إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفراغ والبديل (إيجازٌ مركّز) الأسطورة في شعر السيّاب - الدكتور عبد الرضا علي : ناقد أدبي وكاتب عراقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفراغ والبديل (إيجازٌ مركّز) الأسطورة في شعر السيّاب - الدكتور عبد الرضا علي : ناقد أدبي وكاتب عراقي

    الأسطورة في شعر السيّاب

    بقلم عبد الرضا علي

    عبد الرضا علي
    الدكتور عبد الرضا: ناقد أدبي وكاتب عراقي
    الأسطورة في شعر السيّاب
    (إيجازٌ مركّز)
    أولاً – الفراغ والبديل:
    قال بدر: " لم تكنِ الحاجة ُ إلى الرمز،إلى الأسطورة أمَسَّ ممّا هي اليوم، فنحنُ نعيشُ في عالَمٍ لا شعرَ فيهِ، أعني أنَّ القيمَ التي تسودُهُ قيَمٌ لا شعريّة، والكلمة العليا فيه للروحِ، وراحتِ الأشياءُ التي كانَت في وسعِ ِ الشاعرِ أنْ يقولَها، وأن يحوّلَها إلى جزءٍ من نفسِهِ تتحطّمُ واحداً فواحداً، وتنسحبُ إلى هامشِ الحياةِ، إذا ً فالتعبيرُ المباشرُ عن اللاشعر لن يكونَ شعراً، فماذا يفعلُ الشاعرُ إذا ً؟ عادَ إلى الأساطيرِ، إلى الخرافاتِ التي ما تزالُ تحتفظُ بحرارتِها لأنها ليست جزءاً من هذا العالمِ، عاد إليها ليستعملَها رموزاً، وليبنيَ منها عوالمَ يتحدّى بها منطقَ الذهبِ والحديدِ. كما أنّه راحَ، من جهةٍ أخرى يخلقُ له أساطيرَ جديدةً، وإن كانت محاولاتُهُ في خلقِ هذا النوعِ ِ من الأساطيرِ قليلة ً حتّى الان."⁽¹⁾
    كان ذلكَ في صيف 1957م، أي بعد مرحلة ِالانفصام ِ الحزبي بأقلّ من ثلاثِ سنوات، وهي مرحلة ٌ تختلفُ في عوالمِها عن مرحلةِ الانتماءِ، لأنَّ الانتماءَ - كما يراه بعضُ نقّادِنا في تلكَ الحقبةِ - " كانَ ملاذاً لطائفةٍ غيرِ قليلةٍ من الشبابِ الذي يُعاني من استلاباتٍ عديدةٍ هي دون شكٍّ ذاتُ جذور ٍ اجتماعيّةٍ؛ ولكنَّ المستلبَ لم ينتمِ انطلاقاً من وعيهِ بهذهِ الجذورِ، إنّما لينسى فيها استلابَهُ، ويمنحُ سخطهُ الفرديَّ تبريراً عادلاً بوصفهِ وجهاً من أوجهِ الانفعالِ بقضيّةٍ عادلةٍ ."⁽²⁾، إلى جانبِ أنّ الانتماءَ إلى حزبٍ معيّنٍ كما يراهُ المنتمي "يجعلُ المرءَ أكثرَ اتّزاناً، وأوفرَ ثقافة ً، وأشدَّ جرأةً، وأقوى شخصيّة ً، وبالتالي فإنّه يحظى باحترامٍ يميّزهُ بين زملائهِ، وبإعجابٍ يطمئنُ عنده حاجته للظهورِ."⁽³⁾
    أمّا الانفصامُ فمعناهُ الخيبة ُ السياسيّة ُ التي تجرّ ُ المرءَ للبحثِ عن بديلٍ لحالةِ الفراغ ِ التي تنشأ بالتأكيدِ بعد التعقيدِ الذي يحدث ُ له عند تخلّيهِ عن أفكارهِ وقناعاتِه القديمةِ.إذ " أنّ على الحزبي المنفصلِ عن حزبهِ أن يبحثَ عن أصدقاءَ جددٍ، واهتماماتٍ جديدة، وأفكار ٍ جديدةٍ، متجاوزاً صداقاتِه، واهتماماتِهِ، وذكرياته، وأمجادَه، وفي ذلكَ الكثيرُ من العذابِ." ⁽⁴⁾ ، وهذا البديلُ يختلفُ من إنسانٍ لآخرَ، فقد يراهُ بعضُهم في الدينِ، فتكونُ الرحلة ُ إلى عالمِ التصوّفِ ملاذاً وخلاصاً ممّا يُعانيهِ، وقد يجدُهُ بعضُهم في جسدِ المرأةِ فيتحوّلُ إلى عالمِها بشبقٍ جنسيٍّ، ولهاثٍ لا حدودَ له تعويضاً عن حالةِ الفراغِ ِالتي يُعانيها.
    أمّا السيّابُ الإنسانُ والشاعرُ، فقد وجدَهُ في الأسطورةِ، وهو بديلٌ رآهُ تعبيراً عن حالةٍ حضاريّةٍ وقلقٍ نفسيٍّ، وتعويضاً فنيّاً يمكنُ الركونُ إليهِ لأنّه لا يزري بالتجربة أبداً. لهذا كانتِ الأسطورةُ في شعرهِ تجسّدُ حالة َ الانكسارات، وما يجتاحُ الضميرَ الأنسانيَّ من تناقضاتٍ وأزماتٍ حضاريّةٍ، وتعويضاً، أو بديلاً عن فكرٍ أيديولوجيٍّ مفقودٍ بالخيبةِ (في بداءةِ استخدامها)، لكنّ تواصله مع عالمها السحريِّ جعله يطمئنُ إلى أنّها خيرُ إنجازٍ فنيٍّ تحقّقُهُ القصيدةُ التفعيليّة ُ توظيفاً في التعبيرِ حين َ يحمّلُها المبدعُ الفعلَ الخلّاقَ.
يعمل...
X