إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المبدعون في اللحظات المرعبة - سلمان إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المبدعون في اللحظات المرعبة - سلمان إسماعيل

    المبدعون في اللحظات المرعبة

    إذا لم يكن السكوت، عن الحقيقة، مقبولا من الأديب، وهو يتذرع بمرارة إعلانها، فان استمراره في لغو الكتابة وطحن الكلمات، خارج الحقيقة اخطر أنواع الممارسة، لأنه، كما يقول نكراسوف:
    " لا شئ يجبرك أن تكون شاعرا، أما أن تكون مواطنا فهذا فرض عليك " .
    ولن تكون فصيحة ولا مقنعة تلك المرافعة التي تستند إلى أن هذا المخلوق النوعي الذي يسمى (الأديب) من حقه، شأن العمال الآخرين. أن يبحث عن سوق لبيع ( قوة عمله) في عالم يهدد المتواضعين والمتقاعسين بالبطالة فالفقر فالجوع.. وإنها النقطة القاتلة، حقا، أن يتحول الأديب إلى هذا (العامل) الذي لا يستغني عن تقديم الخدمات المطلوبة من غير ما حرص على تقاليده وقيمه الأصلية.. لاهثا وراء السوق والتسويق ، مسالما الواقع الذي يستدعي، غالبا، ( أصبغة) خاصة،و ( تغليفا) محددا، و (مقاسات) مشروطة.
    . هذه الظاهرة التحويلية للإنتاج الأدبي، و الفني عامة، وفق حاجة السوق ، يستجيب لها كثير من الذين رخصت بضاعتهم، فما أسرع ما يعملون لتطويع (منتجهم) لقائمة الشروط (النظامية) المطلوبة ! وحينئذ تنسحب من المعارض الإبداعات الأصلية ، وقد أهمل مبدعوها رغبات بطونهم وابتعدوا بمنتجاتهم عن ساحات العرض غير خائفين أن تلاحقهم تهمة الإفلاس ونضوب الينابيع، وتطبق عليهم بفظاظة متشفية، تنسية مدروسة.
    وهكذا صار. مع الزمن. لهوس الحضور الاسمي، في الأوعية الإعلامية والثقافية، تقاليد ومهارات محددة لايخطأها المجدون النشطاء .

    فحتى لا يسقط اسمك من دورية ثقافية يحسن أن تفتش عن عمل (معلب) للمؤتمن على هذه الدورية أو لأحد محبيه، ان لم يكن هو ذاته من أصحاب السوابق الأدبية. وتتعهده تحليلا واستنطاقا واستيحاء. متتبعا حلقات إبداعه "المدهشة طبعا" وحقول. مداليك " الساحرة والأخلاق ".. وحتى لا تتجاهلك (بيبلوغرافيا) المرحلة تقدر أن تلجأ إلى رموز الحاضر مصورا انبهارك بنورانية الإشعاع ومجذوبا بلمعة العبقرية.. ولا بأس ان تلجأ إلى تراث الاجداد أو تتشفع به منقبا عن لحظات اشراقية كائنة أو مفترضة، والدنيا لا تضيق بمجتهد.
    * إن ما يصدم في الواقع الثقافي، على امتداد هذه الجغرافيا العربية تقريبا، هو امتداد الفطر الرخو على الجذوع العفنة، وذلك المشهد الذي يضع المبدع الأصيل الذي لما يفقد ابتسامته الخبيثة، أمام تحديات قاسية قد تضطره احيانا ، للانفصال ولو إلى حين عن الجمهور الذي حط تعميم الرداءة من مستواه الثقافي العام لتبرز ، على أثر ذلك أخطر إشكاليات الثقافة المعاصرة المتجلية غربة الثقافة الأصلية و انبعاث روح الرومانسية من جديد في شرايين الإبداعات المتميزة ، حيث يهرب المبدع مرة أخرى ، إلى صحراوات اضطرارية منفرداً بملهمات إبداعه ، أو يعرج إلى (أوليمبا) مرعب سامق لم يرده العاديون ولا يقدرون امداء ذراه أو يستطيعون اكتناه أسراره الملغزة... ورغم ما تبعثه غربة الثقافة الأصيلة من أسى ، فان الخطر الأكبر لايكمن هنا، بل انه، فقط، في حالة الوصول إلى الانقياد، بفعل اي مؤثر، إلى الصخب الخارجي والهدير التبسيطي الخادع، ومادام الفنان لم يخسر (أذنه الباطنية) التى تنفتح على موسيقا المستقبل الرائعة، فانه ما يزال محافظا على ثقله النوعي، أما أن يفقد إيقاعه الداخلي، ويضل طريقه، فهذه هي النهاية الفاجعة حقا، لأن المبدع حتى ولو غدا "منشقا" فانه لا يفقد كل شئ، ما لم يداوره الواقع أو يتحايل عليه ليحتويه رافدا (صغيرا يختلط بتلك السواقي الأسنة المتجمعة من الرشوحات الموسمية السابحة على السطح، فيعظم به نشيد الضجيـج العام في لحظة الحريق الذي لا يخلف لهباً
    هذا التشاؤم لا ينبغي أن يفهم على أنه اليأس، وإذا كنا نشهد لحظات تاريخية مرعبة، ونحن كذلك، فإن هناك إمكانية في ذروة هذه المأساة الدائرة ان يتحد الرائع واللازم، النافع والجميل، عبر عملية تطهير حقيقية، ومازالت كلمات (توتشييف) ذلك الشاعر الروسي من القرن التاسع عشر صحيحة، حتى الآن، ومبشرة: " طوبى لمن أتى هذا العالم / في ساعاته المصيرية / لقد اختاره الأخيار/ ليكون جليسهم إلى مأدبة / فهو شاهد مناظر عظيمة ".
يعمل...
X