إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

awsat ( أرخميدس ... وأنا )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • awsat ( أرخميدس ... وأنا )

    أرخميدس ..وأنا - awsat





    "وجدتها.. وجدتها..".. نظرت إلي والدتي مندهشة فرأتني أحدق في الصفحة الخامسة من الجريدة اليومية وأنا فرح..
    - خيراً إن شاء الله يا بني .
    - يا أمي وجدت فرصة العمل التي أبحث عنها، شركة بحاجة إلى مهندس في مجال دراستي وإن شاء الله سيأخذونني. سأذهب إليهم غداً صباحاً . أدع لي يا أمي..
    سنة وسبعة شهور منذ إنهاء دراستي وحصولي على لقب "مهندس" وأنا أبحث عن عمل، عن وظيفة، عن مكان أضع فيه قدمي ويقولون لي فيه "يا باش مهندس". كنت في البداية أقول الراتب يجب أن لا يقل عن خمسمائة دينار، ثم خففته إلى أربعمائة ثم إلى ثلاثمائة.. قبل يومين كنت أتحدث مع قريب لي ليكون "واسطة" وعندما سألني عن الراتب الذي سأطلبه من الشركة قلت له "ما بنختلف"، ولكنني شددت أنني لن أقبل بأقل من مائتي دينار..
    البطالة أراها أمامي.. ليست مقنّعة، بل سافرة عن وجهها.. أتسكع في الشوارع بعض الأحيان فأرى شباباً على المقاهي في الصباح يلعبون النرد أو حتى الورق.. يا فتاح يا عليم .."شَدِّة" في التاسعة صباحاً!!.. خشيت في وقت من الأوقات أن أصبح مثلهم، يجب أن أضع قدمي على أول الطريق.. الراتب لا يهم. المهم المكان والعمل.
    "يا آنسة، قرأت في صحيفة الأمس أنكم تطلبون مهندساً، ولا أدري أين أذهب وأقابل".. قالت وهي تنظر في الأوراق أمامها – أول كرادور على اليمين.
    لم يكن عدد طلاب الوظيفة كثيرون.. سبعة في العدد.. كأهل الكهف.. مزمنون في تقديم المعاملات.. صور عن الوثائق، وأقلام جاهزة لتعبئة الطلبات، وأحاديث أو بالأحرى أكاذيب يقصونها على بعضهم علها تترك أثرا وينسحب البعض... كنت واثقاً، فالعمل المطلوب هو من صميم اختصاصي، وأنا كنت من المتفوقين في جامعتي وأمي دعت لي منذ الصباح. استيقظت في الخامسة وصلت صلاة الصبح ثم ركعتين زيادة وسبحت ودعت وابتهلت إلى الله.. ولم تقصر في الجانب الغذائي فصنعت إفطاراً خفيفاً وكأس شاي مع النعناع وقالت لي وأنا خارج: "روح ربنا يجعلها من نصيبك.".. كان باب السماء مفتوحاً.. أو هكذا شعرت.. سيأخذونني.
    اللجنة تتكون من ثلاث أعضاء.. دخلت وجلاً على استحياء.. نظرت نظرة سريعة إلى المكان، وإلى المجلس الذي يجلس فيه "الكبار الثلاثة".
    ألقيت السلام ، قال لي أحدهم : "اجلس." جلست ونظرت إلى.. اللاشيء .
    - عدنان العلمي.. خريج عام 2007 بتقدير امتياز.
    - نعم.
    - علاماتك في الكشف ممتازة، وتقاريرك جيدة.
    - الحمد لله.
    - هل عملت قبل الآن في مجال دراستك ؟
    - لا.
    - هل تود العمل في شركتنا ؟
    - نعم.
    - كم الراتب الذي تطلبه ؟
    - لا يهم.
    - شد حيلك !! لا ، نعم ، لا يهم، صرت آدمي ومؤدب هلأ !!
    قال أحدهم بنبرة تهكمية مرتفعة...
    أتى صوته بعيداً من الماضي.. فاجأني بهجومه. كان من الممكن أن يكون إهانة ، ولكنه لم يكن كذلك فقد كان صوتاً أعرفه، أحسه وكأني قد عشت معه.. نعم عشت معه ولكن من يكون؟؟!!!
    رفعت عيناي ، صوبت نظري نحوه.. وقفت، فتحت صفحات الذاكرة، ليست ببعيدة تلك السنوات.. ربما لا تزيد عن الأربع.. يا ألله !! إنه هو..عرفان حمدي. عرفان مش معقول ..هنا مع الجبابرة الثلاثة !
    نهض عرفان واحتضنني بشدة. واحتضنته وكأنني أحتضن أمي وأقول لها :"باب السماء كان مفتوحاً، لقد سهلت الطريق علي بدعواك يا أمي.. ها هو عرفان.. أرخميدس في لجنة القبول.
    جلست، وضعت ساقاً فوق ساق، أرخميدس كان هناك. لا خوف ولا قلق بعد الآن.. أرخميدس (هكذا كنا ندعوه في الكلية) كان شريكي في الغرفة لمدة سنتين.. كان يسبقني بعامين، ولكن صداقتنا كانت قوية جداً.. ثم افترقنا.. فرقتنا الأيام.. ظننت أنه هاجر إلى أستراليا.. ولكن ها هو أمامي.. كم تشاجرنا معا.. كنا نعشق نفس الفتاة.. وفي النهاية اكتشفنا أنها تريد صديقا ثالثاً لنا، وأنها كانت تأتي إلينا لتراه عندنا.. اتهمته بالغباء واتهمني بالهبل.. تشاجرنا في إحدى المرات على حبة زيتون، فكان من عادتنا أن نقتسم الزيتون الأسود الذي نشتريه بالحبة، وعندما اقتسمنا الحبات كان قد أكل حبة قبل أن نبدأ القسمة ورأيته يمضغها ونفى ذلك وطالبته بإخراج النواة من فمه، ولكنه بلع النواة حتى لا أكتشف "غشه". لم تكن "مشاجراتنا" الطلابية السخيفة تستمر أكثر من دقائق تنتهي ببعض الألفاظ "الشتائمية المعتادة" ثم ينتهي كل شيء، ونبدأ بالاستعداد كيف سنلعب الطرنيب ونغش فيه بدون أن يكشفنا الآخرون، فقد كان الطرنيب جزءاً أساسياً في حياتنا الطلابية.
    - لماذا تقول عرفان.. أرخميدس ، هل نسيت إسمي أم نسيت حبة الزيتون!!!
    - باش مهندس عرفان، تلك أيام الدراسة، أما الآن فالأمور تغيرت. ولك علي عهد أن آتيك بكيلو زيتون أسود.
    كنت واثقاً أن باب السماء كان مفتوحاً، وأن دعوة أمي ستستجاب..
    سأنتظر ردا منهم بعد أسبوع ولكنني واثق أن أرخميدس لن يخذلني.

    د. معن سعيد
يعمل...
X