إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من هو الأديب وما هو الأدب نصر الدين البحرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من هو الأديب وما هو الأدب نصر الدين البحرة

    من هو الأديب وما هو الأدب نصر الدين البحرة

    كتب موليير «1622-1673» زهاء ثلاثين مسرحية، ولكن أشهرها هي البورجوازي الشريف أو النبيل le bourjeois gentilhomme، يريد بطلها المسيو «جوردان» أن يلتحق بالطبقة الراقية، ولذلك فإنه يوظف أساتذة يعرِّفونه بتقاليدها كأستاذ الموسيقا وأستاذ الرقص وأستاذ السيف وأستاذ اللغة. وهنا مكمن قصيدنا ذاك أن «جوردان» يطلب إلى اللغوي أن يُعرّفه بالأدب، فيقول هذا:الأدب قسمان شعر ونثر. ويسأل البورجوازي المتسلِّق عن الشعر، فيجيب اللغوي:كل ما هو ليس بنثر. وإذ يسأله عن النثر، يقول: كل ما هو ليس بشعر!؟
    تذكَّرتُ هذا الكلام عندما قرأت ما ذكرته صحيفة (الوطن) الدمشقية في 25/8/2009 على هامش مناقشة أطروحة دكتوراه بعنوان «الشخصية في أدب زكريا تامر» وقد أعاد ملحق الثورة في 15/9/2009 نشره، متوقِّفاً عند محطات مما قاله د. «نضال الصالح» في أثناء المناقشة، ولاسيما قوله: «مِن ضيق الأفق أن نتحدث عن أدب لدى زكريا تامر، ذلك أنه عُرِفَ قاصاً.. وليس أديباً »
    الأدب في تاج العروس
    والواقع أن هذه العبارة استوقفتني مليِّاً، فهل صحيح أن كاتب القصة – كجنس أدبي – ليس أديباً؟ أنا سأخوض خوض هذا الغمار، لا... دفاعاً عن نفسي – ولي ست مجموعات قصصية مطبوعة، وقد كتبت الشعر العمودي وقصيدة النثر والمسرحية والنقد الأدبي – بل دفاعاً عن الأدب ذاته /من أن يُحشَر في زاوية ضيقة.
    وعلى سبيل الاستئناس اللغوي، فقد عُدت إلى واحد من أكبر القواميس الوافية وأهمها وهو « تاج العروس» للسيد «محمد مرتضى الحسيني الزبيدي» – طبعة الكويت 1966 – الجزء الثاني، قد وردت فيه تعريفات كثيرة للأدب، منها ما يبدو بعيداً جداً عن المفهوم النوعي للأدب كالقول:الأدب الذي يتأدَّب به الأديب من الناس. وعن «الجواليقي»:الأدب في اللغة هو حسن الأخلاق، وفعل المكارم، وإطلاقه على علوم العربية مولّد حدث في الإسلام».
    ابن قتيبه: فن الشعر وفن الكتابة
    أما «ابن قتيبة ضياء الدين بن الأثير»:558-637 = 1163-1239م « وهو الذي استشهد بكتابه «ابن خلدون»: «أدب الكاتب» فعَدَّهُ أحد أربعة كتب لا أهم منها:الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي علي القالي، فإن الدكتور «بدوي طبانة» في المجلد الثاني من «تراث الإنسانية « يُقدِّمه كالتالي:"كان الذين عّدوا (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر)كتاب أدب على حق، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام دراسة خصبة، في صناعة الأدب وفي أشهر فنونه، وهي: فن الشعر وفن الكتابة، وقرؤوا فيه أصولاً للأدب تجمع صفاته وتوضح خصائصه، وإشارات إلى عدد كبير من الأدباء الذين عرفهم التاريخ الأدبي، ونصوصاً من المنثور والمنظوم، تمثل عصوره المختلفة».
    إذاً نحن هنا أمام واحد من أهم الاعترافات بأن الأدب يشمل الشعر والنثر وفنوناً أدبية أخرى، وإن حديث أستاذ اللغة عند موليير ليؤكد أن الأمر واحد في الشرق والغرب.
    ابن خلدون:الإجادة في المنظوم والمنثور
    على كلِّ حال فإن «ابن خلدون» «732-784 هـ = 1332-1382 م» نظر إلى الأدب على أنه علم، فقال في المقدمة ص 703 وما بعد: هذا العلم لا موضوع له يُنَظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته وهي الإجادة في فنيّْ المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، ويستطرد «ابن خلدون» في هذا الكلام، ليبلغ حدَّاً يخلط فيه بين الأدب والثقافة، قائلاً: ثم أنهم إذا أرادوا حدَّ هذا الفن قالوا:الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها، والأخذ من كلِّ علم بطرف:وهذه العبارة الأخيرة تشير بالتأكيد، إلى مفهوم الثقافة:الأخذ من كلِّ علم بطرف.
    وإذا كان «ابن خلدون» من كبار المثقفين العرب في مختلف عصورهم – مثله مثل الجاحظ والتوحيدي – فإن شهادته هذه تمثل أهميةً استثنائيةً خاصةً، في وضع النقاط على الحروف في مفهوم الأدب، بالمعنى الواسع العريض.
    حنا عبود... والقول الفصل
    وهذا «إبراهيم اليازجي» «1263- 1324 هـ = 1847-1906م» ابن الأسرة الحمصية التي هاجر بعضها إلى لبنان، يقترب مختزلاً مختصراً من مفهوم «ابن خلدون» للأدب، فهو يقول في «نجعة الرائد وشرعة الوارد» كتابه المطبوع في مطبعة المعارف بالقاهرة سنة 1904، في الجزء الثاني ص6 تحت عنوان «في الأدب يقال فلان أديب فاضل بارع، متفنن، غزير الأدب»... إلى أن يقول: «وإنه لكاتب مجيد وشاعر بليغ».
    على أن القول الفصل، الحديث والمعاصر، للناقد السوري الكبير «حنا عبود» في كتابه المتميز الجميل «فصول في علم الاقتصاد الأدبي»، وقد صدر في منشورات اتحاد الكتَّاب العرب بدمشق عام 1997. إنه يؤكد بادئ ذي بدء أن «أجمل مخلوق أبدعته البشرية هو الأدب». وبعد أن يشير إلى صعوبة تحديده، لأنه «ينفر مثل غزلان البوادي أو عصم الجبال»، وينتهي إلى أنه سيعمد «إلى اختيار تعريف فضفاض يتَّفق عليه الشرق والغرب والشمال والجنوب، وهو أن الأدب عبارة عن الكتابة الفنية في الشعر والنثر».
    الأدب في عصر الكتابة
    ثمَّ يستطرد الأستاذ «عبود»، مشيراً إلى التوسع – ربما المبالغ فيه – في استعمال كلمة:«أدب» فيقول: «بما أننا في عصر الكتابة فقد ارتبط الأدب في ذهننا بكلِّ ما هو مكتوب، ففي الغرب تطلق كلمة أدب حتى على النشرة المرفقة مع الدواء والتي ترشد الشاري إلى طريقة الاستعمال – brochure - وهذا يشبه ما شاع عندنا عن الأدب، وهو الأخذ من كلِّ علم بطرف» يُذكِّرنا الأستاذ «عبود» بتعريف «ابن خلدون» الموسَّع ثمَّ يقف «حنا عبود» متحفِّظاً جداً أمام التعريف الفضفاض، فيرى أننا «لو أخذنا بهذا التعريف:الكتابة الفنية في الشعر والنثر، لرأينا أنفسنا نُقِّرُ للفلسفة والسياسة وعلى الاجتماع والتاريخ والجغرافيا، بأنَّها تدخل تحت مظلة الأدب، «ثمَّ يستأنف الحديث عن الكتابة الفنية، فيرى أن التعريف بها، هو بّراني، فالفنية هنا هي تلك القشرة الخارجية التي تبدو على الكتابة.
    كتابات فنية ليست أدباً
    وقبل أن ينتقل إلى الحديث عن «الأدب الأدب» كما كان يقول أحد النقاد، يضيف إلى عنصر الكتابة الفنية عنصراً آخر هو التأثير في النفس، ثمَّ يتحفَّظ من جديد إزاء «الكتابة الفنية « فهناك «كتابات فنية راقية جداً، ومع ذلك لا يجوز إقرارها كأدب، فقد قيل أن كتابات الفيلسوف الألماني عمانويل كانت تعتبر من أرقى الكتابات الفنية، على النقيض من كتابات هيغل السريعة والمتدفقة وهكذا «يجب ألا يدخل تحت مظلة الأدب إلا ما كان منسجماً مع الأدب الذي نعرفه ونحسه». واعتماداً على هذه الفكرة يرى الأستاذ «عبود» أن كتاب نيتشه «هكذا تكلم زرادشت» يدخل في باب الأدب، لأنه تغلغل إلى النفوس مثلما يتغلغل أي نص أدبي، وبقي تأثيره مستمراً، فهو لم يكن تأثيراً موجيَّاً ينتهي بانتهاء الموجة.
    الأعمال الأدبية والدعاية
    ويرفض «حنا عبود» بعض الأعمال الأدبية التي رأى أنها تقوم على الدعاية من أمثال روايتيّْ – الحرس الفتي والأوبكوم السري – وقد ظهرتا وأمثالهما في الاتحاد السوفييتي السابق، في أيام الحرب العالمية الثانية – أما الرواية الفرنسية الشهيرة «صمت البحر» وظهرت هي الأخرى في باريس أيام الحرب ذاتها – من تأليف فيركور – وهو اسم حركي سري – فقد قال إنَّها عمل شامخ لأن فيها أدباً حقيقياً، وهذه الأعمال جميعاً تدور حول محور واحد هو الحرب والمقاومة.
    وهو يعتقد بعد هذه الأمثلة أنها تقدم الفارق الكبير بين ما هو أدب وما هو خارج الأدب، فالأدب ليس المكتوب كتابة فنية وحسب، ذاك أن هذه الكتابة الفنية سرعان ما تنهار إن خلت من الأدب، ومهما كان مستواها الفني رفيعاً. والتأثير وحده لا يكفي، يجب أن يكون مستمراً. كل تأثير يشبه الموضة الدارجة لا ينتج أدباً. الأدب هو الأسطورة التي تعلو على الزمن وتمسك بالنفس في كلِّ حين. الأدب هو ما يخلد فقط.
يعمل...
X