Announcement

Collapse
No announcement yet.

مسرح العمال.. صورة مؤلمة لمسرحية اسمها الإنتاج - فرحان بلبل - تهامة الجندي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مسرح العمال.. صورة مؤلمة لمسرحية اسمها الإنتاج - فرحان بلبل - تهامة الجندي

    مسرح العمال.. صورة مؤلمة لمسرحية اسمها الإنتاج

    يقول الكاتب والمخرج المسرحي «فرحان بلبل» في حوار أجرته معه الزميلة “تهامة الجندي” لجريدة الكفاح العربي بتاريخ 12/8/2002 “إذا قلنا أن ما حدث في المسرح العمالي تراجع، فإننا لا نستخدم الوصف المناسب؛ بل يمكن القول إن ما حصل فيه هو سقوط وافتقاد هوية، وقد بدأ هذا السقوط والافتقاد للهوية منذ أن أخذت الطبقة العاملة تفقد الكثير من خصائصها وطموحاتها، فعندما بدأت تخرج عن موقع القوة السياسية والاقتصادية؛ لم تعد قادرة على إبراز وحماية المسرح المعبر عنها، وأصبح المسرح العمالي مجرد زينة في المناسبات الوطنية، وصار اتحاد كل محافظة يلملم كل عام مجموعة من الأشخاص لايعرفون عن المسرح شيئاً، ولا يمتلكون أية رؤية فنية أو فكرية، فيقدمون عملاً مسرحياً ما، من هنا فقد المسرح العمالي موقعه وخصائصه ودوره فصار شيئاً مهملاً في المسرح السوري.”

    هذا الكلام الذي قاله الأب الروحي للمسرح العمالي في سورية لا يمكن إلا أن نأخذ به اليوم بعد مضي ثماني سنوات على هذا الطرح، فبعد ما يقرب السبع وثلاثين سنة على تأسيس فرقة مسرح عمال حمص عام 1973، سيلاحظ المتابع لهذه الظاهرة الفنية الاجتماعية أن شيئاً لم يتغير فيها، ماعدا تلك الأحلام الكبيرة التي حملها عمال الغزل والنسيج والكونسروة من خطوط الإنتاج إلى مسارح المحافظات والعاصمة السورية منتصف سبعينيات القرن الفائت، فكما تهدينا المراجع القليلة إلى صدى هذا النوع من التكتل الثقافي بمعناه الإنتاجي لا بمعناه الإبداعي؛ سنقرأ العديد من المقالات حول تلك الأيام الخوالي من تاريخ المسرح السوري ورحلات فرقة عمال حمص إلى أقاصي البلاد لتقديم المسرح في حقول رميلان والجبسي، إذ كان مسرح العمال حينذاك يرفع شعاراته العريضة كمسرح للبسطاء وعامة الناس، في وجه (مسرح برجوازي قميء) لا يعترف بحق
    الجماهير الكادحة بالدخول إلى صالات العرض ومشاركتها في ميادين الثقافة.

    الكلام كان يبدو فيه صدى الثورات الاجتماعية التحررية لعالم كان ينقسم وقتها بين: معسكر اشتراكي ينتصر لعرق عماله بشعاره ذائع الصيت : "من لا يعمل لا يأكل"، ومعسكر للرأسمالية الغربية بشعار أدقُّ رقبة "دعه يعمل دعه يمر"، بين هذا وذاك، وبين أطروحات اقتصادية عالمية طورت عملها، وانفتحت على نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي، وحيص وبيص دول العالم الثالث في الانغلاق على اقتصادياتها الفاسدة، مع إيجاد دور جديد للدولة بالإشراف على القطاع العام، أو (خصخصته) من جهة، وبين تسلط طغمة مال المال مع تأسيس الصندوق والبنك الدوليين، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وظهور الشركات المتعددة الجنسية تسعينيات القرن العشرين من جهةٍ أخرى؛ يمكننا العودة إلى كلام "فرحان بلبل" بخروج الطبقة العاملة من مراكز القوة الاقتصادية والسياسية، فمع هذا الخروج الأليم لا يمكن إلا أن ننظر إلى مسرح حوّل الخشبة إلى قطعة حنين لمجتمع الرفاه والدعة، مسرح خارج التاريخ لم ينتبه إلى ماحدث خلال مايقارب أربعين سنة مرت بها البشرية من عواصف اجتماعية واقتصادية إلى أن وصلت إلى اقتصاد المعرفة والمعلومات، مسرح خالي الوفاض، يقدم استظهارات لنصوص عالمية معظمها مترجم بشكل سيِّئ، مسرح تعامل فيما سبق مع الواقعية الإبسنية والتغريب البريختي من منطق التفوه، والتشاوف بمعرفة العناوين العريضة للنظرية المسرحية- طبعاً بقي مسرح العمال في سورية يُشكِّل ظاهرة اجتماعية، كغيره من الظواهر التي تبدأ بهيصة كبيرة ثم تندثر وتنتهي إلى مقاعد وآلات باردة- ثم ماذا..؟ هل يكفي أن نتفرج على فرق المسرح العمالي التي جاءت من محافظاتها البعيدة لتشارك في مسرح يستمر من حلاوة الروح، ومن رغبة نقابية محضة لاستعراض الإنتاج الميكانيكي للمسرح على أنه جهد إبداعي لواقع صناعي مزيف؟

    ثم أين جمهور هذا المسرح الذي يشبه حال آلاته وخساراتها غير المعلنة..؟ ربما كان الشرف لمسرح العمال هذا أنه قدم عروضه التعيسة في الوقت الذي تغيب فيه عروض مديرية المسارح في عزِّ ريبرتوار المسرح القومي، وإذا كان المسرح العمالي يعاني من ظروفه القاسية التي مازالت تبحث على أيدي منظِّري الاقتصاد عن نظرية تنقل القطاع العام من دعم الدولة إلى حضن القطاع الخاص، بيرسترويكا تعيد بناء الاقتصاد بدور مختلف للدولة وإشرافها المباشر أو غير المباشر، فإنني لا أتوقع من شرائح اجتماعية عريضة كانت تحلم بتحقيق بطولات الإنتاج المادي أن تظفر ببطولات في الإبداع الثقافي، باختصار الركون إلى مسرح تلجأ إليه للتعبير عن همومها بلا أي تعالٍ على الجمهور، أو تستسلم بترك النخبة للاستئثار بفن المسرح (كما كان يوصف آنذاك منظِّرو الحركة المسرحية بأن مسرح العمال يناصب العداء للمسرح التجاري الرخيص).
    من الواضح عبر عدة عروض شاهدتها لمسرح العمال أن لاشيء يمكن الحديث عنه بتوصيف يُفنِّد هذه العروض نقدياً عرضاً تلو آخر، فهذا سيزيد غثاثة تلك المسرحيات غثاثة، ويزيد من وهم أناس طيبي القلوب بأنهم (يمسرحون واقع الجماهير وتطلعاتها)، بل أرى أنه عليّ النظر بشمولية إلى الأسباب التاريخية التي صنعت هذه الظاهرة كنتاج اجتماعي وثقافي، الظرف التاريخي الذي جعل من هؤلاء الهواة مجرد مادة أدبية في النوستالجيا، إذ يبدو أن هناك من يغرر بهؤلاء، ويدفعهم بسوء أو بحسن نية ليكونوا مجرد إكسسوارات لأشكال فنية ميتة ربما لا تمت إلى فن المسرح بقدر ما تعطي صورة توثيقية لواقع الحال، الفشل الذي لا يمثلونه، بل يعيشونه على الخشبة بكل صدق من خلال استظهار نصوص مقعَّرة ذات ترجمة سيئة عن سلسلة المسرح العالمي، وسواها.

    من هنا يتوضَّح للجميع حجم الكارثة التي تعانيها طبقة لم تبلغ بعد عن مصيرها المحتمل، مصيرها المتروك لأسواق بضاعتهم التي يزداد تحريرها أمام أسواق عملاقة لا طائل من مجابهتها، فيما يطالب هؤلاء الشغيلة بمسرح فصيح من ألفه ليائه، مسرح يكظم غيظهم تاركاً لهم صدأ الآلة التي بذلوا من أجلها الرخيص والغالي.

    بالنظر إلى التجارب المشابهة في العالم لمسرح العمال السوري، سيجد أن «تينسي وليامز» وقف بمسرحياته ضد النظام الرأسمالي الناهض في أميركا، واستطاع " قطة على صفيح ساخن" و"عربة ترام اسمها الرغبة" أن تفضح سدنة الكساد الكبير لمعامل أميركا، لكن الثورة الفرنسية ومسرحها الرومانسي خذلتا العمال والفلاحين الذين نادوا بها وضحُّوا من أجلها بعد أن تعرَّض هؤلاء لمذبحة كبرى بباريس عام1879.

    بدوره حارب «بريخت» نظام رأس المال بتقديم المعادل الموضوعي للتاريخ من خلال مسرحه الملحمي، ووقف «بيكيت» بلا جدواه ومسرح اللامعقول في وجه دناءة الإنسان ووحشيته بعد الحرب العالمية الثانية، لقد عكس مسرح الكاتب الإيرلندي الذي لا يحدث فيه شيء "في انتظار غودو" مرحلة هامة من مراحل ضياع البهجة البشرية بعد ملايين من قتلى الحرب.

    بدوره ظل مسرح العمال لدينا مجرد صورة طبق الأصل عن النظرية المسرحية التي كوَّنته، أعني البقاء في النص الأدبي لا يطرأ عليه أي تعديل بعد صعوده إلى الخشبة، مثله مثل مسارح المنظمات، كمسرح الشبيبة والطلائع، و الاتحاد الوطني لطلبة سورية، جميع هذه المسارح شكلت وما تزال مستحاثات ثقافية لطرائق تفكير بائدة، إذ لم تبدل شيئاً من صيغها التجشُّؤية، مجرد صراخ تتصادى فيه هتافات ممجوجة لحيوات اجتماعية وأضرحة عقائدية متفسخة بفعل الفساد والدوغمائية الأليمة.
    لكن أكثر العمال المسرحيين لا يعلمون...
    س. ا

Working...
X