عزيز والمفارقة الفنية
إذا انطلق ( عزيز علي ) من المفارقة الاجتماعية ، التي ترصد الواقع ، فهو قد تجاوزها إلى المفارقة الفنية ، التي تحور الواقع ، وتعيد تقديمه اعتماداً على الخيال ، والتلاعب الفني في اللوحة ، بحيث نحس بأن الجانب الفني في أعماله قد تطور من الشكل التسجيلي الأول ( إلى اللغة الفنية الكاريكاتيرية ) المتميزة ، التي ارتبطت بالموقف الاجتماعي فأعطت لعمله العمق الفني الضروري .
إن ( عزيز علي ) ينطلق من الصيغ الفنية التسجيلية للحادثة ، ومن تكرار المشهد ليعطي الفكرة ، عبر سلسلة من الرسوم المتتالية أحياناً ، وهو يعتمد على ( المفارقة الواقعية ) التي تحولت إلى ( تناقض اجتماعي ) في أفضل صورها ، ولكنه تطور في رسوم أخرى ، من المفارقة الفنية التي تعتمد على تناقض في الرسوم ، وليس في الوقع ، فهو يحور بعض الصيغ الفنية الحديثة التي لجأ إليها كثير من الفنانين ، ليقدموا الكاريكاتير الذي لا يعتمد على مفارقة واقعية بل مفارقة اللغة التي تتحدث عن الواقع .
نرى مثلاً في المسرح الانتقادي ، التلاعب بالألفاظ ليضحك المشاهد ، أو التلاعب بالحركات ، ونراه في الفن التشكيلي كشكل من تصوير الأشياء على نحو يتناقض طبيعتها لتصبح مضحكة أو مستحيلة ، كأن نرسم الكرسي الذي لا يمكن الجلوس عليه ، أو المكواة التي غرست فيها المسامير التي لا تمكنها من أداء مهمتها الأساسية ، وهكذا ...
وقد استفاد ( عزيز علي ) من هذه المفارقة الفنية ، وطورها ليعبر من خلالها عما يريد ، فهو يقدم لنا المنحر الذي يربط الكرسي بحبل كي ينتحر عندما يصل العقرب إلى الساعة الثانية عشرة ، وهو يقدم لنا المقص الذي وضعت عليه قطع المعدن التي تمنعه من القص ،÷ أو من أداء مهمته ، والأصلع الذي يحفر رأسه بفأس و يدل على يباسة الرأس ، وهكذا إن المفارقة في كثير من هذه الرسوم التي تقدم لنا تعتمد على تحوير الرسم و التعبير الفني ، وهو يطور ذلك الأسلوب تدريجياً حتى يصل إلى ( المضمون ) ، أو المعنى الذي يريده .في الشكل البسيط من التعبير نرى الحذاء النسائي قد تضخم و وقف رجل تحته ، أو نرى سائق سيارة قد استبدل أضواء سيارته مستخدماً الشموع ، وهكذا .
لكن هذه المفارقة الفنية حين توظف اجتماعياً وتتحول من مجرد الشكل الغريب للتعبير الفني ، إلى الشكل الموظف اجتماعياً وسياسياً ، نحس بأن ( عزيز علي ) يعكس الشكل الأكثر ارتباطاً بشخصيته ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة التي توضح ما ذهبنا إليه .
في عام ( 1977 ) يرسم ( عزيز علي ) شخصاً قد تحول إلى مقعد ، أن الشخص والمقعد قد أصبحا شيئاً واحداً ، لهذا يرسمه قاعداً أ واقفاً وقد حمل مقعده معه ، وهذه المفارقة فنية محضة ، لأنها تتضمن التحوير للواقع بلغة فنية حديثة فالإنسان لا يمكن أن يتحول إلى مقعد بالمعنى الحقيقي للفن ، ولكن تحويره يجب ِأن يهدف إلى التعبير عن فكرة هامة تجعله مقعداً وإنساناً ... في نفس الوقت ، و قد عكست لوحة عزيز علي التي تحول الإنسان فيها إلى مقعد عام ( 1977 ) الفكرة في بدايتها ، وفي شكلها الفني ، مجرد مفارقة فنية ، ولا تحمل المضمون الاجتماعي ، لكنه حين رسم الشخص وقد تحول إلى مقعد ، وقدم لنا في هذه نفس شخصية الإنسان الغني الذي تحدثنا عنه ، نحنا هنا أمام مفارقة جديدة ، أصبح الكرسي فيها يعني شيئاً مختلفاً عن التحول الأول الذي عرفناه لقد أصبح الكرسي ( يعني المنصب ) وبالتالي فالشخص التافه هو الشخص الذي تحول إلى منصب ، لهذا لم يعد إنساناً أصبح القسم الأول منه مستغلاً والقسم الثاني منصباً ، وهكذا أعطى لعمله البعد الاجتماعي الانتقادي وهذا نرى في كثير من رسومه أشخاص بلا رأس ، أو أشخاص وقد تحولت رؤوسهم ، وهنا نحس بالمفارقة الكاريكاتيرية الفنية، التي تدمج بين شيء وإنسان وبين رأس حيوان وإنسان ، مما كان يستخدمه الفنانون القدماء في الحضارات القديمة حين يرسمون الآلهة ... وهم يقصدون من عملية التحوير والاستبدال هدفاً أساسياً هو إيجاد نموذج أكثر قوة وبأساً أو أكثر تأثيراً .
فإذا تحول رأس شخص إلى ( مكريفون ) ، أو تحول وجه شخص آخر ( مكبر صوت ) ، فهذا يعني أن الإنسان قد أصبح مجرد مكريفون يذيع ما يلي عليه ، وآخر أصبح مجرد مكبر صوت يضخم ما يقال فيه دون أي فاعلية ... وهكذا إن في أعمال ( عزيز علي ) الكثير من الاعتماد على المفارقات الفنية ، التي تبدو لنا على أنها ذات شقين ، أحدهما يعتمد على المفارقة المحضة المضحكة لغرابتها ولا معقوليتها ، كأن يصبح المجداف الذي يجدف به الإنسان عبارة عن ( شوكة طعام ) أو يتحول ملعب كرة قدم إلى ( تلفزيون ) أو ( جدار ) أو تتبدل المدفأة لتصبح ( عشاً لحمام ) ، أو تصبح المدفأة ( تلفزيوناً ) ، أو يصبح حارس المرمى عبارة عن ( فزاعة ) ، وتتحول لمبة الكهرباء إلى ( شمعة ) وهكذا نحس أن هذا الإسلوب قد أعطى لعزيز علي قدرة على التعبير الفني لا محدودة ، لكن بعض هذه التحويرات حين ترتبط بمضمون اجتماعي أو نقدي فهي تتجاوز الصياغة الفنية التحضيرية إلى لغة متميزة ، تحمل هدفاً .
ولا يتميز ( عزيز علي ) بالقدرة على استخدام أسلوب التحوير الذي اعتبرناه من أهم خصائص تجاربه الكاريكاتيرية لكنه يضيف إلى ذلك كله ، عملية تبسيط و الاختزال للأشكال ، وعملية الرمز أحياناً ، ويربط هذه بتلك ، زهكذا نكتشف أن أروع أعماله ما تشابك فيه التعبير المبسط المعبر المختزل ، الذي يغني عن الشروح ، والذي يرمز فيه لما يريد ويحور فيه الأشكال ويستعير بعض التحويرات الفنية ، ليوظف ذلك غي خدمة المضمون الاجتماعي ، كما تحدثنا ، وفد وصل إلى أعمق أعماله قدرة على التعبير حين بدأ يعالج المواضيع السياسية الملحة التي أحكسبته قدرة كبيرة وجعلته فناناً كاريكاتيرياً له أسلوبه المتميز .
إن ( عزيز علي ) ينطلق من الصيغ الفنية التسجيلية للحادثة ، ومن تكرار المشهد ليعطي الفكرة ، عبر سلسلة من الرسوم المتتالية أحياناً ، وهو يعتمد على ( المفارقة الواقعية ) التي تحولت إلى ( تناقض اجتماعي ) في أفضل صورها ، ولكنه تطور في رسوم أخرى ، من المفارقة الفنية التي تعتمد على تناقض في الرسوم ، وليس في الوقع ، فهو يحور بعض الصيغ الفنية الحديثة التي لجأ إليها كثير من الفنانين ، ليقدموا الكاريكاتير الذي لا يعتمد على مفارقة واقعية بل مفارقة اللغة التي تتحدث عن الواقع .
نرى مثلاً في المسرح الانتقادي ، التلاعب بالألفاظ ليضحك المشاهد ، أو التلاعب بالحركات ، ونراه في الفن التشكيلي كشكل من تصوير الأشياء على نحو يتناقض طبيعتها لتصبح مضحكة أو مستحيلة ، كأن نرسم الكرسي الذي لا يمكن الجلوس عليه ، أو المكواة التي غرست فيها المسامير التي لا تمكنها من أداء مهمتها الأساسية ، وهكذا ...
وقد استفاد ( عزيز علي ) من هذه المفارقة الفنية ، وطورها ليعبر من خلالها عما يريد ، فهو يقدم لنا المنحر الذي يربط الكرسي بحبل كي ينتحر عندما يصل العقرب إلى الساعة الثانية عشرة ، وهو يقدم لنا المقص الذي وضعت عليه قطع المعدن التي تمنعه من القص ،÷ أو من أداء مهمته ، والأصلع الذي يحفر رأسه بفأس و يدل على يباسة الرأس ، وهكذا إن المفارقة في كثير من هذه الرسوم التي تقدم لنا تعتمد على تحوير الرسم و التعبير الفني ، وهو يطور ذلك الأسلوب تدريجياً حتى يصل إلى ( المضمون ) ، أو المعنى الذي يريده .في الشكل البسيط من التعبير نرى الحذاء النسائي قد تضخم و وقف رجل تحته ، أو نرى سائق سيارة قد استبدل أضواء سيارته مستخدماً الشموع ، وهكذا .
لكن هذه المفارقة الفنية حين توظف اجتماعياً وتتحول من مجرد الشكل الغريب للتعبير الفني ، إلى الشكل الموظف اجتماعياً وسياسياً ، نحس بأن ( عزيز علي ) يعكس الشكل الأكثر ارتباطاً بشخصيته ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة التي توضح ما ذهبنا إليه .
في عام ( 1977 ) يرسم ( عزيز علي ) شخصاً قد تحول إلى مقعد ، أن الشخص والمقعد قد أصبحا شيئاً واحداً ، لهذا يرسمه قاعداً أ واقفاً وقد حمل مقعده معه ، وهذه المفارقة فنية محضة ، لأنها تتضمن التحوير للواقع بلغة فنية حديثة فالإنسان لا يمكن أن يتحول إلى مقعد بالمعنى الحقيقي للفن ، ولكن تحويره يجب ِأن يهدف إلى التعبير عن فكرة هامة تجعله مقعداً وإنساناً ... في نفس الوقت ، و قد عكست لوحة عزيز علي التي تحول الإنسان فيها إلى مقعد عام ( 1977 ) الفكرة في بدايتها ، وفي شكلها الفني ، مجرد مفارقة فنية ، ولا تحمل المضمون الاجتماعي ، لكنه حين رسم الشخص وقد تحول إلى مقعد ، وقدم لنا في هذه نفس شخصية الإنسان الغني الذي تحدثنا عنه ، نحنا هنا أمام مفارقة جديدة ، أصبح الكرسي فيها يعني شيئاً مختلفاً عن التحول الأول الذي عرفناه لقد أصبح الكرسي ( يعني المنصب ) وبالتالي فالشخص التافه هو الشخص الذي تحول إلى منصب ، لهذا لم يعد إنساناً أصبح القسم الأول منه مستغلاً والقسم الثاني منصباً ، وهكذا أعطى لعمله البعد الاجتماعي الانتقادي وهذا نرى في كثير من رسومه أشخاص بلا رأس ، أو أشخاص وقد تحولت رؤوسهم ، وهنا نحس بالمفارقة الكاريكاتيرية الفنية، التي تدمج بين شيء وإنسان وبين رأس حيوان وإنسان ، مما كان يستخدمه الفنانون القدماء في الحضارات القديمة حين يرسمون الآلهة ... وهم يقصدون من عملية التحوير والاستبدال هدفاً أساسياً هو إيجاد نموذج أكثر قوة وبأساً أو أكثر تأثيراً .
فإذا تحول رأس شخص إلى ( مكريفون ) ، أو تحول وجه شخص آخر ( مكبر صوت ) ، فهذا يعني أن الإنسان قد أصبح مجرد مكريفون يذيع ما يلي عليه ، وآخر أصبح مجرد مكبر صوت يضخم ما يقال فيه دون أي فاعلية ... وهكذا إن في أعمال ( عزيز علي ) الكثير من الاعتماد على المفارقات الفنية ، التي تبدو لنا على أنها ذات شقين ، أحدهما يعتمد على المفارقة المحضة المضحكة لغرابتها ولا معقوليتها ، كأن يصبح المجداف الذي يجدف به الإنسان عبارة عن ( شوكة طعام ) أو يتحول ملعب كرة قدم إلى ( تلفزيون ) أو ( جدار ) أو تتبدل المدفأة لتصبح ( عشاً لحمام ) ، أو تصبح المدفأة ( تلفزيوناً ) ، أو يصبح حارس المرمى عبارة عن ( فزاعة ) ، وتتحول لمبة الكهرباء إلى ( شمعة ) وهكذا نحس أن هذا الإسلوب قد أعطى لعزيز علي قدرة على التعبير الفني لا محدودة ، لكن بعض هذه التحويرات حين ترتبط بمضمون اجتماعي أو نقدي فهي تتجاوز الصياغة الفنية التحضيرية إلى لغة متميزة ، تحمل هدفاً .
ولا يتميز ( عزيز علي ) بالقدرة على استخدام أسلوب التحوير الذي اعتبرناه من أهم خصائص تجاربه الكاريكاتيرية لكنه يضيف إلى ذلك كله ، عملية تبسيط و الاختزال للأشكال ، وعملية الرمز أحياناً ، ويربط هذه بتلك ، زهكذا نكتشف أن أروع أعماله ما تشابك فيه التعبير المبسط المعبر المختزل ، الذي يغني عن الشروح ، والذي يرمز فيه لما يريد ويحور فيه الأشكال ويستعير بعض التحويرات الفنية ، ليوظف ذلك غي خدمة المضمون الاجتماعي ، كما تحدثنا ، وفد وصل إلى أعمق أعماله قدرة على التعبير حين بدأ يعالج المواضيع السياسية الملحة التي أحكسبته قدرة كبيرة وجعلته فناناً كاريكاتيرياً له أسلوبه المتميز .
تعليق