إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بحمص صلاة الاستسقاء (أم الغيـض ياريه ** عـبّي جبابنا مـيه ) في الذاكرة الشعبية الحمصية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحمص صلاة الاستسقاء (أم الغيـض ياريه ** عـبّي جبابنا مـيه ) في الذاكرة الشعبية الحمصية

    مظاهر الاستسقاء في الذاكرة الشعبية الحمصية
    الباحث : أ. مصطفى الصوفي
    كثير من البلدان كانت تمر عليها فترات طويلة وسنوات عديدة من القحط فتشمل الموجة مناطق واسعة من الأرض ومنها مدينة حمص
    فتحبس السماء أمطارها، وتجف الأرض وتيبس الزروع وتشح الخيرات، ويشتد العطش والجوع، وتقع الناس في ضيقة كبيرة وشدّة عظيمة وتهزل أجسام الناس والحيوانات ويرافقها هجمات الجراد وانتشار الأوبئة وقد يموت خلق كتير وتفنى حيوانات كثيرة.
    كانت تعاني المدينة وأهلها من الفقر والجوع فقد كانت تقام حفلات خاصة وصلاة استسقاء كبرى وطقوس مميزة يحمل فيها مصحف عثمان بن عفان من جامع القلعة في موكب كبير يخيم عليه الضراعة والمهابة والرجاء على رأس الموكب القاضي والمفتي ونقيب الأشراف والوجهاء والمشايخ ويتوجهون به إلى الجامع الكبير ويؤدون فيه صلاة الاستسقاء ويتبركون بالمصحف ثم يعيده الموكب إلى مكانه وينفض الموكب ( انظر مذكرات المكي )
    وهكذا قد جرت العادة منذ القديم أن يلجأ المسلمون وغيرهم إلى المساجد وأماكن العبادة للصلاة والتضرع ويطلبون من الأولياء والصالحين وأهل الكرامات الدعاء لرفع البلاء، ويطلب العلماء من الناس الاستغفار والتوبة، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وأداء الحقوق المغصوبة إلى أصحابها.
    وفي أيام القحط يعم الجوع، وتبدأ عمليات السرقة والسلب والنهب، وتضجّ الناس بالشكوى ولا من مجيب، فيلجأ الناس إلى كبار المشايخ والعلماء يطالبونهم بالتضرع والدعاء، وطلب المدد من السماء عسى الله ألاّ يخيّب أملهم ويرفع البلاء عن العباد ويحفظ ماء وجههم.
    يطلب الشيخ الكبير من جموع الناس أن تعلن التوبة وتجهر بالاستغفار، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، ثم يعلن عن القيام بصلاة الاستسقاء، ويحدد لهم الزمان والمكان، وعند ظهر ذلك اليوم، يخرج الناس جميعهم إلى الفلاة مع الشيوخ والعجائز والأطفال والحيوانات ، يقلبون ثيابهم، حاسري الرأس، منكسري النفوس، وقد لبس الكبار معاطفهم بالمقلوب، وتجمعت بجانبهم قطعان الماشية العطشى، وقد ارتفع ثغاؤها كالأنين من قلب مجروح بطلب الماء لإرواء العطش. وترتفع أصوات الضراعة والأنين إلى الله تعالى أن يرفع عنهم القحط ويغيثهم بالمطر.
    تملأ الجموع سهل الميدان الواسع غرب طريق الشام الذي صار يعجّ بالخلائق من كل الأجناس،ويلتحق معلموا المدارس وتلاميذهم، وشيوخ الكتاب وصبيتهم بالموكب، وقد خيم على الجميع الحزن والكآبة، ويبدأ الفتيان بالإنشاد:

    يا ربنا يا ربنا ابعث مطر لزرعنا
    الكبار لو أذنبوا نحنا الصغار شو ذنبنا ؟
    وينشد التلاميذ أيضاً :
    يا من يغيث المستغيث إن لم تغثنا فمن المغيث
    ما لنا من رب مغيث سواك يا رب العباد
    ومع أناشيد الفتية وابتهال الحشود وثغاء الحيوانات، وأنين الشيوخ والنساء يتشكل جو من الضراعة والرجاء يتجاوب معه الكون بكل فلجاته هاتفاً بصوت واحد( يا الله ).
    ويرفع الجميع أكفهم إلى السماء، ويعلو صوت الشيخ بالدعاء، والجموع تردد وراءه بصرخة واحدة ( آمين )، فتذهب مجلجلة في أرجاء السهل، وما إن يصل الشيخ إلى منتصف الدعاء حتى تخترق الجموع صيحة قوية كلها بشر ورجاء: ( يا أمة محمد. صلوا على محمد. أتاكم الخير ) ، فتتوجه الأنظار باتجاه الغرب، فتنفرج الأسارير بالفرح ومجيء الفرج، عندما يرون السحب السوداء الداكنة، وقد انعقدت كالجبال حاجبة الأفق من بعيد، فتعلو نبرة الدعاء وتضج الناس بالتأمين، فيرتج السهل كله وترتفع حرارة الخشوع والخشية والانكسار، وينخرط الناس بالبكاء وتسيل الدموع على الخدود، وما يكاد يرفعون جباههم من سجود الركعة الأولى من الصلاة حتى يدهمهم الرشاش، وما ينقلبون من قعود الركعة الثانية إلا وثيابهم تعصرها ماء المطر، فيهبون فرحين مستبشرين ويندفعون متسابقين راكضين نحو البلد.
    وعادة الاستسقاء قديمة عند العرب قبل الإسلام فإذا أمسكت السماء عن المطر وقحطوا يستمطرون السماء، فيعمدون إلى نوعين من الشجر هما " السلع والعشر " وهما شجرتان مرّتان، فيحزمونها ويعقدونها في أذناب البقر، ويضرمون النار فيها ويصعدونها في طريق وعر إلى الجبل ، ويتبعونها وهم يدعون الله المطر، ويضرمون النار في أذناب البقر تفاؤلاً بالبرق، وكانوا يسوقون البقر باتجاه الغرب يتقدمهم الثور...
    الاستسقاء عند الأطفال
    من أهم صور التراث التي تحمل كل معاني البساطة، والبراءة والجمال لعبة استسقاء الأطفال التي تسمى ( أم الغيض ). وأم الغيض ليست امرأة عاد
    ية في المجتمع لها حكايتها وهمومها، ومشكلاتها، إنما هي لعبة وأغنية ( عداوية ) لعبها وغناها وردّدها الأطفال والفتيان، عبر معتقدات سائدة عفوية ساذجة بريئة يمارسونها أيام القحط، وحبس المطر والعطش.
    في أيام القحط تختفي البسمة من الوجوه، ويحل بدلاً منها الخوف والجوع، يلجأ الناس إلى الجوامع، فيؤدّون صلاة الاستسقاء متضرعين إلى الله تعالى، أن ينقذهم من هذا البلاء العظيم، وكلهم أمل ورجاء أن تجود عليهم السماء بالغيث لتعود البسمة والأمل لوجوههم.
    في ذلك الوقت يتجمع بعض الفتيان والفتيات، والأطفال ليقوموا بدورهم أيضاً في طلب الماء، والقطر من السماء على طريقتهم الطفولية البسيطة، فيصنعون لعبة من القصب والعيدان لها يدان ورأس يلبسونها قبعة وقميصاً، ثم يحملها أحدهم ويرفعها عالياً وتسير مجموعة الأولاد خلفه، ويهتف أحدهم ويردد معه الباقون :

    أم الغيض يا ريَّ عـبي جبابنا مـيَّ
    لنغسـل ونتغسل ونغسل ثوب الصبيَّ
    هذه هي المقطوعة اللازمة للعداوية التي يغنيها الأطفال، ويرددها الأولاد في لعبة الاستسقاء، والذاكرة الشعبية تحفظ العداوية التي ينسجها الفتى المردد على هذا المنوال.
    وقد تعددت أسماء أم الغيض فقيل عنها أم الغيط وأم مطير وأم الغيث حسب المنطقة والبلد وجميعها ألفاظ مختلفة تحمل ذات المضمون وهي الماء والخير والمطر، ومما يعد الأطفال :

    أم الغيـض ياريه عـبّي جبابنا مـيه
    لنغسـل ونتغسـّل ونغسل توب الصبييه
    أم الغيض غيضينا شتّي على زريعينا
    زريعينا عطشانه يارب تصبح رويانه
    أم الغيض غيضينا شتي على سطوحينا
    إذا الكـبار أذنبو نحنا الصغار شو ذنبنا
    وتتغير الكلمة في نهاية الشطر الثاني من الصبيه إلى البنيه إلى العجيه وجميعها بذات المعنى ...
    وخلال اللعبة الاستسقائية وطقوسها تمر مجموعة الفتيان على كل بيت في القرية، فيقفون أمام الباب ويغنون حتى تخرج إليهم صاحبة الدار، فتعطيهم ما تيسر من البرغل، أو السمنة أو الزيت أو العدس، وعندما يستديرون للذهاب ترشهم بسطل من الماء تيمناً بالخير والعطاء، وتتابع المجموعة سيرها إلى بيوت القرية ...
    في نهاية حفلة أو لعبة الاستسقاء الطفولية يجتمع الأولاد في بيت أحدهم، وتتبرع صاحبة البيت بطبخ البرغل، فيتناول الأولاد الطعام، وهم في قمة السعادة فرحين مسرورين، ثم يذهب كل منهم ويتفرّقون إلى بيوتهم .
    وليس غريباً أن تنجدهم السماء بالغيث والمطر جراء جهدهم، وتعبهم وتضرعهم إلى الله أن يرفع عنهم بلاء الجفاف، والقحط لتعود البسمة إلى ربوع الوطن،وتزهر الحقول بالثمر والأمل.
    من أغاني وأدعية الأولاد دعوة للشتاء:

    يا رب تشتي لروح عند ستي
    وآكل فطيره من تحت الحصيره
    ومنها أيضا ً :
    يارب تشتي عا صلعة جدي
    وتتطلعلو شعرا وتقلعا ستي
    ملاحظة :
    كتبت كلمات الأغاني بلفظها العامي كما تغنى باللهجة المحلية الحمصية وحتى نفهمها تماماً وتلفظ الكلمة أو الاسم على نحو صحيح كما هو متداول وشائع بين الأوساط العامية نشير إلى ما يلي: ـ كتابة الهاء في نهاية الاسم أو الكلمة تلفظ مكسورة مع المد بحيث تصبح كالياء في نهاية الكلمة مثال: فطيرة تكتب فطيره وتلفظ فطيري ومثلها حصيرة تكتب حصيره وتلفظ حصيري ومثلها الطاسة والعراسة والتينة والقنينة وعيشة وتمرية وشبرية ... إلخ أما الكلمة التي تنتهي بالتاء المربوطة الساكنة فإنها تلفظ وكأنها تنتهي بتاء مفتوحة ممدودة الآخر أي كأنها تنتهي بألف مثال: الجورة تلفظ الجورا والعجورة أيضاً العجورا ومثلها المحفارة والفارة ...إلخ وبشكل عام تلفظ نهاية الكلمات سواءً أكانت مفتوحة أم مكسورة بمضاعفة المد بشكل لافت للنظر في اللهجة المحلية الحمصية الأصلية .
يعمل...
X