إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تحوير السيّاب للأسطورةِ وتحميلُها مضامينَ جديدةً - الدكتور عبد الرضا علي : ناقد أدبي وكاتب عراقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحوير السيّاب للأسطورةِ وتحميلُها مضامينَ جديدةً - الدكتور عبد الرضا علي : ناقد أدبي وكاتب عراقي

    الأسطورة في شعر السيّاب

    بقلم عبد الرضا علي



    الدكتور عبد الرضا: ناقد أدبي وكاتب عراقي
    الأسطورة في شعر السيّاب
    (إيجازٌ مركّز)
    رابعا ً- تحوير السيّاب للأسطورةِ وتحميلُها مضامينَ جديدةً :
    ويتجلّى ذلكَ في المحاورِ الآتيةِ:
    أ – التوحّدُ
    ب – قلبُ الأسطورةِ
    ج – تعسّرُ الولادة
    وتلخيصاً لمحورِ التوحّدِ نقولُ: حينَ يرى السيّابُ أنّ فجيعتَهُ دائمة ُ الحضورِ في حياتِهِ، فإنّه يحاولُ أن يسبِغَ عليها ما يجعلها تشكّلُ عندَ المتلقّي معايشة ً، أو مشاركة ً إنسانيّة ً لمعظمِ ما يُعانيهِ .
    ولمّا كانت رموزُ العذابِ كثيرة ً في تاريخِ ِ الإنسانِ، فإنّ السيّابَ قد جعلَها تعبّرُ عن حالتِهِ الفرديّةِ، بأنْ وحّد بينها وعذابه ِ وآلامهِ وصولاً إلى تعميمِ الحالةِ، وتوسيعِ دائرتِها الإنسانيّةِ، لأنَّ الفرديَّ وحدهُ الذي يثيرُ اهتمامَ الفنِّ عندما يكونُ فيهِ شيءٌ يُعبّرُ عن العامِ فيعكسُهُ. " ⁽⁷⁾ ففي قصيدةِ "المسيحُ بعدَ الصلبِ" يوحّدُ السيّابُ بينَ رمزي السيّد المسيح، وتمّوزَ، ثمَّ يتوحّدُ بهما من خلالِ مونولوج درامي ذي وقع ٍ جنائزيٍّ حزينٍ :
    بعدَما أنزلوني، سمعتُ الرياحْ
    في نُواحٍ طويلٍ تسفّ ُ النخيلْ
    والخطى وهيَ تنأى.إذن فالجراح
    والصليبُ الذي سمّروني عليهِ طوالَ الأصيلْ
    لم تُمتْـني. وأنصتّ ُ: كانَ العويلْ
    يعبرُ السهلَ بيني وبين المدينة ْ
    مثلَ حبلٍ يشدّ ُ السفينة ْ
    وهي َ تهوي إلى القاع ِ كان النواحْ
    مثلَ خيطٍ من النورِ بين الصباحْ
    في هذه القصيدةِ كانَ السيّابُ يمرّ ُ بأحوالٍ نفسيّةٍ وسياسيّةٍ قاهرة، جعلته يفكّرُ بالموتِ، وعدّهُ خلاصا ً لكلِّ ما فيه من معاناةٍ وقهرٍ، فقد رأى في الموتِ حياةً أخرى ..إنَّ موتَهُ ليس عبثا ً، إنّما هوَ حياةٌ أخرى لأولئكَ الذين سيعيشون من خلالِ فدائهِ وتضحيتِهِ :
    مُتّ ُ،كي يُؤكل َ الخبزُ باسمي،لكي يزرعوني مع الموسمِ،
    كمْ حياةٍ سأحيا، ففي كلِّ حُفرة ْ
    صِرتُ مستقبلاً، صِرتُ بذرةْ
    صِرتُ جيلاً من الناسِ في كلِّ قلبٍ دمي
    قطرةٌ منه أو بعضُ قطرة ْ
    كذلكَ الحالُ في قصيدةِ "رحلَ النهار" إذ يوحِّدُ فيها بينَ رمزي "السندباد البحريّ العربيّ" و " عوليس " الإغريقي، ثمَّ يتوحّدُ بهما. ففي هذهِ القصيدة ِ صوّرَ انتظارَ حبيبتِهِ له بما يُشبِهُ انتظار "بنيلوب" لـ "عوليسَ" في الأديسّةِ، ولمّا كان رمزُ السندبادِ يقاربُ من حيثُ الملمحِ ِ الشعريِّ رمزَ "عوليس" فقد آثرَ أن يتبنّاهُ تصريحا ً لكونِهِ عربيّا ً، ولأنّ صورةَ ارتحالهِ الدائمِ ماثلة ٌ أكثرَ من "عوليس" في وجدانِ القارىء العربيّ، غيرَ أنّ المتلقّي الذكيَّ لا يجدُ في رمزِ "السندبادِ" ما يمنعُ من عدِّهِ "عوليسا ً" ، لأنّ جوَّ القصيدةِ يُعبّرُ عن ذلكَ بوضوح ٍ :
    رحلَ النهارْ
    ها إنّه انطفأتْ ذبالتُهُ على أفقٍ توهّجَ دونَ نارْ
    وجلستِ تنتظرينَ عودةَ سندبادَ من السِّفارْ
    والبحرُ يصرُخُ من ورائكِ بالعواصفِ والرعودْ
    هوَ لن يعودْ
    أوَ ما علمتِ بأنّهُ أسرتْهُ آلهة ُ البحارْ
    في قلعةٍ سوداءَ، في جُزُرٍ من الدمِ والمحارْ
    هوَ لن يعودْ،
    رحلَ النهارْ
    فلترحلي..هوَ لن يعودْ
    فالسندبادُ العربيّ ُ لم تكن له زوجةٌ معيّنةٌ تنتظرهُ كما كانت "بنيلوب" تنتظرُ "عوليسَ"، ولأنَّ آلهة َالبحارِ ترتبط ُ بمغامراتِ "عوليسَ"، وبجوِّ أسطورتِهِ تحديدا ًبخلافِ رحلاتِ السندبادِ .
    وبعدُ : فإنَّ هذا الإيجازَالقصيرَ لا يُعطي صورةً مثلى عن الأسطورةِ في شعرِ السيّابِ، كما انّهُ لا يُقدّمُ الأنموذجَ الذي مكّنهُ من أن يصلَ في بعضِ ما وظّفَ إلى أعلى مؤشّر ٍ في عمليّةِ الخلقِ والإبداع ِكما في قصيدتيهِ: "المعبدِ الغريقِ" و " إرَم ذات العماد"، فضلاً عن أنهُ لا يرسِمُ خطّا ً بيانيّا ً لتطوّرِ السيّابِ في توظيفِ الأسطورةِ، إنّما يقدّمُ الإطارَ العامَ الذي يساهمُ (على نحوٍ جزئيٍّ) في تحديدِ أبعادِ ذلكَ التوظيفِ ليس غير، راجينَ عفوكم إن أشرنا إلى أنَّ كتابنا " الأسطورة في شعر السيّاب" قد حقّقَ (كما نزعم) هدفهُ في رسمِ الصورةِ كما ينبغي بموضوعيّة ٍ.
    ختاما ً:
    قالَ "أرشيبولد مكليش" مدافعاً عن نفسِهِ حين اتّهِمَ أنَّ مسرحيّتَهُ " جي بي" افتئاتٌ على إحدى روائع ِالتوراةِ : " لقد بنيتُ مسرحيّة ً حديثة ً داخلَ الجلالِ العريقِ الذي لسفرِ أيّوبَ كما كانَ البدو قبلَ ثلاثين سنة ً مضتْ يبنونَ داخلِ خرائبِ تدمُرَ الشاهقةِ أكواخَهم من صفائح ِ البنزينِ مسقوفة ً بحجارةٍ ساقطةٍ ، كان للبدوِ في ذلك عُذرٌ،هي الضرورةُ، ولن أجدّ أنا عذرا ً أفضلَ من ذلكَ لنفسي . عندما تعالجُ مسائلَ أكبرَ من طاقتِكَ، ولكنّها مع ذلك تلحّ ُعليكَ، فإنّكَ تضطرّ ُ إلى أنْ تؤويها في مكانٍ ما..وإذا وجدتَ جدارا ً قديما ً كانَ فيه عونٌ لك." ⁽⁸⁾ ولعلّكم لن تعذروا السيّابَ لو لم يفعلْ ما فعلَهُ" مكليش" ويؤوي أشياءَهُ الجميلة َ في مساكنَ خاصّةٍ، فعلى المرءِ ألّا ينسى "أنّ في بيتِ الفنِّ مساكنَ عديدةٍ " كما قال وليبرس سكوت.
    هوامش:
    (*) نصّ ُ المحاضرة التي ألقيت في الذكرى السابعة والأربعين لرحيل السيّاب التي أقامتها مؤسّسة الحوار الإنساني بلندن مساء 11/ 01/ 2012م، وشاركت في فعّاليّاتها الشاعرة ورود الموسوي بمحاضرة عن اللون في شعر السيّاب، فضلاً عن معرضٍ تشكيليّ صاحب الاحتفاليّة، وكان جزءاً حيويّاً منها أقامه جمعٌ من الفنّانين استوحوا لوحاته من بعضِ قصائد السيّاب ، وقد استمع الحضور إلى قصائد عديدة بصوتِ السيّاب، وشاهدوا حلقتينِ من مسلسل(بدر شاكر السيّاب) الذي أ ُنتج سنة 1998م، وغيّبت عرضه(حتّى الآن) دعاوى قضائيّة، وهو من تأليف الراحل سامي محمّد، وتمثيل نخبة من ألمع نجوم التلفزيون العراقي، وقد أدّى دور بدر شاكر السيّاب الفنّان حكيم جاسم.
    (1) مجلّة شعر: أخبار وقضايا،ع3: 111- 123، وهذه الآراءُ مجتزأة من مقدّمةِ السيّابِ لمختاراته التي أحيا بها أمسية "خميس مجلّة شعر" صيف 1957م، في بيروت . (2) عبد الجبّار عبّاس : السيّاب، 30.
    (3) يوسف الصائغ : الشعر الحر في العراق، 162،مطابع رمزي، بغداد،1978م.
    (4) نفسه.
    (5) جيمس فريزر: أدونيس، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا،11، دار الصراع الفكري،بيروت، 1957م.
    (6) نبيلة ابراهيم : الإنسان والزمن في التراث الشعبي، مجلّة الأقلام البغداديّة، أيار، 1976م.
    (7) أوفسيانيكوف،وز.سمير نوفا : موجز تاريخ النظريّات الجماليّة، تعريب باسم السقّا،446،دار الفارابي، بيروت، 1975م.
    (8) جماعة من النقّاد: الأسطورة والرمز، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا،105، بغداد، 1973م.
يعمل...
X