إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شذى الخطيب بقصة قصيرة ( صورة أمي )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شذى الخطيب بقصة قصيرة ( صورة أمي )



    قصة قصيرة : صورة أمي

    شذى الخطيب

    ختمت صلاة الجنازة ، و رفع نعشها على الأكتاف ، و الناس صامتون ، يهلهلون و يدعون و يسبحون، حتى وصل النعش إلى القبر ، فأخرجت جثمانها ، و حملتها بين يدي ، و أنزلتها إلى القبر ، فوضعت رأسها و جسدها بهدوء و خرجت ، من ثم واريت جسدها التراب .

    رجع الجميع إلى بيوتهم ، إلا أنا وقفت صامتا باكيا على قبرها، شعرت بأنني أصبحت وحيدا، في هذه الدنيا الفانية غابت الشمس و جاء الليل ، و أنا مازالت جالسا أمام قبرها ، حتى أتى أبي فسحبني سحبا ، فلو لم يفعل لكنت مت و أنا جالس انظر لها . عدت معه و لم انبس ببنت شفة ، و اخذ يحدثني بان الحياة فانية ، و إننا كلنا لها ،فنظرت إليه صامتا اكلم نفسي بان ليس كل حال الناس كحالي أنا .

    عدت بذاكرتي إلى الوراء ثلاثة و ثلاثين عاما حينما توفيت أمي يوم ولدتني ، فكبرت بين أحضان جدتي ، التي أصبحت كل عالمي ، و الآن افتقدها بعدما دفنتها ، و كأنني دفنت نفسي ، أكملت العام و كنت أظنها أمي ، و عندما أكملت العامين عرفت أنها جدتي . كنت أرى الأطفال حولي ينطقون بكلمة أمي فنطقت مثلهم ، فناديت جدتي يا أمي ، و لكنها نفت و قالت لي ، أنا جدتك يا حبيبي ، و ذهبت بعيدا و ثم عادت ، و معها صورة لامرأة جميلة لم أرها من قبل ، فقربتها مني و أشارت إليها قائلة : هذه صورة أمك يا صغيري .

    تعجبت أن تكون أمي داخل صورة ، فكل أمهات الأطفال أمام عيني ، فأين هي أمي لما تجلس داخل صورة لماذا لا تخرج منها ، لتقبلني و تضمني إليها ، فأشم رائحتها ، و ارتوي من حنانها .

    قالت جدتي كلمة بسيطة لم استوعبها جيدا وقتها ، حتى أكملت الرابعة من عمري . أن أمي أخذها الله تعالى إليه . تعجبت من هو الله الذي اخذ أمي . لماذا لم يرجعها لي ، لماذا أخذها مني ، لماذا لم يأخذني إليها.

    أخذت صورة أمي ، و وضعتها بجانب سريري أتأملها كل يوم و احلم بها في لكل لحظة . بدأت أتأقلم إن للجميع أما إلا أنا . جدتي و أبي معي ، و أهلي كلهم حولي ، و لكن كلهم لا يعوضوني عن أمي ، عن حنان أمي ، عن حضن أمي . كنت أريد أمي.

    أصبح عمري سبع سنوات عندما دخلت المدرسة ، و رأيت أن لكل طفلا معه أمه إلا أنا . كنت اسمع قصص الأطفال مع أمهاتهم ، و كنت أقص عليهم قصة وحدتي . كانت جدتي حنونة معي . و لكن مازلت أريد أمي

    أتأمل صورتها قبل ما أنام . فأناجيها و اشتكي لها مصاعب الحياة، فأضعها بحضني قبل أن أنام ، و كأنها حية تنام معي . رحل أبي مع امرأة أخرى ، و تركني وحيدا مع جدتي .

    علمت كيف ماتت أمي ، عندما بلغت عامي العاشر توفيت بحادث سير ، و هي حامل بي أخرجوني من بطنها فنجوت أنا و ماتت هي ، فصرخت صرخة طفل خرج من رحم أمه، و كأنها صرخة طفل علم بوفاة أمه . ليتهم لم يخرجوني ليتهم أبقوني في جوفها ، و يا ليتهم كفنوني معها ، لكنت الآن بجانبها في قبرها . انس بوجودها و تأنس معي في وحدتها .كبرت و أكملت مدرستي . و دخلت كلية الفنون لأتعلم الرسم . لأتعلم كيف ارسم أمي . رسمتها بكل لوحاتي رسمتها بكل مراحل عمرها . ماتت في العشرين ، فرسمتها بهذا العمر، ففي كل سنة من تاريخ ميلادها كنت ارسم لها صورة حتى رسمت لها ، ثلاثة و خمسين صورة ، فأقمت معرضا ، كان عنوانه معرض أمي و وضعت على مدخله ، صورة كبيرة لامي نسختها من الصورة التي كانت تنام بجانبي .

    زينت المعرض بكل صور أمي ، و هي بكل مرحلة ، من مراحل حياتها المفترض أن تعيشها لو عاشت معي فرسمتها و هي تحملني ، و رسمتها و هي تطعمني ، و هي تعلمني ، و هي تلعب معي ، و هي مع أبي و هي مع جدتي، و هي جالسة ، و هي واقفة . تخيلتها في كل المواقف حتى أدمعت عيني قهرا فصرخت آه يا أمي كم أحبك

يعمل...
X