الماغوط.. كتابة مفخَّخة عن مواطن في طور الانقراض..

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مسـرح محمد الماغوط.. كتابة مفخَّخة عن مواطن في طور الانقراض..

    مسـرح محمد الماغوط.. كتابة مفخَّخة عن مواطن في طور الانقراض.. ربما كان الهتاف السياسي التهمة الأولى المعدَّة مسبقاً لمسرحيات «محمد الماغوط»، لاسيما أن أعمالاً مثل ..«ضيعة تشرين، كاسك ياوطن، شقائق النعمان» ظلَّت عروضاً غير مطبوعة إلا عن طريق التصوير التلفزيوني، ولكونها في عرف الجميع مسرحيات كتبها الشاعر الراحل بالعامية، بينما كتب مسرحياته «العصفور الأحدب، المهرج» باللغة العربية الفصحى، هذا من جهة اللغة التي قدَّم بها صاحب «غرفة بملايين الجدران» أطروحته المسرحية، بالتعاون مع «دريد لحام»، بعيداً عن مسرح النخبة الذي تجلَّى بداية السبعينيات بظهور «سعد الله ونوس وفواز الساجر»، لقد كان «الماغوط» غير غافل عن النزعة الثقافية الجديدة التي اتكأت على إعداد النصوص العالمية ونقلها من لغتها الأم بعجرها وبجرها إلى خشبات المسارح السورية، صحيح أن مسرح النخبة قدَّم العديد من التجارب الهامة في سبيل كسر الجدار الرابع، وإشراك الصالة في الفعل المسرحي، إلا أن عروض المسرح الجاد ظلت بعيدة عن نقل ألم الشارع ومشاعره العميقة إزاء هزيمة حزيران، والانكسار والخيبة إلى قلب الجمهور العريض، منشغلةً عنه في بحوثها الشكلانية من تأصيل أصول المسرح العربي، وتحقيق معادلة مثاقفة بين النموذج الغربي البريختي، وبين إمكانية ابتكار مسرح ملحمي بقالب عربي اللسان والأدوات. بالطبع هذا لا يعني أن مسرح «الماغوط» لم يكن منشغلاً في تقديم صيغ جديدة للكتابة المسرحية، لكنه كان في الوقت ذاته يصرُّ على إشراك الجمهور في الكتابة، أعني التلقي كحالة مفهومة وغير متعالية على مختلف صنوف الشرائح الاجتماعية، من هنا استطاعت فرقة أسرة تشرين أن تجعل من مسرح نقابات العمال مكاناً متميزاً لعروضها الجديدة، مستقطبةً مشارب عديدة من هذا الجمهور، مستفيدةً أيما استفادة من الروح المتمردة التي كتب بها صاحب "حزن في ضوء القمر" مسرحياته، ولئن أخذ البعض على هذه الأعمال غنائيتها المتأثرة بالمسرح الرحباني، ولغتها الممزوجة باللوعة والتباكي على الوطن والشهيد والأرض والكرامة العربية، إلا أنني أحسب أن هذه النظرة فيها الكثير من الظلم لهذا النوع من الظواهر المسرحية، فإذا كنا اليوم نتباكى حتى على مصير ما سُمِّي بالمسرح التجاري، ونندب مسرح العمال والمدرسي، إضافةً إلى المسرح الجامعي والقومي، فلماذا لا نراجع الكثير من الكلام عن أهمية مسرح ضيعة تشرين؟ لماذا لا يمكننا أن نرى هذا النوع الفني معزولاً عن استجداء التعاطف؟ ولماذا لانراه ضمن الزمن والنوع الذي قدَّمَ نفسه من خلالهما؟ يمكننا أن نلاحظ أثر هذا المسرح على الصورة التلفزيونية التي حجزته لصالحها منذ البداية، وكيف قدَّمت عبره العديد من نجومها الأحياء منهم والأموات، والأهم من هذا وذاك، هو قدرة هذا "الفودفيل" على الخروج من تهكنات النظرية لصالح الفعل المسرحي، والذهاب مباشرةً إلى اعتبار العامية لغة المسرح، باعتبار أنها لغة الجموع، اللغة - الكلام القادرة على إنتاج الفعل على الخشبة، منعتقةً من الخطابية والتفاصح على المتلقي، لغة مبشِّرة بدراما الأفعال، لا العظات والخطب المنبرية، وعلى الرغم من أن «غربة، كاسك يا وطن وضيعة تشرين» انساقت نحو الكباريه السياسي، إلا أن ذلك كان من طبيعة العصر الذي تحدَّثت عنه مسرحيات «الماغوط» وشريكه «دريد لحام»، فهذا الأخير استطاع أن يوظف نجومية «غوار» لصالح المسرح، المسرح أياً كان، ولم يبخل على المتلقي بذلك، على عكس ممثلي هذه الأيام الذين يعتبرون "المسرح المقدس" نوعاً من الصوامع المهجورة، وضرباً من الفنون الميتة دون أن يخطون ولو خطوة واحدة إلى صالات العرض، إلا اللهمَّ من أجل قبض رواتبهم من مديرية المسارح. أجل لقد التقت الكتابة المفخخة بالطرافة الشعبية، مثلما التقت السوداوية بالسخرية المريرة، وبات واضحاً أن مسرح «الماغوط» جاء في وقته، خصوصاً في ظل تنامي القمع الاجتماعي والسياسي والثقافي للمواطن العربي، وطغيان الهزيمة على مخيلة الكثيرين من أبناء بلدان خرجت من فترات الاستعمار لتلتقي بأعداء الداخل، أعداء تقسيم الخيرات والعدالة الاجتماعية وإنصاف الناس، فلقد كان واضحاً أن صراخ المسرح الماغوطي لم يكن من باب الهتاف السياسي بقدر ما كان نوعاً من الاحتجاج الطفولي الشعري على سكيِّن الجلاد وأعوانه. إن الأشرطة التي سجلها التلفزيون العربي السوري لمسرحيات «الماغوط» تكاد تكون نسخة نادرة من هذا الاحتجاج الشعري على عالم يسوده ظلم البشر، وتحكُّمهم غير المسبوق بالثروات العربية ومصير الشعوب، صراع الطبقات الجديدة، ونهوض الريف من كبوة السفر برلك الطويلة مثلاً في "غربة"، ووصول الكهرباء إلى غرف التعذيب العربية قبل وصولها إلى القرى البعيدة في كاسك ياوطن، الشهيد العائد من موته ليبحث عن مصير زوجته وأولاده من بعده في «شقائق النعمان»، مزبلة التاريخ، الأب الذي يبيع أبناءه مقابل بطحة عرق، فلسطين والحلم، انكسار الأحلام وموت الأم على أبواب المشافي الحكومية أثناء الولادة، البيك وحماره الذي أكل الدستور.. كل ذلك لم تفوته مسرحيات «الماغوط» التي تصدَّى لها «خلدون المالح» في نقلها من المناظر المسرحية المنتهية لحظة العرض، إلى مادة درامية تربَّعت على أكبر نسبة مشاهدة في كل مرة نعود فيها إلى أرشيف التلفزيون السوري، ليزيد ذلك من تلك الجماهيرية لهذه التجربة الخاصة، فهذا النوع من المسرح لم يكن يسعى إلى أبعد من ذلك الوصول إلى آذان وأفئدة الإنسان العربي، وذلك بتقديم مكافآت لهذا الإنسان كي يتمكَّن من متابعته على طول العرض المسرحي، مرة عبر الأغنية، ومرةً عبر التحريض المباشر للمطالبة بحقوق طال انتظاره لها، وتمَّ تأجيلها بعيد الاستقلال، أقلُّها حقوق المواطنة والعيش الكريم، وإعادة الكرامة إلى شخصية المواطن العربي، والتنكيل أكثر فأكثر بالأنظمة السياسية العربية التي شاركت في صنع الهزيمة وتصديرها على هيئة نكسات ونكبات، وما إلى ذلك، إضافةً إلى إعلاء روح المواطنة والحرية والتمرد على العسف، تارةً بانكسارت بالغ بها «دريد لحام» آخذاً إياها إلى أقصى درجات اللوعة والحزن على وطن لا يأتي لزيارته، وتارةً عبر توسيع دائرة الارتجال على النصوص التي كتبها «الماغوط» بنفس بريٍّ خالص، متحاشياً التلاعب بمشاعر الجمهور وحساسياته الاجتماعية. من هنا تأتي هذه الأعمال المسرحية كبذور أولى لمسرح سيفسره البعض وفق أهواء غريبة عجيبة، مسرح لا يصح تحت أي ظرفٍ من الظروف أن نراه خارج قيمته الوثائقية، فمعظم النصوص التي كُتبت للمسرح آنذاك، كان معظمها يفتقد إلى تلك النبرة الصادقة، نبرة وفَّرها المسرح للشاشة الصغيرة بلا أية ضغائن، أو تسويغات من باب اتهام التلفزيون بطغيانه على المسرح وإزاحته إلى الخلف، إذ لم يكن في نيَّة أحد أن يقضي التلفزيون على أحد حتى على السينما السورية، لذلك سنعرف عند التفكير ولو لمرة واحدة كم سنحتاج إلى مسرح يتألق على خشباته نجوم التلفزيون والسينما، مسرح يكتب له شاعر من قامة «محمد الماغوط» الذي كان السبَّاق إلى قصيدة النثر، زمن جميل وخالٍ من العقد والأمراض الثقافية، زمن متفهم للأنواع ولطبيعة مرحلته، لأنه قبل كل شيء يضجُّ بالغضب وحمى التغيير الاجتماعي قبل الإغراق في التنظير لأدوار الثقافة وحاجات المثقفين، قبل ازدراء الثقافة الشعبية، واحتقار الفلكلور وتسييحه، وقبل بكثير من امتهان الأغنية وتحويلها إلى بورنوغرافيا. على الأقل هكذا يمكنني أن أرى مسرحاً بكل هذه النضارة، مسرحاً مازال يكرر نبضه، فقط لأن «الماغوط» كان يعرف أن زمناً طويلاً سيمرُّ قبل أن نعلن تجربتنا البليغة في جسم الجمهور، وقبل أن نُقدِّم مسرحاً بكل هذه الرداءة بحجة أننا نجرب، لكن ما يحدث أن أغلب المسرحيين السوريين وبعد التجربة الكبيرة التي قدمها الفنان «أسعد فضة» مع كل من «فواز الساجر وسعد الله ونوس» أصبحوا يجربون في الجمهور أكثر مما يجربون له، هذا إذا ما اعتبرنا أنه تحت مسمى التجريب يمكن تقديم كل شيء من التمثيل، انتهاءً بالرقص المسرحي الذي تحوَّل في أيامنا هذه إلى نوع رخيص من الفرق السياحية الراقصة القادرة على تقديم ملاحم تاريخية وهمية ليس فيها من الملحمة سوى اسمها، وفي أحسن الأحوال تذكرني بجزَّار أطلق على ملحمته هكذا ولسببٍ غامض اسم "ملحمة جلجامش"!.
Working...
X