إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المسافر- مجموعة قصصية لــ (( سائر جهاد قاسم )) - طبعة ثالثة 2009م

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسافر- مجموعة قصصية لــ (( سائر جهاد قاسم )) - طبعة ثالثة 2009م

    .wysiwyg { SCROLLBAR-FACE-COLOR: #74c4d0; BACKGROUND: #fafafa; FONT: bold 13pt Arial; SCROLLBAR-HIGHLIGHT-COLOR: #f9f9f9; SCROLLBAR-SHADOW-COLOR: #74c4d0; COLOR: #0000ff; SCROLLBAR-3DLIGHT-COLOR: #74c4d0; SCROLLBAR-ARROW-COLOR: #f9f9f9; SCROLLBAR-DARKSHADOW-COLOR: #f9f9f9; SCROLLBAR-BASE-COLOR: #74c4d0}P { MARGIN: 0px}.inlineimg { VERTICAL-ALIGN: middle}



    المسافر


    هكذا هي الحياة..

    غابة للنسور المحلقة فوق فنن الأشجار العالية وفي الأرض سلام للأقوى
    وما الحرف سوى ذلك السيف الذي يجرد من غمده لحظة الهدوء حتى توشحه الدماء لتطهره من رجس سقط ذات مرة بغفلة عن فارس الأحلام.

    سائر قاسم



    سائر جهاد قاسم





    المسافر




    قصص

    جميع الحقوق محفوظة للمؤلف



    qالمسافر
    qقصص
    qسائر جهاد قاسم
    qالطبعة الثالثة 2009 م




    الإشراف الفني: مكتبة الشمالي
    سورية - حمص
    هاتف: 2614371/ 031 فاكس: 2635046/031




    الإهداء ..



    إلى المسافر الذي أضاع نفسه وأضاعنا معه.. والدي.
    إلى التي قضت عمرها في التعب والشقاء.. والدتي.
    أختي الغالية فاتن.

    عائلتي الصغيرة
    ( زوجتي الحبيبة سلام.. وابني مارسيل )

































    دفء الرجل .. دفء النصوص


    المقدمة بقلم الأديب الدكتور : حسن حميد


    -1-
    لم أكن من قبل قد قرأت شيئاً لكاتب اسمه ( سائر قاسم ) بل لم يلفت أحد انتباهي إلى هذا الاسم الذي يكتب القصة القصيرة . و لم أقرأ له شيئاً إلا عندما جاء إليّ يحمل بين يديه مخطوطته القصصية الأولى ، شاب في مقتبل العمر ، هادئ هدوء شيخ ، صامت على الدوام ، حيي و خجول . ينظر إلى محدثه بعينين لا تخلوان من الشرود و التشتت .. طلب إلي أن أقرأ قصصه ، و أنا أكتب مقدمة لها لأنه يود نشرها إن وجد تشجيعاً . و لا أدري ، وأنا في فوضاي العجيبة التي أكرهها كثيراً ، كيف ضيعت مخطوطته دون أن أقرأ منها حرفاً .. فتألمت كثيراً متخوفاً من أن تكون النسخة الوحيدة لهذا الشاب قد ضاعت . و حدث أن هاتفني بعد أكثر من أربعين يوماً و سألني عن المخطوطة ، فاحترت ماذا أقول له ، فأحس الرجل بارتباكي ، و قال لي منقذاً : سأسألك بعد أسبوع . قلت : طيب . و رحت من لحظتي أبحث عن المخطوطة فلم أجدها . و انتظرت هاتفه مرة أخرى ، لكنه و بعد أسبوع جاءني و معه نسخة جديدة من مخطوطته القصصية و فرحت به و بها معاً .
    قدمت بهذا لأقول :
    إن ( سائر قاسم ) ليس نزقاً ، و لا برماً ، و لا هو من أصحاب المذهبيات المسبقة التي تسيء الظن بالمتقدمين عليهم بالتجربة ، من الناحية الزمنية في الحد الأدنى . و لا هو من الذين يتجاهلون المشهد الثقافي جملة و تفصيلاً . إنه قاص يريد أن يرى قيمة نصوصه و صورها في مرايا الآخرين . يريد أن يدرك أدراك المتصوفة للمعنى ، هل أدى الوظيفية ، و حبّر المتعة ، و جسد الإقناع في نصوصه ، أم أنه يطير على أكف الأصدقاء و المقربين بعدما مدحوه و اثنوا عليه . لهذا جاء بقصصه لأقول فيها كلمة . و لا أدري إن كان قد قدمها لأحد من أصحاب التجارب الأدبية أو النقدية .. غيري .
    المهم ، هو أنني توسمت في دفء هذا الرجل دفئاً مستجراً إلى نصوصه ، و هكذا كان فعلاً ، فـ ( سائر قاسم ) قاص يعي غايات النص القصصي ، كما يعي موجباته من إتقان للغة ، و التقاط المؤرق و الموحي و المتواري ، و التخلص من جهامة الموضوعات الكبيرة ، و صنع حياة لها طقوسها ، و ناسها ، و هواؤها ، و أرواحها النائية ، و ألوانها .. على قد الأحداث ، و وفق جولان النفوس القلقة العطشى لنهارات ملأى بالضوء ، و الحرية ، و الغايات الدانية كعناقيد العنب .
    -2-
    قصص ( سائر قاسم ) ذات رشاقة بادية ، جملة قصيرة و موضوعاته حيوية ، تمضي دونما عثار إلى خواتيمها السامية . ثمة وعي في الاستهلالات تجميلاً ، و تزويقاً ، و شداً للانتباه ، و ثمة ثنائيات متصادمة ما بين الخير و الشر ، و الضحية و جلادها ، و العادات و التمرد عليها ، و الموات و الثورة .. الخ . كما أن القصص طراً متخففة من ثقل الأفكار تجسيداً و حواراً .. فهي أقرب في تكوينها إلى حديقة صغيرة مشغولة بأيدي بستاني عينه اليقظى ، و يده الماهرة تعملان دائماً في تشذيبها ، و مدها بالرواء ، و هي بذلك تعطي انطباعاً طيباً عن قاص يتقدم بثقة ، و قد وعى دور الأدب ، و قيمة الإبداع كرسالة في الحياة .. يكرز لها ، و يعمل عليها ، لتصير أشد تأثيراً و فاعلية في الذات الإنسانية المصابة بحمى الوقت ، و الذوبان ، و الرخاوة ، و الانطفاء المؤسي . قصص تقارب الواقع و تحتفي به تخوفاً من غمره بالأنفاس الحامضية المستلة من ( ثقافة المادية ) و إفرازاتها الغثة المتكاثرة يومياً ، و هي بذلك ترتب لنفسها موقعاً في خندق المدافعين عن القيم النبيلة ، و الأرواح التي جرحها الجري اللاهث تلبية للدوافع العضوية كالطعام و الماء و الأمن .. الخ .
    -3-
    قصص ( سائر قاسم ) المجموعة في هذا الكتاب أشبه بيد مرفوعة و صوت يتعالى .. علامتها الأبرز الإعلان عن تشوف أدبي ، و حضور في المشهد الثقافي و الإبداعي .. يراد له أن يكون مسيجاً بالانتباه العميق و الصحو الدائم ، و المساهرة الإنسانية لعذابات الروح و قد صارت كلاماً يضيء بعض مواضع العتمة ، و قلقاً يهز القناعات المريضة ، و معنى تجتمع عليه من اجل الحياة المشتهاة .





    د. حسن حميد



























    المســافر














    ينعطف في الشارع و بيده حقيبة ، فيها كل أوراقه و ما جنته يداه . تطالعه الحشائش اليابسة على أسطح المنازل ، لا شيء تغير ، كل شيء كما تركه ، يصعد الدرجات ، يمد يده إلى جيبه ، ثم إلى الحقيبة ، يتذكر أنه لم يأخذ المفتاح معه .
    يهبط الدرك و ينعطف يمينا ليسأل جيرانه .
    يقرع أول باب ، يسمع صوتا من الداخل ، يدخل ، امرأة تجلس على المصطبة ترف بيدها :
    _ من .. أنت ؟ الحمد لله على السلامة .
    كان صامتا كأنه اخرس ، مكتفيا ببعض العبارات التي لم تسمعها المرأة ، لكنها لم تقف . اقترب منها بناء على طلبها ، قبلته على لحيته البيضاء الكثيفة ، عرف أن سمعها قليل :
    _ كيف حالك يا ... و رفع صوته بما ينسجم و الحالة التي هو فيها .
    _ ماتت و لسانها ينطق باسمك .
    أحس بأن يدا تقبض على عنقه ، و ثمة دمعات نفرت من عينيه ، حاول ألا تلاحظ المرأة هذه الدموع ، وأشاح بوجهه قليلا .
    قالت :
    _ حين تبكي الرجال تصاب النساء بالخيبة .. لا تبكي أمامي فأنا لا أستطيع المقاومة .
    كفكف دمعاته . و مدت المرأة يدها إلى عبها ، و أخرجت كيسا مصنوعا من القماش معلقا في عنقها . راحت يداها المرتجفتان تبحثان في زوايا الكيس ، و أخرجت مفتاحا ذا لون اصفر .
    _ يا حسرتي .. قالت لا تعطيه لأحد غير ابني إذا عاد !. و ها أنت قد عدت .. عليك بالصبر .
    لم يحسن تقديم الشكر ، انحنى إلى حقيبته ، حملها ، ثم اخذ المفتاح و عاد .
    يفتح الباب ، تطير العصافير داخل البهو ، تخرج من نافذة صغيرة دائرية تستعمل لبواري المدفأة .. ثمة ثوب نسائي معلق ، يقترب منه ، يدفعه شيء بداخله لشم رائحته . الكرسي الخشبي الوحيد الذي يمكنه أن يجلس عليه ، يهزه، يتطاير الغبار مشكلا سحابات راحت تنتشر في أرجاء الغرفة تتعلق على خيوط العنكبوت المتأرجحة في الزوايا.
    يفتح النافذة ، يقع نظره على أصيص الورد ثمة زنبقة كانت قد تحولت إلى يباس . يتقدم باتجاه صنبور الماء ، يحاول فتحه ، كان جافا و قد بنت الحشرات في داخله مساكن لها .
    يقترب من المرآة ، ينظر بداخلها منع الغبار إظهار الصورة يرفع منديلا من جيبه يمرره على وجه المرآة ثم يدعه يتأرجح نحو الأرض ككل الأوراق الصفراء . يحدق من داخل الخط الذي مسحه إلى داخل المرآة .. رجل في الخمسين من العمر .. ذو لحية بيضاء يتخللها بعض السواد و عينين دامعتين فيهما كآبة . يرفع قبعته بدا الجبين عاليا ، أما اللحية فقد غطت الحفر غير أن كرسي الخدين ظهرا لامعين تحت عينين معذبتين . راح يتلمسهما فيما أفكاره ، رحلت إلى خمسة و عشرين عاما خلت .
    هنا كانت تجلس والدته سألته :
    _ أكان يجب أن تذهب هكذا و تتركنا ؟
يعمل...
X