إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنان المبدع تيسير السعدي يروي ذكرياته عن المسـرح - بديع منير صنيج

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان المبدع تيسير السعدي يروي ذكرياته عن المسـرح - بديع منير صنيج

    الفنان المبدع تيسير السعدي
    يروي ذكرياته عن المسـرح


    حظي الفنان "تيسير السعدي" ببداية مسرحية مميزة؛ حين مثّل أول أدواره -وهو ما يزال طالباً في المرحلة الإعدادية بمدرسة "اللاييك"- أمام الممثل الفرنسي الرفيع "جان أوليفييه" في تراجيديا "أوديب" لسوفوكليس؛ مجسداً أحد أبناء الملكة "جوكاستا"، وكان مندهشاً من الأداء العالي للممثلين الفرنسيين لدرجة أنه نسي دوره تماماً بعد إصغائه لأحد الممثلين يلقي أشعاراً بالفرنسية رغم عدم فهمه لمعناها، بحيث كان من المفترض أن يركع أمام ذاك الممثل عندما يقترب منه، لكن "السعدي" بقي ساكناً حتى أخرجه ذاك الممثل من سكونه هامساً له «اركع.. اركع» فأطاع.

    ولكن وقفته المسرحية تلك شكلت منعطفاً أساسياً في توجهه نحو الفن، حيث ساهم بعد حصوله على الثانوية بتشكيل العديد من الفرق المسرحية التي تقدم العروض الفنية ضمن الأحياء، وذلك تيمُّناً بما كان يفعله من سبقه إلى المسرح في دمشق من أمثال "عبد الوهاب أبو السعود" و"توفيق العطري" و"وصفي المالح" من خلال نشاطات نادي الكشاف الرياضي ونادي الفنون الجميلة، والتي كانت تقدم حفلات فنية كل يوم خميس، في دار شامية واسعة تتسع قاعتها لحوالي /300/ كرسي ،حيث يتم عرض فصول من المسرحيات المعروفة عالمياً كفصول من "هاملت" وأخرى من "هرناني"، وكان «السعدي» يشارك في بعضها، واللافت أنه كان يأتي لحضور تلك العروض أبرز زعماء الأحياء ووجهاء المدينة أمثال "خالد العظم" و"فخري البارودي"، وكان التنافس كبيراً بين تلك الفرق، فمرة كان نادي الفنون الجميلة يقدم تمثيلية من تأليف "أبو السعود" فصعد أعضاء فرقة منافسة إلى السطح حاملين الطناجر، وراحوا يطرقون عليها ويشوِّشون على العرض المسرحي، أما "سعيد الجزائري" الذي كان يعمل ملقِّناً في الفرقة، فقد انتظره أعضاء الفرقة المنافسة ونال علقة ساخنة، وهذا ما أثار استنكار فرقة نادي الفنون الجميلة، خاصة أن "الجزائري" ملقن جيد، رغم أنه كان (أحول) وهذا ما كان يُحدِث إرباكات على خشبة المسرح، إذ يحدث أنه كان ينظر إلى ممثل ويلقّن ممثلاً آخر.
    المميز في "تيسير السعدي" وتجربته المسرحية، أنه عاصر تطورات هذا الفن في سورية ابتداءً من خيال الظل (كراكوز وعيواظ)، وحتى آخر أشكال المسرح الحديث، لكنه ما يزال يعتبر أن خيال الظل من أعظم ما عايشه فنياً، لاسيما أن هذا الفن التراثي يحوي الكثير من القصص الجميلة التي اندثرت، لأن المشتغلين في هذا الفن كانوا يحفظون القصص غيباً في ذاكرتهم، ولا يدونونها، كما أنهم لا يعطونها لأحد غيرهم، ومن خلال هذا الفن شهد "السعدي" أحد الأشخاص الدمشقيين يموت من الضحك فعلاً، حيث إنَّ بداية العرض كانت عبر تقديم فصل مضحك أو ما كان يسمى بالغرزة حينها، ثم أتى فصل تمهيدي لمضمون القصة، واستمر المخايل في عرضه لمدة تزيد عن الساعتين، وأثناء العرض ألقى الكراكوزاتي نكتة فضحك الجمهور طويلاً، وأحد المشاهدين ظل يضحك حتى تشنج ومات، أما "السعدي" فيؤكد أنه كان يضحك وهو نائم حينما كان يتذكر مقطعاً من العرض الذي شاهده في منطقة (سوق ساروجة)، للكراكوزاتي "أبو صياح حبيب" أو "علي حبيب".
    وعلى ما يبدو أن دمشق كانت تشهد نهضة مسرحية متميزة أربعينيات القرن الماضي، حيث كانت تضمُّ حينها سبعة مسارح منها مسرح "العباسية" ومسرح "الأمبير" ومسرح "البللور" ومسرح "الهامبرا"، الذي كان يعمل فيه رائد السينما السورية «نزيه الشهبندر»، كما أن العروض كانت عديدة ومميزة، وأهمها بالنسبة «للسعدي» هي مسرحية "مجنون ليلى" «لأحمد شوقي»، والتي يعتبر تجسيده لدور "قيس" فيها من أفضل أدوار حياته، ويتذكر كيف أن رئيس الجمهورية آنذاك الشيخ "تاج الدين الحسيني" حضر هذا العرض، كما حضره المندوب السامي الفرنسي الجنرال "كاترو"، ولم يقف الموضوع عند ذلك، بل إن هذا العرض كان وراء سفر "السعدي" إلى القاهرة لدراسة الفن بعد أن تحلَّق حوله المثقفون ومنهم "شكيب الجابري"، طالبين منه السفر لتعلم فن التمثيل مع استعدادهم للتعاون من أجل تكاليف دراسته.
    وهناك مسرحية أخرى كان لها وقعها الخاص في حياة "تيسير" الفنية هي مسرحية "جريمة الآباء"، والتي تمت بجهود فردية خالصة، حيث قام مع بعض أصدقائه الفنانين باستئجار غرفة في منطقة "البحصة" من أجل التدريبات، وكل منهم جاء بكرسي من بيته، وبعد اكتمال عناصر العرض كان الفنان "أنور المرابط" يأخذ هذه الفرقة إلى الأرياف لتقدم مسرحيتها في القرى والبلدات، وذات صيف جاءهم قائلاً: «ما رأيكم لو ذهبتم معي وقدمنا عروضنا في لبنان وكسبنا مالاً كثيراً بدلاً من عملكم في محلات سوق الحميدية؟»، وهذا ما حصل عندما بدؤوا تقديم عروضهم في النبطية بعد أن قام "المرابط" بالترويج لقدومهم على نطاق واسع عن طريق الإعلانات وبواسطة المنادي الذي يدور في البلدة وهو يصيح «الليلة ولا كل ليلة، عا الفرقة الشامية»، بحيث أن «المرابط» أوهَمَ الجميع أنه سيحضر فرقة مؤلفة من عشرين فناناً، فإذا بهم يصلون اثنين فقط وأدُّوا جميع الأدوار النسائية والرجالية معاً.
    هذا ما يحصل عندما يكون الفنان عاشقاً لفنه، فـ«السعدي» عندما يتهيأ لحضور مسرحية ما، فإن قلبه ينبض بسرعة كبيرة ويلهث ويضطرب ولا يعرف ماذا ينتابه كعاشق يتحضر للقاء حبيبته، أما حينما يكون ممثلاً، فإنه ينسى نفسه تماماً، حتى في البروفات، ويتذكر ابن الاثنين والتسعين عاماً في حوار الفن والحياة الذي أجراه معه الكاتب "وفيق يوسف" أنه حينما كان يحضر البروفات مع "ممتاز الركابي"، وهما يقرآن النص على الطاولة، كانا ينسيان نفسيهما ويصعدان على الطاولة ويمثلا الدور معاً.
    بديع منير صنيج


يعمل...
X