إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لماذا نستمتع بالنميمة؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا نستمتع بالنميمة؟

    لماذا نستمتع بالنميمة؟
    روبن دونيار د. مصطفى محمود حلمي

    "يعيش البشر في مجموعات أكبر كثيراً من جماعات الحيوانات الثديية العليا، وربما تكون اللغة قد نشأت كشكل من أشكال المسايسة يتيح لنا العيش مع ذلك الكم الكبير من البشر"
    يفتن البشر بإنجازات الآخرين وما يحققونه. ويكفي للبرهنة على ذلك أن نشير إلى نجاح صحف "التابلويد" (الصحف من قياس نصف جرنال) المليئة بالصور الملونة، والتي تسهل قراءتها. ولكن ما هو مصدر التشويق في أخبار المشهورين؟ ولما تلقى الثرثرة حول الحياة الخاصة للأسرة المالكة والسياسيين هذا الاهتمام بحيث تدفع بأخبار المجاعة وأطفال الصومال، وأبناء المدن التي تجتاحها الحرب في يوغسلافيا سابقاً بعيداً عن صفحات الغلاف أو الصفحات الأولى، حتى في أكثر الصحف وقاراً ورزانة. يبدو أن الإجابة تكمن في الجذور التطورية لأدمغتنا الكبيرة.
    لو نظرنا إلى الدماغ بمقياس الحجم المطلق، فلن نجد البشر أكبر الأدمغة في المملكة الحيوانية، بل تأتي الأفضلية بقية الحيوانات. وكما نتوقع فالبشر لديهم أكبر الادمغة قاطبة على المستوى النسبي، إذ يصل حجم أدمغتها (النسبي) إلى حوالي ستة أضعاف حجم أي دماغ لحيوان ثديي من حجمنا.
    والآن لماذا تتميز الثدييات العليا بهذه الأدمغة الكبيرة؟
    هناك على العموم نمطان من النظريات في هذا الصدد. تشير النظرية التقليدية المتعارف عليها إلى أن الثدييات العليا بحاجة إلى أدمغة كبيرة تساعدها في أن تجد طريقها في العالم ، وتقوم بحل المشاكل التي تجابهها أثناء بحثها اليومي عن الطعام. أما النظرية البديلة فترى أن الدافع لتطور الأدمغة الكبيرة يرجع إلى العالم الاجتماعي المعقد الذي تعيش فيه الثدييات العليا، وتخدم هذه النظرية كأساس لمبدأ "الذكاء الاجتماعي" ، ويعرف أحياناً بمبدأ "الذكاء الميكافيلي"، ويعزى له فضل التعرف على الدافع الذي يفصل الثدييات العليا بعيداً عن بقية الحيوانات الأخرى ، بفضل تعقد علاقاتهم الاجتماعية.
    تختلف مجتمعات الثدييات العليا عن مجتمعات الحيوانات الأخرى في جانبين أساسيين أولهما هو وضوح الاعتمادية على الروابط الاجتماعية القوية بين الأفراد، مما يضفي على مجاميع الثدييات العليا مظهراً بنائياً هيكلياً متراكباً. حيث لا يمكن للأفراد أن تنضم أو تترك مجاميعها بمثل السهولة التي تنضم أو تترك مجاميعها بمثل السهولة التي تنضم فيها الأفراد أو تترك قطعان الحيوانات غير محدودة الشكل كما في قطعان الظبي في هجرته، أو أسراب العديد من الحشرات.وحتى لو وجدت هذه الظاهرة في بعض الأجناس الأخرى مثل الأفيال وكلاب البراري حيث تتمايز مجاميعها بتفوق البناء والتركيب الهيكلي، فإنها تختلف عن الثدييات العليا في الجانب الثاني من جوانب الاختلاف وهو تسخير الثدييات العليا لمعرفتها بالعالم الاجتماعي الذي تعيش فيه كي تنشء تحالفات أكثر تعقيداً مع بعضها البعض أكثر مما تفعله الحيوانات الأخرى.

    الإبقاء على مسار العلاقات
    يدعم فرضية الذكاء الاجتماعي هذه الارتباط القوي بين حجم المجموعة، وبالتالي درجة تعقيد العالم الاجتماعي، والحجم النسبي للقشرة الحديثة للمخ- أي تلك الطبقة السطحية الخارجية للدماغ المسؤولة أساساً عن التفكير الواعي- في العديد من أنواع الثدييات العليا غير البشرية (انظر شكل رقم"1") وتعكس هذه النتيجة نوعاً من التحدد فيما يتعلق بعدد (ونوعية) العلاقات التي يمكن أن يمارسها حيوان من نوع معين في وقت واحد، وكما تتحدد قدرة الحاسب الآلي على معالجة المهام المعقدة بحجم ذاكرته ومعالجه، فإن قدرة الدماغ على التعامل مع المعلومات في المجال الاجتماعي دائم التغير يمكن أن يحددها حجم قشرته الحديثة.
    ومن وجهة النظر التطورية يوحي الارتباط الواضح (في شكل 1) أن الحاجة إلى العيش في جماعات أكبر، في الثدييات العليا، هي التي دفعت إلى تطور أدمغتها الكبيرة وأن حجم المجموعة مرن عادة ومتغير غالباً، في داخل أي تعداد ، لكن الزيادة في حجم الدماغ لا تتحقق إلا إذا منحت ميزة تطورية للنوع. وهناك أسباب متعددة لميل أنواع معينة من الحيوانات للعيش في مجاميع كبيرة، ليس من أقلها البحث عن الحماية من المفترسات.
    ومن الواضح أن الثدييات العليا التي تعيش في مجاميع كبيرة، ولها أيضاً أكبر قشرة دماغية حديثة، ه يمن أنواع مثل: الرباح أو السعدان قبيح المنظر والمكاك والشمبانزي وهو قرد إفريقي أصغر من الغوريلا، وهي أنواع تقضي كل وقتها على الأرض، وتستوطن بيئات مكشوفة نسبياً مثل سهول السافانا الخالية من الأشجار، وأطراف الغابات، وهناك تكون أكثر عرضة لمخاطر المفترسات عن الأنواع التي تسكن الغابة.
    وهذه العلاقة بين القشرة الحديثة وحجم المجموعة في الثدييات العليا غير البشرية تطرح سؤالاً ملحا: ما حجم الجماعة الذي يمكن أن نتوقعه للبشر مع الأخذ في الاعتبار حجم القشرة الحديثة الكبير فيها بصورة غير عادية؟
    باستخراج حجم المجموعة البشرية المتوقع من شكل رقم (1) نحصل على الرقم 148. ولكن هل هناك أي دليل يوحي بأن مجاميع بهذا الحجم توجد في النوع البشري؟
    بهذه الصورة، لا تبدو الأمور واعدة، فرغم كل شيء نحن نعيش في العالم الحديث، ف يدول قومية ضخمة تضم عشرات الملايين من الأفراد ، فإننا يجب أن نكون أكثر دقة وتحديداً. فالعلاقة التي يمكن للحيوان من الثدييات العليا غير البشرية أن يقيمها ترتبط بعدد الأفراد الذي يمكن للحيوان من الثدييات العليا غير البشرية أن يقيمها ترتبط بعدد الأفراد الذي يمكن للحيوان أن يقيم معها علاقة متماسكة لزمن طويل. بينما لا يقيم الكثيرون منا- من الذين يعيشون في بريطانيا مثلا- أي علاقات شخصية مع كل الشكان البالغ عددهم 55 مليون نسمة. حتى أن أغلبية السكان يولدون ويعيشون ويموتون دون أن يتعرفوا على أسماء بعضهم البعض، ناهيك عن لقائهم. إن قيام مثل هذه المجاميع الكبيرة أمر يستحق التفسير بلا جدال، ولكنها تختلف اختلافاً بيناً عن التجمعات الطبيعية التي نشاهدها في الثدييات العليا.
    قد تكون المجتمعات البشرية قبل الصناعية هي أحد الأماكن التي نبحث فيها عن دلائل على أحجام "طبيعية" المجموعات البشرية وبخاصة في المجموعات البشرية وبخاصة في التجمعات التي اعتمدت على الصيد البري وجمع الطعام من الحبوب والخضراوات والفواكه. وأغلب التجمعات المعتمدة على الصيد والجمع تعيش في مجتمعات معقدة تعمل على عدد من المستويات.
    فأصغر هذه التجمعات تحدث في المعسكرات الليلية المؤقتة. وتضم ما بين 30 إلى 50 فرداً. إلا أن هذه التجمعات كانت غير مستقرة نسبياً لانضمام الأفراد وتركهم للتجمع أثناء حركة القطيع بين مناطق الرعي أو للبحث عن الطعام أو مصادر المياه من الآبار.
    وتعد القبيلة أكبر تجمعات القطيع البشري البدائي، وتجمعها في العادة لغة واحدة وتتحدد ذاتياً إلى حد مفيد من خلال هويتها الثقافية. وكانت أعداد التجمعات القبلية تتراوح بين 500 و 2500 رجل وامرأة وطفل. ولقد تم التعرف على هاتين الشريحتين من المجتمعات التقليدية على نطاق واسع في علم دراسة الإنسان والأنثربولوجيا.
    إلا أن هناك شريحة ثالثة ، عادة ما تتم مناقشتها إلا أنه نادراً ما تدرج في التعداد، وتأخذ هذه الشريحة أحياناً شكل العشيرة التي تتسم بدلالة طقسية، مثل مواسم الاحتفال الدوري ببلوغ بعض أفرادها سن الرشد.كما تقوم العشيرة أحياناً على أساس الملكية المشاعية لمنطقة صيد أو مجموعة آبار.


    البحث في أعداد المجموعات الصحيحة
    من المعتقد أن الحجم المتوسط للتجمعات العشائرية يبلغ حوالي 153 نسمة، اعتماداً على الحالات القليلة التي توافرت عنها بيانات تعدادية ويوضح الشكل رقم (2) كافة البيانات التي تمكنت من استخلاصها من المصادر المتاحة عن التجمعات التقليدية بالإضافة إلى التجمعات الخاصة بالقطيع البشري البدائي، وأدرجت أيضاً التجمعات الزراعية البسيطة التي تعيش في القرى. وقد تراوحت أحجام هذه التجمعات بين 100 و 230 وأوضح التفاوت الإحصائي أن المتوسط المتوقع لها هو 148، وكانت هذه هي القاعدة العامة للحجم إلا في حالة واحدة من التجمعات القروية، وتجمع شبه عشائري واحد.وعلى العكس من هذا تبين أن متوسط حجم المجموعات في المعسكرات الليلية والتجمعات القبلية كان خارج الحدود الإحصائية المتاحة.
    ولكن ماذا عن مجتمعاتنا الآن؟ هل هناك ما يوحي أن العدد "150" له أي دلالة أو ارتباط بالوحدة الاجتماعية؟
    الإجابة بالإيجاب. فحالما بدأت البحث عن مجموعات بمثل هذا الحجم ستجدها في كل مكان. في أغلب الجيوش الحديثة، مثلاً، نجد أن السرية هي أصغر وحدة مستقلة، وهذه تتكون من ثلاث فصائل محاربة أو مقاتلة يصل تعداد كل منها من 30 إلى 40 رجلاً وبإضافة طاقم القيادة، يصل المجموع إلى 130-150 رجلاً. حتى في الجيش الروماني إبان الجمهورية كانت الوحدة الأساسية المقاتلة ذات حجم مماثل، إذ كانت تضم 130 رجلاً بالضبط.
    ويبرز نفس العدد في مجال إدارة الأعمال، فتشير القاعدة الروتينية القائمة على الخبرة والتجربة العملية التي يستخدمها المدراء إلى أن الشركات التي يقل تعداد العاملين بها عن 150 تعمل جيداً على أساس الإدارة الشخصية المباشرة، ولكن حالما تنمو أكبر من ذلك فإنها تحتاج إلى نظام ذي مراتب متسلسلة إذا كان لها أن تعمل بكفاءة.
    ويؤكد علماء الاجتماع منذ الخمسينات من هذا القرن أن هناك عقبة حرجة فيما بين الأعداد 150 و 200 حينما تعاني الشركات الكبرى من ارتفاع معدلات التغيب والتمارض. لقد قام توني بيشر من قسم التربية بجامعة سيسكس بنشر مسح بحثي في عام 1989م عن 12 فرعا من فروع البحث في العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. وقد وجد بيشر أن اباحثين الذين يعتبر عملهم مقبول المستوى تراوحت مجموعاتهم بين 100و 200، أما إذا زاد العدد عن ذلك ، فإنه من الأرجح أن يتجزأ إلى مجموعتين أو أكثر، وهناك مجموعة من الأمثلة الأخرى الجديرة بالاعتبار في قرى العصر الحجري القديم بالشرق الأوسط التي كشفت آثارها، حيث كانت تضم بين 120 إلى 150 نسمة بالحكم على عدد المساكن التي تم التنقيب عنها وهذه القرى وجدت منذ 6000 سنة قبل الميلاد.
    وقد اتخذت مجموعة الهتيريت الأصولية الدينية في أميركا الشمالية العدد 150 حدا أقصى للمجموعة التي عاشت مجتمعة وقامت بالزراعة على المشاع. ومن الطريف أنهم قسموا مجموعاتهم عند هذا العدد لأنهم وجدوا أنه إذا زاد عدد الأفراد على 150 عندئذ لن يمكنهم التحكم في سلوك الأعضاء بمجرد الضغط من النظراء.

    ترسيخ العلاقات:
    تلك كانت أمثلة قليلة مستمدة من عدد ضخم من الدلائل السوسيولوجية والأنثروبولوجية التي توضح أن التجمع الطبيعي من حوالي 150 فرداً هو الحادث في المجتمعات البشرية، وأن بإمكان الأفراد داخل هذه المجمعات أن يحافظوا على مجموعة مترابطة من العلاقات عبر الزمن من خلال الاتصال المباشر بين أفراد المجموعة.
    وتثير حقيقة أن الحجم الطبيعي للمجموعة البشرية هو 150 فرداً بعض الأسئلة المهمة حول كيفية حفاظ مثل هذه المجموعة الكبيرة على ترابطها، في الثدييات العليا على وجه العموم، وفي قردة العالم القديم والقرود الكبيرة (كالغوريلا والشمبانزي) على وجه الخصوص، نجد أن " التنظيف والعناية" هي الآلية الرئيسية لترسيخ الروابط ودعم العلاقات بين الأفراد. كما أن الوقت المكدس للعناية بأفراد أخرى أو مراعاتها يتناسب مع حجم كل مجموعة. وتتحقق هذه العلاقة بصورة واضحة على الأقل بين قرود العالم القديم والقردة الكبيرة، تلك التي يصل حجم مجموعاتها إلى 55 حيواناً في كل مجموعة (الرباح أو السعدان والشمبانزي أساسا). وتقضي هذه الحيوانات ما يصل إلى 20% من ويمها في هذا النشاط. ونستقي من هذه البيانات أن الوقت المطلوب للإبقاء على الترابط داخل مجموعة من 150 فرداً قد يصل إلى 35- 45 بالمائة من النهار.. ومن غير المحتمل أن يتمكن أي نوع من الحيوانات عليه أن يبحث عن طعامه يومياً من تحقيق الدرجة المثلى من الترابط في مجاميع بمثل هذا الحجم الكبير.

    تكلفة المؤانسة
    تكمن المشكلة الرئيسية في المؤانسة الاجتماعية أنها مكلفة من حيث الزمن الذي تقتضيه. فالقرد لا يمكنه أن ينظف أو يعتني إلا بفرد واحد فقط في الوقت الواحد. ولا يمكن أن يقوم برعاية قرد آخر ويتناول غذاءه أو يتنقل بين مواقع الغذاء في نفس الوقت، ولا يمكنه أن يقوم بأي نشاط ضروري آخر بصورة متزامنة. ويحتمل أن السعدان والشمبانزي الذين تستغرق المؤانسة 20% من وقتهم يشتغلون فعلياً على حدود طاقاتهم القصوى لذا لا يمكن أن تتأتى أي زيادة في حجم المجموعة سوى بالتحول في الآلية المستخدمة من أجل إقامة الروابط الاجتماعية. ومن المحتمل أن هذا التحول في آلية المؤانسة والرعاية قد تبلور على شكل لغة في البشر. واللغة تتمتع بخاصيتين مميزتين في هذا الصدد فبإمكانك أن تكلم عدداً كبيراً من الأفراد في نفس الوقت، كما يمكنك أن تتكلم وأنت مرتحل أو أثناء الأكل أو خلال العمل في الحقل. ولقد افترضت الحكمة التقليدية أن اللغة قد تطورت كي تعين البشر على تبادل المعلومات عن مصادر الغذاء وتعاونهم أثناء الصيد. إلا أنه يصعب أن نجد في هذا زيادة في حاجات البشر عن الثدييات العليا الأخرى، إذا كان الكلام يتعلق بالصيد فسينطبق الأمر أيضاً على آكلات اللحوم التي تعيش حياة اجتماعية مثل الأسود والذئاب.
    والمقترح الأكثر إقناعاً هو أن اللغة قد تطورت كي تمكن البشر من إدماج أعداد أكبر من الأفراد في مجموعاتها الاجتماعية، ويدعم هذا التصور أنه بفضل اللغة يمكن التحدث مع عدد من البشر، فإذا كانت اللغة بالفعل مجرد شكل من أشكال المؤانسة الصوتية يقصد منه خدمة مجموعة أكبر من العلاقات عندئذ يجب أن تعكس كفاءتها النسبية في هذا الصدد نسبة حجم المجموعات البشرية إلى أكبر حجم لمجموعات الثدييات العليا 55 في الشمبانزي والسعدان ومتوسطها في البشر 148. على هذا يجب أن تكون كفاءة المحادثة كآلية للترابط هي 155 إلى 55 بالمقارنة بالمؤانسة في الحيوان فإذا اعتبرنا أن المؤانسة (العناية والتنظيف) محدداً بعلاقة فرد إلى فرد، فمعنى هذا أن اللغة يجب أن تحقق نسبة 1: 2.7 وبعبارة أأخرى يمكن القول إنه بينما تتحدد المؤانسة عند القردة بين قردين، فإن مجموعات المحادثة في البشر يجب أن تضم 3.7 فرد في المتوسط (أي متحدث و 2.7 مستمع). وهذا هو ما يحدث بالفعل. فلو أخذنا مثلاً أحجام مجموعات المحادثة في قاعة المطعم الطلابي فسنجدها في المتوسط حوالي 3.4 فرد، مع ميل واضح إلى انقسام المجاميع الأكثر من أربعة إلى مجموعتين صغيرتين أو أكثر من ذلك.
    ومن الجدير بالاعتبار أنه قد اتضح ذلك أيضاً بدراسة المدى السمعي في حجم المجاميع. فقد أظهرت قياسات مستوى صوت الكلام عبر المسافة أن الحد الأقصى للمحادثة هو لخمسة أشخاص، فإذا زادت المجموعة عن ذلك عندئذ يميل المشاركون إلى الوقوف في دائرة كي يتمكنوا من سماع بعضهم البعض بوضوح. وهكذا يبدو أن خصائص الحديث ترتبط بحجم مجموعة التفاعل التي يتطلبها الإبقاء على الصلة قائمة.

    أهمية الخوض في سيرة الآخرين:
    يعد الخوض في سيرة الآخرين – بالطبع- أسلوباً آخر تتيح فيه اللغة توحيد عدد أكبر من العلاقات الاجتماعية، إذ تسمح بتبادل المعلومات عن أفراد آخرين غير موجودين أثناء المحادثة. بمعنى أنه في حديثنا مع شخص واحد يمكننا أن نتعرف على قدر كبير من المعلومات عن أفراد آخرين، حول كيف يمكن أن نتفاعل معهم عندما نلقاهم، أو أنواع علاقاتهم بأطراف ثالثة. كل هذه الأمور تسمح لنا أن ننسق علاقاتنا الاجتماعية داخل المجموعة بكفاءة أكثر.
    وتبدو أهمية هذه الإمكانية في المجموعات المتفرقة التي تعد من خصائص المجموعات البشرية.
    قد يفسر هذا شغفنا بالنميمة الاجتماعية وتناقل أخبار الآخرين في الصحف، كما يفسر لماذا يحتل الخوض في سيرة الآخرين نسبة كبيرة من المحادثات البشرية. حتى الأحاديث التي تتم في أرفع الأماكن شأناً مثل قاعات المقهى الجامعي، هناك تتأرجح الأحاديث بين المقولات الأكاديمية والخوض في سيرة البعض. وحتى تتبلور الصورة أمامنا حول أهمية النميمة والخوض في سيرة الآخرين قمنا بالمراقبة في مطعم جامعي مع تسجيل موضوع الحديث كل 30 ثانية. وقد تبين أن العلاقات الاجتماعية والتجارب الشخصية قد احتلت 70% تقريباً من وقت المحادثة. كرس نصفها تقريباً للعلاقات والتجارب مع أطرقا ثالثة غير موجودة أثناء الحديث، وقد تبين أن هناك ميلاً واضحاً لدى الذكور إلى الحديث عن علاقاتهم وتجاربهم، بينما مالت الإناث إلى الحديث عن علاقات وتجارب أناس آخرين.
    وذلك أمر مثير للاهتمام لأنه يمكن تفسير هذا الفارق بافتراض أن اللغة قد تطورت في سياق الرباط الاجتماعي بين الإناث. وقد افترض معظم الأنثربولوجيين أن اللغة قد تطورت في سياق علاقة رجل برجل أثناء الصيد مثلاً. لذا فإن القول بأن رابطة الأنثى بالأنثى قائمة على أساس معرفة علاقات الآخرين، هي أكثر أهمية وتتفق أكثر مع الآراء المتعلقة ببنية مجتمعات الثدييات العليا غير البشرية حيث تعد العلاقات بين إناثها الأكثر أهمية.
    تعد قدرة المحادثة على نقل معلومات عن أفراد غير موجودين أثناءها ذات أهمية حيوية، إذ بفضل ذلك يمكن أن ننقل للآخرين خبرة التعامل مع أفراد لم يروهم من قبل. أضف إلى ذلك أنه بفضل اللغة يمكن تصنيف البشر في أنماط أو ندرجهم في فئات. وهكذا يمكننا أن ننسب الحديث إلى فئات من الأفراد عوضاً عن أن نحصر الحديث في الأفراد- كما في حالة الثدييات العليا. فيمكننا مثلاً أن نعطي علامات مميزة خاصة للأنماط المختلفة من الأفراد مثل معاطف المعمل البيضاء، أو الخوذة الكبيرة الزرقاء وهذه العلامات تسمح لنا بالتصرف بشكل ملائم حتى لو لم نقابلهم من قبل. وبدون هذه المعرفة، قد يستغرق الأمر منا أياما كي نضع أسساً للعلاقة معهم.
    وهكذا تتيح التصنيفات المتعارف عليها والتقاليد الاجتماعية لنا توسيع شبكة العلاقات الاجتماعية وذلك بإنشاء شبكة من الشبكات، وهذه بدورها تمكننا من خلق مجموعات كبيرة فعلياً وبطبيعة الحال فإن مستوى هذه العلاقة سيتصف بالبساط والفجاجة إلى حد ما إلا أنه يمنع عنا الخطأ الاجتماعي في مستوى العلاقات السطحية عندما نلتقي لأول مرة مع الآخرين. أما عندما تتحول العلاقات إلى العمق، وتصبح الصلة وطيدة، عندئذ نلغي اللغة ونرتد إلى الأسلوب القديم في التفاعل المباشر أو المخاشنة المتبادلة.
    وعلى ذلك فإن ما تتناوله هذه المقالة هو نظرية جديدة عن تطور اللغة والتي قد تفسر أيضاً عدة أوجه من سلوكيات البشر وتفسر هذه النظرية سبب الشغف بالخوض في سيرة الآخرين، كما تفسر لما تتسم المجتمعات البشرية بالطابع الهيراركي وتتنبأ بصغر حجم مجموعات المحادثة، وتتماشى مع الفهم العام عن كبر حجم أدمغة الثدييات العليا عن بقية الثدييات، تتفق وجهة النظر القائلة إن اللغة قد تطورت فقط مع ظهور الجنس البشري.
    أما ما لا تفسره هذه النظرية فهو الدافع لدى أسلافنا كي يعيشوا في مجموعات من 150 فرداً تقريباً ، فمن المستبعد أن يكون لهذا علاقة بالدفاع ضد المفترسات (وهو السبب الرئيسي في تجمع الثدييات العليا غير البشرية) إذ إن أحجام المجموعات البشرية تزيد بكثير عن مجموعات الحيوانات الثديية العليا في البشرية ، لكنها ربما ترتبط بإدارة المصادر الطبيعية أو الدفاع عنها، خاصة أن هذه المصادر مشتتة ومتفرقة مثل الآبار التي قد كان مجتمع القطيع البشري البدائي يستغلها في بعض أوقات العام.

  • #2
    رد: لماذا نستمتع بالنميمة؟

    الموضوع هام وجدير بالمناقشة والمناقشة تطول
    شكرا جزيلا أخ فريد

    تعليق

    يعمل...
    X