إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لقاء الفنان ( نبيه محمد الحسن ) النحات الحمصي - سريعة سليم حديد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لقاء الفنان ( نبيه محمد الحسن ) النحات الحمصي - سريعة سليم حديد

    حوار مع الفنان التشكيلي
    النحات الحمصي نبيه محمد الحسن
    سريعة سليم حديد


    الفنان التشكيلي «نبيه محمد الحسن» من مواليد حمص عضو اتحاد الفنانين العرب، مدرِّس متقاعد، متفرِّغ الآن للعمل الفني في مجال النحت، مشارك في العديد من المعارض الفردية والمشتركة.

    من يتجه لزيارة الفنان «نبيه» أول ما يلفت نظره وهو يصعد إلى بيته عند المنعطف الأول للدرج، ذاك الباب الخشبي الذي قام بتصميمه بذائقته الفنية المشبعة بحب النحت والوله به.
    الباب فيه قطعة من المعدن وُضِعَت في منتصفه تقريباً لتكون بمثابة مطرقة صغيرة مزودة بحلقة متحرِّكة، وعلى الجهة اليمنى من الباب قطعة من الخشب نافرة منحوتة بشكل هندسي جميل لتكون قبضة الباب بالإضافة إلى عدة قطع نافرة التصقت بالباب لتعطيه شكلاً زخرفياً مميَّزاًَ.
    وأنت تدخل غرفته يلفت نظرك الترتيب الدقيق لكل شيء، سواء أكان مادة نحتية أو كتباً أو أشياء كثيرة، أضف إلى ذلك أن كل الأشياء الموجودة هي من صنع الفنان نفسه، مثل المكتبة والطاولات الصغيرة والمكتب، الديوانة، وأشياء كثيرة.

    الغرفة مليئة بالأعمال النحتية، منها خشبي وطيني، ومنحوتة خاصة من (الجص) للشاعر الكبير «أدونيس».
    الفنان «نبيه الحسن» يتَّسم بالمرح ودقة الملاحظة والرأي ويتمتع بغزارة ثقافية لافتة للانتباه، أضف إلى ذلك امتلاكه لموهبة أصيلة في فن النحت، وهذا تدلُّ عليه المنحوتات المتميزة، فهي منحوتات تعبِّر عن أفكار فلسفيَّة ورؤية نقدية ووجودية للإنسان بما يحمل من مشاعر وأحاسيس. ومثال ذلك قطعة منحوتة من خشب السنديان عبارة عن حالة عناق بين رجل وامرأة جاء رأساهما على شكل عمارة، فالموضوع العام للمنحوتة هو ربط العمارة بالإنسان، الرأس هو العمارة والعين والأنف والأذن والفم، كلها نوافذ لهذه العمارة، هناك منحوتة تمثل الشاعر الكبير «أدونيس» نحتها الفنان بكل دقة وإحساس من مادة (الجص) فقد عبَّر بها عن حبه وتقييمه للشاعر «أدونيس» بذاك اللون الأبيض النقي.
    وهناك منحوتة طينية تمثل اندماج المرأة مع الرجل، وهي عبارة عن حالة تكامل حسي ونفسي بآن واحد.
    وتلفت الانتباه منحوتة تمثل الجرح الذي حلَّ بجذع الشجرة فيمكن أن يلتئم بوساطة شدِّهِ بالأسلاك على عكس جرح الإنسان الذي لا يشفى إلا بخيط يلائم نسيجه المادي.
    حتى إذا خرجنا إلى الشرفة وجدنا المكان الذي ينفـِّذ فيه الأستاذ «نبيه» عمله، خاصة في الوقت الذي يضمن فيه وجود الجيران في العمل الوظيفي وأيضاً الأطفال في المدارس، وكما هو معلوم أن العمل النحتي يحدث ضجـَّة لا بدَّ منها.
    وهنا أيضاً يلفت نظرنا الترتيب الدقيق لأدوات العمل وكل ما يستلزم المكان.
    ـ أستاذ نبيه، ما هو الفن؟
    ـ أرى الفن أرقى ما أنتجه الإنسان عبر العصور، والفن بشكل عام هو الشعر والحضارة الأسطورة والموسيقا، الفن يعتمد على البصر والبصيرة والملمس من ناحية المادة.
    تعجبني بالشعر هذه الصورة الفنية لـ « أبي علاء المعري » عندما يصف ليلته بطريقة لم يرها حتى المبصرون، قال:
    ليلتي هذه عروس من الزنج
    عليها قلائد من جمان

    الفن هو فكر مادي وروحي، والنحت مادة، لكن الإبداع فيها يظهر من خلال بث الروح في أوصالها، والصراع القائم بين الروح والمادة عبر فكر الإنسان هو الذي أنتج الفنون بشكل عام، ويخطئ من يعتمد المادة فقط أو الروح فقط، لأن الإنسان مادة وروح.
    ـ كيف تفهم الفن؟
    ـ الإنسان هو خليفة اللـه على الأرض وبالتالي الإله المبدع الأول لهذا الكون خلق الإنسان بصورة مصغـَّرة عنه، وهذه فكرة ( وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر)، وبالتالي المبدع المصغـَّر هو الإنسان، والكثير من المبدعين اعتبروا الطفل هو الفنان الأول، فطفولة تاريخ الإنسان هي المؤسس الأول لعالمه المبدع.
    ـ كيف برزت ملامح الفن لديك؟
    ـ كنت كثير التأمل بالنظر إلى الأشياء من حولي، في المدرسة كنت أتأمـَّل الأستاذ، شكله، عينيه، شعره، أتأمَّل التلاميذ، هذا أودى بي إلى الشرود وعدم الانتباه لما يقوله الأستاذ، ومن يتأمَّل الشكل تتطور لديه الذاكرة التشكيلية ويصبح بإمكانه أن يرسم أي شيء دون أن ينظر إليه.
    في البداية اتجهت إلى الرسم والأشغال، لم تكن لدينا ألعاب، طبعاً نتيجة الظروف والوضع الذي لم يتطور بعد سواء على صعيد الأسرة أم على صعيد المجتمع، لذلك كنا نصنع ألعابنا بأيدينا مثل (سيارة، تمثال، بيت..) وذلك من بقايا النفايات التالفة كـ (الخشب، الأسلاك، علب فارغة..) وذلك بوساطة أدوات بسيطة.
    كل من حولي كان يدهش مما كنت أرسم أو أصنع، لأنني كنت أقدِّم لهم لوحات وأشكالاً ومجسمات جميلة ومتميزة.
    ـ أي المواد النحتية التي وجدت فيها حساً يناسب موهبتك لتجسِّد أحاسيسك فيها؟
    ـ الخشب لأنه مادة حسيَّة أشعر بأنه قريب من نفسي، فيه الدفء والملمس الخشن والناعم والتكوينات الجميلة التي في بعض الأحيان ترشدني إلى أعمال لم تكن في الحسبان.
    ـ ما هي المؤثرات الخارجية التي لعبت دوراً كبيراً في نمو موهبتك الفنية؟
    ـ تأثرت بحضارة بلاد الرافدين وخاصة بفن العمارة الطينية وبالتراث الفني العربي، ولا بأس لكل من يرغب بالوصول إلى مراتب عليا بالفن من العودة ومراجعة وقراءة هذا التراث العريق الذي اعتمد عليه كثيرون من فناني الغرب، مثل: «بيكاسو» و«غوغان». الفنانون الآن يعتمدون على تقليد الفن الغربي ومحاولة التأثر به، وقد نسوا أن لديهم فناً عريقاً جديراً بالاهتمام، وبالمناسبة أذكر هنا شاعرنا الكبير «أدونيس» فقد ذكر لي مرة أن أرقى وأغلى الأعمال الفنية في متاحف العالم هي
    أعمال من الشرق، ولا ننسى مقولة مدير متحف (اللوفر) في فرنسا: (بأن للإنسان وطنين وطنه الذي يعيش فيه، وسورية).
    ـ ما هي الأجواء النفسية التي تعيشها أثناء الحالة الفنية؟
    ـ أنا عندما أنفذ العمل أكون بحالة تفكير وتأمل وحوار مع المادة والشكل حتى أندمج بالحالة لأصبح جزءاً من العمل، لذلك فالعمل الفني يدل على الفنان ذاته.
    في أثناء التأمل أستمع إلى الموسيقا الكلاسيكية العربية والغربية، أما أثناء تنفيذ العمل فلا أستمع لشيء لأنني أستمتع بموسيقا العمل ذاته.
    ـ هناك معتقدات دينية تمنع وضع المنحوتة في البيوت، هل أثَرَّ ذلك على تقدم فن النحت، ما رأيك؟
    ـ جسَّد الإنسان منذ القديم الإله بظواهر الطبيعة من خلال الرسم والنحت ثم تبع ذلك أن عبدها، لكن في العصر الحديث أصبح الفن هو تأويل ورؤية للكون يعطي إبداعات فنيَّة وليس معبودات مقدَّسة.
    ـ هل شكل المادة وتكوينها هو الذي يفرض عليك نوعية العمل،

    أم أنت تفرض فكرتك على المادة؟
    ـ أنا أعمل على الحالتين، هناك بعض المواد توحي لي بموضوع معيَّن، مثلاً جذع شجرة يوحي لي بفكرة جذع أنثى راقصة، أو مثلاً كتلة صخرية قريبة من شكل رأس ما أحاورها وأضيف عليها لأقربها من الفكرة التي أريدها.
    هناك أعمال أعتبرها كتلة مادة أضع الفكرة وأستخرجها من المادة نفسها، مثلاً فكرة تمثال لرجل بحركة معينة أفكر بالمادة التي تستطيع أن تعطيني إحساساً مناسباً لهذا العمل.
    ـ ماذا عن قيمة العمل الفني المادية؟
    ـ العمل الفني لا توازيه أي قيمة فنية، وإني أشعر بالحرج عندما يسألني أحدهم عن القيمة المادية لأحد أعمالي، لأن هذا العمل لا يعاد أبداً فكيف لي أن أتاجر به؟ فقيمة العمل بالنسبة لي هي قيمة معنوية لا تقدَّر بثمن.


يعمل...
X