إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عزيز علي والمفارقة الفنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عزيز علي والمفارقة الفنية

    عزيز والمفارقة الفنية
    إذا انطلق ( عزيز علي ) من المفارقة الاجتماعية ، التي ترصد الواقع ، فهو قد تجاوزها إلى المفارقة الفنية ، التي تحور الواقع ، وتعيد تقديمه اعتماداً على الخيال ، والتلاعب الفني في اللوحة ، بحيث نحس بأن الجانب الفني في أعماله قد تطور من الشكل التسجيلي الأول ( إلى اللغة الفنية الكاريكاتيرية ) المتميزة ، التي ارتبطت بالموقف الاجتماعي فأعطت لعمله العمق الفني الضروري .
    إن ( عزيز علي ) ينطلق من الصيغ الفنية التسجيلية للحادثة ، ومن تكرار المشهد ليعطي الفكرة ، عبر سلسلة من الرسوم المتتالية أحياناً ، وهو يعتمد على ( المفارقة الواقعية ) التي تحولت إلى ( تناقض اجتماعي ) في أفضل صورها ، ولكنه تطور في رسوم أخرى ، من المفارقة الفنية التي تعتمد على تناقض في الرسوم ، وليس في الوقع ، فهو يحور بعض الصيغ الفنية الحديثة التي لجأ إليها كثير من الفنانين ، ليقدموا الكاريكاتير الذي لا يعتمد على مفارقة واقعية بل مفارقة اللغة التي تتحدث عن الواقع .
    نرى مثلاً في المسرح الانتقادي ، التلاعب بالألفاظ ليضحك المشاهد ، أو التلاعب بالحركات ، ونراه في الفن التشكيلي كشكل من تصوير الأشياء على نحو يتناقض طبيعتها لتصبح مضحكة أو مستحيلة ، كأن نرسم الكرسي الذي لا يمكن الجلوس عليه ، أو المكواة التي غرست فيها المسامير التي لا تمكنها من أداء مهمتها الأساسية ، وهكذا ...
    وقد استفاد ( عزيز علي ) من هذه المفارقة الفنية ، وطورها ليعبر من خلالها عما يريد ، فهو يقدم لنا المنحر الذي يربط الكرسي بحبل كي ينتحر عندما يصل العقرب إلى الساعة الثانية عشرة ، وهو يقدم لنا المقص الذي وضعت عليه قطع المعدن التي تمنعه من القص ،÷ أو من أداء مهمته ، والأصلع الذي يحفر رأسه بفأس و يدل على يباسة الرأس ، وهكذا إن المفارقة في كثير من هذه الرسوم التي تقدم لنا تعتمد على تحوير الرسم و التعبير الفني ، وهو يطور ذلك الأسلوب تدريجياً حتى يصل إلى ( المضمون ) ، أو المعنى الذي يريده .في الشكل البسيط من التعبير نرى الحذاء النسائي قد تضخم و وقف رجل تحته ، أو نرى سائق سيارة قد استبدل أضواء سيارته مستخدماً الشموع ، وهكذا .
    لكن هذه المفارقة الفنية حين توظف اجتماعياً وتتحول من مجرد الشكل الغريب للتعبير الفني ، إلى الشكل الموظف اجتماعياً وسياسياً ، نحس بأن ( عزيز علي ) يعكس الشكل الأكثر ارتباطاً بشخصيته ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة التي توضح ما ذهبنا إليه .
    في عام ( 1977 ) يرسم ( عزيز علي ) شخصاً قد تحول إلى مقعد ، أن الشخص والمقعد قد أصبحا شيئاً واحداً ، لهذا يرسمه قاعداً أ واقفاً وقد حمل مقعده معه ، وهذه المفارقة فنية محضة ، لأنها تتضمن التحوير للواقع بلغة فنية حديثة فالإنسان لا يمكن أن يتحول إلى مقعد بالمعنى الحقيقي للفن ، ولكن تحويره يجب ِأن يهدف إلى التعبير عن فكرة هامة تجعله مقعداً وإنساناً ... في نفس الوقت ، و قد عكست لوحة عزيز علي التي تحول الإنسان فيها إلى مقعد عام ( 1977 ) الفكرة في بدايتها ، وفي شكلها الفني ، مجرد مفارقة فنية ، ولا تحمل المضمون الاجتماعي ، لكنه حين رسم الشخص وقد تحول إلى مقعد ، وقدم لنا في هذه نفس شخصية الإنسان الغني الذي تحدثنا عنه ، نحنا هنا أمام مفارقة جديدة ، أصبح الكرسي فيها يعني شيئاً مختلفاً عن التحول الأول الذي عرفناه لقد أصبح الكرسي ( يعني المنصب ) وبالتالي فالشخص التافه هو الشخص الذي تحول إلى منصب ، لهذا لم يعد إنساناً أصبح القسم الأول منه مستغلاً والقسم الثاني منصباً ، وهكذا أعطى لعمله البعد الاجتماعي الانتقادي وهذا نرى في كثير من رسومه أشخاص بلا رأس ، أو أشخاص وقد تحولت رؤوسهم ، وهنا نحس بالمفارقة الكاريكاتيرية الفنية، التي تدمج بين شيء وإنسان وبين رأس حيوان وإنسان ، مما كان يستخدمه الفنانون القدماء في الحضارات القديمة حين يرسمون الآلهة ... وهم يقصدون من عملية التحوير والاستبدال هدفاً أساسياً هو إيجاد نموذج أكثر قوة وبأساً أو أكثر تأثيراً .
    فإذا تحول رأس شخص إلى ( مكريفون ) ، أو تحول وجه شخص آخر ( مكبر صوت ) ، فهذا يعني أن الإنسان قد أصبح مجرد مكريفون يذيع ما يلي عليه ، وآخر أصبح مجرد مكبر صوت يضخم ما يقال فيه دون أي فاعلية ... وهكذا إن في أعمال ( عزيز علي ) الكثير من الاعتماد على المفارقات الفنية ، التي تبدو لنا على أنها ذات شقين ، أحدهما يعتمد على المفارقة المحضة المضحكة لغرابتها ولا معقوليتها ، كأن يصبح المجداف الذي يجدف به الإنسان عبارة عن ( شوكة طعام ) أو يتحول ملعب كرة قدم إلى ( تلفزيون ) أو ( جدار ) أو تتبدل المدفأة لتصبح ( عشاً لحمام ) ، أو تصبح المدفأة ( تلفزيوناً ) ، أو يصبح حارس المرمى عبارة عن ( فزاعة ) ، وتتحول لمبة الكهرباء إلى ( شمعة ) وهكذا نحس أن هذا الإسلوب قد أعطى لعزيز علي قدرة على التعبير الفني لا محدودة ، لكن بعض هذه التحويرات حين ترتبط بمضمون اجتماعي أو نقدي فهي تتجاوز الصياغة الفنية التحضيرية إلى لغة متميزة ، تحمل هدفاً .
    ولا يتميز ( عزيز علي ) بالقدرة على استخدام أسلوب التحوير الذي اعتبرناه من أهم خصائص تجاربه الكاريكاتيرية لكنه يضيف إلى ذلك كله ، عملية تبسيط و الاختزال للأشكال ، وعملية الرمز أحياناً ، ويربط هذه بتلك ، زهكذا نكتشف أن أروع أعماله ما تشابك فيه التعبير المبسط المعبر المختزل ، الذي يغني عن الشروح ، والذي يرمز فيه لما يريد ويحور فيه الأشكال ويستعير بعض التحويرات الفنية ، ليوظف ذلك غي خدمة المضمون الاجتماعي ، كما تحدثنا ، وفد وصل إلى أعمق أعماله قدرة على التعبير حين بدأ يعالج المواضيع السياسية الملحة التي أحكسبته قدرة كبيرة وجعلته فناناً كاريكاتيرياً له أسلوبه المتميز .

  • #2
    رد: عزيز علي والمفارقة الفنية


    لاشك في أن تجربة ( عزيز علي ) تكشف لنا عن قدرة كبيرة على العطاء ، عبر الكاريكاتير ، الذي يعتمد على المفارقة ولا التناقض الذي يلتقطه الفنان من حياتنا ويرسمه لنا ويحوره بأسلوبه الخاص ، فيعيد تقديم مشهد المفارقة أمامنا ، فيجعلنا نضحك ، أو نفكر ، أو نثور ، وبالتالي يصدمنا بما في واقعنا متناقض وهو قادر على أن يواجهنا بأنفسنا بصدق ، وبالتالي فهو يلعب في أحاسيسنا وعقولنا ، وأفكارنا أنه يضحكنا أحياناً عبر المفارقة البسيطة ، ويدفعنا للتفكير أحياناً أخرى كي نتخلى عن هذه المفارقة ، أو نبتعد عنها ، وهو ينبهننا إلى أخطاء ما نقع فيه من تناقض ، ولهذا فالكاريكاتير ، له جوانبه الفنية ، والاجتماعية ، والسياسية ، ولكل جانب من هذه الجوانب أهميته الكبيرة ودوره .
    ولنبدأ بتوضيح الجانب الاجتماعي في فن الكاريكاتير ، لنكشف أن الرسام الكاريكاتيري حين ينتقد سلوك معين في حياتنا ، فهو يواجهنا بما في هذا السلوك من تناقض ، وهكذا يبدأ فن الكاريكاتير من الواقع الحياتي اليومي للناس ،يأخذ شريحة ما ، يلعب بها بقلمه ، ويقدمها عبر لغته الفنية .
    وهكذا كان (عزيز علي) في تجاربه الفنية التي قدمها لنا يعتمد على تقديم المفارقة ، وعلى التأكيد عليها ، المفارقة التي نراها في الواقع ، والتي تكشف عن سلوك متناقض ، تناقض بين هدف اجتماعي هام ، أو مبدأ أخلاقي وإنساني ، وبين سلوك حياتي في الحياة .
    ونحن نشاهد تجاربه المختلفة التي قدمها لنا عدة قضايا هامة اجتماعية ، يعالجها بجرأة ، ويلح عليها كثيراً في أعماله المختلفة التي رسمها في البداية ، يلح على التناقض بين الدعوة لحماية الشجرة وما نمارسه من قطعها ، وبين الدعوة للنظافة وما نراه من رمي القاذورات ، ويتحدث عن أزمة السكن ، وعن أزمة المواصلات ، وعن الروتين في الوظيفة ، وعن الرياضة ، وهكذا لا يترك قضية هامة من القضايا الحياتية للناس لا يتطرق إليها ويعالجها ، وبالتالي نحس بأنه يرتبط بالقضايا الاجتماعية ولعمله البعد الاجتماعي الواضح والذي نراه ونحس به في تجاربه الفنية وهنا نو أن نؤكد على شيء هام جداً في تجارب ( عزيز علي ) الاجتماعية ، والتي رسمها في البداية وهي أن هذه التجارب تنطلق من تناقض أو من مفارقة موجودة في الواقع وهو يسجلها عير الرسم الكاريكاتيري ، فهو لا يعطي لخياله الحق في ابتكار الشريحة ، بل يقدمها كما هي على حقيقتها الواقعية , وهكذا انطلقت تجاربه الفنية من اكتشاف ما في الواقع من تناقض وتقديمه ، وبتحوير بسيط أو إضافة للكلمات ، أو التعبير بالرسم المبسط حقق هدفه الاجتماعي الذي يبدو مباشرة بسيطاً ، وبدون أي مبالغة أو تلاعب .
    لكن ( عزيز علي ) تجاوز تلك المرحلة من التعبير الاجتماعي حين توصل إلى شخصية ( الإنسان المسحوق ) الذي ألح عليه في كثير من رسوم تلك المرحلة ومقارنته بالشخص الآخر الذي يضطهده وهنا توصل ( عزيز علي ) إلى موقف أكثر وضوحاً في النظرة من الأعمال الأخرى ، التي انتقدت شكلاً من التعامل بين إنسان وآخر أو بين سلوك فردي لشخص أو لفئة تجاه أخرى ، إن القضية قد تحولت بوضوح إلى وعي تام للقضية التي تكمن وراء المشكلة الاجتماعية ، ألا وهي ( الاستغلال ) ولهذا فقد سخر قلمه ليفضح ذلك بكل جرأة .
    ففي إحدى الرسوم يصور لنا الإنسان المسحوق ، وهو يحمل بيده الفأس بثيابه المهترئة ، ومعالم البؤس تظهر عليه ويضع بجانبه شخصاً آخر نظارته وميكروفونه ، وهو يقولنا بجرأة بأن هذا لا يساوي ذلك !
    ونحار في شخصية الإنسان المسحوق ولكننا نجد في فنايا هذه الرسوم المختلفة ما يعبر لنا عن شخصيته ، إنه يحمل على عصا – في لاسم آخر – صرة الزاد المرقعة ، والكتب ، وهو يريد أن يقول لنا من خلال هذا الرسم بأن الإنسان المسحوق يشكل الفقير الذي يحمل فأسه .
    وهذا المسحوق في رسم ثالث ، يقابل الآخر المضطهد له ، في دائرةٍ فلا يلتفت إليه مضطهده بل يخفي نفسه خلف قناع ويستمتع بمشاهدة لوحة عارية .
    ونحس بأن شقاء الإنسان المضطهد في لوحة أخرى يتحول إلى نافورة مياه يتسلى الغني مشاهدتها ، وهكذا تبرز عملية الاستغلال بين الفقير والغني بوضوح تام .
    ونرى ذلك في عدة تجارب أخرى منها :
    أربعة فقراء يرفعون غنياً إلى الشجرة ليأكل الثمر ، ولا يمكن الوصول إلى هذا الثمر إلا إذا رفعوه ، ويحمل الفقير المسحوق الغني في لوحة أخرى ، ويضع الغني إطاراً حول وجهه وهو يرتاح فوق كتف الفقير حتى الشجرة التي يستظل بها الفقير والغني معاً ، تتحول في جانب منها إلى ورق وهي عارية في القسم الذي يستظل به الفقير المسحوق .
    ويقدم الغني للفقير في رسم كاريكاتيري آخر هدية ، وماذا تحويه هذه الهدية الأصفاد التي توضع في رجل السجين لتمنعه من الحركة وهكذا نكتشف في كل لوحة كاريكاتيرية من هذه المجموعة الهامة ، التي رسمها ( عزيز علي ) ما يدلنا على وعي إنساني ةاجتماعي عميقين ، بل أن إحدى اللوحات تقول لنا بوضوح :
    ( ثلاثة بالألف ) ...ومن هم هؤلاء الثلاثة بالألف ....إنهم الأغنياء اللذين يستغلون الفقراء .
    ومن أجمل اللوحات التي رسمها ( عزيز علي ) لمعرض الزهور ، نرى جانب اللوحة الأول ،غني يستمتع بزهرة جميلة ، وجانب اللوحة الآخر فقير ينظر إلى زهرة وقد أصبحت مرقعة كثوبه ، إن الزهرة أصبحت تعكس التفرقة الاجتماعية بكل وضوح وهذه النماذج التي قدمناها ، والتي تكشف عن الجانب الاجتماعي ، تؤكد مدى وعي ( عزيز علي ) لجوانب هامة في الواقع ، ومدى رغبته في كشف التناقض ، الذي أصبح تناقض اجتماعياً وهكذا يحلل لنا عبر رسومه ما أكتشفه في الواقع .

    تعليق

    يعمل...
    X