إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فيصل الخديدي ( مدونات تشكيلي ) - تأملات في الفن التشكيلي - شريفة الغامدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيصل الخديدي ( مدونات تشكيلي ) - تأملات في الفن التشكيلي - شريفة الغامدي

    تأملات في الفن التشكيلي






    في معارض الفنون التشكيليَّة ترى العديد من اللوحات المذهِلة
    والتي تقف حائرًا لروعتها متسائِلاً: كيف اهتدَى صاحبُها إلى هذه الأفكار المبْهِرة، المبسوطة على لوحة القماش؟!

    أظنه كما يقال: "إحساس بالمألوف بطريقة غير مألوفة"، رؤية مختلفة عن رؤى الآخرين، تجعلهم يبرزون ذلك الجزء المنزَوِي عن الأعيُن بطريقةٍ ملْفِتة، تسفِر بأنَّ هاهُنا موطنًا للجمال، فانظُروا إليْه.

    هل رأيتَ يومًا الشُّعور مرسومًا في لوحة؟
    إنَّهم حقًّا يفعلون، يَجعلونك تقف متأثرًا ومتفاعلاً ومتحمِّسًا أمام لوحاتهم.

    المتأمِّل في الفن التشكيلي يجِده - باختلاف مدارسه وعلى مر العصور - تعبيرًا صامتًا؛ ولكنَّه مؤثر وموثّق ربَّما أكثر من الكتابات.

    في معرض أقيم تفاعُلاً مع أحداث غزَّة المؤلمة، كانت الرُّسومات واللَّوحات تحكي حكايات وحكايات صامِتة، عن الألم والحزْن، والظلم والقهر، واليتم والعزة، والشموخ والعفة، والصمود والثبات والقوَّة، كلها تحكي بصمْتٍ ما جرى منذ الأزل وحتَّى الآن.

    كان طرحًا وافيًا للأحداث دون كثير كلام، تصويرًا للمعاناة بصمت.

    حس وشعور عال رفيع.

    نعم، هناك الكثير من الشُّعور والمعنى يقف خلف لوحة بها جدار فقط، إذا ما استطاع الفنَّان أن يضع ذلك الشُّعور والمعنى بها، فلم تعد اللوحة مجرَّد صورة ترسم؛ بل أصبحت فكرةً ومعنًى وحسًّا.

    يقول الدكتور علي الغول: "الفنُّ تعبير عميق عمَّا هو مخزون داخل القُلوب البشريَّة، من انفِعالات وأحاسيس ذات رسالة معيَّنة موجَّهة من قِبَل الفنَّان إلى الجماهير عبر العصور والأزمنة".

    أنا لا أتحدَّث هنا عن الفنون المتجاوزة للذَّوق العام، بل عن الأنامل التي أبَتْ أن تتجاوز ألوانُها ما شرع الله، فكبحت جِماحَ رغبتِها ووقفت عند ما لا يرضاه الله، رافضة الإقدام، رغْم المغريات.

    أتحدَّث عن الفنِّ الرَّاقي، الَّذي ينمُّ عن ذاتٍ راقية تُحاكي باحتِرام واقعَ مجتمعاتِنا، تنظر وتضَع أناملَها على موضع الألم في الأمَّة، وتُعايش هموم المجتمع بطريقتِها الخاصَّة.

    ألوان رفضت أن تمرَّ بالحدث مرورَ اللِّئام، بل شاركت وتفاعلتْ وشجبتْ كما شجبت الأقلام والصحُف والإذاعات والقنوات، ولكن دون كثير ضجيج، فكان صخبًا صامتًا تُطْرِق له النُّفوس وتتفاعل معه.

    يقول الفنان الخديدي: "كانت الأفكار والرُّؤى تأتي كنتاج طبيعي لمعايشة الواقع والتَّفاعُل معه، والانطلاق منه وتلْخيصه واختزال مفرداته، وإعادة صياغتها، كما أنَّها أخذت في اعتبارها تبني الخطاب التاريخي والاجتماعي والسياسي، وإدراجه ضمْن أولويَّاتها، والعمل على التَّعايُش مع المجتمع، ومعايشة قضاياه بشكْلٍ أكثر مصداقيَّة"[1].

    وهذا الفنُّ ليس شيئًا مستحدثًا غريبًا، فقد كانت وسيلة التَّعبير عند الإنسان الحجري، فرسم ونحت ونقش على الأحجار وجدْران الكهوف رسومًا ونقوشًا توضِّح تفاعُله وصراعه مع البيئة من حوله، ومحاولاته للتغلُّب عليْها وتطْويعها، فكانت الرسوم والنُّحوت طريقتَه لنقْل معاناته ووسائله وثقافته وحضارته للأجْيال.

    ثمَّ ضمَّنها إحساسًا وتصويرًا لتفاصيل الجمال ودقائقه في الأشياء من حوله، فحوَّل صور الطبيعة إلى زخارف وأشكال على الأنسجة والمفارش والجدران، بشكل حِرفيّ، وتنوَّع في استخدام الألوان وإضافة عناصر جديدة إليْه، تطوِّره وتنمِّيه.

    ثمَّ أصبح الفنّ التَّشكيلي تدريجيًّا أكثر عمقًا، فأضْحى وسيلة للتَّعبير عن الذَّات أو عن انطِباعات ورؤًى معيَّنة تَختلج في داخل الإنسان تتضمَّن أفكاره وتجاربه، واتَّخذه وسيلة لتفْريغ الشحنات الانفعاليَّة التي تعتريه، كالألم والغضب والخوف، فعبَّر به في زمن ماضٍ عن الثَّورات والحروب ورغبة الشعوب في الحرِّيَّة.

    إنَّ الفنون بأنواعها - الرسم، والتصميم، والنحت، والنقش، والزخرفة، والديكور، والعمارة، وتنسيق الحدائق، وتخطيط المدن ... - هي جزءٌ من ثقافة النَّاس ومن ممارساتِهم اليوميَّة التي يمارسها البعض بتلقائيَّة وآليَّة كالحرفيِّين، وليستْ فقط من عناصر التَّرف والتَّرفيه، بل هي ثقافة وحضارة موثقة وامتِداد لموروثات عريقة.

    كالفنِّ الإسلامي القديم، الذي برز في العمارة والزَّخرفة الهندسيَّة والخط، والذي يَحمل الهويَّة الإسلاميَّة المميزة له والطَّابع الخاص به، كالخطِّ الكوفي الذي بدأ استِعْماله سنة 18 هـ في كتابةِ المصاحف، وكذا في الكتابة على جدْران المساجد والقصور، والخط الديواني والأندلسي والثُّلُث، وغيرها من الخطوط الزخرفيَّة الجميلة.

    الفنون موهبة من الله، منهم مَن يطوعها لرضاه ومنهم مَن غوى وتجاوَز، فنحت التَّماثيل والمجسَّمات محاكيًا خلْق الله، وقد وردتِ الأحاديث الصَّحيحة بالنَّهي عنْها؛ ففي الصحيحَين عن أبي هريرةَ - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((قال الله تعالى: ومَن أظلم ممَّن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرَّة، أو ليخلقوا حبَّة، أو ليخلقوا شعيرة)).

    والمعلوم أنَّ أشدَّ النَّاس عذابًا المصورون؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ الَّذين يصنعون هذه الصُّور يعذَّبون يوم القيامة، يُقال لهم: أحْيوا ما خلقتم))؛ رواه البخاري.

    ويظل الفنُّ التَّشكيلي من الهوايات المحبَّبة الَّتي يمكن أن يوجَّه إليْها النشء، لتفجِّر طاقاتهم الإبداعيَّة وتؤهِّلهم لممارسة عدد من المهارات في حياتهم، وتنمي أفكارهم وقدراتهم الذهنيَّة، من خلال البحث في المواضيع المختلِفة، واستعمال الخامات البيئيَّة وتدْويرها للاستفادة منها، وتعلمهم المهارة والإتْقان في إنتاج الأشياء وفي أدائها، ولشغْل أوقات فراغهم بدلاً من هدْر الوقْت في التسكُّع في الشَّوارع والمقاهي، والتنقُّل بين القنوات التلفزيونيَّة.

    ولا بدَّ من التَّوجيه السَّليم لهم، وحثهم على التقيُّد بما يُبيحه الشَّرع من الفنون، والبعد عمَّا يعرِّضُهم لسخط الله؛ ففي صحيح مسلم: أنَّ رجُلاً جاء ابنَ عبَّاس - رضِي الله عنْه - فقال: إني رجل أصوِّر هذه الصور فأفْتِني فيها، فقال: ادن مني، فلمَّا دنا منه، ثمَّ قال: ادن مني، فدنا منْه حتَّى وضع يدَه على رأسه، فقال: أنبِّئُك بما سمعتُ من رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كلُّ مصوِّر في النَّار، يجعل له بكل صورة صوَّرها نفسًا تعذِّبه في جهنَّم))، وقال: إن كنتَ لا بدَّ فاعلاً، فاصنع الشَّجر وما لا نفس له.

    لذا؛ يَجب توجيهُهم نحو رسْم أو نَحت ما لا رُوحَ فيه، والبُعْد عن رسْم ذوات الأرْواح؛ طلبًا لرِضا الله - تعالى - واتِّقاءً لعذابه.

    لفتة:
    كلُّ هذا الفنّ المبهر السَّاحر المتقن هو صنع البشَر وعمل أيديهم، نتوقَّف لنتأمَّل أعمالهم ونعجب لبديع إتْقانها ودقَّة صنعتها، فهل نتوقَّف لنرى إبْداع صنع الله الَّذي أتْقَنَ وأحسَنَ كلَّ شيء خلقه؛ {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقَا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَحْمَنِ مِنْ تَفَاوت فَارجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3].

    ما ترى في خلقه تعالى من تفاوُت، ولا تباين، ولا تناقض، ولا اعوجاج، ولا خلل، ولا عيب، بل هو صنع متْقن تامّ الصَّنعة، دال على عظمة خلق الخالق.
    بَنَى لَكُمُ بِلا عَمَدٍ سَمَاءً وَزَيَّنَهَا فَمَا فِيهَا فُطُورُ
    فانظُر وتفكَّر واعتَبِر.

    ــــــــــــــــــ


    [1] كتاب مدونات تشكيلي، فيصل الخديدي.




يعمل...
X