إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الغريبة - الكولومبية ليانا ميخيا - بدرية البليطيح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغريبة - الكولومبية ليانا ميخيا - بدرية البليطيح

    الكولومبية ليانا ميخيا تجابه الموت بشعرها
    عزلة تتمدَّدُ فوقَ قبرٍ


    حازت ليانا ميخيا Liana Mejía المولودة عام 1960 عددا من الجوائز في الحقل الشعري في سنّ مبكرة من عمرها. كما أصبحت عضوا في هيئة تحرير مجلة “بروميثو” الأدبية ذائعة الصيت في بلدها كولومبيا في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي أيضا.

    ترى هذه الشاعرة أنها تكتب لأنه ينبغي عليها أن تتقاسم مع القارئ ذلك الإحساس ذاته المُلقى على الطريق بوصف هذا الاحساس هو القصيدة التي لاحظت أن بإمكانها أن تجعل الآخرين يدركون ما يمرّ سريعا عبر حياتهم، إذ أنها دائما قصيدة خطرة حيث الروح العارية للقارئ تجعل منه أكثر حساسية تجاه كل قصيدة جديدة يقرأها.

    توصف قصائد ليانا ميخيا في بعض الدرس النقدي بأنها شعر “يجابه الموت”، فقد ولدت في مدينة ميدلين وعاشت بها. وهذه المدينة خرافية على نحو تراجيدي بسبب الجريمة والعنف اللذين ملآ شوارعها وأزقتها، وهذا بالضبط ـ أي الجريمة والعنف ـ ما انتزعته من الواقع إلى شعرها. ودون أنْ تسميها، تتعيَّنْ مدينتها الأم من خلال المجاز والمزاج والتوصيف عبر لغة الظلال والخوف.

    ما يلي ترجمة لعدد من أعمال ليانا ميخيا


    الغريبة

    بدرية البليطيح *


    أربعة أمتار في أربعة.. تلك هي مساحة غرفتها المظلمة ذات الجدران الداكنة والسقف العالي، الذي ألقى بثقله وثقل السنوات على عدة ألواح خشبية بنت عليها العنكبوت بيتها، وهي على ثقة من أن يداً لن تمسه بسوء.

    يتوسط الحائط شباك خشبي صغير جمعت ألواحه بمسامير طمس معالمها الصدأ، تسللت أشعة الشمس عبر فتحاته الصغيرة بصعوبة، وحوله تسربات من المياه والطين بعد أمطار الشتاء ورياحه العاتية.

    جلست القرفصاء تحيط ركبتيها بيديها وهي تلف جسدها المرتعش ببطانية بالية، تشربت رطوبة المطر فانتشرت رائحتها النتنة في المكان لتصبح مرتعاً خصباً للبعوض والحشرات الطائرة، استجمعت قواها واقتربت من الحائط تحاول النهوض بيد وباليد الأخرى تمسك بالعصا، وقفت متحدية سياط الزمن الذي نال كل عضو من جسدها الهزيل بلسعاته المؤلمة، فرسم خطوطه بدقة متناهية على صفحة وجهها الذي تحول لطبقات من التجاعيد بعدد أيام العمر وساعاته، حركت مقبض الباب ألقت نظرة على السكة الضيقة أمام منزلها، ففر الأطفال وعلت صرخاتهم وانتشروا وهم يرددون: العجوز.. اهربوا.. ستقتلكم بالعصا!! لم تستغرب فهي غريبة في هذا المكان الذي لم تعد إليه إلا بعد رحيل جيلها وما بعده، وهؤلاء الصغار لا يعرفون إلا عجوزاً تسكن منزلاً قديماً برفقة الأشباح، ويرددون إشاعات بأن هناك أضواء ودخاناً يخرج من منزلها آخر الليل مما يجعل الجميع يهربون من لقائها، ومع ذلك تجد كل ليلة قطعاً من الخبز وبقايا طعام أمام دارها وهو قوت يومها.

    جاءت منذ فترة من المدينة لمنزلها القديم الذي يخلو من الأثاث والحياة بعد أن تخلى عنها الجميع، وأصبحت ترى نظرات الجحود والعقوق في أعين أبنائها، فكل واحد يحاول التخلص من مسؤوليتها والاستمتاع بحياته مع أسرته، لم تنتظر أن ترمى على قارعة الطريق فهربت لملاذها الوحيد رغم وحشته وخشونة الحياة بين جدرانه التي لانت أمام قسوة قلوب البشر. لم يعد لها رفيق غير عصاها التي تستند عليها وتشكو إليها وهي تأمل أن تفشي أسرارها، ابتهجت وهي تلمح صغيرة تقف أمامها وتنظر إليها بدهشة محاولة إخراج بعض الكلمات وهي تمضغ اللبان، تراقص الفرح بأعماقها حشرت يدها في جيبها تبحث عن الحلوى.. اختل توازنها فسقطت عصاها.. أين هي الحلوى؟

    هربت الصغيرة تاركة خلفها طيف ابتسامة ووجهاً بريئاً أشرق به المكان، انهارت قواها جلست على عتبة الباب وهي تردد: تلك الطفلة فيها الكثير من بشرى..! ابنة زياد.. يا لك من ابن عاق يا زياد.. لقد بعتني بأرخص الأسعار!.. بعت جسداً احتواك وغذاك وباع الدنيا في سبيل لقمة تسد بها جوعك في ليلة حالكة باردة كبرودة مشاعرك! أين أنت بعد أن أصاب هذا الجسد الهزال وجمد أطرافه الصقيع وطوى أمعاءه الجوع.. انتظرتك لتجفف دموعي فأحرقت وجنتي بدمع رسم جراحاً لن تندمل؟.. سامحك الله!.. رفعت رأسها للسماء وأطرقت إلى الأرض.. فالصمت لغة عليها الاعتياد عليها منذ الآن.. لون جديد بلا ألوان إنه خريف العمر بين أزقة الجحود.
    * كاتبة سعودية
يعمل...
X