إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فن الوجه.. الراسم والمرسوم - د. محمود شاهين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فن الوجه.. الراسم والمرسوم - د. محمود شاهين

    فن الوجه.. الراسم والمرسوم

    صحيفة تشرين
    د. محمود شاهين
    دأب الإنسان على تسجيل حالاته المختلفة، بأكثر من لغة فنية، ولأكثر من هدف وغاية، وبأشكال وطرق مختلفة، لعل أبرزها وأهمها (الصورة الوجهية) الشائعة باصطلاح (بورتريه) ذلك لأن الوجه يحمل تضاريس وملامح، قادرة على عكس كل مايجول في داخل الإنسان، من عواطف سلبية وإيجابية.
    فالوجه هو المعبر والجسر والوسيلة الأنجع للوصول إلى دواخل الناس، والوقوف على ماتموج به من هموم وآمال وأفراح وأحزان وإحباطات وسعادات.. إلخ. ‏
    والوجه تحديداً، أشبه مايكون بكتاب مفتوح، يمكن لنا أن نقرأ فيه حالة صاحبه الآنية، وربما كيانه النفسي ككل. ‏
    وفي كتاب الوجه، تأتي العيون والفم كأهم فصول فيه، وأقدرها على التعبير. وبمراجعة بسيطة لكل ماحققه الفن التشكيلي: رسماً ونحتاً وتصويراً وحفراً مطبوعاً وإعلاناً، ثم التصوير الضوئي من بعده، من أعمال فنية اتخذت من الوجه موضوعاً لها، نجد أن العيون والفم، لقيا الكثير من الاعتناء والتركيز والاهتمام، من قبل مزاولي هذه الفنون، لما لها من قدرة على عكس مايعتمل داخل الإنسان من عواطف وأحاسيس وحالات تعبيرية أخرى، سلبية كانت أم إيجابية.

    فنانو الوجه ‏
    مارس فن الوجه عدد كبير من الفنانين التشكيليين والضوئيين، وأصبح البعض منهم اختصاصياً به، وذاع صيتهم من خلاله، وقد طبقوا في معالجته، كل الاتجاهات والمدارس الفنية، بدءاً من الواقعية الحرفية والكلاسيكية، والتعبيرية، وانتهاء بالاتجاه السوريالي والتجريدي. ‏
    من هؤلاء الفنانين (ليوناردو دافنشي) حيث اتسمت الوجوه التي رسمها بروحية خاصة مستلهمة من أحداث الكتاب المقدس، ومن الواقع حوله، لعل أشهرها (الجوكندا) أو (الموناليزا). كذلك الفنان المتعدد المواهب (ميكل أنجلو) الذي صور قصة الخلق، من منظوره الخاص، وأبرز قوة روحية متفردة في تمثاله الشهير (موسى). والفنان (رافائيل) الذي وضع مئات اللوحات الوجهية من أشهرها (مادونا) و(ابنة الخباز). وقد قام الثلاثة (وهم من أبرز رموز عصر النهضة) برسم صورهم الشخصية (الذاتية) في محاولة منهم، الإعلان عما في داخلهم، ولو بخطوط بسيطة سريعة. ‏
    بعدهم جاء (رامبرانت) الذي رسم لوجهه مايربو على سبعين رسمة ولوحة، ضمن حالات تعبيرية وعمرية مختلفة، ماجعله من أشهر رسامي الوجوه في العالم. ومن الفنانين الذين رسموا لوحات وجهية متميزة: فان كوخ، دورر، روبنز، فيلاسيكز، ألغريكو، غويا، هالز، بيكاسو، دالي، مانيه، غوغان، مودلياني.. وغيرهم. ‏
    في سورية يعتبر الفنان (عبد القادر النائب) أشهر التشكيليين الذين خاضوا غمار هذا الموضوع، وقد أنجز مئات اللوحات الوجهية المتميزة. ‏
    الذات في الوجه المرسوم ‏
    ما هو مؤكد (وبعد دراسات مستفيضة من قبل نقاد الفن وباحثيه وعلماء النفس والجمال) أن الفنان لا بد من أن يضع شيئاً من صورته الذاتيه في ملامح النموذج المرسوم أو المنحوت، ما يجعلها تجمع بين صورة الفنان مضافاً إليها صورة الأنموذج، أي الموديل المرسوم، ولعل هذا ما ذهب إليه (مايكل أنجلو) عندما قال: (مثلما تنحت أحياناً، في صخرة صلدة، في وجه إنسان آخر، تنحت صورتك الذاتية) أما النحات القرغيزي (تورغوبناي صادقوف) فيرى انه كلما نظر في أول عمل له أنجزه في مجال النحت وهو (الراعي الصغير) يذهل لكثرة ما في هذا العمل من يفاعته هو، وقلة ما في هذا العمل من (الموديل) الذي اتخذه متكأ لتنفيذ عمله. ‏
    والحقيقة أن الفنان بغير البصيرة الغنية بالخيال (كما يقول ألكسندر اليوت) إنما يرسم سطوحاً، قد تكون صورة بارعة سليمة من كل خطأ، مشحونة بأعنف العاطفة، وقد تخطئ بأرفع المدح، لكنها تبقى رسماً سطحياً حتى أقوى المخيلات تعجز أحياناً عن اختراق كنه الرائعة الفنية، فالصورة الشخصية العظيمة، لن تكشف عن نفسها إلا لإنسان يفهم رفاقه وأترابه. ‏
    من هنا وبتأكيد أغلبية الدارسين لفن الوجه، وحتى الفنانين الذين برعوا في رسم ونحت هذا الموضوع، فإن ما يجابه المتلقي في فنون الوجه (البورتريه) هو وجه الموديل زائد وجه الفنان، حيث تمتزج وتتماهى الصورتان إلى حد كبير، في المنتوج الفني المكرس لهذا الموضوع.. هذا الأمر قد يأتي بشكل تلقائي، أي لا يتعمده الفنان أو يتقصده. وقد يكون العكس هو الصحيح كما لدى رامبرانت الذي وثق لحياته، بمراحلها المختلفة، بما يربو على سبعين لوحة وجهية له، ‏
    والأمر نفسه تفعله الفنانة التشكيلية السورية (سارة شمة) التي تتخذ من نفسها موديلاً أو موضوعاً رئيساً لأغلبية أعمالها، حيث تقدم نفسها فيها الراسم والمرسوم، ضمن وضعيات ورموز وتحويرات، توظفها لخدمة فكرة ما، لكن رغم ذلك سرعان ما يهتدي المشاهد لأعمالها، أن وجه الأنثى الموجود في هذه الأعمال هو وجهها البريء، الوسيم الهادئ والمشحون بانفعالات مختلفة. ‏
    ارسم ما تحب! ‏
    عندما واجهت سارة بسؤال عن سبب اتخاذها لنفسها أنموذجاً (موديلاً) لأغلبية لوحاتها، أجابتني بصراحة متناهية، إن الفنان عادة ما يقوم برسم الأشياء التي يحب ويعشق، وهي تفعل ذلك؟!!.. ‏
    بقي أن نشير إلى أن اعتقاد البعض أن موضوع معالجة الوجه في العمل الفني هو أسهل من معالجة الجسم كاملاً هو اعتقاد خاطئ، لأن معالجة الجزء ليس أسهل من معالجة الكل، لاسيما أن الوجه هو المرآة التي تعكس داخل الإنسان، وعملية تصيد هذه المنعكسات، لحظة تجلياتها وتألقها، وهي في الذروة، ليست عملية سهلة أو بسيطة، وإنما عملية تحتاج إلى مراقبة ومتابعة عميقة، وفي الوقت نفسه، إلى أداة تعبيرية مناسبة وقادرة، على أن تجمد ماينداح عنه الداخل الإنساني، لحظة وروده إلى صفحة الوجه، وفي قمة تدفقه التعبيري!!. ‏

يعمل...
X