إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محمد أمنصور بروايته ( دموع باخوس ) تسمو فوق الواقع حين يفكر الروائي في روايته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد أمنصور بروايته ( دموع باخوس ) تسمو فوق الواقع حين يفكر الروائي في روايته



    حين يفكر الروائي في روايته
    " دموع باخوس".. رواية تسمو فوق الواقع

    المصطفى سلامي
    ليست الرواية تجربة منتهية، و لا تعرف فكرا منتهيا، بل هي تجربة تحمل على التفكير، أي أن الروائي يفكر فيما يكتبه، والقارئ يفكر فيما يقرؤه1 هذا الإجراء قد يكون بعد الانتهاء من الرواية أو يتم داخلها وهذا ما يلمسه القارئ في بعض النصوص السردية حيث الروائي يفكر في جنس الرواية أو وظيفته أو أفقه...
    لقد تأكد مع الدراسات الروائية، أن الجنس الروائي، يفرض اجتهادات تنظيرية من خارج ومن داخل المؤسسة الروائية، إذ تؤسس الرواية وجودها بالتفكير دائما كيف تكون؟ وبرسم الصورة التي يجب أن تكون عليها...
    ليست للرواية صورة نهائية، وقدرها البحث عن الشكل الأنسب والبناء الأوفق والحكي الأكمل... في هذا السياق مارس الناقد المغربي محمد أمنصور تفكيرا في روايته دموع باخوس2 فكيف تحقق ذالك؟
    في بداية الرواية، يقف القارئ أمما التصور التالي: الرواية بحر"ص 9" وهو تصور يرجع إلى تفكير الروائي، حيث إن الكتابة الروائية مغامرة محفوفة بالمخاطر، تشبه في ذالك البحر. بهذا المجاز، يستحضر الروائي بوعي عميق وإحساس مترقب طبيعة المغامرة الروائية، والمختومة بالخيبة أو النجاح، وكأن الروائي في هذا النص يعقد اتفاقا مبدئيا مع القارئ أن الرواية بحر شساعة وغورا و عمقا و ثروة.
    تثير الكتابة الروائية عديدا من الأسئلة، و تطرح لفيفا من القضايا من قبيل: هل تقول الرواية الحقيقة؟ ما علاقة الرواية بالتاريخ؟ أين يكمن الاختلاف بين منطق الرواية ومنطق الواقع؟ هذه القضايا وغيرها، لم يتم الحسم فيها من طرف الدراسات النقدية التي قاربت أعمال روائية رائدة أو أكثر تمثيلية 3 بل لازالت التجارب الروائية تثير مثل هذه القضايا، إذ يقع التباس أحيانا بين الرواية و التاريخ، من حيث اعتماد السرد، و تناول نفس الموضوعات أو الوقائع....
    يطرح الروائي تصورا أو يشيد تمثلا مضمونه أن الرواية تشبه تاريخا مكتوبا"ص30"، بمعنى أن الرواية تتقاسم مع التاريخ حقيقة الحياة الاجتماعية لمجتمع ما حضاريا وثقافيا وسياسيا...وهذا ما رامته رواية "دموع باخوس "حيث رصدت الحياة الاجتماعية للمجتمع المغربي من خلال بعض الأحداث التي تشكل في عمقها أساسيات تاريخ المغرب المعاصر: ما بعد الاستقلال، الجامعة المغربية، هيأة الإنصاف والمصالحة، التحديث في المجتمع ....
    إن الرواية والتاريخ المكتوب صادران عن ذات تتخيل، ذات تعتمد الذاكرة الجماعية للمجتمع، ذات تمتح من مخزون الجماعة الثقافي والتاريخي والسياسي والمعرفي... وهذا ما خلص إليه بول ريكور حيث التخييل والتاريخ والزمن مكونات توجد في نفس الوضعية أي أن كل ما نحكيه يحدث في الزمن، وما يحدث في الزمن هو موضوع التاريخ4 هذا الوضع جعل الروائي ينظر إلى كون الحقيقة في الرواية لا تختلف عن الحقيقة في التاريخ، إنها حقيقة متخيلة، تتأسس من حيث الكم أو الكيف على الوهم لانفلات الواقع، فيكون التخييل إمكانا أمام الإنسان للإمساك بهذا المنفلت أو اللامرئي.
    ومن بين المسائل المطروحة في الرواية: منطق الكتابة الروائية التي تختلف عن منطق الواقع "ص75" حيث الروائي هو الخالق لكونه الروائي، الفاتح لمملكته الخيالية، الناظم لمنطقه، و المتحكم في صيرورته، له سلطة الإبطاء أو التسريع، الإفراج أو التأزيم، الإحياء أو الإماتة، الترتيب أو الخلط، الضبط أو الفوضى... وما يقدمه الواقع هو أن الوجود الإنساني بمختلف أبعاده و إكراهات الحياة يشكلان أساسا و خزانا للمشاريع الروائية.
    تأسس تفكير الروائي في روايته على إثارة مشاكل اختلاف الكتابة الروائية عن الكتابة الانثروبولوجية 5 حيث يفارق الروائي الانثروبولوجي "ص 29" باستناد صاحب الرواية على الخيال وفيضه، والتخييل وإمكاناته. الروائي يعيد تخيل الحياة الإنسانية كما لو كانت كذالك. ويقوم الانثروبولوجي على خيال افتراضي، قد يتخيل و يفترض، و بإمكانه أن يدرس ما افترضه أو يتحقق منه، بمعنى أن حدسه قابل للاختبار" ص32" عكس الروائي الذي يتخيل أو يفترض فقط، و يصعب عليه اختبار فرضياته. لا يفترض الروائي شيئا و يتأكد بالتجربة أو المعاينة من صحته أو مطابقته للواقع زمانا و مكانا، فالمعرفة "الروائية لا تستند على موضوعية قابلة للقياس والتأكد من صحتها، وإنما هي تجربة تمتزج فيها التجربة النسبية ذات الطابع الانطولوجي والغيري بسيرورة التذويت والاستبطان"6
    إن الخيال الذي تتأسس عليه الرواية يسمح لها بالسمو فوق الواقع "129 "وخلق واقع فني جديد، واقع متخيل متحرر من البعد المادي للأول ومنفلت من منطقه"155" مما يجعل العالم الروائي مملكة خيالية بامتياز "157" لكون التخييل مرجعيته منتجة لعوالم سردية تقدم للقارئ معرفة خاصة7 بهذه التجربة.
    من بين الجوانب المطروحة للتفكير بصورة محايثة، لنص:" دموع باخوس" جانب متعلق بالكتابة، ليس الأمر متعلق بتسويد الأوراق، وتنزيل الأفكار وإفراغ المخيلة، بل يشبه الطقس أو الشعيرة. ويمكن التعرف إلى هوامش الكتابة من خلال اعترافات الكتاب التي تؤخذ من خلال الحوارات أو السير الذاتية...8 وتفرض الكتابة الروائية كما جاء في" دموع باخوس" على لسان أنور في حواره مع علاء، وضع خطة في الذهن أولا، وبعد ذلك الشروع في الكتابة "ص 246" . الكتابة وفق هذا التصور خطوة ثانية بعد إتمام التفكير في الرواية والإمساك بمعالمها الأساسية وضبط صورتها في الذهن "ص 248"، وذا إمكان عام لتحقق الرواية، غير أنه ليس الوحيد، بل توجد إمكانات أخرى بثها الكاتب على لسان السارد مثل أن ينهي الكاتب الرواية و يأتي من يقوم بالمراجعة والتدقيق أو التصويب "ص251" وهي في هذا تشبه مشاريع البناء أو العمران، حيث بعد الانتهاء هناك من يجري التنظيف والتشذيب. وهناك إمكان ثالث مثل أن تكتب بالاشتراك "ص 253"9. غير أن الكتابة في بعدها الوجودي، وفي ارتباطها بالذات الإنسانية المتنوعة الوضعيات: اغترابا، مرضا، انتصارا، انهزاما، صراعا، حربا، سلما،عشقا...يرجح أن تكون نابعة من تجربة الذات، فلا أحد- كما قال الكاتب على لسان سارده- ينوب عن أحد في كتاب روايته "ص309".
    بهذه الصورة يكون الناقد محمد أمنصور قد صاحب المبدع الروائي محمد أمنصور في تجربته الروائية الثانية. لقد مارس الأول وعيه النقدي وطرح تصوره النظري بصورة محايثة لنسق الخطاب السردي في" دموع باخوس" وقد تجلى هذا الوعي النقدي من خلال القضايا التالية:
    - اختلاف الروائي عن المؤرخ.
    - اختلاف الروائي عن الأنثربولوجي.
    - الحقيقة في الرواية.
    - الرواية و طقوس الكتابة .
    - طبيعة الافتراض في التأسيس الروائي
    - منطق الرواية و منطق الواقع...

    تؤسس هذه القضايا المبثوثة في مواقع متفرقة من الرواية، والمحايثة لبناء النص عامة، أسئلة و قضايا عميقة تخص الإبداع الروائي، ربما لم تجب عنها الدراسات الروائية إجابات مقنعة وعميقة أو لم تعكسها بعد الأعمال الروائية المنجزة .هذا النمط من التفكير هو ارتداد على النص الروائي ذاته، كما هو الشأن في الارتداد الفلسفي حيث مارس الفكر الفلسفي عبر تاريخه مراجعات ليقينيات فلسفية جاهزة أو ثابتة. هذه المراجعات في مجال الرواية،هي من قبيل التنظير و النقد لتراكمات الإنجاز الروائي، هذا التراكم و التنوع في الإنتاج والتجارب كما و نوعا، يسمح بممارسة هذا النوع من التفكير في الرواية، وهو تفكير قد يأتي من خارجها أو محايث لها.لقد ساءل الناقد بعض يقينيات التجربة الروائية العربية عامة والمغربية خاصة، لأن آفاق الأسئلة تخص الحياة الاجتماعية المغربية في العمق، فهل هذه المراجعة أو الارتداد الذي مارسه الناقد أمنصور هو من باب:
    - عدم الثقة في الرواية ذاتها لكونها تنزلق أو تتفاعل مع خطابات أخرى مثل التاريخ و الأنثروبولوجيا و الميثولوجيا و السوسيولوجيا و السيكولوجيا فوجب التنبيه إلى ضبط الحدود و معرفة أين يقع التماس بين الرواية و غيرها.
    - الخوف على الرواية من سلطة النقد أو ضعفه أمام قيمة الرواية ذاتها، فجاءت هذه الأفكار المبثوثة بين طيات الرواية كإشارات أو علامات إرشادية للممارسة النقدية.
    - التجريب حيث الكاتب محمد أمنصور هو من أنصار التجريب و الباحثين فيه و الحاملين لتصورات عنه و المقتنعين بأهميته حيث جعل منه اختيارا فنيا لا رجعة فيه10.
    إذا كانت الرواية بطبيعتها- كما أكد باختين- غير قابلة للتقنين 11 بل يمكن التفكير فيها و إنتاج معرفة خاصة بها و تأويل الواقع أو الحياة الاجتماعية من خلالها، إنها تجربة تنتج المعنى و تؤسس الدلالة: الروائي ينتج و يؤول، و الناقد هو الأخر ينتج و يؤول و الكاتب الناقد يمارس ذلك بصورة مضاعفة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المراجع:
    1- انظر:Philippe defour : le roman est un songe .Essai. Seuil 2010.
    2- محمد أمنصور: دموع باخوس. رواية ط 1- منشورات الموجة 2010. وباقي الصفات الواردة في هذا المقال خاصة بهذه الطبعة.
    3- يمكن العودة إلى: فيصل دراج : الرواية و تأويل التاريخ. المركز الثقافي العربي، ط 1. 2004.
    4- انفتحت رواية دموع باخوس على تاريخ المغرب المعاصرة وقضاياه مثل: ما بعد الاستقلال- هيأة الإنصاف والمصالحة - الجامعة المغربية - الحداثة و التحديث....
    5- أنظر: universalis :article :anthropologie
    6- محمد برادة: الرواية ذاكرة مفتوحة. أفاق للنشر و التوزيع. ط 1. 2008 . ص: 15
    8- يمكن العودة إلى دراسة : 1983 . Paul Ricœur : temps et récit. Seuil.
    وخاصة في الجزء الأول: الحبكة والسرد التاريخي.
    9- يصاحب الكتابة عامة، لفيف من المشاعر والأحاسيس مثل: القلق، التوتر، العزلة، الوحدة، الاكتئاب. وطقس الكتابة يشبه المخاض ومعاناته، ويرتبط هذا الطقس عند الكتاب عامة إما بفترة زمنية أو فضاء خاص أو حالة نفسية معينة.
    10- شهد المشهد الروائي العربي كتابة روايات بالاشتراك، غير أنها قليلة مقارنة بباقي الانجازات
    الفردية.
    11- أنظر: محمد أمنصور: استراتيجيه التجريب في الرواية المغربية المعاصرة. المدارس. ط 1. 2006. وكذلك: شهوة القصص ط.2007.1.ص 6.
    12- أغلب الدراسات التي أنجزها ميخائيل باختين في مجال الرواية تؤكد هذه الحقيقة.
يعمل...
X