إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إعادة اكتشاف صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ 'بين السماء والأرض'

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إعادة اكتشاف صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ 'بين السماء والأرض'

    'بين السماء والأرض' .. إعادة اكتشاف صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ
    مثل 'باب الحديد' و'بين السماء والأرض' أعمال قادرة على تجاوز اختبار الزمن واللغة والجغرافيا، استنادا إلى سحر السينما، لو تحقق لها الصدق الفني.
    ميدل ايست أونلاين
    بقلم: سعد القرش
    ظل المصعد معلقا
    نحو 90 دقيقة


    رجل له عيون صقر، يقف في مدخل عمارة بوسط القاهرة، ويلقي نظرة قاتلة مصحوبة بتعليمات صارمة على أحد مساعديه: "لو باظت عملية النهار ده رحنا في داهية". الرجل هو محمود المليجي، وكان يخفي وجهه بصحيفة "الجمهورية" الصادرة بمانشيت يقول: "كيف ترشح نفسك؟".
    مشهد عابر، وليس عابرا، في بداية فيلم "بين السماء والأرض"، كأنه صنع من أجل انتخابات غامضة، يتقدم إليها، بلا وازع من وطنية، من يجب أن يختفوا من المشهد العام حتى ننسى، ولكنهم يدافعون عن رقابهم ومستقبلهم، لأن "العملية لو باظت.. راحوا في داهية".
    علق صديق عربي قائلا: "هل يتحدث الفيلم عن كواليس ليلة موقعة الجمل؟".
    في مشهد تال بعد أن يعلق 14 شخصا في مصعد "بين السماء والأرض"، يقول أحدهم إنه صاعد مع زوجته لعيادة "الدكتور مبارك"، فهي على وشك الولادة، ويطمئنه سعيد أبوبكر ساخرا: "دكتور كويس قوي"، وقبل أن يسعد الرجل بالبشرى يفاجئه أبوبكر بإكمال جملته التي تدعو للتشاؤم: "هو اللي ولد بنت عمتي الله يرحمها". وظل المصعد معلقا نحو 90 دقيقة، وقد توحدت فيه مصائر ممثلين للطبقة الوسطى، ولص كبير لا يتورع عن القتل، ولص سريح، وهارب من مستشفى الأمراض العقلية، وأرستقراطي متكبر، وصاحب عين جائعة، وفتاة صاعدة إلى السطح لتنتحر مع حبيبها، وخائن صديقه، ونجمة السينما. والجميل عبدالغني النجدي. والمصعد المعطل ينتظر المهندس، ولكن اليوم عطلة، ويذهب البواب الصغير ليبحث عنه في ستاد الترسانة، فتخطفه المباراة من المأساة، ويجلس وسط المصفقين لإحراز أهداف في المعلب فقط، وحين يغيب القادر على الإنقاذ، يصبح المواطنون ضحايا تجربة عشوائية يقوم بها بواب جاهل يدفع المصعد للصعود والهبوط بجنون. ومن الإنقاذ ما قتل!
    قصة كاشفة لنجيب محفوظ، واستطاع السيد بدير أن يصوغها سبيكة حوارية مدهشة، والتقطها صلاح أبو سيف لتكون فيلما من الكلاسيكيات، ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. خلت القاعة التي عرض فيها الفيلم بمهرجان أبوظبي السينمائي من مشاهدين مصريين، وازدحمت بمشاهدين عرب وأجانب أبدوا دهشتهم من الفيلم الذي صنع قبل 52 عاما! وكان الفيلم بعرضه السينمائي مفاجأة لي، كأنني أشاهده للمرة الأولى، وهو من بين تجارب قليلة في مشاهدة تحف سينمائية على شاشتها الأصلية.
    السينما، وليس الشاشة الصغيرة، التي تختزل الجمال، وتكفي فقط لتوصيل رسالة الفيلم العامة، على حساب جماليات الصورة.








    العام الماضي عرض مهرجان أبوظبي السينمائي فيلم شادي عبدالسلام (المومياء)، وفي يوليو/تموز 2007 شاهدت في الهند فيلم يوسف شاهين "باب الحديد"، على شاشة سينمائية تستوعب نظرات قناوي الجائعة إلى فتاة المحطة، وإلى هنومة، نظرات بعمق الاشتهاء والجرح والحرمان والحاجة إلى تحقق شخصي، وهو ما لا تفلح في إظهاره شاشة التلفزيون المستأنسة.
    كان صلاح أبو سيف محقا، لم يكابر حين ذهب إليه عبدالحي أديب بالسيناريو، فقال له: "هذا فيلم مجنون، اذهب به إلى يوسف شاهين". ذهب الرجل، وكتب الحوار محمد أبويوسف، لكن الجمهور فوجئ بأن فريد شوقي يتوارى، يدخل إلى مساحة من الظل، في حين يتقدم قناوي نصف المجنون، نصف العاشق، المنتقم الكامل في النهاية. ثار الجمهور "العاطفي"، وغضب على شاهين وعاقبه سنوات، ثم أعاد اكتشاف الفيلم مع ظهور التلفزيون، وكأنه يرد الاعتبار ويقدم الاعتذار، عن الخطأ في حق الفنان الذي يجب أن يسبق الجمهور والنقاد بخطوات. فاجأني سينمائيون لا أعرف جنسياتهم، حين عرفوا أنني مصري، وهتفوا:
    ـ «Oh, Cairo station».
    مثل "باب الحديد" و"بين السماء والأرض" أعمال قادرة على تجاوز اختبار الزمن واللغة والجغرافيا، استنادا إلى سحر السينما، لو تحقق لها شرط واحد هو الصدق الفني.
    ولكن "باب الحديد" في الهند كان أوفر حظا من "بين السماء والأرض" في أبوظبي.








    ففي الهند حظي شاهين وفيلمه بتقديم نقدي عن المخرج وعمله، وفي أبوظبي عرض "بين السماء والأرض" يتيما، على الرغم من كونه أول عمل في احتفال المهرجان بمئوية نجيب محفوظ. ويتضمن الاحتفال عرض ثمانية أعمال لمحفوظ هي "بداية ونهاية" لصلاح أبوسيف، و"درب المهابيل" لتوفيق صالح، و"الجوع" لعلي بدرخان، و"اللص والكلاب" لكمال الشيخ، و"بين القصرين" لحسن الإمام، إضافة إلى الفيلمين المكسيكيين "بداية ونهاية" و"حارة المعجزات" وهما مأخوذان عن روايتي محفوظ "بداية ونهاية" و"زقاق المدق".
    غاب المصريون المشاركون في احتفالية نجيب محفوظ عن أول أفلامه، كأن أحمد لوكسر، الذي أدى دور المخرج في فيلم "بين السماء والأرض" كان يصرخ في كل منهم: "دي سينما يا بني آدم مش لعبة. افهموها بقى"، كأنه ينبه إلى أن الفيلم غير تقليدي إذ يشارك فيه (محفوظ/السيد بدير/أبو سيف).
    عرض الفيلم وحده، في أقسى اختبار لعمل يواجه جمهورا لا يعرف المؤلف ولا المخرج، ولا اللغة العربية، ولكنه معمار فني متين، لا يحتاج إلى من يشرح، أو يثني على مؤلفه أو مخرجه. وإذا كان الفيلم لم ينجح جماهيريا عام 1959، نظرا لأنه متقدم على الوعي الفني والجمالي لجماهير اعتادت أن تشاهد أعمال المصطفين (نيازي وحسام الدين) والحسنين (الصيفي وإمام).
    لم يلجأ أبوسيف عام 1959 إلى مداعبة الجمهور، وقد كاد يختنق في المصعد مع 14 مواطنا، أما جمهور المهرجان، وكله من العرب والأجانب الذين لا يفهمون العربية، فلم يجد صعوبة في الفيلم، وأضحكهم الحوار طوال العرض، كأنه فيلم كوميدي، وأدهشتهم قدرة المخرج على التحكم في عمل تدور أحداثه في مصعد، خلال 100 دقيقة هي زمن الفيلم والأزمة، إلا أنه وجد حيلة للخروج إلى الهواء الطلق في ستاد الترسانة، أو الصعود إلى سطح العمارة حيث ينتظر فريق الفيلم النجمة المحبوسة في المصعد، وهو نوع من التمجيد الهامس للسينما، إذا كانت "مش لعبة"! سعد القرش ـ روائي مصري [email protected]
يعمل...
X