إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عروض الواقعية السحرية في مسرحيات عربية من الألفية الثالثة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عروض الواقعية السحرية في مسرحيات عربية من الألفية الثالثة

    مسرحيات عربية من الألفية الثالثة
    عروض الواقعية السحرية

    دمشق - سانا
    اللغة في مستوياتها الأكثر معاصرة تلفها الرغبة في تحدي الذات مع إعلان القطيعة النهائية في تقليد لهجة النصوص المسرحية المترجمة نحو رحابة الكتابة للخشبة وللحياة وعنها فبعد سنوات طويلة قضاها المسرح العربي عبر معظم تجاربه في استظهار مسرحيات العالم وتدريسها في أكاديمياته الناشئة تجنح تجربة مجموعة من الشباب العرب نحو تقديم مائدة جديدة للسرد المسرحي مائدة قادرة على مجابهة الواقع بأدواته ذاتها.
    قدمت هذه التجربة دار ممدوح عدوان ضمن مجلد ضم ثمانية نصوص مسرحية لكتاب من لبنان ومصر وسورية والمغرب وفلسطين بعنوان (مسرحيات عربية من الألفية الثالثة) التي كانت نتيجة ورشة عمل تمت بمبادرة من المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع مسرح رويال كورت في لندن حيث افتتحت ورشة الكتابة هذه تمارينها اللافتة على إنجاز النص المسرحي في دمشق قبل ثلاث سنوات لتنتقل بعدها إلى تونس والقاهرة تحت إشراف الكاتبين البريطانيين ديفيد غريغ وأبريل دي إنجليز إلى جانب مديرة القسم الدولي في مسرح الرويا ل كورت إليز دودسون.
    اختبر الكتاب المشاركون تقنيات جديدة في كتابة الدراما المسرحية أخذت على عاتقها النبش في المسكوت عنه ضمن التابوهات الأكثر تعقيداً بالنسبة لجيل اكتشف نصه الجديد على ورق الفيس بوك جيل وضع وجهاً لوجه أمام سطوة العائلة وبطريركيتها المزمنة لذلك أتت نصوص هؤلاء بعد تمارين طويلة لكبح الانفعالات الداخلية والخروج مجدداً بمقترح مسرحي يتيح أكبر مساحة ممكنة من البوح بعيداً عن تقعير الأدب المسرحي المترجم وبالذهاب مباشرةً إلى العامية كخيار نهائي للتعبير عن اغتراب الشباب العربي في مجتمعاتهم المنتمية بقوة لنهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
    في الدخول إلى معمل النصوص الثمانية لا يمكن إلا أن نجد ذلك الأثر النفسي لمسرحيات البريطانية سارة كاين فالكاتبة البريطانية المنتحرة عن عمر 32 عاماً تحضر بقوة في كتابات النصوص الثمانية متخذةً من التداعي والهلوسة منهجاً جريئاً وصارخاً لصياغة مفرداتها الخاصة.
    كما تحضر لقاءات شاب سوري بحبيبته في نص (انسحاب) لمحمد العطار حيث نقرأ سيرة مطولة لعلاقة تقف عند عزلة الاحتجاز في المكان والوقوع في الفخ علاقة تقف دائماً على حواف حالة من الحب واللا حب تضع كلا من الشاب وحبيبته أمام مرايا المكاشفة المريرة لعجز غريب عن التعبير والفعالية الجسدية بين شريكين لغرفة تصغر كلما اتسع العالم بين العاشقين.
    يبرز أيضاً نص موضوع العلاقات بين الشباب والشابات بقوة في نص (منتجات مصرية) لليلى سليمان إذ تستمر المواجهة بين شاب وصبية يسكنان على أطراف القاهرة وبلغة عابقة بالسخرية والمرارة تنحو (سليمان) إلى حمولة مسرحية مختلفة في توليد الفعل وحياكة تضاعيفه متخذةً من حياة شاب وشابة مولعين بالتحليل النفسي والطب الشعبي انعكاساً لتمظهرات السلطة وغيبيتها في آنٍ معاً.
    لا تغيب الحرب أيضاً عن المحترف المسرحي الجديد ففي نص (عطب) للمغربي كمال خلادي نقع أمام مواجهة جديدة من نوعها بين شاعرية كئيبة وكوميديا هزلية لاذعة تتكئ في بنائها الدرامي على قصة رجل وامرأة حديثي الزواج حيث يترك الزوج شريكة حياته ليلتحق بقوات حفظ النظام مع فرقة للجيش المغاربي لقاء وعد براتب جيد لتأخذ الأحداث طريقها إلى خذلان عجيب وخراب يقود في النهاية ضياع الأمل واندثاره.
    هذا ما سيتقاطع مباشرةً مع نص (أرق الجميلة النائمة) للبناني عبد الرحيم العوجي ولكن بطريقة أشد إيلاماً وسريالية لحياة رجلين يختبئان من القصف الإسرائيلي عام 2006 على مدينتهما في مسرح يقع في ما كان يسمى بخط التماس حيث ستعيد الحرب كلا الشخصين الذين عاشا الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينيات إلى بقعة أرض تضعهما أمام أسئلة وجودية وسط مجابهة نفسية معقدة بعيداً عن انتماءاتهما المذهبية الضيقة ووجهاً لوجه مع موت أكيد تحت ركام المسرح المهدم وجثث القتلى لتظهر هنا جثة امرأة تعود إلى الحياة بفعل صحوات موتها لتدير لعبة الأقنعة هذه ولتنتهي المسرحية بقذيفة إسرائيلية تعيد جثة كل منهما إلى حيزه المناطقي الأول.
    وتبدو اللعبة أكثر اندفاعاً في النصوص المسرحية الجديدة إذ إنها متحررة من بلاغات الفصاحة المجانية وخضوع الشكل لقواعد الكتابة القديمة فالعاميات هنا قادرة على استشراف المدينة العربية المعاصرة وملامسة الشيفرة الثقافية والاجتماعية المعقدة لسكانها معتبرةً الجمهور كائناً جغرافياً وتاريخياً تجب مخاطبته ضمن زمانه ومكانه ووجوده الفيزيائي والمعرفي والوجداني فتفاعله مع اللعبة المسرحية يكمن أولاً وأخيراً في براعة النص وقدرته على تحقيق الراهنية والطزاجة.
    في نص (المرود والمكحلة) للسوري عدنان عودة مثلاً تظهر اللهجات نجاعتها في توصيف الفسيفساء السورية المركبة من عرب وأرمن وآشوريين وأكراد في صيغة تنتهج مونتاجاً مذهلاً لقصة حب تبدأ من جبال آرارات لتنتهي عند بيت في حي المهاجرين على سفح جبل قاسيون بدمشق لتتحول (السالفة) التي جرت في الرقة إلى منهج خاص في السرد وتفنيد الصراع المسرحي على الخشبة.
    في الاتجاه ذاته تذهب اللبنانية أرزة خضر لنسج أحداث مسرحيتها (البيت) في قلب بيروت المعاصرة عبر قصة شقيقتين تقرران بيع منزلهما في العاصمة بعد وفاة الأم ليبدأ صراع الأختين من خلال تمسك الأولى بماضيها فيما تصر الأخت الثانية على البيع لنلامس هنا تفاصيل تلك الأزمة الداخلية لفتاتين تعيشان تحت ضغط الذاكرة الجمعية لمدينة شهدت أحداث الحرب الأهلية ورغبة كل منهما في صيانة هويتها الجديدة بعيداً عن عبادة الذكريات وثقلها العاطفي القاسي.
    أما مسرحية 603 للفلسطيني عماد فرجين فتروي حكاية أربعة سجناء فلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية تتوضح لنا قصة كل شاب على حدة فالأول يتخذ من بعوضة صديقة له والثاني يسلك درباً طويلة من استحضار روح حبيبته الغائبة أما الثالث فيجرفه نهر الجنون ليفقد صوابه طلباً للحرية والانعتاق فيما يفلسف الرابع أسلوباً جديداً في رسم أبواب ونوافذ على جدران السجن لتنتهي المسرحية بذروة درامية متناهية في الكراهية والفكاهة الممزوجة بعتب داخلي خافت.
    المغربي جواد السنني يخوض مباراة مؤثرة مع نفسه في رسم شخصيته حسن الكليشي اللافتة التي حمل نصه اسمها منطلقاً من تضمينات المفارقات العجيبة في الحياة المغاربية المعاصرة فمن الاستغلال الجنسي إلى التطرف الديني والهروب في قوارب الموت إلى إسبانيا وصولاً إلى سجن غوانتانامو يطل السنني إطلالات خاطفة على حياة إنسان عربي بسيط تتقاذفه طموحاته على غير هدى لتصل به إلى حافة الجنون والنمطية القاتلة.
    يتضح من هذه الأعمال الجديدة اتجاهات جديدة للمزاج المسرحي العربي فمن نصوص المكتبة تخرج الكتابة الجديدة على صفيح ساخن إلى واقعية سحرية تمزج التاريخ بالتراجيديا والكوميديا بالموت متخليةً عن إرثها المسرحي المكتوب أصلاً للقراءة أكثر منه للخشبة ولذلك فإن تلك النصوص تبني علاقة مغايرة مع مشروع العرض كصيغة شبه مكتملة في إبرام شخصيات عزلاء لمواجهة جمهور مدجج بخوارق الميديا وعالمها الافتراضي.
يعمل...
X