أمير الشعراء ( أحمد شوقي ) نبذة موجزة عن حياته
تمهيد نبذة عن حياة الشاعر
أحمد شوقي
كان الشعر العربي على موعد مع القدر
ينتظر من يأخذ بيده ، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث
فيه الحركة والحياة ، وتعيد له الدماء في الأوصال
فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل
قرونًا عديدة واهن البدن
خامل الحركة ، كليل البصر
***
وشاء الله أن يكون " البارودي "
يعيد الروح إلى الشعر العربي
ويلبسه أثوابًا قشيبة ، زاهية اللون
بديعة الشكل والصورة ، ويوصله بماضيه التليد
بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية
***
أن يكون البارودي هو وحده فارس
- وإن كان له فضل السبق والريادة -
فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها
فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال
إسماعيل صبري ، وحافظ إبراهيم ، وأحمد محرم
وأحمد نسيم ، وأحمد الكاشف ، وعبد الحليم المصري
وكان أحمد شوقي
هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع
عن رضي واختيار ، فقد ملأ الدنيا بشعره
وشغل الناس ، وأشجى القلوب .
***
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في
1870م لأب شركسي وأم من أصول يونانية
وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل
وعلى جانب من الغنى والثراء ، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها
في القصر ، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ
صالح ، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة
ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا
واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة
وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا
فبدأ الشعر يجري على لسانه .
الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)
بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ
" محمد البسيوني "
ورأى فيه مشروع شاعر كبير
وأثنى عليه في حضرة الخديوي
وأفهمه أنه جدير بالرعاية
وهو ما جعل الخديوي
يدعوه لمقابلته .
التحق بقصر الخديوي توفيق
الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا
فالتحق بجامعة " مونبلييه " لمدة عامين لدراسة القانون
ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على
إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م) ، ثم مكث أربعة أشهر
قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة
ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر .
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي
يجلس على عرش مصر ، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر
ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره
عونًا له في صراعه مع الإنجليز ، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت
منزلته عنده ، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه
ورواحه ، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع
الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر
وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)
وولّوا حسين كامل سلطنة مصر
وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد
فاختار النفي إلى برشلونة في أسبانيا
وأقام مع أسرته في دار جميلة
تطل على البحر المتوسط .
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي
في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم
لا نقمة على المحتلين فحسب ، بل رعاية ودفاعًا
عن ولي نعمته كذلك
فهاجم رياض باشا
رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا
أثنى فيه على الإنجليز
وأشاد بفضلهم على مصر
وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها :
وهم غمروك بالنعم الجسام
أضيف إلى مصــــائبنا العظام
وجرحك منه لو أحسست دام
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية
ارتباطًا وثيقًا ، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر
من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني ؛ داعيًا المسلمين
إلى الالتفات حولها ؛ لأنها الرابطة التي تربطهم
وتشد من أزرهم ، فيقول :
حتى يبين الحشر عن أهواله
فمصيبة الإســــلام من جهالة
***
ولم تكن صلة
شوقي بالترك صلة رحم
ولا ممالأة لأميره فحسب
وإنما كانت صلة في الله
فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين
ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها
ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده ، بل كان إيمان كثير
من الزعماء المصريين .
وتعد قصائده في مدح الرسول
صلى الله عليه وسلم
من أبدع شعره قوة في النظم ، وصدقًا في العاطف
وجمالاً في التصوير ، وتجديدًا في الموضوع
ومن أشهر قصائده
" نهج البردة "
التي عارض فيها البوصيري في بردته
وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك
محدث العصر الشيخ
" سليم البشري "
فينهض لشرحها وبيانها
يقول في مطلع القصيدة :
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف :
لقتل نفس ولا جـــاءوا لسفك دم
فتحت بالسيــف بعد الفتح بالقلم
مثل : الهمزية النبوية
وهي معارضة أيضًا للبوصيري
وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها :
لعل على الجمــال له عتابًا
***
وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا
ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية
والاجتماعية ، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه
بمآسي الاستعمار ومكائده .
بأسلوب سهل جذاب
وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية
نُشرت أول واحدة منها في جريدة
" الأهرام "
سنة (1310هـ = 1892م )
وكانت بعنوان
" الهندي والدجاج
وفيها يرمز بالهندي لقوات
الاحتلال وبالدجاج لمصر
***
النفي إلى أسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي
في أسبانيا تعلم لغتها
وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ
خاصة تاريخ الأندلس
وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية
وزار آثار المسلمين وحضارتهم في اشبيلية وقرطبة وغرناطة .
" دول العرب وعظماء الإسلام "
وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة
تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة
على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي
وقد نُشرت بعد وفاته
***
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن
وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه
ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه
وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة
وجمالاً في التصوير ، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان
" الرحلة إلى الأندلس "
وهي معارضة لقصيدة البحتري
التي يصف فيها إيوان كسرى ، ومطلعها :
وترفعت عـــن جدا كل جبس
تحدّث فيها عن مصر ومعالمها
وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها
كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة
وزوال دول المسلمين بها
ومن أبيات القصيدة
التي تعبر عن ذروة
حنينه إلى مصر قوله :
حلال للطير مـــن كل جنس
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شخصه ساعة ولم يخل حسي
***
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339 هـ = 1920م )
و استقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته ، وكان على
رأس مستقبليه الشاعر الكبير " حافظ إبراهيم " ، وجاءت عودته
بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919 م
وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء ، فمال شوقي إلى جانب
الشعب ، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم
في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم
ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها
مشاعر الوطن وما يجيش في
صدور أبنائه من آمال
لقد انقطعت علاقته بالقصر
واسترد الطائر المغرد حريته ، وخرج من القفص الذهبي
وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين ، فحين يرى
زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم ، والمحتل
الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن
يصيح فيهم قائلاً :
إلام الخلف بينـــــــــــكم إلاما ؟
وهذي الضجة الكبرى علاما ؟
وتبدون العــــــــــداوة والخصاما ؟
على حال ولا الســــــــودان داما
***
ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر
فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول
ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون
وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة
ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر
حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح
فنظم قصيدة رائعة مطلعها :
أحاديث القـــرون الغابرينا
ومن دولاتهم مــــــــا تعلمينا
بأجنحته ليعبر عن آمال العرب
وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر
فنظم في " نكبة دمشق " وفي " نكبة بيروت " وفي ذكرى
استقلال سوريا وذكرى شهدائها ، ومن أبدع شعره قصيدته في "
نكبة دمشق " التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق
ضد الاحتلال الفرنسي
ومنها :
بني سوريّة اطــرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحــــــــلام ألقوا
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
يد سلفت وديــــــــــــن مستحقُّ
بكل يد مضــرجة يُدَقُّ
أصبح شوقي بعد عودته
شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها
لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره
وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية
وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة ( 1346هـ = 1927م )
في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ
وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات " . وقد حضر الحفل وفود من
أدباء العالم العربي
وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم
مبايعته بإمارة الشعر قائلاً :
بشعر أمير الدولتـــــــين ورجِّعي
براعة شوقي فـــــي ابتداء ومقطع
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وفاته
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه
من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر وفاضت روحه الكريمة:
في ( 13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م )
ـــــــــــــــــــــــــ
رحمة الله تعالى على
أمير الشعراء
الخالد أحمد شوقي