إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحرمان والعطف والسعادة وعذاب الروح - الفنان تشايكوفسكي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحرمان والعطف والسعادة وعذاب الروح - الفنان تشايكوفسكي

    تعلم في عمر مبكر مفاهيم كبيرة


    مثل الحرمان والعطف والسعادة وعذاب الروح

    تشايكوفسكي.. النغم المنفرد



    قليل من عمالقة الموسيقى الكلاسيكية أثار الجدل حول عبقريته مثلما فعل هذا الفنان الذي عاش في ما يعرف بالحقبة الرومانسية. وقليل منهم عانى من التغيّر في الأذواق ومعايير العظمة مثله. فبينما تمتعت أعماله النابعة من وجدان معذب بما يبتغيه أي فنان وهو الشعبية في عصره، رماه نقاد وقتها بالتشبه بالموسيقيين الغربيين والبعض الآخر بأن لمؤلفاته تأثير التنويم المغناطيسي على المستمعين.
    لكن حتى هؤلاء الأخيرون أقروا بأنه سيد موسيقى الباليه.
    صلاح حسن

    هو صاحب عدد من الأعمال الخالدة في عالم الموسيقى مثل: “بحيرة البجع” و”الجمال النائم” و “كسّارة الجوز”. على أن الزمن أثبت أنه لم يتخذ مكانته وسط الكبار فقط بفضل هذه الأعمال. فبين أعماله العديدة المتميزة بالشجن العميق، تبرز على وجه الخصوص سيمفونياته الثلاث الأخيرة (من ست)، وكونشيرتو البيانو الأول وسوناتا الكمان على سبيل المثال وليس الحصر.
    بدايات
    ولد بيتر ايليتش تشايكوفسكي في 7 مايو (ايار) 1840 ببلدة كامسكو – فوتكينسك الصناعية الصغيرة إلى الشرق من موسكو. وكان والده، ايليا بيتروفيتش، مهندسا في المناجم الحكومية، ووالدته، إلكسندرا، روسية من أم فرنسية. وكان له أخ يصغره بعشرة أعوام هو موديست الذي صار لاحقا كاتبا دراميا ومترجما.
    قضى تشايكوفسكي طفولته تحت رعاية مربية فرنسية. ولكن كانت لعلاقته بوالدته خصوصية أثرت عميقا على حياته الاجتماعية والموسيقية. كانت الوالدة، على عكس المربية، صارمة وقصيّة تعتبر أن إظهار العاطفة ضعفا لا يغتفر. لكنها كانت تعشق ابنها ولهذا كان قناع صرامتها يسقط بين الفينة والأخرى فتتحول الى امرأة أخرى.
    وفي خضم هذين التيارين المتضاربين نشأ الصبي وتعلم، في عمر مبكر، مفاهيم كبيرة مثل الحرمان والعطف والسعادة وعذاب الروح. وقد ترك هذا أثره على موسيقاه في ما بعد في أعمال مثل «روميو وجولييت» وباليهات مثل «بحيرة البجع».
    العام 1848 شهد رحيل الأسرة الى سنت بيترسبرغ. وبعد عامين التحق تشايكوفسكي بمدرسة علوم القانون ليخرج منها عام 1859 موظفا في وزارة العدل. لكن عشقه للموسيقى كان يسكن كل خلية في جسده. فقد حكت والدته انه كان في صغره يعاني أحيانا من الأرق وأنها عندما تسأله عن السبب ينخرط في البكاء ويشير الى رأسه قٍائلا: «الموسيقى هنا لا تتركني وشأني. ابعديها عني أماه»!.
    لذلك بدأ في سن الخامسة تعلم البيانو مع مدرّسة شهدت هي بنفسها أنه مع بلوغه سن السابعة كان يقرأ النوطة الموسيقية ويعزف بمستوى أعلى منها هي المعلّمة. وراح الصبي يجد في الموسيقى سلواه خاصة بعد أمرين يتعلقان بوالدته: أولهما عندما أرسل الى المدرسة واعتبر هو في ذلك محاولة من جانبها للتخلص منه. وتمثل الثاني في فجيعته بمماتها بالكوليرا عام 1854. لكنه وجد بعض السلوى في تأليفه أول «فالتز» كرسه لذكراها.
    خائن غربي
    في ما بعد تتلمذ تشايكوفسكي على يد نيكولاي زاريمبا حتى 1882 عندما افتتح معهد (كونسيرفتوار) سنت بيترسبرغ للموسيقى، فترك وظيفته الحكومية والتحق به. وهنا لفت مدير المعهد، انتون روبنشتاين، فتولاه برعايته وعلمه الكثير بما في ذلك قيادة الأوركسترا التي كانت ترعبه بسبب طبعه الخجول. على أن هذه الرعاية أورثته ازدراء خمسة موسيقيين (أشهرهم نيكولاي ريمسكي – كورساكوف مؤلف سيمفونية “شهرزاد”) عرفوا بمجموعة “الخمسة” المشهورة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية الروسية. وكانت المجموعة تعتبر أن روبنشتاين ومعهده وتلاميذه “يسعون للانعطاف بالموسيقى الروسية الى الحظيرة الغربية”. ورغم ان تشايكوفسكي نفسه كان معجبا بمبادئ المجموعة وكتب سيمفونيته الثانية على شرفها، فلم ينتم إليها في أي من الأوقات لأنه كان يسعى الى العرفان الدولي إضافة إلى المحلي.
    في الفترة 1869 – 1875 اشتغل تشايكوفسكي بالتدريس والنقد الموسيقي إضافة الى تأليفه ثلاثة من أعماله الأوبرالية وأصبح اسما معروفا في روسيا وخارجها لكنه كان بعيدا عن الثراء. وفي 1877 كاشفته تلميذة له اسمها انتونيا ميليكوفا بحبها له وهددته بالانتحار إذا رفض الزواج منها. فرضخ لأمرها وعاش معها تسعة أسابيع تعيسة أتت إلى ختامها بانفصاله عنها ومحاولته الانتحار غرقا.
    ومع أن شقيقه موديست انتشله من مرماه هذا، فقد عجز عن إنقاذه من انهيار عصبي أعقب الأمر برمته. ومع هذا الحال رحل تشايكوفسكي الى سويسرا ثم الى ايطاليا حيث استطاع استعادة عقله وعافيته وقدرته على العودة الى موهبته الكبرى. وظل يدعم انتونيا، التي استجابت، في خضم جنونها بتشايكوفسكي، لرغبات سلسلة طويلة من الرجال وحلولها في مصح عقلي ماتت فيه بعد عمر طويل.
    مدام فون ميك
    في تلك الفترة أيضا وجد تشايكوفسكي متنفسا هائلا في الرعاية المالية التي وجدها من نبيلة تدعى مدام ناجدا (ناديجدا) فون ميك. فقد خصصت له مبلغا سنويا كان يكفي تماما لتخصيص وقته للتأليف الموسيقي بدلا من دعم ذلك بالتدريس والنقد... وهو ما كان. ومع كل هذا، فالواقع انهما لم يلتقيا البتة. لكنهما تبادلا عددا من الخطابات كشفت عشقها العظيم لموهبتته وله شخصيا، وأنه من جهته، ألف سيمفونيته الرابعة من أجلها. كما أوضحت أن أهلها هم الذين وقفوا حائلا بين لقائهما. وبفضل رعايتها له كتب تشايكوفسكي مؤلفات أتت له بالشهرة ليس في روسيا وحسب، بل في انجلترا والولايات المتحدة أيضا. وعام 1885 انتقل إلى منزل ريفي وعاش في عزلة اختيارية خرج منها بسيمفونيته “مانفريد” التي بناها على قصيدة لورد بايرون الدرامية بالاسم نفسه.
    وعامي 1888 و1889 قام بجولة قاد فيها الأوركسترا في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا. وبعد عرض “الجمال النائم”، توجه الى فلورنسا وفيها ألف أوبراه “ملكة ورق اللعب” التي عرضت العام التالي في سنت بيترسبرغ.
    كانت هذه هي أيضا الفترة التي أوقفت فيها مدام فون ميك إعانتها له إما بسبب مرضها أو، على الأرجح، تحت ضغوط أهلها. ورغم أن تشايكوفسكي صار قادرا على العيش من أعماله الموسيقية وليس بحاجة حقيقية إلى مالها، فقد كان القرار ضربة عاطفية موجعة لم يتعاف منها حتى مماته.
    عبقري معذب
    أتى العام 1891 لتشايكوفسكي بمزيد من الشهرة والمال بعد زيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة وظهوره في “ميوزيك هول” (أعيدت تسميتها “كارنيغي هول”) وهي أشهر قاعات العروض الموسيقية الأميركية. وشهد العام التالي عرض أوبراه “كسارة الجوز”، والعام الذي يليه نيله الدكتوراه الفخرية من جامعة كيمبريدج.
    كان هذا هو عامه الأخير أيضا. وفيه أكمل سيمفونيته السادسة التي كان قد بدأها ثم هجرها قبل عامين. وبعد اكتمالها اعتبرها تشايكوفسكي نفسه أفضل أعماله على الإطلاق. لكن النقاد أهالوا عليها التراب مما أحزنه إلى حد قيل معه إنه تعمد شرب الماء بدون غليه طلبا للموت بالكوليرا، وهو ما تم له. فقد مات بها – مثل والدته من قبله – في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 1893. وكان ذلك بعد تسعة أيام من عرض سيمفونيته السادسة التي يصح بالتالي أن تسمى “القاتلة”.
يعمل...
X