إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوميات حمصي..... وكل حمصي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوميات حمصي..... وكل حمصي

    يوميات حمصي..... وكل حمصي

    أخرج من المنزل و أصعد في تكسي لا أعرف صاحبها ، فسائق التاكسي الذي يوصلني باستمرار هو الآن مشغول في توصيل شخص آخر، أكتب رقم الفانوس في رسالة و أرســـله وأستقبل رسائلاً تحوي أرقاماً أخرى لفوانيس أخرى ، يدي اليمنى قريبة من مفتاح باب السيارة و اليد الأخرى جاهزة لرد فعل قد أحتاجه ، و الشباك مفتوح حتى يكون تأثير أي غاز مخدر محتمل أقل مع الجهوزية لحبس النفس لأطول فترة ممكنة.

    الساعة الثانية عشر ليلاً …حمص .. ما زالت أصوات إطلاق النار تسمع ، بعضها قريب و بعضها بعيد ، أحاول استقراء الحارات التي يطلق فيها النار من قوة الصوت و جهته ، أتساءل من قتل في هذه اللحظة … هل هو مدني لا ذنب له مختبئ في بيته ، أم مسلح خرج حاملاً روحه في سبيل أفكار تعيشه ، أم عسكري شاءت الأقدار أن يكون هنا بعيداً عن أهله، مسافات تحتاج أيضاً لاستقراء بعد الأمكنة لكن هنا بلا صوت حيث صوت الحنين في روحه لا يصلح للقياس.

    أرشف رشفة من كأسي و أتابع الأخبار و أحاول أن أقرأ كيف ستكون الطرق غداً؟ وهل سيكون أحد ما من أهلي معرضاً للخطر في طريقه إلى دوامه ..هل المدرسة التي تذهب إليها ابنتاي معرضة للخطر …هل أنا معرض للخطر ..أراجع قراءة الطريق في ذاكرتي و أتذكر ابن عمي الذي خطف البارحة ..هل سينجو ..أم أنه سينجو برصاصة فقط ..أم أنه سيعود في كيس أسود مرمى عند حاوية قمامة ..بعض من خطف عاد …سيعود ..أطمئن نفسي مرتشفاً رشفة أخرى.

    هل يجب أن أكتب وصيتي قبل النوم ، وأين أضعها حتى لا يراها أحد في حال نجوت غداً وكيف سيراها إذا لم أوفق …

    أضحك في نفسي ، فلا مال لدي أورثه ولا أملاك و تعويض الوفاة لا يكاد يسد ديوني ، ما أملكه غير صالح للتوريث بالضرورة …أصابع تستحيل روحاً عندما تنزل على مفاتيح البيانو …وروح تتسرب إلى الأصابع عندما تلاقي تلك المفاتيح . أطمئن قليلاً فعندما شاهدت أصابع ابنتاي على تلك الآلة أحسست بأنهما ورثتا تلك الروح و تلك الأصابع ، أبتسم مطمئناً كشخص أنهى جميع واجباته وباستطاعته أن ينام قريراً.

    الساعة الثامنة صباحاً أودعهم دون أن يحسوا بأنه قد يحصل مكروه لأحدنا.

    أخرج من المنزل و أصعد في تكسي لا أعرف صاحبها ، فسائق التاكسي الذي يوصلني باستمرار مشغول في توصيل شخص آخر ، أكتب رقم الفانوس في رسالة و أرسله وأستقبل رسائلاً تحوي أرقاماً أخرى لفوانيس أخرى ، يدي اليمنى قريبة من مفتاح باب السيارة و اليد الأخرى جاهزة لرد فعل قد أحتاجه ، و الشباك مفتوح حتى يكون تأثير أي غاز مخدر محتمل أقل مع الجهوزية لحبس النفس لأطول فترة ممكنة.

    على الطريق أراقب المارة و الطرق و مقدار الازدحام عليها ، أتحسس سرعة السائق و خصوصاً عند بعض المفارق . و أنظر لمداخل الشوارع الفرعية و أسطح البنايات وهل هناك إمكانية خروج لأحد المسلحين منها.

    أصل إلى دوامي أتصل لأطمئن على زوجتي وأخوتي و زوجاتهم الذين ذهبوا إلى أماكن عملهم و أطمئنهم علي.

    يبدأ الحديث اليومي المعتاد كل من حارته ما الذي حصل البارحة، من مات من خطف و أخبار الجيش و المسلحين والجامعة العربية والمعارضة. وما هي الاحتمالات المستقبلية.

    ننهي الحديث و نتابع يومياتنا المعتادة. أتابع الأخبار فأرى خبر العثور على جثة مقطعة في مكان ما، أسأل صديقي الذي وضع الخبر عن اسم صاحب الجثة …يجيبني كما توقعت ..أنه ابن عمي بعد قليل أتجاوز إحساسي بالخبر ، أتصل بوالدي أسمع دموعه أعزيه و أسأله بخوف هل فعلوا شيئاً للجثة ، يجيبني أنه لم يستطع أن يسأل عن هذا، و أن الجنازة ستكون غداً من المشفى العسكري.

    أعود إلى البيت تراني ابنتي الصغيرة التي تنتظرني على الشرفة فتصفق فرحاً ، ثم تخجل من تصفيقها العفوي، تنظر هل رآها أحد من الجيران وعندما تتأكد من عدم رؤية أحد لمشاعرها تعاود التصفيق، ثم تنزل على الدرج بسرعة لتضمني و تشم رائحتي وكأني غبت لسنة، تتحرر من خوفها وقلقها علي ، تضربني بكفها الصغير قائلة : تأخرت يا كلب، أضم غضبها و أحملها إلى البيت لأضعها عند الباب فتركض ناسية خوفها و تعود لرسمها و ألوانها. بينما أختها الكبيرة منهمكة في التحضير لمذاكرتها التالية.

    الساعة الثامنة مساءاً أخرج مع أخوتي لتعزية جارنا الذي قتل قريبه ، ولم يستطع أهله إقامة العزاء في حارتهم خشية تعرضهم لإطلاق النار اليومي الذي قتل ابنهم، فأقاموه في حارتنا الأكثر أمناً. وفي العزاء تسمع أيضاً الأحاديث عن المسلحين و الجيش من خطف ومن قتل ومن و من و من …

    تكاد تدمع عيناي عندما يدخل أب الشهيد ويركض حفيده ابن الشهيد ليحتضنه، جيلان أصابت رصاصة طائشة من مسلح طائش الجيل الذي كان يصل بينهما.

    أعود الى البيت …نام الأطفال بهدوء تناسى صوت إطلاق النار الذي أصبح معتاداً …نعاود الأحاديث نفسها ، نتابع الأخبار نفسها ، بأسماء جديدة ..أسماء الشهداء تتغير ..أسماء المعترفين تتغير ….وحده الموت يبقى العنوان الرئيسي.
    الساعة الثانية عشر ليلاً ….حمص …ما زالت أصوات إطلاق النار تسمع بعضها قريب و بعضها ……………………………… الخ

    بين هذه التفاصيل الموجعة تمر الحياة فالضحك على نكتة ما أو موقف طريف لا ينقطع بين حين وآخر حتى في العزاء.
    تفاصيل الإحساس بالأنثى أصبحت مضاعفة أيضاً، تفاصيل كثيرة وجديدة بسيطة في شكلها معقدة في حالتها الداخلية و تعبيرها عن أعماقنا، أي فتاة تمر في الشارع أو في الوظيفة لها ألقها الخاص وتكاد تعرف رائحة عطرها من بعد عشرات الأمتار ، حتى تلك المرأة ذات السنين الخمسين الموظفة في دائرتنا أصبحت أنثى بعيوننا، أنثى فقط.

    حمص بالضحك و الحب تقاوم موتها بيد بعض أبناءها. وتحاول الاستيقاظ من كابوس نهر شقها نصفين.

    حمص الجريحة، حمص مدينة الفقير كما كان يصفها من سكن فيها لحنوها على الجميع، حمص وجع سوريا و جرحها الغائر.
    صرخة نسمعها هنا من ضفة الجرح الأولى و ليست الثانية بأقل منها حزناً و ألماً.

    نأمل في خارج السرب أن نخيط الجرح بمحبتنا … بصدقنا … بإيماننا بأن الغضب و الشر لحظة عابرة و بأن المحبة و حضارة ضاربة في التاريخ ….هي الأقوى

    كما ننوه إلى أن هذه الشهادة، هي شهادة من إحدى “جهتي” حمص، ونأمل من الإخوة القراء، إطلاعنا على بعض ملامح معاناة الجهة الأخرى من حمص، نظراً لأنه تعذر علينا الحصول على شهادة إنسانية عن المعاناة هناك.

    رامز حسين


    Photographs - Logos - Webs -
    Advertisements

    00963-932767014
    [email protected]

يعمل...
X